مع مطلع 2026... المصريون يترقبون وعوداً بـ«جني الثمار» بعد عام قاسٍ

الحكومة تعهدت بـ«تحسين مستوى المعيشة» وسط تساؤلات عن امتلاك الموارد الكافية لتحقيقها

مصريون في سوق العتبة الشعبي بوسط القاهرة (تصوير الشرق الأوسط)
مصريون في سوق العتبة الشعبي بوسط القاهرة (تصوير الشرق الأوسط)
TT

مع مطلع 2026... المصريون يترقبون وعوداً بـ«جني الثمار» بعد عام قاسٍ

مصريون في سوق العتبة الشعبي بوسط القاهرة (تصوير الشرق الأوسط)
مصريون في سوق العتبة الشعبي بوسط القاهرة (تصوير الشرق الأوسط)

ما إن قرأت مروة عابد، أمينة إحدى المكتبات العامة التابعة لوزارة الثقافة بمحافظة المنوفية (دلتا مصر)، أن بلادها تسلَّمت مبلغ 3.5 مليار دولار، ضمن صفقة تطوير منطقة «سملا وعلم الروم» بالساحل الشمال الغربي، الثلاثاء، حتى تهلل وجهها، وانطلق لسانها: «الحكومة صدقت.. أول الغيث قطرة.. والخير مقبل في السنة الجديدة».

لكن زميلها، محمد كمال، سخر من قولها، قائلاً بينما يُرتب الكتب على الأرفف: «طالما صندوق النقد الدولي موجود بيننا.. فهي سنة قاسية جديدة»، فردت عليه مروة عابد بانفعال: «كفى تشاؤماً.. رئيس الوزراء قال إن 2026 هو عام جني ثمار الإصلاحات الاقتصادية». ليجيبها كمال مُنهياً الحوار: «أفلحت الحكومة إن صدقت.. والأيام بيننا».

ترقب تحقق «وعود حكومية»

يعبُر المصريون إلى عام 2026 بعيون مترقبة، تنتظر تحقق «وعود حكومية» على أرض الواقع، تتعلق بتحسن مستوى المعيشة، وأملاً في بصيص ضوء ينهي ثِقل عام 2025، الذي شهد زيادتين في أسعار بعض منتجات الوقود، ما رفع تعريفة المواصلات، وأسعار خدمات الشحن والنقل، وانعكس على الأسواق بزيادة أسعار بعض السلع.

ويلخص حديث المكتبة، المتراوح بين الشك والأمل، مشهداً بُني على رسائل متتالية متفائلة، عكستها كلمات رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، قبل أسابيع، أكد فيها أن تركيز الدولة خلال الفترة المقبلة «سيكون على كيفية بدء المواطن المصري جني ثمار الإصلاحات الاقتصادية، فيما يعود على الأجور وظروف المعيشة وتحسين أحوال الطبقة المتوسطة»، مشيراً إلى أنه خلال الأعوام الثلاثة المقبلة وبداية من 2026 «سنشهد تحسناً في مستوى جودة الحياة».

وعاد مدبولي، الأسبوع الماضي، ليؤكد أن المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي لا تتضمنان فرض أعباء جديدة على المواطن، لا سيما في قطاع الطاقة «البترول والغاز».

وتنتظر مصر أن يصرف صندوق النقد الدولي نحو 3.8 مليار دولار ضمن برنامج القرض الممتد، بعد الاتفاق على مستوى الخبراء مع القاهرة بشأن المراجعتين الخامسة والسادسة، فيما ينتهي اتفاق مصر الحالي مع الصندوق في نوفمبر (تشرين الثاني) 2026.

وفي رسالة أخرى، قبل ساعات من العام الجديد، أكدت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، رانيا المشاط، أن عام 2026 يمثل «نقطة تحول» للاقتصاد المصري، بعد الإصلاحات المالية والنقدية واستمرار الإصلاحات الهيكلية.

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يترأس آخر اجتماع للحكومة خلال 2025 الأربعاء (مجلس الوزراء المصري)

لكن هذا التفاؤل الحكومي يصطدم على أرض الواقع بتطلعات شعبية مع مطلع 2026، تأمل في أن ترمم تلك الوعود جيوب المواطن، وتداوي أحوال عام صعب.

تساؤلات مشروعة

تساءل أحمد سعيد، اختصاصي البصريات بوسط القاهرة، في تصريحه لـ«الشرق الأوسط قائلاً: «رغم أهمية الوعود الحكومية فإنها تثير تساؤلات مشروعة... ماذا يعني جني الثمار بالنسبة للمواطن العادي؟ وهل تمتلك الدولة الموارد الكافية لتحقيقها؟ وهل سيشعر بذلك جيب المواطن العادي؟».

وبينما تضع تقارير وكالة «فيتش» مصر في المرتبة الثانية بأسرع الاقتصادات نمواً في المنطقة بنسبة 5.2 في المائة خلال 2026؛ ترى الموظفة الحكومية، منى مصطفى، أن هذا النمو «يوجد في الدفاتر فقط، أما نحن فنريد نمو رواتبنا». وتساءلت في تصريحها لـ«الشرق الأوسط» بخصوص أمنياتها من العام الجديد: «هل سيثبت هذا النمو الذي تتحدث عنه الحكومة أسعار السلع؟ هذا ما أتمناه، لأن تثبيت الأسعار سيحدث فرقاً مع ميزانياتنا».

وهنا، يرى الدكتور جمال حماد، أستاذ علم الاجتماع الاقتصادي، أن المصريين دخلوا مرحلة من الترقب، نتيجة وعود متكررة بضبط الأسعار لم تتحقق على أرض الواقع، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن الاقتصاد «ليس مجرد أرقام صماء، بل هو شعور كيفي بالحياة». مضيفاً أن «القلق والريبة تجاه عام 2026 لدى البعض ينبع من غياب الأدلة الملموسة، فهم يتحدثون عن الحصاد، لكن ما هي المؤشرات؟، الاقتصاد رقم، والرقم يجب أن يتحول إلى تحسن في جودة الحياة... هذا هو المطلب الحقيقي الذي يضمن الأمان للمواطن».

في المقابل، حمل حديث دعاء محمد، موظفة العلاقات العامة، نبرة متفائلة، حين قالت: «أشعر بأن هذه السنة ستكون مختلفة، فهناك استقرار في الدولار، كما أن قرض صندوق النقد ينتهي هذا العام، لذا أصدق بشكل كبير وعود الحكومة».

تقارير وكالة «فيتش» وضعت مصر في المرتبة الثانية بأسرع الاقتصادات نمواً في المنطقة بنسبة 5.2 في المائة خلال 2026 (أ.ف.ب)

من جهته، يرى الخبير الاقتصادي والمالي، الدكتور ياسر حسين، أن هناك مؤشرات تدعم هذا التفاؤل الحكومي وتلك التوقعات، ويوضح أن عام 2026 «يمثل محطة التعافي المستدام، مدعوماً بنتائج عام 2025، حيث قفز الاحتياطي النقدي إلى 51 مليار دولار، واستقر التصنيف الائتماني عند (B+)، وقاربت الصادرات 55 مليار دولار، وبلغت التحويلات من الخارج نحو 40 مليار دولار، وعادت إيرادات قناة السويس إلى مستوياتها الطبيعية، مع التزام الدولة بسداد ديونها في مواعيدها».

يقول حسين لـ«الشرق الأوسط»: «من المتوقع أن يشهد عام 2026 مزيداً من التحسن الاقتصادي، مع إمكانية ارتفاع النمو إلى 5.5 في المائة، وانخفاض التضخم إلى 11 في المائة، وتحسن سعر الصرف، وزيادة الاحتياطي النقدي إلى أكثر من 55 مليار دولار، كما يُتوقع استمرار ارتفاع الصادرات وتحويلات العاملين بالخارج، وانتعاش البورصة بدعم من الطروحات الحكومية، وزيادة الاستثمارات الأجنبية، وارتفاع عدد السائحين إلى 20 مليون سائح، إلى جانب تراجع الدين العام الخارجي والداخلي».

الخبير حسين توقع ارتفاع عدد السائحين في مدن مصر إلى 20 مليون سائح (أ.ب)

ورغم التفاؤل الرقمي، يربط «حسين» شعور المواطن بـ«جني الثمار» بمدى تحقق مطالب حيوية تمس حياته اليومية، من خلال انخفاض أسعار السلع والخدمات، وارتفاع القوة الشرائية للجنيه، وزيادة الأجور والمعاشات، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية والتأمين الصحي، وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية.

تعود موظفة العلاقات العامة، دعاء محمد، لحديثها المتفائل، مُبينة أنها مع دخول شركتها صباح آخر أيام العام، فوجئت بتنظيم سحب على أمنيات العام الجديد، بوصفه طقساً احتفالياً ترفيهياً للموظفين، حيث حملت ورقتها عبارة: «اللي جاي أحلى».


مقالات ذات صلة

تقرير: إسرائيل تخطط لفتح معبر رفح في الاتجاهين بعد عودة نتنياهو من أميركا

شؤون إقليمية معبر رفح البري مفتوح من الجانب المصري في أغسطس الماضي (الشرق الأوسط)

تقرير: إسرائيل تخطط لفتح معبر رفح في الاتجاهين بعد عودة نتنياهو من أميركا

أفاد مسؤول أميريكي لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل» أمس أن إدارة ترمب تتوقع أن تعيد إسرائيل فتح معبر رفح في الأيام المقبلة لدخول وخروج سكان غزة.

«الشرق الأوسط» (القدس)
شمال افريقيا شاحنات تعمل في مشروعات التنمية التي تقوم بها الحكومة المصرية بسيناء (وزارة النقل)

مصر ترسخ رفضها للتهجير بمشروعات قومية عملاقة في سيناء

جاء قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتخصيص قطع أراضٍ في شمال سيناء قرب حدود إسرائيل لإقامة مشروعات لوجيستية وتنموية ليعيد إلى الواجهة إجراءات «رفض التهجير»

هشام المياني (القاهرة)
العالم العربي الراحل الأستاذ محمد الشافعي في مكتبه (الشرق الأوسط)

هذه قصتنا يا محمد

يغالب الصحافي الأخبار طويلاً ثم تغلبه. تحوّله خبراً في صحيفته. خبر وفاة. في وداع زميلنا الراحل محمد الشافعي.

غسان شربل
شمال افريقيا مواطنون ينتظرون قطار المترو في القاهرة (هيئة المترو)

«أزمة الفَكّة» تؤرق مسؤولي المترو بمصر... وسط رفض لرفع الأسعار

أرق حديث حكومي عن دراسة رفع سعر تذكرة «مترو الأنفاق» في القاهرة بسبب «أزمة الفَكّة» مصريين خلال الساعات الماضية

وليد عبد الرحمن (القاهرة )
العالم العربي العاصمة المصرية القاهرة (الشرق الأوسط)

مصر تتابع التطورات في اليمن وتثمن التعامل البنّاء للسعودية والإمارات

قال بيان للمتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الثلاثاء)، إن القاهرة تتابع باهتمام بالغ الأوضاع الأخيرة على الساحة اليمنية.


مصر ترسخ رفضها للتهجير بمشروعات قومية عملاقة في سيناء

شاحنات تعمل في مشروعات التنمية التي تقوم بها الحكومة المصرية بسيناء (وزارة النقل)
شاحنات تعمل في مشروعات التنمية التي تقوم بها الحكومة المصرية بسيناء (وزارة النقل)
TT

مصر ترسخ رفضها للتهجير بمشروعات قومية عملاقة في سيناء

شاحنات تعمل في مشروعات التنمية التي تقوم بها الحكومة المصرية بسيناء (وزارة النقل)
شاحنات تعمل في مشروعات التنمية التي تقوم بها الحكومة المصرية بسيناء (وزارة النقل)

جاء قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتخصيص قطع أراضٍ في شمال سيناء قرب حدود إسرائيل لإقامة مشروعات لوجيستية وتنموية، ليعيد إلى الواجهة إجراءات السلطات المصرية للتأكيد على «رفضها مخطط التهجير عبر مشروعات على أرض الواقع»، بحسب ما أكده خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

ونشرت الجريدة الرسمية في مصر، الثلاثاء، قراراً رئاسياً تضمن «تخصيص قطع أراضٍ في شمال سيناء لصالح الهيئة العامة للمواني البريـة والجافة؛ لاستخدامها في إقامة مناطق لوجيستية»، بينها قطع أراضٍ في رفح المصرية قرب حدود قطاع غزة وإسرائيل.

استراتيجية لتطوير شبه جزيرة سيناء

أعلنت الحكومة المصرية، في وقت سابق، عن «استراتيجية مصر الوطنية لتطوير شبه جزيرة سيناء»، التي تشهد منذ سنوات مشروعات عملاقة في البنية التحتية من (طرق، موانٍ، سكك حديدية، مناطق صناعية ولوجيستية) بهدف تحويلها إلى مركز تجاري ولوجيستي، يربط بين البحر المتوسط والبحر الأحمر، ويعزز الربط مع الأسواق الإقليمية والدولية.

ويرتبط المشروع بممر لوجيستي أوسع يشمل تطوير «ميناء العريش»، وخط السكة الحديد «بئر العبد - العريش - رفح - طابا»، ومشاريع الربط مع مواني البحر الأحمر مثل (طابا ونويبع)؛ لخلق ممر تجاري يعبر سيناء ويربط «المتوسط بالأحمر».

يقول أستاذ العلوم السياسية ورئيس وحدة أبحاث تابعة لمجلس الوزراء المصري، الدكتور رأفت محمود، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر تستهدف من المناطق اللوجيستية في سيناء إجهاض مشروعات التهجير والتوطين، التي يتم الترويج لها في تلك المنطقة، عبر تحقيق التنمية وتعمير شبه جزيرة سيناء، وربطها بالمصالح الدولية بما يعزز من القيمة المضافة لمصر في هذا المجال».

«وتهدف هذه الممرات إلى ربط مناطق الإنتاج المختلفة (الصناعية، الزراعية، التعدينية) بالمواني البحرية، في إطار التنافس الإقليمي والدولي على الممرات التجارية والملاحية، وتعزيزاً للدور التنافسي لقناة السويس في ضوء المشروعات، التي يتم الترويج لها في المنطقة كممرات بديلة»، وفقاً لرأفت محمود.

وأضاف الدكتور محمود موضحاً أن سيناء «تعد في قلب تلك المنافسة، وفي قلب تلك الأطروحات المصرية بحكم موقعها الاستراتيجي لإشرافها على قناة السويس، وكذلك لقربها من ممر قناة (بن غوريون) المقترح، والذي تسعى إليه إسرائيل، وهي تخرج من خليج العقبة وتشق طريقها من قلب إسرائيل، وصولاً إلى البحر المتوسط كبديل لقناة السويس».

السلطات المصرية تحدثت عن قرب الانتهاء من أعمال إنشاء خط سكة حديد متكامل يربط سيناء بشتى أنحاء البلاد (وزارة النقل)

الأكاديمي والخبير الاقتصادي الدكتور علاء علي، قال من جهته إن قرار الدولة المصرية بتخصيص مساحات واسعة في شمال سيناء لإقامة مناطق لوجيستية متطورة «يمثل تحولاً استراتيجياً في فلسفة إدارة الأصول الجغرافية والاقتصادية للدولة، حيث تنتقل سيناء من كونها نطاقاً جغرافياً ذا اعتبارات أمنية خاصة، إلى ركيزة اقتصادية فاعلة في منظومة النمو الوطني».

وأوضح علاء علي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن هذا التوجه «يعكس إدراكاً عميقاً بأهمية توظيف الموقع الفريد لسيناء بوصفها نقطة ارتكاز لربط الممرات التجارية العالمية، ويؤسس لاقتصاد قائم على الخدمات اللوجيستية المتقدمة، بما يواكب التحولات العالمية في سلاسل الإمداد، خاصة في ظل تصاعد الطلب الدولي على مراكز لوجيستية آمنة مستقرة، وقريبة من خطوط الملاحة الرئيسية».

إعادة هيكلة خريطة الاستثمار

من منظور اقتصادي كلي، تسهم هذه المشروعات في إعادة هيكلة خريطة الاستثمار داخل مصر، عبر خلق أقطاب تنموية جديدة خارج الوادي والدلتا، وفقاً لعلاء علي، الذي قال: «على صعيد التجارة الخارجية، يمثل ربط شمال سيناء بممر لوجيستي متكامل فرصةً تاريخية لمصر لتعظيم دورها بوصفها مركزاً إقليمياً لإعادة التصدير، وتداول السلع».

وتابع علاء علي قائلاً: «بدلاً من الاكتفاء بعوائد المرور، تنتقل الدولة إلى تعظيم عوائد القيمة المضافة من خلال التخزين، وإعادة التغليف، والتصنيع الجزئي، وهو ما ينعكس إيجاباً على ميزان المدفوعات، ويحد من الضغوط على العملة الأجنبية، ويعزز قدرة الاقتصاد على توليد موارد دولارية مستقرة ومستدامة، مما يدحض أي مخططات أو أفكار للتهجير، بل سيعمل على استقطاب الاستثمار الأجنبي، ويفتح المجال للآلاف من فرص العمل وخلق مجتمعات سكنية جديدة».

مصر ترسخ رفضها للتهجير بمشروعات قومية عملاقة (أ.ف.ب)

وكانت السلطات المصرية قد أخلت مدينة رفح الحدودية مع غزة منذ عدة سنوات، من أجل تنفيذ خطة لبناء مدينة جديدة، وإعادة إعمار المنطقة والقضاء على الأنفاق التي كانت تتذرع إسرائيل بأنه يتم تمرير السلاح منها لقطاع غزة.

رفض التهجير

خلال السنوات الماضية، أُثيرت أكثر من مرة فكرة تخصيص المدينة بعد الانتهاء منها لاستقبال أهالي غزة مقابل أموال تحصل عليها مصر، وهو ما نفته القاهرة مراراً، وأكدت موقفها الثابت برفض التهجير وعدم التفريط في أي شبر من أرضها، كما بدأت في إعادة الأهالي إلى مدينة رفح الجديدة، وشرعت في تنفيذ مخطط تنموي شامل في سيناء.

من جانبه، يرى عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع، أحمد أبو علي، أن «هذا يمثل تحولاً استراتيجياً بالغ الأهمية في فلسفة إدارة التنمية الإقليمية في مصر، حيث تنتقل الدولة من منطق تأمين الحدود إلى منطق تعظيم القيمة الاقتصادية للحدود؛ فإقامة مناطق لوجيستية متكاملة قرب (رفح والحسنة وبغداد) تمثل إعادة تموضع اقتصادي ذكي لسيناء داخل خريطة التجارة العالمية، بما يحولها إلى عقدة لوجيستية محورية قادرة على جذب الاستثمارات، وخفض تكاليف النقل، وتعزيز تنافسية الصادرات المصرية، خاصة في ظل الاضطرابات التي تشهدها سلاسل الإمداد العالمية».

وأكد أبو علي لـ«الشرق الأوسط» أن الأهمية الاقتصادية الأعمق لهذا القرار «تكمن في كونه جزءاً من ممر لوجيستي عابر لسيناء، يربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر، وهو ما يمنح مصر ميزة نسبية نادرة في حركة التجارة الإقليمية والدولية، ويعزز دورها بوصفها مركزاً إقليمياً للتجارة والخدمات اللوجيستية».

وتابع أبو علي موضحاً أن هذا التوجه «يفتح الباب أمام خلق آلاف فرص العمل، وتنمية المجتمعات المحلية، وتوطين صناعات مرتبطة بالنقل والتخزين والتصنيع من أجل التصدير، فضلاً عن تعظيم العائد من الأصول غير المستغلة، كما يبعث برسالة واضحة بأن التنمية الاقتصادية المستدامة أصبحت إحدى أهم أدوات الدولة لترسيخ الاستقرار، وتحقيق الأمن القومي من منظور شامل، يدمج بين الاقتصاد والجغرافيا والسيادة في معادلة واحدة».

ويرى أبو علي أن هناك «بعداً سياسياً لا يقل أهمية، حيث يؤكد هذا التوجه التنموي الحاسم الرفض المصري القاطع لأي محاولات لفرض سيناريوهات التهجير القسري، حيث تُترجم الدولة موقفها السياسي إلى وقائع تنموية على الأرض».

وقال بهذا الخصوص إن اختيار ضخ استثمارات ضخمة، وإقامة مناطق لوجيستية وممرات تجارية استراتيجية في قلب شمال سيناء، «يعكسان إصرار الدولة على تعمير الأرض بأهلها، وتثبيت السيادة المصرية عليها اقتصادياً وعمرانياً، بما يُسقط عملياً أي أطروحات تستهدف تغيير الواقع الديموغرافي للمنطقة».

«وبهذا المعنى، تصبح التنمية في سيناء ليست فقط خياراً اقتصادياً، بل رسالة سياسية واضحة، مفادها أن سيناء أرض تنمية واستثمار، لا أرض فراغ أو حلول مؤقتة لأزمات إقليمية»، وفقاً لما أكده أبو علي.


تحذير أممي من مخاطر انقسام القضاء الليبي

مبعوثة الأمم المتحدة في ليبيا هانا تيتيه (البعثة الأممية)
مبعوثة الأمم المتحدة في ليبيا هانا تيتيه (البعثة الأممية)
TT

تحذير أممي من مخاطر انقسام القضاء الليبي

مبعوثة الأمم المتحدة في ليبيا هانا تيتيه (البعثة الأممية)
مبعوثة الأمم المتحدة في ليبيا هانا تيتيه (البعثة الأممية)

أطلقت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تحذيراً واضحاً من مخاطر تعميق انقسام القضاء في البلاد، وذلك على خلفية التصعيد المتسارع المرتبط بالقضاء الدستوري خلال الـ48 ساعة الماضية، ولا سيما في أعقاب الهجوم الكلامي العنيف، الذي شنه رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ضد رئيس المحكمة الإدارية العليا عبد الله أبو رزيزة، محذرة من «آثار بعيدة المدى» قد تترتب على استمرار الانقسامين السياسي والمؤسسي.

ويأتي هذا التحذير الأممي في وقت سارعت فيه حكومة «الاستقرار» في شرق ليبيا إلى تشكيل خلية أزمة لمتابعة أوضاع أربعة سائقين ليبيين محتجزين داخل الأراضي التشادية، وسط جدل واسع أثاره تداول تسجيل مصور لما قيل إنه اعتداء على مواطن ليبي دخل الحدود التشادية عن طريق الخطأ.

رئيس مجلس النواب عقيلة صالح (المجلس)

وأكدت البعثة الأممية، في بيان أصدرته مساء الثلاثاء، أن النزاع المتصاعد حول القضاء الدستوري يشكل «خطراً حقيقياً على وحدة واستقلال ونزاهة القضاء»، مشددة على أن القضاء الموحد يُعد ركيزة أساسية للحفاظ على وحدة الدولة الليبية، وحذرت من أن أي انقسام يشمله ستكون له تداعيات بعيدة المدى تمس مختلف مناحي الحياة في البلاد.

ودعت البعثة جميع الأطراف إلى الامتناع عن اتخاذ أي إجراءات قد تؤدي إلى انقسامات داخل السلطة القضائية، أو الإدلاء بتصريحات يمكن تفسيرها على أنها استفزازية، وتسهم في زيادة حدة التوتر، مؤكدة الأهمية البالغة لضبط النفس في ظل الانقسامات السياسية القائمة حالياً.

كما شددت البعثة على أن «القضاء المستقل والموحد يمثل حجر الزاوية لسيادة القانون والحكم الديمقراطي»، داعية جميع الجهات القضائية والسياسية الليبية المعنية إلى الانخراط في حوار بنّاء لمعالجة هذه القضية الحساسة، بما يحفظ وحدة المؤسسة القضائية ويخدم المصلحة الوطنية العليا لليبيا. كما أعلنت استعدادها لتقديم أي دعم يُطلب منها لإنجاح الجهود الليبية التوافقية، الرامية إلى حماية وحدة القضاء وتعزيز سيادة القانون.

وجاء البيان الأممي على خلفية دعوة رئيس مجلس النواب، خلال جلسة عقدها الاثنين، إلى إقالة رئيس المحكمة الإدارية العليا في طرابلس، عادّاً إياه «خصماً سياسياً غير محايد»، بل واقترح إنشاء محكمة إدارية منفصلة.

في المقابل، أعرب قضاة ليبيون عن بالغ قلقهم من تصاعد الخطاب والممارسات، التي تمس هيبة القضاء ومكانته الدستورية، محذرين من أن استمرار هذا المسار قد يقود إلى انقسام السلطة القضائية، التي حافظت - حسب تعبيرهم - على وحدتها وحيادها وتماسكها، رغم سنوات الصراع سواء السياسي أو العسكري.

وتعود جذور الجدل الحالي إلى إنشاء مجلس النواب في بنغازي ما يُعرف بـ«المحكمة الدستورية العليا» في أبريل (نيسان) الماضي، وإصدارها قراراً يقضي بإلغاء الدائرة الدستورية التابعة للمحكمة العليا في طرابلس، وهي خطوة أثارت تساؤلات قانونية حول شرعيتها، ومخاوف من انعكاساتها على وحدة القضاء الليبي.

وفي الجنوب الليبي، استحوذت واقعة احتجاز أربعة سائقين ليبيين في تشاد على اهتمام واسع، خصوصاً بعد تأكيد المجلس البلدي لمدينة الكفرة، الواقعة على الحدود الليبية التشادية، أن السائقين «تعرضوا للخطف والتعذيب». وأعلن المجلس إيقاف حركة مرور الشاحنات من وإلى تشاد، عبر نطاق البلدية في إجراء احترازي مؤقت إلى حين ضمان سلامة المواطنين.

من اجتماع لجنة برلمانية مكلفة بمتابعة وحصر أوضاع الليبيين المسجونين في الخارج الأربعاء (مجلس النواب)

كما طالبت نقابة عمال النقل في الكفرة السلطات في شرق ليبيا بالتحرك للتوصل إلى بروتوكولات تفاهم مع الجانب التشادي لتأمين الطريق الرابط بين الكفرة والأراضي التشادية.

وفي رد فعل رسمي، أعلنت وزارة الخارجية بحكومة «الاستقرار» تشكيل خلية أزمة لمتابعة أوضاع المواطنين المحتجزين، مؤكدة التواصل مع السلطات التشادية عبر القنوات الدبلوماسية والرسمية للعمل على إطلاق سراحهم «دون قيد أو شرط»، وبما يحفظ كرامتهم وسلامتهم. وعدّت الوزارة ما حدث «سلوكاً فردياً لا يمثل الحكومة التشادية»، ولا يؤثر في العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين.

أما في العاصمة طرابلس، فقد تواصلت المظاهرات الليلية لليوم الرابع على التوالي، احتجاجاً على حكومة «الوحدة الوطنية»، وللمطالبة بمكافحة الفساد. ورصدت وسائل إعلام محلية لقطات تُظهر قيام محتجين بإشعال النيران في إطارات السيارات، في ساعات مبكرة من صباح الأربعاء، وإغلاق طريق الظهرة الرئيسي وجزيرة القادسية وسط المدينة.

ولم يصدر تعليق رسمي من حكومة «الوحدة» بشأن هذه التطورات، غير أنها أعلنت أن وزير الدولة للاتصال والشؤون السياسية، وليد اللافي، بحث في طرابلس مع نائبة المبعوثة الأممية ستيفاني خوري مستجدات الوضع السياسي، وسبل دعم جهود البعثة، مشيرة إلى مناقشة المسارات المطروحة لدفع العملية السياسية، بما يعزز الاستقرار ويهيئ الظروف للتوصل إلى تسوية شاملة تقود إلى الانتخابات المنتظرة.

وفي شرق البلاد، برز خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية زخم كبير لملف السجناء داخل ليبيا وخارجها، حيث ناقشت لجنة برلمانية في بنغازي ملفات 298 مواطناً ليبياً محتجزين في الخارج، أُفرج عن 113 منهم، بينما صدرت أحكام في 128 قضية، شملت حالتي إبعاد، إلى جانب أحكام إفراج عن 47 شخصاً وترحيل 18 آخرين.

اجتماع «خلية الأزمة» برئاسة وزير الخارجية في شرق ليبيا عبد الهادي الحويج (صفحة الوزارة)

وجاء ذلك بعد أقل من 24 ساعة من لقاء رئيس اللجنة الوطنية لمتابعة أوضاع السجناء والسجون، منصور بوشناف، بنائب قائد «الجيش الوطني» الليبي الفريق صدام حفتر، حيث بحثا سير عمل اللجنة المشكلة حديثاً، وآليات مباشرتها لاختصاصاتها، والتحقق من سلامة الإجراءات القانونية والقضائية، ومتابعة تنفيذ أحكام البراءة وأوامر الإفراج، الصادرة عن المحاكم المدنية والعسكرية، ورصد أي تجاوزات أو أوجه قصور، ورفع التوصيات اللازمة لمعالجتها بشكل عاجل.


«أزمة الفَكّة» تؤرق مسؤولي المترو بمصر... وسط رفض لرفع الأسعار

مواطنون ينتظرون قطار المترو في القاهرة (هيئة المترو)
مواطنون ينتظرون قطار المترو في القاهرة (هيئة المترو)
TT

«أزمة الفَكّة» تؤرق مسؤولي المترو بمصر... وسط رفض لرفع الأسعار

مواطنون ينتظرون قطار المترو في القاهرة (هيئة المترو)
مواطنون ينتظرون قطار المترو في القاهرة (هيئة المترو)

أرق حديث الحكومة المصرية عن دراسة رفع سعر تذكرة «مترو الأنفاق» في القاهرة بسبب «أزمة الفَكّة»، عدداً كبيراً من المصريين خلال الساعات الماضية، ودفعهم إلى «طرح حلول، ورفض أي زيادة جديدة تفاقم أحوالهم المعيشية».

الأربعيني المصري أحمد ربيع، الذي يقطن في منطقة غمرة القريبة من رمسيس، ويعمل في جهة حكومية بمنطقة السيدة زينب، تلقى هذا الحديث بـ«رفض شديد». وقال إن «حل أزمة الفكة لا يكمن في زيادة سعر التذكرة، وعلى الحكومة أن تبحث عن حلول أخرى للأزمة».

وأضاف ربيع لـ«الشرق الأوسط» أنه «حال إقرار الزيادة الجديدة، سوف يكلف زيادة يومية قدرها 8 جنيهات، لأنه يشتري في اليوم الواحد 4 تذاكر (فئة 8 جنيهات ذهاباً وإياباً) له ولزوجته، التي تعمل في شركة خاصة بمنطقة باب اللوق بوسط القاهرة» (الدولار يساوي 47.6 جنيه مصري).

وتحدث رئيس مجلس إدارة «الهيئة القومية للأنفاق»، الدكتور طارق جويلي، عن «أزمة كبيرة تؤرق (الهيئة) في العملة الفكة (فئة الجنيه، والخمسين قرشاً)، خصوصاً في فئة التذكرة التي تقدر بنحو 8 جنيهات». وقال في تصريحات متلفزة، مساء الثلاثاء: «المطلوب من الهيئة توفير 300 ألف جنيه يومياً (فكة) في الخط الأول، والثاني للمترو». مبرزاً أن «المشكلة في مصلحة (سك العملة) وقد تمت مخاطبتها، وكان ردها أنه لا يوجد استيراد للخامة، لذا من الممكن زيادة جنيهين على التذكرة لتصل إلى 10 جنيهات».

خبراء اقتصاد تحدثوا عن حلول لـ«أزمة الفكة»، بدلاً من زيادة تذكرة «المترو»، إذ قال أستاذ الاقتصاد، العميد الأسبق المؤسس لكلية النقل الدولي، واللوجستيات، الدكتور محمد محمود، إن «أي تسعير يكون عبر حساب التكلفة وهامش الربح، الذي يضمن الصيانة، والتشغيل، بشرط أن تكون التكلفة منضبطة، وليس فيها تحميل للمواطنين، وهيئة مترو الأنفاق تقدم خدمة عامة، وفي حال رفع سعر تذكرة المترو فسوف يتم رفع أسعار باقي وسائل المواصلات، وبالتالي تحدث موجة جديدة من زيارة الأسعار، خصوصاً أن الزيادة المحتملة تبلغ نحو 25 في المائة».

الجنيه «الفكة» سبب أزمة لهيئة «مترو أنفاق القاهرة» (الشرق الأوسط)

وأوضح محمود لـ«الشرق الأوسط» أنه «لا بد أن يحقق أي تسعير في تذكرة المترو مصلحة الطرفين، الراكب و(هيئة الأنفاق) حتى تستمر الهيئة في دعم المجتمع، عبر توفير خدمة جديدة بسعر مناسب»، وعبر عن رفضه لـ«حديث المسؤول الحكومي»، وعدّه «كلاماً غير منطقي»، طارحاً بدائل مثل «تعميم عمل الاشتراكات بدلاً من التذاكر، أو عمل تذكرتين ذهاباً وعودة بـ15 جنيهاً، وبذلك نحد من أزمة الفكة».

وطبقت الحكومة المصرية في أغسطس (آب) 2024 زيادات على أسعار تذاكر المترو وقطارات السكك الحديدية بنسب تراوحت ما بين 25 إلى 33 في المائة، بعد أسبوع من قرار زيادة أسعار الوقود (بنزين وسولار).

بدوره، طرح خبير الاقتصاد المصري، كريم العمدة، حلولاً لـ«أزمة الفكة»، عبر عمل إعادة توزيع للمحطات على التذكرة من جديد، كأن نجعل مثلاً خمس محطات بـ5 جنيهات، و12 محطة بـ10 جنيهات، أو نعمم (الكارت الذكي)، ويتم وضع (الفكة) فيه لأي مواطن».

وانتقد العمدة تصريح «المسؤول الحكومي»، بقوله لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس تصريحاً سياسياً، وأحدث بلبلة في الشارع المصري، خصوصاً أنه يتعلق بالأسعار».

قطار مترو الأنفاق ينتظر في إحدى المحطات (هيئة المترو)

ومنذ عام 2017 بدأت مصر في زيادة أسعار «مترو أنفاق القاهرة»، بعد ثبات سعر التذكرة على مدار 11 عاماً، ليرتفع سعر التذكرة حينها من جنيه إلى جنيهين، ثم عدلت الأسعار عدة مرات من 2020 وحتى الآن، مع تقسيم التذاكر ليكون تسعيرها مرتبطاً بعدد المحطات، وبات أقل سعر للتذكرة 8 جنيهات.

وبحسب المواطن ربيع فإن «زيادة تذكرة المترو لن تقابلها زيادة في الراتب الذي يتقاضاه»، مُبدياً تخوفه من «زيادة على باقي وسائل الموصلات الأخرى، وباقي مستلزماته المعيشية».

مخاوف ربيع عبر عنها أيضاً رواد «السوشيال ميديا»، مطالبين برفض أي زيادة جديدة. وأوضحوا أن «المترو» هو وسيلة تنقلهم الوحيدة اليومية في ظل ارتفاع أسعار وسائل النقل الأخرى، سواء العامة، أو الخاصة.

وتقدر وزارة النقل المصرية في بيانات رسمية «عدد مستخدمي المترو يومياً بنحو 4.5 مليون راكب».

ولم تكن مطالب رفض تطبيق الزيادة هي الحل الوحيد لرواد التواصل، بل تعدى الأمر لطرح بعض الحلول، التي من بينها تخفيض التذكرة إلى «5 جنيهات» لتفادي «أزمة الفكة». مستندين إلى أن «هيئة مترو الأنفاق تحقق فائضاً في الأرباح».

وكان رئيس مجلس إدارة «الهيئة القومية للأنفاق» قد أكد مساء الثلاثاء أن «الخسائر الحالية لـ(الهيئة) تبلغ 69 مليون جنيه، وسوف يشهد عام 2026 فائضاً». كما لفت إلى أن «خسائر (الهيئة) بلغت في 2021 و2022 ملياراً و380 مليون جنيه، وارتفعت في 2023 إلى مليار و890 مليون جنيه، بينما انخفضت في 2024 إلى 350 مليون جنيه».