سرقة ونهب بعد مجزرة نيروبي

ضابط من الجيش الكيني في مدخل مركز «ويست غيت» التجاري في نيروبي أمس (نيويورك تايمز)
ضابط من الجيش الكيني في مدخل مركز «ويست غيت» التجاري في نيروبي أمس (نيويورك تايمز)
TT

سرقة ونهب بعد مجزرة نيروبي

ضابط من الجيش الكيني في مدخل مركز «ويست غيت» التجاري في نيروبي أمس (نيويورك تايمز)
ضابط من الجيش الكيني في مدخل مركز «ويست غيت» التجاري في نيروبي أمس (نيويورك تايمز)

جرى خلع الملابس من فوق تماثيل عرض الأزياء وكسر خزانات المجوهرات وسرقة أرفف من الملابس الثمينة، وهشمت العشرات من ماكينات تسجيل المدفوعات النقدية، وتم اعتقال فرد واحد على الأقل من أفراد قوات الأمن الكينية وبحوزته محفظة ملطخة بالدماء.
بدا أن عملية نهب المركز التجاري، مشهد الحصار الذي سقط ضحيته عشرات القتلى الشهر الماضي، بنفس مدى ونظام عملية عسكرية واسعة النطاق، ويتساءل العديد من الكينيين عما إذا كان ذلك ما كانت عليه بالفعل.
منذ الساعات الأولى من بعد تدافع المسلحين الإسلاميين إلى المركز يوم 21 سبتمبر (أيلول)، ليقتلوا الرجال والأطفال والنساء، حتى أسبوع لاحق، عندما سمح لأصحاب المتاجر بكنس الزجاج المهشم، لم يكن مسموحا سوى لعدد محدود جدا من الناس بدخول المركز التجاري باستثناء قوات الأمن الكينية، وتحديدا الجيش. يعتقد المزيد والمزيد من الكينيين أن هؤلاء الضباط نظفوا المركز بشكل ممنهج، وأنه لم يتم توجيه وابل طلقات النيران التي ظلت تنهال لأيام على آخر المسلحين، بل على الخزن والأقفال لفتحها. بل إن بعض كبار رجال الأعمال يتساءلون عما إذا كان الجيش الكيني قد أطال أمد الأزمة بشكل متعمد عن طريق ادعائه بأن مطلقي النيران ما زالوا داخل المبنى في الوقت الذي كانوا قد لقوا مصرعهم فيه، لمنح أنفسهم المزيد من الوقت للسرقة.
وذكر شهود عيان أن أكثر ما شاهدوا المسلحين يقومون بسرقته كان مجموعة من علب الصودا، ولم يذكر أصحاب المتاجر أي حالات لمتسوقين مذعورين يساعدون في البيع بينما هرعوا للنجاة بأنفسهم، مما قاد إلى استنتاج واسع النطاق مفاده أن قوات الأمن لا بد أنها كانت متورطة في الأمر.
اعتاد الكينيون على الفساد - دائما ما يصنف بلدهم باعتباره إحدى أكثر الدول فسادا في العالم - لكن الدليل على النهب وسط كارثة وطنية كان يفوق احتمال الكثيرين. تقول ماينا كياي، أحد أشهر المدافعين عن حقوق الإنسان في كينيا: «إنه أمر مشين. إنه جزء من ثقافة بغيضة تعني فيها السلطة كل شيء، حيث تأخذ ما تستطيع وتفعل ما تريد، ولا توجد مساءلة».
وأشار الجيش الكيني يوم الخميس إلى أنه «ملتزم بسبر أغوار الواقعة» وطلب من العامة موافاته بأي معلومات عن الضباط المحتمل أنهم قد شاركوا في عملية نهب.
لقد أعلن الرئيس أوهورو كينياتا فتح تحقيق رسمي حول رد فعل قوات الأمن، والذي تم انتقاده جملة وتفصيلا بوصفه بطيئا وغير متقن. غير أن تحقيقات المسؤولين عادة ما لا ترقى إلى مستوى عال، حسبما يشير كثير من الكينيين. في عشية أحد الأيام القريبة في إحدى النشرات الإخبارية الكينية، تجولت كاميرا عبر رف من التحقيقات السابقة – أطنان ضخمة مربوطة لم تفض إلى أي نتيجة مؤثرة.
وفي سؤال طرح على المشاهدين، رأى 77 في المائة منهم أن الجيش الكيني يتحمل المسؤولية عن نهب المركز التجاري. سأل مسؤول غربي يعمل في كينيا قائلا: «حصار لمدة أربعة أيام أم انغماس في التسوق أربعة أيام؟!».
ما زالت تساؤلات عديدة تدور بالأذهان. أعلنت حركة «الشباب»، وهي جماعة إسلامية صومالية، مسؤوليتها عن مقتل أكثر من 60 شخصا في المركز التجاري، لكن عدد المسلحين الذين تدفقوا داخل المركز وهويتهم لا يزال مجهولا.
في صباح يوم الخميس، عند مدخل مركز «ويست غيت» التجاري، قذفت الشاحنات الصغيرة التي عادة ما تستخدم في نقل السياح في رحلات السفاري مجموعة من المحققين الغربيين كانوا يرتدون سراويل من النايلون ويضعون مسدسات في جيوبهم. انبعثت من المركز التجاري رائحة اللحم النتن. وركن ضباط كينيون يرتدون سترات من مواد خطيرة وأقنعة غاز على أكوام من الأنقاض، وكانوا يجمعون الأدلة. كانت لا تزال هناك قطرات من الدماء على الأرض، وقطع من اللحم ملتصقة بالبلاط. وتم استخراج المزيد من الجثث يوم الخميس من كوم من الأنقاض.
ظلت الكهرباء منقطعة في المركز التجاري، وداخل متجر «سير هنريز»، وهو متجر لملابس الرجال بالطابق الأرضي، أجرى البائعون الجرد على ضوء الفانوس. هز فازال فيراني، أحد ملاك «سير هنريز»، رأسه في حالة عدم تصديق. وأشار إلى أنه لم تتم سرقة أرخص الملابس في واجهة المتجر، بينما سرقت عشرات من أغلى الملابس، التي كانت معلقة في الجزء الخلفي، وكان سعر القطعة منها نحو ألفي دولار. وقال: «توفر لهؤلاء الرفاق الوقت، توفر لهؤلاء الرفاق الوقت».
بعدها، صعد فيراني بصعوبة إلى أعلى لمؤازرة أصحاب المتاجر الآخرين. «أتعرضتم لإصابة أيضا؟»، هذا هو السؤال الذي وجهه لمجموعة من الرجال تغمرهم حتى أخمص قدميهم قطع الزجاج المهشم. «سؤال غبي. الجميع أصيبوا!».. هكذا رد مايكل واويرو، صاحب متجر صغير.
تم سلب أجهزة كومبيوتر محمولة وهواتف ذكية وساعات سويسرية وكاميرات وملابس داخلية وعطور وسماعات استيريو من المركز التجاري، الذي كان من المفترض أنه يخضع لحراسة مشددة من الجيش، بحسب أصحاب محلات. وفي أكشاك الدفع في سوبر ماركت «ناكومات»، خلف اللصوص مئات العملات المعدنية على السيور الناقلة التي يكسوها الرماد. وتم خطف المحافظ من أجساد الضحايا، بحسب أصحاب متاجر، مما صعب عملية تحديد هوياتهم.
* خدمة «نيويورك تايمز»



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.