دول الجوار المستقبلة للاجئين السوريين تعيد طردهم

المشاعر المعادية للاجئين تسللت إلى النظام السياسي اللبناني الهش

الطفلة تسنيم فايدو (8 سنوات) من مخيم للاجئين السوريين في إقليم هاتاي جنوب تركيا تحمل رسمها الذي يبين بكاء أم على ابنتها المجروحة (رويترز)
الطفلة تسنيم فايدو (8 سنوات) من مخيم للاجئين السوريين في إقليم هاتاي جنوب تركيا تحمل رسمها الذي يبين بكاء أم على ابنتها المجروحة (رويترز)
TT

دول الجوار المستقبلة للاجئين السوريين تعيد طردهم

الطفلة تسنيم فايدو (8 سنوات) من مخيم للاجئين السوريين في إقليم هاتاي جنوب تركيا تحمل رسمها الذي يبين بكاء أم على ابنتها المجروحة (رويترز)
الطفلة تسنيم فايدو (8 سنوات) من مخيم للاجئين السوريين في إقليم هاتاي جنوب تركيا تحمل رسمها الذي يبين بكاء أم على ابنتها المجروحة (رويترز)

بيروت – بعد استقبال أكثر من مليون لاجئ سوري على أراضيها، عمدت لبنان في هدوء إلى تغيير سياساتها حيالهم خلال الشهور الأخيرة، فبدأت في مطالبة اللاجئين السوريين بالعودة إلى سوريا - حيث يواجهون خطر الاضطهاد وربما الموت - أو البقاء هناك بصورة غير مشروعة، مما يعرضهم لخطر الاستغلال وسوء المعاملة.
يثير الوضع في لبنان الاهتمام، في الوقت الذي بدأت فيه تركيا والأردن في تشديد إجراءات وسياسات دخول اللاجئين إلى أراضيهما. وحذر تقرير صادر عن «هيومان رايتس ووتش» نشر الثلاثاء من أن الإجراءات اللبنانية الجديدة قد «مهدت الطريق لانفجار الأوضاع بالنسبة للاجئين السوريين».
وحتى مع تدهور الأوضاع في الداخل السوري للعام الخامس على التوالي، أعاد لبنان، قسرا، 407 لاجئين سوريين الأسبوع الماضي ممن تقطعت بهم السبل في مطار بيروت بعدما شددت تركيا من القيود المفروضة على إصدار تأشيرات الدخول مع إشعارات قليلة. ويعتبر الترحيل القسري الأخير هو الأكبر من نوعه حتى الآن. ووصفت منظمة العفو الدولية الإجراء اللبناني بأنه «خرق كبير للالتزامات الدولية اللبنانية»، والذي يستلزم منها عدم إعادة اللاجئين المعرضين للأخطار إلى مناطق الصراع المشتعلة.
يقول أحد اللاجئين السوريين (34 عاما) من مدينة الرقة رفض الإفصاح عن اسمه خشية الترحيل والإبعاد، والذين يتكسب رزقه من العمل كبواب لإحدى البنايات في بيروت: «ليس للسوريين ثمن هنا. لقد أغلقوا أبوابهم دوننا».
وعمد لبنان في عام 2015 إلى تغيير سياسة الباب المفتوح طويلة الأجل والتي سمح بموجبها للاجئين السوريين بالدخول للبلاد والاستقرار فيها من دون موانع تقريبا. وعلى أدنى تقدير، يتعين على اللاجئين حاليا سداد 200 دولار مقابل تصريح الإقامة الذي يمتد بين 6 و12 شهرا، والذي يتم الحصول عليه عبر عملية بيروقراطية طويلة ومرهقة تصاحب كل طلب إقامة مقدم.
يقول نديم حوري، نائب مدير مكتب الشرق الأوسط في منظمة «هيومان رايتس ووتش»، إن أغلب اللاجئين فقدوا حق الإقامة القانوني في البلاد خلال العام الماضي بسبب اللوائح والإجراءات الجديدة. ويضيف: «إذا لم تكن لديك وضعية قانونية، فلن تتمكن من عبور أي نقطة تفتيش أمنية بأي حال. وبالتالي لن يستطيع الكثير من الرجال مغادرة منازلهم». وتابع حوري بقوله: «ويعني ذلك إجبار الأطفال على العمل بدلا من الرجال، لأنهم لا يتم إيقافهم في غالب الأحيان من قبل السلطات. كما يعني الأمر أيضا أنه إذا تعرضت النساء لحادثة تحرش ما، فلن يمكنهن إبلاغ الشرطة، لأنها سوف تلقي القبض عليهن لعدم وجود وضعية قانونية لهن في البلاد».
والوضع في الأردن يشبه ذلك، وهو الذي يصر على أنه أبقى حدوده الوطنية مفتوحة للاجئين السوريين منذ اندلاع الصراع في أول الأمر عام 2011، لكنه شدد من إجراءات الدخول على نحو متزايد.
كانت المنطقة الصحراوية النائية ما بين سوريا والأردن منفذ الدخول الوحيد بالنسبة للاجئين السوريين منذ منتصف عام 2013. وخلال الشهور الأخيرة، احتشدت مجموعة كبيرة من اللاجئين في منطقة ما بالقرب من أحد الحواجز الحدودية في انتظار السماح لهم بالدخول. وقال محمد المومني، المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية، في وقت سابق من هذا الأسبوع، إن نحو 16 ألف لاجئي سوري قد تجمعوا في هذه المنطقة. وأضاف أنه يُسمح بدخول نحو 50 إلى 100 لاجئ يوميا، والأولوية للنساء والأطفال وكبار السن والمرضى، مضيفا أن «الأمن يعتبر الأولوية الأولى لنا».
وبدأت تركيا، التي تضم أكثر من مليوني لاجئ، الأسبوع الماضي في تطبيق قيود على إصدار التأشيرات بالنسبة للسوريين الذين يدخلون البلاد في جزء من جهودها لوقف تدفقات المهاجرين إلى أوروبا عبر أراضيها. وذلك القرار، الذي بات ينطبق على السوريين الذين يصلون إلى تركيا عبر الجو أو البحر من دول ثالثة، يعتبر ارتدادا عن الاتفاقية طويلة الأجل التي سمحت بالدخول من دون تأشيرة بالنسبة للسوريين في أول الأمر. ولا ينطبق القرار المذكور على السوريين الذين يعبرون الحدود البرية فرارا من الصراع.
ويجب على السوريين في لبنان حاليا الاعتماد على وضعهم غير المستقر بوصفهم لاجئين مسجلين بالأمم المتحدة، أو العثور على مواطن لبناني لرعايتهم. وتقول منظمة «هيومان رايتس ووتش» إن العقبات التي تواجه الأمم المتحدة في لبنان دفعت بالكثير من السوريين للاتجاه إلى تجارة الرعاية الغامضة، والتي وصفها حوري بأنها «وصفة لسوء المعاملة والاستغلال». وتسللت المشاعر المعادية للاجئين إلى النظام السياسي اللبناني الهش مع استمرار الحرب الأهلية السورية. وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 2014، أي قبل شهور من دخول الإجراءات الجديدة حيز التنفيذ، صوتت الحكومة اللبنانية لصالح عدم استقبال المزيد من اللاجئين، وفي يناير (كانون الثاني) 2015، منعت الحكومة اللبنانية مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من تسجيل أي لاجئين جدد.
أحد اللاجئين السوريين في بيروت، والذي عرف نفسه باسم مستعار هو أبو علي حتى يظل بعيدا عن عيون السلطات اللبنانية، يقول إنه وصل إلى لبنان في عام 2012، وفقد حق الإقامة في العام الحالي بسبب الإجراءات الجديدة. يقول أبو علي متحدثا من أحد محلات الطعام في بيروت حيث يعمل: «لا أستطيع أن ألحق ابنتي بالمدرسة، لأننا حاليا نقيم بصورة غير قانونية في لبنان».
وتحاول بعض العائلات السورية، بسبب قلة الخيارات المتاحة في لبنان، جمع ما يمكنها من موارد لإرسال الزوج أو الابن إلى تركيا، حيث يمكنهم الانطلاق منها إلى أوروبا، طلبا لحق اللجوء السياسي.
ونفى أحد المسؤولين عن الأمن العام في لبنان، وهو المسؤول عن الهجرة ومراقبة الحدود، أن الإجراءات الجديدة تهدف إلى إجبار السوريين على العودة إلى بلادهم. وقال المسؤول اللبناني مفضلا عدم ذكر هويته اتساقا مع اللوائح: «كانت هناك ضغوط رهيبة على حدود البلاد، وكان لزاما علينا تنظيم معايير الدخول. وهي ليست موجهة لإجبار الناس على الرحيل».



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.