العلماء يكتشفون العجائب والغرائب في الخريطة الجينية للإنسان

الجسم البشري يمكن أن يملك أكثر من «جينوم» واحد

العلماء يكتشفون العجائب والغرائب في الخريطة الجينية للإنسان
TT

العلماء يكتشفون العجائب والغرائب في الخريطة الجينية للإنسان

العلماء يكتشفون العجائب والغرائب في الخريطة الجينية للإنسان

في الصفوف الدراسية في علم الأحياء وفي العلوم ألأخرى جرى إبلاغنا مرارا وتكرارا، بأن خريطتنا الوراثية (الجينوم) تقع في قلب هويتنا وشخصيتنا. لذا فما علينا إلا قراءة التسلسل الجيني في الكرموسومات في أي خلية، للاطلاع على كل المعلومات الخاصة بجينات الإنسان. وكما تقول شركة «23 أند مي» 23andme، الشركة البارزة في مجال اختبار الجينات على موقعها على الشبكة، بأنه «كلما علمت المزيد عن حمضك النووي، عرفت نفسك أكثر».

وفرة جينية متنوعة
لكن العلماء باتوا يكتشفون إلى درجة مدهشة تقريبا بأننا نحتوي على وفرة كبيرة من الجينات. كان الباحثون يرددون منذ فترة طويلة، أن من النادر أن تكون الخلايا في شخص سليم تختلف من الناحية الجينية بشكل كبير. بيد أن العلماء شرعوا يكتشفون أنه من العادي جدا أن يمتلك الفرد كثيرا من «الجينومات». وبعض الأفراد على سبيل المثال يمتلكون مجموعات من الخلايا بتشوهات وتحولات لا تجدها في بقية أنحاء الجسم، بينما يمتلك البعض الآخر جينومات مصدرها أشخاص آخرون.
«كانت هنالك همسات حول ذلك منذ سنوات، وحتى عقود، ولكنها كانت كلها على سبيل الافتراض»، كما يقول ألكسندر أوروبان عالم الوراثة في جامعة ستانفورد في أميركا.
لكن جاءت أخيرا سلسلة من التقارير التي صدرت عن أوروبان وغيره تقول إن مثل هذه الهمسات ليست افتراضية فحسب، بل إن الاختلافات في الجينومات الموجودة في شخص ما، هي من السعة والشمول بحيث لا يمكن إنكارها. «نحن نعرف أنها موجودة هناك، ونحن في سبيلنا إلى وضع خريطة لمثل هذه القارة الجديدة»، يضيف أوريان.
وكتب الدكتور جيمس لوبسكي الخبير البارز في الجينوم البشري في كلية بايلور للطب في مجلة «ساينس» أن وجود الجينومات المتعددة في شخص بشري سيكون له أثره الكبير على ممارسة الطب، «لأنه يغير أسلوب التفكير».
ووجد العلماء روابط بين كثير من الجينومات، وأنواع نادرة من الأمراض، وشرعوا حاليا في التحقق من هذه الاختلافات الجينية، بغية تسليط الضوء على المزيد من حالات الاضطرابات الصحية الشائعة.
وهذا التغيير بالنظرة العلمية شرع يثير أيضا تساؤلات حول كيفية قيام علماء الطب الشرعي باستخدام الحمض النووي للتعرف على الأشخاص. كما وضع تحديات أمام المستشارين في علم الوراثة الذين لا يستطيعون الافتراض أن المعلومات الجينية المستخلصة من إحدى الخلايا، يمكنها أن تعلمهم كثيرا حول الحمض النووي لأجسام الأشخاص.

الخريطة الجينية الأصلية
عندما تتحد النطفة والبويضة لتكوين الحمض النووي لهؤلاء الأفراد، فإن الجينوم الذي ينتجه الاثنان يتضمن جميع المعلومات الضرورية لتشييد جسم بشري جديد. وعندما تنقسم البويضة لتشكل الجنين، فإنها تنتج نسخا جديدة من الجينوم الأصلي.
ولعقود من السنين أجرى اختصاصيو علم الوراثة بحوثا واكتشافات حول كيفية قيام الجنين باستخدام هذه التعليمات والإرشادات الموجودة في جينوم واحد لتطوير العضلات والأعصاب والأجزاء الأخرى من الجسم البشري. كذلك استخدموا عملية الكشف عن التسلسل لفهم الاختلافات الجينية التي قد تثير مخاطر الإصابة ببعض الأمراض المعينة. وبذلك يمكن لهؤلاء الاختصاصيين النظر إلى نتائج الفحوصات والاختبارات لمساعدة المرضى وعائلاتهم في التعامل مع هذه الأمراض عن طريق تغيير نظامهم الغذائي مثلا، إذا كان ينقصهم جين معين يفرز إنزيما معينا.
وكانت تكلفة الحصول على سلسلة جينوم برمته قد تدنت بشكل كبير خلال السنوات العشرين الماضية، لتصبح بضعة آلاف الدولارات فقط من أصل ثلاثة مليارات دولار تكلفة أولى المحاولات السابقة، التي تشاركت كلها لمعرفة تسلسل الجينوم البشري. وبذلك يجري التعرف على الروابط وتحديد علاقاتها بالتشوهات والأمراض التي لم تكن معروفة سابقا.
وتعتمد كل هذه الاختبارات القوية على فرضية وجود جينوم محدد واحد. واعتقد العلماء أنهم قادرون على النظر إلى الجينوم من الخلايا التي تستخلص من مسحة من بطانة الخد داخل الفم ليتمكنوا من معرفة جينومات الخلايا في الدماغ، أو الكبد، أو أي جزء آخر من الجسم.
تخالط جيني
لكن منذ أواسط بدايات الأعوام الأولى من القرن العشرين أخذ العلماء يتلقون إشارات وأدلة بأن هذا الأمر ليس صحيحا دوما. وفي عام 1953 مثلا قامت امرأة بريطانية بالتبرع بنصف لتر من الدم. وتبين لاحقا أن بعض هذا الدم كان من نوع «أو» O والآخر من نوع «إيه» A. وتوصل العلماء الذين درسوا حالتها، إلى أنها اكتسبت بعض دمها هذا من أخيها التوأم في رحم أمها، بما في ذلك بعض جينوماته الموجودة في خلايا دمه.
وبدا أن مثل هذه «الخيمرية» Chimerism (في الميثولوجيا الإغريقية، الكيمر أو الخيمر Chimera هو كائن أو وحش خرافي) التي باتت تعرف بها مثل هذه الحالات لسنوات طوال، أنها من الأشياء النادرة. لكنها قد تكون من الأمور الشائعة، وفقا إلى الدكتورة ليندا راندولف الطبيبة في مستشفى الأطفال في لوس أنجليس، التي كتبت مراجعة عن «الخيمرية» في يوليو (تموز) الماضي نشرت في مجلة «أميركان جورنال أوف ميديكال جينيتكس».
وقد ينتهي التوائم بالحصول على دم مختلط لدى تلقيهم التغذية في رحم أمهاتهم عن طريق المجموعة ذاتها من الأوعية الدموية. وفي حالات أخرى قد تندمج البويضتان المخصبتان سويا، لتستمر هاتان «الخيمريتان الجنينيان» طوال حياتهما المقبلة غير عارفتين بأصلهما.
وقد اكتشفت إحدى النساء أنها «خيمرية» وهي في عمر 52 سنة، وكانت بحاجة إلى زرع كلى بعد إخضاعها للفحوصات لإيجاد شخص مطابق لها. وأظهرت النتائج أنها ليست - من الناحية الجينية كما يبدو - والدة أطفالها البيولوجيين الثلاثة، وأنها كانت وليدة جينومين مختلفين، أحدهما كان وراء تكوين دمها وبعض من بويضاتها، بينما حملت البويضات الأخرى جينوما منفصلا!

نساء بجينات أبنائهن
وبمقدور النساء أيضا اكتساب جينومات من أطفالهن. فبعد ولادة الطفل قد يترك وراءه بعض الخلايا الجنينية في جسد والدته التي قد تنتقل إلى الأعضاء الأخرى المختلفة، حيث يجري امتصاصها في نسيجها. وبذلك فإن من المحتمل جدا، وفقا إلى الدكتور راندولف، أن تكون أي امرأة كانت قد حملت - «خيمرية».
وهكذا شرع العلماء بالبحث منهجيا عن «الخيمريين» بدلا من انتظار اكتشافهم صدفة خلال الفحوص الطبية. وهم موجودون في قسم كبير من أفراد الجمهور، ففي العام الماضي أجرى العلماء الكنديون عمليات تشريح في أدمغة 59 امرأة ميتة، ووجدوا خلايا عصبية بـ«الكرموسومات» من نوع «واي» Y الذكرية في 63% منهن. ويبدو أن الخلايا هذه تطورت من خلايا يرجع أصلها إلى أولادهن.
وأفادت أوجين دهموليا من معهد «دانا - فاربر» للسرطان في بوسطن وزملاؤها في تقرير نشر في «ذي إنترناشيونال جورنال أوف كانسر» في أغسطس (آب) الماضي أن الخلايا الذكرية يمكنها أن تخترق نسيج الثدي لدى النساء. فلدى البحث عن «كرموسومات» Y في عينات مأخوذة من نسيج الثدي، وجدوها في 56% من النساء اللواتي خضعن للفحوصات.
وقبل قرن مضى اكتشف اختصاصيو علم الوراثة أسلوبا يكتسب الأشخاص من خلاله جينومات جديدة. فقد كانوا يدرسون «الحيوانات الفسيفسائية -mosaic animals »، وهي مخلوقات نادرة برقع ملونة غريبة من الفرو. ولم ترث هذه الحيوانات هذه الجينات من آبائها وأمهاتها، بل اكتسبتها عندما كانت لا تزال أجنة على شكل تشوهات في الخلايا الجلدية التي تنقسم لإنتاج الرقع الملونة هذه. وتعرف هذه الحالة بـ«الموزائيكية» mosaicism التي كان من الصعب دراستها في البشر قبل مجيء عصر سلسلة الحمض النووي. لكن في عام 1960 وجد الباحثون نوعا من سرطان الدم (اللوكيميا) يحدث نتيجة هذا «الموزائيكية» عندما تتشوه الخلية الدموية وتتمسخ ذاتيا لدى انقسامها، ناقلة كتلة كبيرة من الكرموسوم إلى الخلية الأخرى.
ودعمت الدراسات اللاحقة فكرة أن السرطان هو نتيجة التشوهات في خلايا محددة. لكن العلماء كانوا يملكون معلومات قليلة عن مسؤولية «الموزائيكية» في الإصابة بالسرطان.
وأظهرت الاكتشافات الأخيرة بوضوح أن «الموزائيكية» هي حالة شائعة، حتى بين الخلايا السليمة. فقد قام الدكتور أربان ورفاقه على سبيل المثال بالتحقق عن التمسخ في الخلايا التي تدعى الخلايا الليفية الموجودة عادة في الأنسجة الضامة. وبحثوا بشكل خاص عن حالات عندما تكون مقاطع من الحمض النووي مكررة أو ملغاة. وتبين أن 30% من تلك الخلايا الليفية تحمل في طياتها واحدة على الأقل من هذا التمسخ. والآن شرع العلماء يعترفون بمدى شيوع «الخميرية» و«الموزائيكية» وتأثيراتهما على الصحة العامة.
ويقول الدكتور والش الطبيب الأخصائي بالجينات في مستشفى بوسطن إنه من مأمون الكلام القول إن نسبة كبيرة من هذه التمسخات هي حميدة، فقد دلت الدراسات الأخيرة على «الخيمرية» أن مثل هذه الجينومات الإضافية قد تكون مفيدة، إذ تقوم الخلايا الخيمرية من الأجنة على سبيل المثال بالبحث عن الأنسجة التالفة وترممها.
لكن العلماء اكتشفوا أيضا حالات عندما تقوم التمسخات في خلايا معينة بالمساعدة على تطور أمراض غير السرطان، فقد درس الدكتور والش حالة اضطراب عقلي لدى طفل تسمى «كبر حجم الدماغ غير الطبيعي» hemimegalencephaly، عندما ينمو أحد جانبي الدماغ أكثر من الجانب الآخر، مما يؤدي إلى أزمات مرضية مدمرة. فقد عثر الدكتور والش بعد إزالته نصف دماغ الطفل على خلايا عصبية ممسوخة من قبل أحد جيناتها التي تتحكم بنمو الخلايا العصبية. وبذلك يمكن التعرف على آلية الأمراض على حد قوله.
ومن شأن عمليات زرع النخاع الشوكي إرباك علماء التشريح. فقد قام الباحثون في الجامعة الطبية النمساوية في إنسبروغ بأخذ مسحات من لعاب 77 شخصا تلقوا مثل هذا الزرع، قبل تسع سنوات. وعثروا على نسبة 74% من العينات على مزيج من الجينوم، منها ما يعود إلى الأصل، ومنها يعود إلى أولئك المتبرعين. فالخلايا الجذعية المزروعة لم تحل محل خلايا الدم فحسب، بل تحولت إلى خلايا أيضا في بطانة الخد. وهذا يفسر أيضا أن علماء الطب الشرعي في ولاية واشنطن في أميركا تحيروا من أن عينات اللعاب والسائل المنوي المأخوذة من بعض مرتكبي الاعتداءات الجنسية لم تتطابق مع الجينات المحددة لهوياتهم.

* خدمة «نيويورك تايمز»



هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.