الغرب ومفهومه للحضارة ومسارها منذ عصر الأنوار

انطلق من بناء الذات وتحرير العقل وأظهر قيمه المعاصرة

غلاف كتاب «الحضارة ومضامينها»
غلاف كتاب «الحضارة ومضامينها»
TT

الغرب ومفهومه للحضارة ومسارها منذ عصر الأنوار

غلاف كتاب «الحضارة ومضامينها»
غلاف كتاب «الحضارة ومضامينها»

بمنهجه الأركيولوجي القائم على البحث والحفر في الأرشيفات يذكر فوكو في كتابه «المراقبة والعقاب»، الذي لدينا ترجمة له بالعربية من طرف: د. علي مقلد، ومراجعة د. مطاع صفدي، عن مركز الإنماء القومي سنة 1990، قصة ذلك الجندي الفرنسي «روبيرت فرنسوا داميان» في أواسط القرن الثامن عشر الذي هاجم الملك لويس الخامس عشر بسكين فأصابه بجرح خفيف، فتم القبض عليه وحكم عليه بالإعدام سنة1757 من أجل فهم جيد لمفهوم الحضارة، بكل معانيه التاريخية والفكرية والسياسية، في ظل الحمولات الآيديولوجية التي تعتمل داخله، لا بد من وضع المفهوم في الإطارات الفكرية التي أنتجته؛ لأن ربط الأشياء والمفاهيم بسياقاتها يتيح لنا فهما جيدا لها، بدل البقاء تائهين في ظل أطروحات وفهم متعدد، خاصة في عالمنا العربي الإسلامي، الذي لم يحدد بعد فهمه للحضارة ولمعانيها، لكي يتمكن من الانخراط بشكل فعال في مسارات التقدم والانعتاق، بدل البقاء خارج السياق، واجترار خطابات غير محددة، واستهلاك المفاهيم والشعارات بطريقة مشوهة، خاصة وأن المعرفة تنعكس على السلوكيات والمواقف والقناعات، ما قد يحرمنا من مواقف صحيحة تحرك عجلتنا المعطوبة.
هذا المقال، أقدم رؤية تاريخية وتأصيلية للمفهوم، كما جرى استحضاره والاشتغال عليه، وكما تأسس وتبلور في المرحلة الحديثة، وتطور في المرحلة المعاصرة.
الحضارة وعصر الأنوار
عندما نتحدث عن الحضارة، غالبا ما نربطها بشعب معين، وننسبها إلى حقبة تاريخية وأخرى جغرافية محددتين في الزمان والمكان. فنقول الحضارة المصرية، والحضارة اليونانية، والإسلامية وهكذا. ويتبادر إلى الأذهان، أن هذا المفهوم قديم جدا قدم تلك الحضارات. لكن الحقيقة، هي أن الحضارة مجرد مفهوم حديث ارتبط بعصر الأنوار، في القرن الثامن عشر. فقبل هذا التاريخ، لم يكن أي وجود للمفهوم، لم يجر استحضاره في أي كتابات أو تحليل. لكن علينا ألا نتجاهل أن جذور المفهوم ترجع إلى القدم، إلى التحضر في مقابل التوحش، والمدنية في التعارض مع الهمجية. لقد بني المفهوم على حمولات متعالية متعجرفة، تنظر إلى الأنا كقيمة عليا، وتنظر للآخر كبربري متوحش يجب غزوه وتخليصه من بربريته. وهذا ما ظهر واضحا في الحضارتين اليونانية والرومانية، وكذلك المصرية والإسلامية. يؤكد ذلك، بروس مازليش، في كتابه «الحضارة ومضامينها». سيتبلور مفهوم الحضارة بقوة، في العصر الحديث، وبالضبط مع عصر النهضة. فمعلوم أن النهضة عملت على بناء الحضارة الأوروبية، والتي حاولت الاستفادة من الحركة الفكرية والفلسفية والإصلاحية، وبعث الآداب والفنون اليونانية والرومانية، باعتبارها آدابا عملت على الاشتغال على الإنسان، وتغيير رؤاه وتمثلاته، في ظل سطوة دينية كبيرة، وكنيسة اهترأت أفكارها وقيمها، وأصبح من الضروري تجاوزها وبناء مجتمع أكثر وضوحا.
من هنا، سوف ينطلق الإنسان الغربي في عملية مستمرة طويلة، يجري العمل من خلالها، على بناء الذات وتحرير العقل. سوف تبدأ عملية التفكير في الذات وفي الآخر. وستظهر قيم معينة كاللطف، والتهذيب، والتعليم، والفن، والأدب، والتنازل عن العنف. وهذا ما عمل ستيفان غيغر على توضيحه في كتابه «أصول اللطف»، ووضحه نوربرت إلياس بقوله: «عندما يعلم مجتمع ما أفراده جيدا، إلى درجة تكون كل المجموعات فيه قادرة على تقديم هذا التنازل، عن العنف، آنذاك، يمكن الحديث عن الحضارة، وليس فقط عن المجتمع». وهذا ما أوضحه أيضا، الفيلسوف الألماني، إيمانويل كانط، في حديثه عن التحضر، حيث يقول: «عندما تبلغ ثقافتنا درجة عالية من الفن والعلوم، فإننا نتحضر إلى درجة نكون فيها مثقلين بكل أنواع اللياقة الاجتماعية والعفة (..) وأن فكرة الفضيلة تعد جزءا من الثقافة، ولكن تطبيق هذه الفكرة التي تنتج فقط عن مطابقة الفضيلة في حب الشرف وحشمته الخارجية، يؤدي حتما إلى التحضر».
ما دامت الحضارة في ارتباط جوهري مع المجتمع، فهي لن تعرف التقدم إلا عندما تعمل مجموعة من الفلاسفة، خاصة أصحاب الفلسفة السياسية، كتوماس هوبز، واسبينوزا، ولوك، وغيرهم. عندما ينظرون إلى المجتمع، باعتباره كيانا متغيرا يجري تشكيله من طرف البشر. هنا سوف يجري الحديث بشكل أعمق، عن الرأي العام والفضاء العام، والثورة على المستوى السياسي، وبناء الدولة والمجتمع، والاقتصاد، وتحسين أساليب الراحة، وإقرار التعليم، والتصرفات الأكثر تأدبا، وثقافة الفنون، والعلوم، والتنمية التجارية، والصناعة، والحصول على السلع المادية، وبلوغ أنواع الترف. وفي تحليلات مونتسكيو لدستور أمة، وما دعاه بروح أمة ما، هو ما نستطيع تسميته بالحضارة.
والخلاصة، هي أن مفهوم الحضارة هو نتاج للروح الإصلاحية لعصر الأنوار. إن اللحظة التاريخية التي تظهر فيها الكلمة «حضارة»، تسجل مجيء انعكاسية الذات، وانبثاق وعي يظن أنه يفهم طبيعة نشاطه الخاص، وأنه يدرك كيف تتطور الحقيقة الجماعية، وكيف ينبغي لها أن تنظم. لقد نشأ المفهوم عن وعي متغير، وعن رغبة إنسانية مستنيرة في معرفة ذاتها في شكل أكثر تطورا.
ثانيا: مآلات المفهوم في المرحلة المعاصرة
سوف يتغير معنى مفهوم الحضارة بشكل بالغ، في المرحلة المعاصرة، حيث يستحضر الوجه الخفي لها بشكل بالغ الوضوح. لا يمكن أن ننكر بأن مفهوم الحضارة، ظل في ارتباط تام بآيديولوجيا استعمارية متوحشة، انطلقت في العصر الحديث شرقا وغربا، مدافعة عن الحضارة الأوروبية، تحاول غزو العالم والشعوب الأخرى، وجعل العالم كله يعيش على النمط الغربي. وهذا ما حدث في الاكتشافات الجغرافية لأميركا والهند وأفريقيا، حيث جرى فرض النموذج الغربي فرضا، بطرق متوحشة وهمجية، وبعون من رؤى فكرية، خاصة الداروينية الاجتماعية، التي اعتبرت اللامساواة من طبيعة البشر. ما جعل من مفهوم الحضارة الذي كان الغرب ينادي به، محط سؤال ونقاش كبيرين، إلى الحد الذي سوف يدفع مونتين، في مقال له بعنوان «آكلو لحوم البشر»، إلى إطلاق الوصف على الأوروبيين الذين يفترض أنهم متحضرون، حيث يوصفون بالعنف والتوحش. وسوف يدعو روسو إلى العودة إلى حياة الطبيعة، باعتبار أن الحضارة هي مصدر كل الشرور.
لقد تعزز هذا الوصف بتقدم الدراسات الأنثربولوجية، التي عادت لتطرح سؤال الإنسان، بمعانيه الصحيحة. فإذا كان الغربي طرح السؤال حول ما هو الإنسان؟ وأجاب بمعاييره، واعتبر أن الآخر لم يصل بعد إلى مرتبته، وبالتالي، تنبغي إعادة صياغته. وهذا ما أوضحه الدكتور مصطفى حجازي بشكل بالغ، في كتابه سيكولوجية الإنسان المقهور، حين أكد أن الغرب صاغ نظريات في العلوم الإنسانية، اعتبرت الإنسان المستعمر، ناقصا بالضرورة، عنيفا بالطبع، متوحشا، يحتاج إلى من يقوده وينقله من وضعه إلى وضع آخر. لكن الفكر الأنثربولوجي، وخصوصا مع كلود ليفي شتراوس، سوف يعتبر أن من الصعب التمييز بين البشر، وأن كل إنسان يمتلك خاصية معينة من الثقافة، لا يمكن الإقرار بتقدم شعب عن شعب آخر.
ويرى فرويد، أن الحضارة عبء قمعي يجلب الشقاء، ما دامت تقوم على الإكراه وإنكار الغريزة. فالفرد ينمو ليبلغ مرحلة الرشد عن طريق قمع وتسام، وما شابه ذلك من الآليات النفسية، حيث تحل الغريزة محل العقل، والتعبير العنيف عن المشاعر محل التوافق الحذر في المصالح. وقد حكمت على الإنسان بالسخط والشقاء. فهي تحمل جانبا قاتما بالضرورة. وستقطع الصلة مباشرة بالتفوق الأوروبي المزعوم على نحو بعيد المدى. وهي ناقلة للتعاسة، وهو ما سوف يصل إلى حدوده القصوى في المرحلة المعاصرة، خاصة مع الحربين العالميتين الأولى والثانية.
وبينما نتلقى الفلسفة الغربية، نكون مطالبين بالعمل على التحلي برؤية نقدية، تنظر للكأس من جوانبه المليئة والفارغة. فالوعي بالجانب الفارغ، هو ما بإمكانه أن يجعلنا نستفيد من الجوانب المليئة. فطبيعة الفكر البشري تحتمل النقص. ومن يرفض فكرة بأكملها لأنها تحمل نقصا معينا، يظل تفكيره ناقصا ويحرم من أفكار ثمينة. ومن مأساتنا أننا نرفق عملية النقد بالرفض. ولكن الغرب ينتقد ويستمر في بناء أسسه التي تشكل وجوده، والتي لا يمكنه بأي حال من الأحوال التفريط فيها.



وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
TT

وفاة الملحن المصري محمد رحيم تصدم الوسط الفني

الملحن المصري محمد رحيم (إكس)
الملحن المصري محمد رحيم (إكس)

تُوفي الملحن المصري محمد رحيم، في ساعات الصباح الأولى من اليوم (السبت)، عن عمر يناهز 45 عاماً، إثر وعكة صحية.

وكان رحيم تعرض لذبحة صدرية منذ أشهر، تحديداً في يوليو (تموز) الماضي، دخل على أثرها إلى العناية المركزة، حسبما أعلنت زوجته أنوسة كوتة مدربة الأسود.

وكان رحيم قد أعلن اعتزاله مهنة الفن والتلحين في فبراير (شباط) الماضي، وتعليق أنشطته الفنية، وبعدها تراجع عن قراره ونشر مقطعاً لفيديو عبر حسابه الرسمي على «فيسبوك»، قال فيه حينها: «أنا مش هقولكم غير إني بكيت بالدموع من كتر الإحساس اللي في الرسائل اللي بعتوهالي وهتشوفوا ده بعينكم في ندوة، خلاص يا جماعة أنا هرجع تاني علشان خاطركم إنتوا بس يا أعظم جمهور وعائلة في العالم، وربنا ميحرمناش من بعض أبداً».

ونعى تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه في السعودية، رحيم، وكتب عبر موقع «فيسبوك» اليوم (السبت): «رحم الله الملحن محمد رحيم وغفر الله له، عزائي ل اهله ومحبيه، خبر حزين».

ورحيم من مواليد ديسمبر (كانون الأول) 1979. درس في كلية التربية الموسيقية، وبدأ مسيرته بالتعاون مع الفنان حميد الشاعري، وأطلق أول أغانيه مع الفنان المصري عمرو دياب «وغلاوتك»، ثم قدم معه ألحاناً بارزة منها أغنية «حبيبي ولا على باله». كما تعاون رحيم مع العديد من الفنانين ومنهم: محمد منير، وأصالة، وإليسا، ونوال الزغبي، وأنغام، وآمال ماهر، ونانسي عجرم، وروبي، وشيرين عبد الوهاب، ومحمد حماقي، وتامر حسني، وغيرهم.

كما نعى رحيم عدد من نجوم الفن والطرب، وكتب الفنان تامر حسني عبر خاصية «ستوري» بموقع «إنستغرام»: «رحل اليوم صاحب أعظم موهبة موسيقية في التلحين في آخر 25 سنة الموسيقار محمد رحیم. نسألكم الدعاء له بالرحمة والفاتحة»، وأضاف: «صلاة الجنازة على المغفور له بإذن الله، صديقي وأخي محمد رحيم، عقب صلاة الظهر، بمسجد الشرطة بالشيخ زايد، إنا لله وإنا إليه راجعون».

منشور الفنان تامر حسني في نعي رحيم

وكتبت الفنانة أنغام عبر موقع «إكس»: «خبر صادم جداً رحيل #محمد_رحيم العزيز المحترم الزميل والأخ والفنان الكبير لا حول ولا قوة إلا بالله، نعزي أنفسنا وخالص العزاء لعائلته».

كما كتب الشاعر المصري تامر حسين معبراً عن صدمته بوفاة رحيم: «خبر مؤلم جداً جداً جداً، وصدمة كبيرة لينا كلنا، لحد دلوقتي مش قادر أستوعبها وفاة أخي وصديقي المُلحن الكبير محمد رحيم، لا حول ولا قوة إلا بالله».

كما نعته المطربة آمال ماهر وكتبت عبر موقع «إكس»: «لا حول ولا قوة إلا بالله. صديقي وأخي الغالي الملحن محمد رحيم في ذمة الله. نسألكم الدعاء».

وعبرت الفنانة اللبنانية إليسا عن صدمتها بكلمة: «?what»، تعليقاً على نبأ وفاة رحيم، في منشور عبر موقع «إكس»، من خلال إعادة تغريد نبأ رحيله من الشاعر المصري أمير طعيمة.

وشاركت الفنانة بشرى في نعي رحيم، وكتبت على «إنستغرام»: «وداعاً محمد رحيم أحد أهم ملحني مصر الموهوبين في العصر الحديث... هتوحشنا وشغلك هيوحشنا».

وكان رحيم اتجه إلى الغناء في عام 2008، وأصدر أول ألبوماته بعنوان: «كام سنة»، كما أنه شارك بالغناء والتلحين في عدد من الأعمال الدرامية منها «سيرة حب»، و«حكاية حياة».