مخاوف غربية من انعكاسات الأزمة السعودية ـ الإيرانية على الملف السوري

مصادر فرنسية لـ {الشرق الأوسط} : ما زلنا ننتظر دورًا إيجابيًا من طهران

مخاوف غربية من انعكاسات الأزمة السعودية ـ الإيرانية على الملف السوري
TT

مخاوف غربية من انعكاسات الأزمة السعودية ـ الإيرانية على الملف السوري

مخاوف غربية من انعكاسات الأزمة السعودية ـ الإيرانية على الملف السوري

أفادت مصادر دبلوماسية غربية في باريس بأن استعجال توجه المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى الرياض ثم لاحقًا إلى طهران «يعكس قلق الأسرة الدولية من الانعكاسات السلبية للأزمة السعودية الإيرانية المفتوحة على الملف السوري ومستقبل مفاوضات جنيف»، المنتظرة مبدئيا بين النظام والمعارضة في 25 من الشهر الحالي. وتنظر المصادر المشار إليها بكثير من «الحذر» إزاء ما يمكن أن تفرزه المحادثات المنتظرة التي تعتقد أنها ستلتئم في الوقت المعين لكنها ستكون «مثقلة» بأجواء التصعيد المسيطرة حاليا بين الدول الإقليمية المؤثرة على الملف السوري.
وتعتبر العواصم الغربية أن التقدم الذي تحقق في الملف السوري في فيينا، في نوفمبر (تشرين الثاني) ثم «ترجمته» إلى قرار دولي صدر بالإجماع عن مجلس الأمن بتاريخ 18 ديسمبر (كانون الأول) الماضي ما كان ليحصل «لولا وجود الحد الضروري من التفاهم الإقليمي والدولي على أن الحرب في سوريا لا يمكن أن تنتهي إلا بحل سياسي لأن الحل العسكري غير ممكن». والحال أن هذا التفاهم «لم يختفِ من التداول لكن يمكن أن يجرفه تصاعد النزاع المستجد» بين قطبين إقليميين أساسيين في المنطقة.
وتشدد المصادر المشار إليها على الحاجة للجم التصعيد واحتوائه، عند الحدود التي وصل إليها في مرحلة أولى وبذل الجهود الدولية من أجل «خفض حرارته» في المرحلة اللاحقة.
وهذا التشخيص ينطلق من قناعة مفادها أن كل الأزمات المستعرة في منطقة الشرق الأوسط، من اليمن إلى مياه الخليج، وصعودًا إلى العراق وسوريا ولبنان، قابلة للتأثر بالنزاع الجديد. وتفسر هذه الرؤية المواقف الأوروبية والدعوات الأميركية والروسية التي تعكس كلها وعيًا لقدرة الأطراف الإقليمية على انتهاج سياسات «مستقلة» وبالحاجة الدولية المطلقة إليها، من أجل تسوية النزاعات القائمة أكان ذلك في العراق أو سوريا أو لبنان أو اليمن.. والخوف الكبير لدى الدول الغربية، وفق المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» هو أن يذهب التصعيد الجديد «أبعد مما وصل إليه في الوقت الحاضر» الأمر الذي «سيجعل من الصعب احتواءه لاحقًا».
وتقول المصادر الفرنسية إن باريس التي تستعد لاستقبال الرئيس الإيراني حسن روحاني في زيارته الرسمية الأولى إلى أووربا يومي 27 و28 يناير (كانون الثاني) الحالي، كانت تراهن كغيرها من العواصم الغربية على «دور إيجابي لطهران» في إيجاد الحلول للمشكلات الإقليمية بعد الاتفاق الذي تم التوصل إليه بشأن برنامجها النووي في 14 يوليو (تموز) الماضي في فيينا. لكنها تضيف مباشرة أنها «ما زالت تنتظر» أن تبرز ملامح «الثياب الجديدة» للسياسة الإيرانية لما بعد الاتفاق.
وبحسب باريس، فإن التوجهات الإيرانية «ما زالت على حالها؛ فلا إيران عدلت تناولها للحرب في سوريا ومستقبل بشار الأسد ولا تلقفت المبادرة الخاصة بالانتخابات الرئاسية في لبنان التي حازت دعم السعودية. أما في اليمن، فما زال حلفاؤها على خطهم ورفضهم الالتزام بالقرار الدولي رقم 2116».
وخلاصة المقاربة الغربية أن طهران «لم ترسل إشارات جدية حول رغبتها في لعب الدور الإيجابي المنتظر منها»، وذلك قبل الأزمة الأخيرة، وبالتالي «سيكون من الصعب» انتظار ذلك من طرفها بعد التأزم الجديد.
بيد أن الشكوك الغربية لا تتوقف عند هذا الحد، بل إنها تذهب أبعد من ذلك لأنها تعتبر أن «الإجماع» الذي تحقق في مجلس الأمن «يخفي الكثير من العقبات» وأن كل بند من بنود القرار الدولي يمكن أن يفتح الباب على مشكلات لا حد لها. فحتى الآن، لم تتوصل الدول الـ17 التي تتشكل منها مجموعة الدعم للحل السياسي في سوريا إلى تفاهم حول تصنيف التنظيمات الإرهابية وغير الإرهابية. والمهمة التي أوكلت للأردن بداية وللجنة خاصة بذلك لاحقًا لم تحقق منذ صدور القرار الدولي أي نتائج جديدة. وتضيف مصادر فرنسية رسمية أن «كل طرف فاعل له لائحته الخاصة بالتنظيمات الإرهابية» وسيكون من الصعب جدًا على اللجنة المختصة أن تحسم بينها وتوفر التوافق على لائحة موحدة. وتضيف المصادر الفرنسية أن المشكلة الثانية تتمثل في تعيين وفد المعارضة المفاوض و«الفيتو» الذي تريد موسكو ممارسته على وفد المعارضة بالتفاهم مع الرئيس الأسد.
بيد أن مشكلتين إضافيتين ستُطرحان على طاولة المفاوضات، في حال نجح المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا في إقناع الطرفين بالجلوس وجهًا إلى وجه في جنيف: الأولى تتناول موضوع وقف إطلاق النار وشروطه والثانية ملف «حكومة الاتحاد الوطني». وبالنسبة للملف الثاني، تبدو الأسئلة «الأساسية» كثيرة جدا وأولها حول «مفهوم» الحكومة الانتقالية وشكلها، وخصوصًا صلاحياتها ورفض المعارضة، وفق «وثيقة الرياض»، بقاء الأسد في السلطة مع بدء المرحلة الانتقالية ومصير الأخير. أما بخصوص وقف النار، فإن السؤال الرئيس يتناول الجهة التي ستناط بها مسؤولية ضمان العمل به والإشراف عليه. وتشير المصادر الفرنسية إلى «عملية لي الذراع» بين موسكو وطهران في موضوع الأسد، والاختلاف في الرؤيا والمصالح بين الجانبين على المدى البعيد رغم أن الطرفين يتفقان «تكتيكيًا» على دعم الرئيس السوري في المرحلة الحالية لكن خلافهما «استراتيجي» وعلى المدى البعيد.
هكذا، تبدو ملامح الصورة المعقدة للملف السوري الذي تسعى الأمم المتحدة عبر أمينها العام وممثله إلى إخراجها من دائرة احتدام الصراع في المنطقة رغم تيقن جميع الأطراف أن الأمور متشابكة ومتداخلة مع بعضها البعض، ولو كان تحقيق غرض كهذا ممكنًا لكانت الأزمة السورية وجدت طريقها إلى الحل منذ زمن بعيد.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.