بعد نحو عشرين عاما من وقوفه على المسرح في مسرحياته الشهيرة عاد الفنان اللبناني زياد الرحباني إلى المسرح لتجسيد دور طبيب السلطة القمعية في مسرحية «مجنون يحكي» للمخرجة لينا خوري.
وعلى خشبة مسرح المدينة في شارع الحمرا بالعاصمة اللبنانية بيروت، تعالج خوري مسألة قمع الأنظمة وحرية الفكر بطريقة ساخرة في المسرحية الكوميدية السوداء المقتبسة عن نص بريطاني مكتوب في سبعينات القرن الماضي لتوم ستوبارد.
وتدور المسرحية، التي افتتحت ليل الخميس الماضي وتستمر حتى 17 نوفمبر (تشرين الثاني)، حول شخصية ناهدة نون التي تنشر مقالا عن قمع النظام للحريات. فتسجن وتعذب ويصر سجانوها على أنها ليست امرأة بل رجل مجنون. تودع بعد ذلك مستشفى المجانين بغرفة مشتركة مع نزيل آخر مصاب فعلا بالجنون وشديد القناعة بأنه يملك أوركسترا ويديرها.
وفي المصحة النفسية يعالجها الطبيب ليقنعها بأنها فعلا مجنونة وأنها رجل بالتأكيد وأنه بالإمكان إخلاء سبيلها في حال اعترفت بذلك.
يجسد الممثل والمخرج غبريال يمين دور المجنون بكثير من التقنية فيما بدا حضور الممثلة ندى أبو فرحات قويا بدور ناهدة، وهي التي ارتضت أن تحلق شعرها بالكامل لكي يتناسب شكلها مع شخصية المعتقلة التي تصارع لإثبات أنها أنثى بينما تسعى السلطة من خلال الطبيب النفسي لإقناعها بأنها ذكر.
ورغم متانة العرض المسرحي وقدرة الممثلين الخمسة، أندريه ناكوزي وألين سلوم وإيلي كمال بالإضافة إلى غبريال وندى، على أداء شخصياتهم، فإن معظم من قصد مسرح المدينة ليلة الخميس كان يعد نفسه لمشاهدة الرحباني ممثلا على المسرح، وهو الذي طبعت مسرحياته في أذهان اللبنانيين إبان الحرب الأهلية، وخصوصا مسرحية «فيلم أميركي طويل» الشبيهة بعرض «مجنون يحكي».
في صالة المسرح ضحك الحضور مع كل حركة أو كلمة أو حتى همسة ينطقها الرحباني، وخصوصا عندما حاول إقناع المعتقلة ناهدة بأنها مجنونة بالفعل وأنها ذكر وليست أنثى قبل وصول هيئة التفتيش العليا إلى المستشفى.
وتطغى الحالة الإنسانية وهي تصف للمعالج النفسي معاناتها في المعتقل، في حين يقول لها الطبيب وهو يقرأ تقريرا أمامه كتب فيه أن المعتقلة رجل وتحاول إقناعه بأنها امرأة.
زياد الرحباني فنان لبناني اشتهر بموسيقاه الحديثة ومسرحياته السياسية الناقدة التي تبالغ في الواقع اللبناني الحزين بفكاهة عالية الدقة. وتميز أسلوبه بالسخرية والعمق في معالجة الموضوع، وهو صاحب مدرسة في الموسيقى العربية والمسرح العربي.
وتدور أحداث المسرحية على إيقاع فرقة موسيقية حية مؤلفة من 16 عازفا تعزف أنغاما للفنان اللبناني أسامة الخطيب، وهي أقرب إلى الموسيقى التصويرية، حتى إن أعضاء الفرقة بدوا كأنهم مجانين يعزفون إيقاعات مفاجئة ويرتدون ثيابا موحدة حمراء وسوداء بعضهم كممت أفواههم بإشارات سوداء وبعضهم عصبت أعينهم وبعضهم الآخر طليت أنوفهم بعلامات سوداء.
وفي سياق النص الكوميدي الموسيقي يصرخ أحد الموسيقيين عاليا: «أنا أفكر إذن أنا موجود في السجن» لتعقبه صرخات بقية الموسيقيين.
وتقول المخرجة خوري لوكالة الأنباء رويترز إن الموسيقى ما هي إلا جزء أساسي من المسرحية، وهي «صورة عن المجتمع المنتظم بقوانين ومعايير معينة ويقوده شخص واحد هو الطبيب الذي يرمز إلى السلطة».
السخرية من القمع تعيد زياد الرحباني إلى المسرح
https://aawsat.com/home/article/5240
السخرية من القمع تعيد زياد الرحباني إلى المسرح
على خشبة مسرح المدينة في بيروت
السخرية من القمع تعيد زياد الرحباني إلى المسرح
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة

