إيران تعزف بسلاح المذهبية على أوتار النسيج الاجتماعي في المنطقة

دول عربية دفعت الثمن بعد تمكن رجال طهران من مجتمعاتها

قائد الحرس الثوري قاسم سليماني  أحد أبرز الوجوه الإيرانية التي تعمل في العراق وسوريا (رويترز)
قائد الحرس الثوري قاسم سليماني أحد أبرز الوجوه الإيرانية التي تعمل في العراق وسوريا (رويترز)
TT

إيران تعزف بسلاح المذهبية على أوتار النسيج الاجتماعي في المنطقة

قائد الحرس الثوري قاسم سليماني  أحد أبرز الوجوه الإيرانية التي تعمل في العراق وسوريا (رويترز)
قائد الحرس الثوري قاسم سليماني أحد أبرز الوجوه الإيرانية التي تعمل في العراق وسوريا (رويترز)

إصرار إيران على مشروعها التوسعي في العالم العربي دفعها للعزف منذ أكثر من ثلاثين عاما على أوتار النسيج الاجتماعي والمذهبية لدول وشعوب المنطقة العربية.. فخيولها في المنطقة تركض في ساحات جمهوريات أرهقتها السياسات الدولية التي أثبتت فشلها، بعد أن تركت المضمار مريحا أمام رجال طهران، فالأدوات إيرانية والرجال من داخل المجتمعات، وليس أدل على ذلك من كسر السعودية سكاكين طهران وقم التي مثلها نمر النمر، الذي أربك إعدامه شرعا إيران بوصفه أحد وكلائها الساعي إلى تحقيق حلم ولاية الفقيه على أرض السعودية، وهو ما تبدد.
حاولت إيران التغلغل في النسيج السعودي، لكنها اصطدمت بالقوة الحقيقية للسعودية، فمن «حزب الله - الحجاز» الذي بقي اسما في الأرشيف التاريخي في خانة سوداء، حتى أفراد في العوامية اليوم يتساقطون بقوة الحضور المجتمعي والتماسك الوطني، مع قوة أمنية وسعي من الدولة السعودية إلى وضع كل مهددات الأمن الوطني في خانة الخيانة العظمى.
وإن كان لرجال الأمن الكلمة الأولى في تحقيق الإنجازات حتى دحر تنظيمات إرهابية، وعلى رأسها تنظيم القاعدة، من البلاد، فإن وزارة الداخلية بدورها تعترف وتشيد دوما بتعاون المواطنين والمقيمين في الإبلاغ عن بعض تلك الجرائم، ناهلين من أصول المعيشة في المجتمع السعودي المعروف بتماسكه، قوة حقيقية، يساندها المناخ العام المستقر والأمن الذي تُعرف به السعودية.
الوعي السعودي أصبح أساس بناء وديمومة للعلاقات المجتمعية رغم الاختلافات المذهبية، وتعج الأوساط بالقوة الدائمة التي تحفظ مسار الوطن، والمشاهد المتكررة بعد الحوادث الإرهابية الانتحارية تأتي عكس الصورة القاتمة التي يحاول المتطرفون نشرها لهزّ الثقة في أوساط المجتمع، وتتجلى الصورة لتؤكد، وإن اختلفت مذاهب الشيعة السعوديين شرقا وجنوبا، على أن الوطن ذو تشكيل مقدس، لا يمكن للتنظيمات الإرهابية استغلاله وإيجاد مقر لها رغم محاولتهم تعزيز الحروب المذهبية، وأثبتت أحداث عدة عمق الولاء الكبير من السعوديين لوطنهم وإن اختلفت مذاهبهم.
البحرين كانت هدفا هي الأخرى، لولا الوقفة الخليجية التي هبت لمناهضة كل المحاولات والتهديدات الإيرانية، منذ اندلاع الإرهاب بها عام 2011 على خلفية الثورات العربية. كان هدف الإيرانيين وبقيادة من الحرس الثوري الإيراني تجنيد أفراد وخلايا داخل البحرين، وتجلى في الأشهر الأخيرة كشف أمني عن تلك التنظيمات المتطرفة التي نزعت هويتها البحرينية وسمحت لعمائم طهران بالتأثير عليها ورميها في وحل الطائفية بأهداف ليست إلا فكرة ثورية.
وكذا الإمارات التي نجحت بفعل الضربات الأمنية في كشف خلية تجسسية، وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا حكما بالسجن سبع سنوات على متهم إماراتي، بتهمة التخابر مع إيران، والسعي إلى تزويدها بمعلومات تضر بالأمن الوطني ومنشآت الدولة وعلاقاتها مع الدول الصديقة.. إضافة إلى الكويت، حيث كانت «خلية العبدلي» التي كشف عنها في سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، خير شاهد على محاولات الوجود الإيراني في الخليج، وهي خلية لاحقة لخلية جرى كشفها في عام 2010 وتمت محاكمة أعضائها، وحُكم عليهم بالسجن المؤبد.
لكن ماذا عن الدول الأخرى التي أصبحت إيران صاحبة الكلمة الأولى فيها، متجاوزة الاختراق المجتمعي إلى أسس الدولة، وأصبحت لاعبا ورقما مهما في كيان الحكومات؟

العراق.. ضفة إيرانية

تاريخيا، كانت إيران كدولة ذات تنظيم، تحاول تحقيق حلم الإمبراطورية الفارسية، ولعل القرب الجغرافي من العراق؛ الدولة العربية، جعله هدفا مرحليا، تحاول معه إيران استغلال المجتمعات الشيعية للوصول إليه، ونقل أفكارها الطائفية إليهم، طاغين بذلك على قوة الدولة، ومفتتين للكيانات المجتمعية، وناشرين حالة من العواصف المذهبية سمحت لتيارات متطرفة بالوجود، وعلى رأسها «داعش».
الكاتب والباحث العراقي الدكتور عبد الرزاق البصري، قال إن إيران الاثني عشرية استطاعت أن تحقق وجودها داخل العراق منذ عام 2003 في ظل الصمت الدولي، وأضاف أن رجال طهران في العراق ليسوا مؤثرين على الصيغ القبلية في المجتمع فحسب؛ بل كان للساسة الموالين لإيران دور في خلق النار المجتمعية في العراق، حتى أصبح، في نظره، إعلان اتحاد العراق مع إيران مسألة وقت.
وعبّر الدكتور البصري في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» بحرقة عن الوضع الذي آل إليه العراق بعد أن منحت الولايات المتحدة إيران فرصة كبيرة للسيطرة على مكونات المجتمع العراقي، وتنفير سكان من مذاهب أخرى رغم نسبها الكبرى في تعداد السكان، معتبرا أن ذلك الرسوخ في تمكن الإيرانيين ساهم في زيادة العنف داخل العراق، وأنه أصبح من المستحيل أن تجعل الدولة ذات نفوذ في مجتمعات عربية أصبحت ترتدي ما يمليها عليها ساسة العراق الإيرانيون، وأنه لن تفيد في رأيه أي إصلاحات حكومية أو بوادر علاج في ظل عدم مواجهة فكرية ومجتمعية للمكونات الإيرانية التي جعلت العراق بلدا ينهشه الخراب الطائفي.

لبنان.. حزب الله يقوض الدولة ويخدم إيران

على الجانب الآخر.. على البحر المتوسط، تحل إيران منذ الثمانينات دولة محتلة، نجحت في إيجاد مكان لها، وعاصمة لوجودها في الضاحية الجنوبية من مدينة بيروت، حيث معقل تنظيم حزب الله الذراع الإيرانية بروح إيرانية، ينفث الدم داخل البلد، ويقحم الدولة اللبنانية في سياق خطير يجعلها وشعبها في قائمة التدقيق الأمني عبر المنافذ العالمية.
ورأى الباحث السياسي اللبناني، سلام وهبي، أن حزب الله، حمّل الشعب اللبناني مسؤولية ارتباطه بإيران، وساهم في مذهبية لم يعشها لبنان في تاريخه، عبر شعارات دينية إيرانية، كان تأثيرها اليوم أن تعيش لبنان دون رئيس جمهورية منذ أكثر من عام ونصف العام، بسبب هذا الحزب وممارساته في سوريا وتورطه بشكل كبير في تحجيم اقتصاد لبنان. وأصبحت اليوم أمام اللبنانيين فكرة عن كيفية المعيشة في بلد يمسك القرار فيه رجال إيران، واعتبر أنه لولا الوقفة الصادقة من الجيش اللبناني لأصبح موضوع الدفاع والأمن بيد إيران عبر حزب الله.
وامتدح سلام في اتصال هاتفي من ألمانيا، الوقفة السعودية الحازمة في وجه إيران التي خسرت نفوذها في اليمن، وتقلص تأثيرها في سوريا، معتبرا أن الوقفات العربية مع السعودية جاءت لأن هذه الدول تؤمن أن الرياض هي السد المنيع الحامي للدول العربية، معتبرا أن سوريا، كما لبنان، «لكن المجتمع اللبناني وتعددية أحزابه الوطنية، ساهما في أن يكون خطا منيعا ضد التغلغل الإيراني رغم وجود حزب الله»، وأن «الحفاظ على ما يسمى (محور المقاومة) يمثّل كذلك مسألة عقائدية شديدة الأهمية لإيران، من حيث التزامها بتصدير مبادئ ما تسمى ثورتهم الإسلامية».
لعبة إيران عبر الشرق الأوسط أصبحت أكثر تجليا، ولم يعودوا يمارسونها بالسر والكتمان، بعد أن فقدوا كثيرا من اللاعبين، وتكشفت فكرة ما تسمى «المقاومة» أو «الممانعة» ضد إسرائيل كما تروّج لذلك أجندات طهران عبر وكلائها الذين تأصلت لديهم العقلية الإيرانية، واعتماد فلسفة حكم تقوم على فكرة «ولاية الفقيه» التي ثبتت في الدستور الإيراني مادة أساسية غير قابلة للنقض والتغيير.



خامنئي: غرفة عمليات أميركية - إسرائيلية أطاحت بالأسد

المرشد الإيراني علي خامنئي خلال كلمته اليوم (موقعه الرسمي)
المرشد الإيراني علي خامنئي خلال كلمته اليوم (موقعه الرسمي)
TT

خامنئي: غرفة عمليات أميركية - إسرائيلية أطاحت بالأسد

المرشد الإيراني علي خامنئي خلال كلمته اليوم (موقعه الرسمي)
المرشد الإيراني علي خامنئي خلال كلمته اليوم (موقعه الرسمي)

قال المرشد الإيراني، علي خامنئي، اليوم (الأربعاء)، إن الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد كانت نتيجة خطة وضعتها الولايات المتحدة وإسرائيل، نافياً تراجع دور إيران في المنطقة.

وأضاف أن «إحدى الدول المجاورة لسوريا كان لها دور أيضاً». ولم يذكر تلك الدولة بالاسم لكن بدا أنه يشير إلى تركيا التي تدعم معارضين مسلحين مناهضين للأسد. ويُنظر للإطاحة بالأسد على نطاق واسع على أنها ضربة كبيرة للتحالف السياسي والعسكري المسمى «محور المقاومة» بقيادة إيران، الذي يعارض النفوذ الإسرائيلي والأميركي في الشرق الأوسط.

وقال خامنئي في كلمة نشرها موقعه الرسمي إن «ما حصل في سوريا كان مخططاً له بشكل أساسي في غرف عمليات بأميركا وإسرائيل. لدينا دليل على ذلك. كما شاركت حكومة مجاورة لسوريا في الأمر»، وأضاف أن تلك الدولة الجارة كان لها «دور واضح ومتواصل للقيام بذلك» في إشارة ضمنية إلى تركيا.

وكانت تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي التي تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي في شمال سوريا بعد عدة توغلات عبر الحدود ضد وحدات حماية الشعب الكردية السورية، داعماً رئيسياً لجماعات المعارضة المسلحة التي سعت للإطاحة بالأسد منذ اندلاع الحرب الأهلية في عام 2011.

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم الأسد خلال الحرب ونشرت «الحرس الثوري» في سوريا لإبقاء حليفها في السلطة. وبعد ساعات من سقوط الأسد، قالت إيران إنها تتوقع استمرار العلاقات مع دمشق بناء على «نهج بعيد النظر وحكيم» للبلدين، ودعت إلى تشكيل حكومة شاملة تمثل جميع فئات المجتمع السوري.

وقال خامنئي في كلمته أيضاً إن التحالف الذي تقوده إيران سيكتسب قوة في أنحاء المنطقة بأكملها، وأضاف: «كلما زاد الضغط... تصبح المقاومة أقوى. كلما زادت الجرائم التي يرتكبونها، تأتي بمزيد من التصميم. كلما قاتلت ضدها زاد توسعها»، وأردف قائلاً: «إيران قوية ومقتدرة، وستصبح أقوى».

كما نقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن خامنئي قوله إن المخابرات الإيرانية حذرت الحكومة السورية بوجود تهديدات لاستقرارها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، مضيفاً أن دمشق «تجاهلت العدو».

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، للتلفزيون الرسمي إن «الاستخبارات الإيرانية والسورية كانتا على دراية كاملة بتحركات إدلب، وتم إبلاغ الحكومة السورية بذلك»، لافتاً إلى أن طهران «كانت تتوقع حدوث هذا السيناريو» بناءً على المعلومات التي وصلت إليها.

وأشار عراقجي إلى أن الأسد أبدى «انزعاجه واستغرابه» من الجيش السوري.

ونفى مكتب علي لاريجاني، ما قاله محلل مقرب من السلطات للتلفزيون الرسمي بشأن عرض إيراني للأسد في اللحظات الأخيرة، يقضي بحض جيشه على الوقوف بوجه المعارضة السورية لمدة 48 ساعة، حتى تصل قوات إيرانية إلى سوريا.

وقال المحلل، مصطفى خوش جشم، في تصريح لـ«القناة الرسمية الثانية»، إن لاريجاني التقى بشار الأسد، الجمعة، وسأله عن أسباب عدم التقديم بطلب لإرسال قوات إيرانية إلى سوريا. وفي المقابلة التي أعادت بثها وكالة «مهر» الحكومية، صرح خوش جشم بأن الأسد قال للاريجاني: «أرسلوا قوات لكنني لا يمكنني إعادة معنويات هذا الجيش»، وأوضح المحلل أن «تصريح الأسد كان اعترافاً منه وكرره عدة مرات»، وتابع: «ماذا يعني ذلك، عندما قال بصراحة: تقرر أن يتدخل الجيش ويعمل لمدة يومين حتى تصل القوات الإيرانية ومستشاروها، وهو ما حدث جزئياً»، ولفت إلى أن «جماعات (محور المقاومة) هي التي تسببت في إيقاف زحف المسلحين في حمص لبعض الساعات»، وأضاف في السياق نفسه: «لكن عندما كانت أفضل قواتنا تعمل هناك، الجيش توقف عن العمل، وانضمت له وحدات الدفاع الشعبي السورية، ونحن بقينا وحدنا، حتى لم يقفوا يوماً واحداً لكي نبقى».