تحظى القمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، المنعقدة في 29 الحالي في فلوريدا، باهتمام لبناني وبمواكبة من أعلى المراجع في الدولة، للتأكد من مدى استعداد الرئيس الأميركي للتجاوب مع ضيفه بتوسعة الحرب على لبنان بذريعة أن لديه معلومات استخباراتية باستعادة «حزب الله» لقدراته العسكرية، بخلاف رهان رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون على استبعاد شبح الحرب عن لبنان، وتمسكه بتطبيق حصرية السلاح، «وفقاً للظروف».
فأنظار اللبنانيين وعيونهم مشدودة إلى القمة للتأكد من أن استبعاد عون لشبح الحرب، لم يأت من فراغ، وهو حصيلة الاتصالات الدبلوماسية التي يتولاها شخصياً، وشارك فيها رئيس الحكومة نواف سلام، وشملت الولايات المتحدة الأميركية ودولاً عربية وأوروبية، وتلازمت مع التحضير للانتقال للمرحلة الثانية من الخطة التي أعدتها قيادة الجيش وتبنّتها الحكومة لتطبيق حصرية السلاح على مراحل، وتتعلق بالمنطقة الممتدة من شمال نهر الليطاني حتى الأولي.
تصعيد المؤسسة الدينية الشيعية
ومع أن نتنياهو استبق اجتماعه بترمب برفع سقوفه السياسية لإقناعه بتوسيع عملياته ضد «حزب الله» بحجة استعادته لقدراته العسكرية، فإن المؤسسة الدينية الشيعية بادرت للرد عليه بموقف ناري، بالمفهوم السياسي للكلمة، تصدرّه نائب رئيس «المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى» الشيخ علي الخطيب، باتهامه حكومة سلام بتنفيذ ما يفرضه الأميركيون، وأنها ليست حكومة تحكم البلاد، وتقدّم التنازلات بلا أي مقابل، وسرعان ما انضم إليه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان بوصفه الحكومة بأنها «منبطحة»، وتهدد مصالح لبنان.

وتقول مصادر لبنانية إن الخطيب وقبلان استبقا تنفيذ إعلان سلام استعداد لبنان للانتقال للمرحلة الثانية من الخطة الرامية لبسط سلطة الدولة على أراضيها لتطبيق الـ1701، بتوجيه رسالة إلى ترمب وهو يستعد للقاء نتنياهو، لإعلامه بأنه من غير الجائز أن تتراجع الحكومة أمام إسرائيل وداعميها من دون حصول لبنان على ثمن سياسي لقاء التزامه بحصرية السلاح في جنوب الليطاني وتجاوب «حزب الله»، ليس بإخلائه لمنشآته العسكرية فحسب، وإنما بامتناعه عن الرد على مواصلة إسرائيل اعتداءاتها، مع انقضاء أكثر من عام على التزام الحكومة بوقف الأعمال العدائية، بخلاف امتناع إسرائيل عن تطبيقه وهي تواصل الضغط بالنار على لبنان للتسليم بشروطها.
موقف «الثنائي الشيعي»
وحسب المعلومات، فإن الخطيب وقبلان ينطقان سياسياً بلسان «الثنائي الشيعي» باتهامه واشنطن بالانقلاب على تعهدها بتلازم الخطوات بين لبنان وإسرائيل، في مقابل إطباق الجيش بمؤازرة قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل» سيطرته على الجزء المحرر من جنوب الليطاني.
وفي هذا السياق، يتعامل «حزب الله» مع هجوم الخطيب وقبلان على الحكومة من زاوية أنها، كما تقول مصادره لـ«الشرق الأوسط»، تقدم خدمات مجانية، فيما تتلكأ الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لإلزامها القيام بخطوات تتلازم مع انسحاب الحزب من جنوب النهر. وتسأل المصادر: «أين تُصرف إشادة لجنة الـ(ميكانيزم) و(اليونيفيل) بالإنجاز الذي حققه الجيش بسيطرته على المنطقة المحررة منه، ولم يتمكن من توسيع انتشاره حتى الحدود الدولية لاستمرار إسرائيل باحتلالها لعدد من النقاط الحدودية؟».
وكشفت المصادر نفسها عن أن «حزب الله» هو أحوج الآن إلى ثمن سياسي لخفض منسوب إرباكه أمام بيئته. وقالت إن تمسكه بسلاحه يأتي تحت سقف طمأنته لها، أسوة بطمأنة أمينه العام الشيخ نعيم قاسم للمستوطنات الشمالية بأنه لا خطر عليهم. وأكدت أن الحزب يحاكي، بتمسكه بسلاحه، الداخل، ولن يكون له من مفاعيل قتالية أو هجومية، وإنما دفاعية مع وقف التنفيذ.
ولفتت إلى أن الخطيب وقبلان لم يرفعا سقوفهما السياسية من دون تلقيهما الضوء الأخضر من «الثنائي الشيعي» الذي لا يعترض على رفعها في وجه نتنياهو، من دون أن يعني تخليه عن الخيار الدبلوماسي للضغط على إسرائيل للانسحاب، وإن كان يتجنّب التعليق على استهدافهما للحكومة، على الأقل من جهة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، بخلاف حليفه «حزب الله» الذي لم ينقطع يوماً عن إدراج اسم سلام على لائحة اتهاماته، مع أنه لم يحدد جدولاً زمنياً لبدء تنفيذ المرحلة الثانية، وأن ما أعلنه لا يتعارض مع تأكيد عون بأن قرار حصرية السلاح اتُّخذ ولا رجوع عنه.
لا أثمان سياسية لـ«حزب الله»
في المقابل، كشفت مصادر دبلوماسية غربية عن أن الولايات المتحدة ومعها فرنسا، لا تحبذان تقديم أثمان سياسية لـ«حزب الله» على خلفية إخلائه لجنوب الليطاني. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس في الموقع الذي يتيح له فرض شروطه، وإن استكمال تطبيق حصرية السلاح لتشمل شمال النهر، سيفتح الباب أمام الضغط على إسرائيل لتنفيذ ما يتوجب عليها بوقف الأعمال العدائية، ولو على مراحل.
ورأت المصادر أن مجرد سيطرة الجيش على الجنوب بدءاً من الحدود الدولية حتى نهر الأولي، يعني من وجهة نظر واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي أن المستوطنات الإسرائيلية ستكون في مأمن، وأن سكانها سيعودون إليها لخلو جنوب لبنان من السلاح غير الشرعي، بما فيه الفلسطيني بدءاً بعين الحلوة، لكنها رفضت التعليق على ما إذا كان نتنياهو، بإصراره على توسعة الحرب، يسعى إلى مقايضة تخليه عنها بإقناع ترمب باستهدافه للمنشآت العسكرية والنووية في إيران.

لذلك، يواكب لبنان نتائج القمة الأميركية - الإسرائيلية واستعداد ترمب للضغط على نتنياهو لضبط أدائه العسكري في الجنوب على نحو يسمح باستكمال تطبيق حصرية السلاح حتى حدوده الدولية مع سوريا، بعد التأكد من أن المرحلة الأولى المتعلقة بجنوب النهر نُفّذت بشهادة الـ«ميكانيزم» والـ«يونيفيل»، وبالتالي سيضطر نتنياهو إلى خفض سقوف تهديده للبنان، فيما النبرة العالية للخطيب وقبلان تبقى ضرورية، من وجهة نظر شيعية، لاستيعاب البيئة وإخراجها من الإرباك والتساؤلات حول امتناع «حزب الله» عن الرد على الخروق.
وعليه، فإن استهداف سلام وكأنه الآمر الناهي بامتلاكه لقرار حصرية السلاح، ليس في محله، وإن كانت المطالبة بثمن سياسي في مقابل إخلاء جنوب الليطاني من السلاح غير الشرعي، لا تقتصر، كما يقول مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط»، على الحزب، وإنما تنسحب على عون وبري وسلام بإلحاحهم على الولايات المتحدة للإيفاء بتعهدها، ليس لرعايتها بالشراكة مع فرنسا لاتفاق وقف الأعمال العدائية، وإنما لوجود جنرال أميركي على رأس الـ«ميكانيزم» يتولى الإشراف على تطبيقه.
فالمطلوب من هذا الجنرال المبادرة، بحسب المصدر، لتفعيل اجتماعاتها بعد أن أوكل لبنان لسفيره السابق لدى الولايات المتحدة المحامي سيمون كرم ترؤسه للوفد، وألا تكتفي الـ«ميكانيزم» بتعداد الخروق الإسرائيلية التي أخذت تطاول «اليونيفيل» مع ارتفاع التحرش بدورياتها على خلفية بياناتها التي تحمّل فيها إسرائيل عدم التزامها بوقف النار، في مقابل تسرّع «حزب الله» بإصدار الأحكام المسبقة على سلام و«محاكمته» على النيات، رغم أن حصرية السلاح تبقى من صلاحية مجلس الوزراء مجتمعاً، وأن تمسكه بسلاحه يخالف موافقته على البيان الوزاري باحتكار الدولة للسلاح، وأن عامل الوقت لن يكون في مصلحته، وسيضطر عاجلاً أو آجلاً للرضوخ للضغوط الدولية والعربية بإصرارها على أولوية حصرية السلاح بوصفها مدخل لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته، ولأن هروبه إلى الأمام سيرتد عليه سلباً. فيما يستغرب المصدر تصويب بعض المرجعيات الروحية الشيعية على سلام بمجرد أنه أعلن عن التحضير للمرحلة الثانية انسجاماً مع ما نصت عليه خطة الجيش.





