ترحيل مقاتلي الزبداني والفوعة يفتح الباب أمام تكهنات المرحلة المقبلة

موسكو تضغط لإزالة عبارة «مرحلة انتقالية من دون بشار الأسد»

طفل سوري يجتاز جدارا في دوما أصابته الشظايا بعد استهداف المنطقة بغارة لطيران النظام أمس (إ.ب.أ)
طفل سوري يجتاز جدارا في دوما أصابته الشظايا بعد استهداف المنطقة بغارة لطيران النظام أمس (إ.ب.أ)
TT

ترحيل مقاتلي الزبداني والفوعة يفتح الباب أمام تكهنات المرحلة المقبلة

طفل سوري يجتاز جدارا في دوما أصابته الشظايا بعد استهداف المنطقة بغارة لطيران النظام أمس (إ.ب.أ)
طفل سوري يجتاز جدارا في دوما أصابته الشظايا بعد استهداف المنطقة بغارة لطيران النظام أمس (إ.ب.أ)

مع تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاقية الهدنة التي أفضت إلى نقل مقاتلي بلدتي الزبداني ومضايا في ريف دمشق الغربي، إلى شمال سوريا، ومقاتلي بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين في ريف إدلب إلى ضواحي دمشق، وضعت العملية في ميزان الربح والخسارة لدى النظام السوري وحلفائه من جهة، والمعارضة السورية من جهة ثانية، وفتحت الباب واسعًا أمام تكهنات ما ستكون عليه المرحلة المقبلة. وإذ ركزت المعارضة على البعد الإنساني للقضية، رأت أن إيران «أرادتها خطوة أولى على طريق سوريا المفيدة»، لكنها جزمت بأنها «لن تكون مقدمة لعمليات ترحيل جديدة».
وفي القراءة السياسية لما جرى، لا تبدو الأمور آخذة نحو ترتيبات سياسية، وفق عضو الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة سمير نشار، وفي وقت رأى فيه أن «العملية تأتي في سياق اتفاقية أبرمت برعاية تركية - إيرانية روعيت فيها الظروف الإنسانية»، أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن إيران «أرادت عبر هذه العملية إجراء تبادل سكاني وتطهير طائفي لمناطق محددة، واللعب على الوتر الشعبي، بحيث تُخرج الشيعة من الفوعا وكفريا وتنقلهم إلى مناطق ما يسمّى (سوريا المفيدة)، وتخرج السنّة من مناطق تعتبرها حجر عثرة أمام مشروعها». وقال نشار: «نحن نوجه انتقادات إلى الأمم المتحدة، فبدل عملية التبادل السكاني، كان يمكنها إجلاء الجرحى والأطفال والنساء، والعمل على فكّ الحصار عن المناطق المحاصرة». وشدد على أن «هذه العملية لن تكون مقدمة لعمليات واسعة، نظرًا لأن أبناء الطائفة الشيعية عددهم قليل، ومعلوم أن النظام وفي مراحل عدة كان يسعى بشكل من الأشكال إلى الاستسلام والمصالحات التي تؤمن مدينة دمشق عاصمةً له، وأن تكون المناطق المحيطة بدمشق غير مهددة من الثوار، لكن هذا الحلم لم يتحقق». وجزم بأن «المناطق المحيطة بدمشق مثل الغوطتين لن تكون جزءا من أي اتفاقية مماثلة في أي مرحلة من المراحل».
من جهته، اعتبر المحلل السياسي السوري سمير التقي، أن «ما حصل لا يعني أننا بتنا أمام مسلسل من الهدن»، وتوقع أن «تشهد الجبهات من منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل فصاعدًا، احتدامًا في الوضع العسكري وليس ذهابًا نحو الحلحلة». ولفت التقي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «هذه العملية أكدت بشكل قاطع أنه لم يبق أي أثر للسيادة السورية، خصوصًا عندما تفاوض إيران وحزب الله وتبرمان اتفاقات نيابة عن النظام في مسألة بهذا الحجم من الخطورة». وقال: «عندما يأتي الإيراني ويقول أنا أحمي هذه الفئة من السوريين (الشيعة)، فهذا دليل على انتهاك السيادة السورية، وللأسف الأمم المتحدة أعطت شرعية للوجود الإيراني وحزب الله من خلال رعايتها هذا الاتفاق». وأضاف: «أصبحنا في مرحلة تمهّد لسيطرة حزب الله وإيران على كل الحدود اللبنانية - السورية، مما يعني أننا بتنا أمام سيادة جديدة». واعتبر أن المسألة «ليست مرتبطة بتسويات بقدر ما يحاول الإيرانيون مبادلة مناطق تعزز أمن جنوب وغرب دمشق، في وقت لم يكن فيه لدى المعارضة خيارات أخرى بسبب صعوبة وضعها في الزبداني ومضايا». وأكد التقي أن «تعميم هذا الاتفاق على مناطق أخرى مثل الغوطة الشرقية أمر مستحيل ولن تقبل به المعارضة بأي حال»، مبديًا استغرابه كيف أن «النظام وحلفاءه يزعمون محاربة الإرهاب ويفاوضون (داعش)»، محذرًا من أنه «إذا فكرت الأمم المتحدة في صنع حلّ على هذه الطريقة، فإنها بذلك تؤسس لحروب قد تدوم عشرات السنين».
وكان 126 شخصًا من مقاتلي المعارضة السورية مُحاصرين في بلدة الزبداني السورية الواقعة قرب الحدود اللبنانية، وصلوا منتصف ليل الاثنين - الثلاثاء إلى تركيا، ضمن عملية تبادل نفذت بموجب اتفاق بين قوات النظام والفصائل بإشراف الأمم المتحدة.
وأفادت وكالة «رويترز» أن مقاتلي المعارضة وصلوا على متن طائرة خاصة أقلتهم من مطار بيروت الدولي، إلى مطار هاتاي في جنوب تركيا، وكان في استقبالهم مؤيدون يهتفون: «الله أكبر». وسيُتاح لمقاتلي المعارضة إما العودة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في سوريا عبر الحدود الشمالية، أو البقاء في تركيا لتلقي العلاج.
إلى ذلك, كشف مصدر دبلوماسي غربي رفيع المستوى، أمس، أن «موسكو تضغط بشدة على المعارضة السورية والدول الداعمة لها، لسحب عبارة: (مرحلة انتقالية من دون الرئيس السوري بشار الأسد)، من أسس التفاوض المرتقب بين النظام والمعارضة في المرحلة المقبلة». وقال المصدر الدبلوماسي الغربي لوكالة الأنباء الألمانية، إن «روسيا تسعى لتغيير موازين القوى العسكرية ميدانيا على الأرض في الداخل السوري من خلال قصف جوي مكثف تقوم به قواتها الجوية ضد قوى المعارضة، بحجة أنها قوى إسلامية، وبعد ذلك تفرض أجندتها السياسية على طاولة التفاوض في دعم النظام». وأوضح المصدر الدبلوماسي أن «موسكو تتبنى وجهة نظر النظام في عدم السماح للسوريين في الخارج بالانتخابات في حال إقرار انتخابات مبكرة، بحجة أن الناخبين في الخارج سيتبعون سياسات البلدان التي يستقرون فيها، وهي في معظمها غير مؤيدة للنظام، مما سيعطي صفة عدم النزاهة لنتائج الانتخابات. لذلك هي تطلب أن تكون الانتخابات في الداخل بإشراف دولي وبذلك تضمن نجاح الانتخابات لصالح الأسد ونظامه في ظل الظروف الأمنية القائمة، ونزوح ملايين اللاجئين المحسوبين على البيئة الحاضنة للمعارضة».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.