أكّد ديمتري فولكوف، الرئيس التنفيذي لدى «غروب آي بي» أن مشهد الأمن السيبراني في السعودية يتسارع مع تسارع التحول الرقمي، مشيراً إلى أنه مع اتساع الاعتماد والتحول إلى الخدمات الرقمية يضع أهمية كبرى لحماية ذلك التحول.
وشدد فولكوف على أن المعادلة لم تعد تقتصر على امتلاك أدوات دفاعية تقليدية، بل باتت تتطلب «نهجاً استباقياً» يعتمد على فهم الخصوم وتتبّع سلوكهم، إلى جانب تعاون حقيقي بين أطراف المنظومة لتقليص أثر الاحتيال والهجمات قبل وقوعها.
وأوضح فولكوف، خلال مشاركة الشركة هذا العام في مؤتمر «بلاك هات»، أن التركيز كان على استعراض كيفية استفادة المؤسسات من أحدث حلول «استشعار التهديدات» عبر ما وصفه بـ«نهج يركّز على الخصوم». يتيح هذا النهج تتبع الجهات الفاعلة في التهديدات من زوايا متعددة، وتزويد العملاء بالأدوات التي تساعدهم على توقع المخاطر المستقبلية والاستعداد لها، بدل الاكتفاء بإدارة الأزمات بعد وقوعها.
وحسب فولكوف، كان إطلاق منصة «استشعار الاحتيال السيبراني» (CFIP)، التي تقوم على مبدأ الدفاع الجماعي داخل السوق المالية. ووفقاً لحديثه، تتيح المنصة تبادل المعلومات في الوقت الفعلي بين البنوك وتجار التجزئة والهيئات التنظيمية، بما يُعزز قدرة الجهات المختلفة على رصد الأنشطة الاحتيالية ومواجهتها بصورة أكثر تنسيقاً، ويقوّي في المحصلة «النظام المالي الأوسع».
ويرى فولكوف أن المنصات التقليدية لمكافحة الاحتيال -سواء تلك القائمة على تحليل السلوك أو على متابعة المعاملات- أصبحت أقل كفاءة بمفردها أمام تطور أساليب المحتالين، مشيراً إلى أن الحل يبدأ عندما تتحول مكافحة الاحتيال من جزر معزولة إلى منظومة تتشارك الإشارات والتحذيرات بسرعة.
وعن أبرز التهديدات التي تواجه المؤسسات السعودية حالياً، يضع فولكوف حماية البنية التحتية الحيوية والخدمات الأساسية في صدارة الأولويات، خصوصاً مع تنامي الاعتماد على الرقمنة في مختلف القطاعات.
كما لفت إلى استمرار خطورة «برامج الفدية» والجرائم السيبرانية ذات الدوافع المالية، نظراً لقدرتها على تعطيل العمليات والتأثير على استمرارية الأعمال.
وخصّ فولكوف قطاع الاتصالات باهتمام متزايد، واصفاً إياه بقطاع محوري لتمكين الاتصال الوطني والخدمات الرقمية، لكنه في الوقت ذاته يُدير بنى تحتية «ضخمة ومعقدة ومترابطة»، ما يجعله هدفاً مغرياً، ويجعل تعزيز أمنه السيبراني أولوية لا تقبل التأجيل.
وفي شرح لكيفية إحداث منصة «CFIP» نقلةً نوعية في كشف الاحتيال، أكد فولكوف أن جوهرها هو تمكين المؤسسات المالية من تبادل المعلومات لحظياً دون الكشف عن البيانات الحساسة، وهو ما يعالج معضلتين لطالما قيّدتا التعاون: السرية والتشارك.
وحسب رؤيته، تستطيع البنوك عبر المنصة تحديد البنى التحتية الاحتيالية وتعطيل حسابات المحتالين، وكذلك التنبؤ بكيفية استغلالهم للأدوات التي يعتمدون عليها، مع الحفاظ على خصوصية البيانات داخل كل مؤسسة.

وتحدّث فولكوف عن اتجاهات تتكرر مع توسع الرقمنة مثل تصاعد المخاطر المتطورة ضد المؤسسات الكبيرة والخدمات الأساسية، ما يرفع الحاجة إلى أمن متقدم ومراقبة مستمرة.
كما أشار إلى اتساع دائرة «الاحتيال السيبراني» التي تستهدف المستهلكين وعملاء البنوك، وأحياناً الشركات، إلى جانب استمرار تهديد الفدية بوصفه عاملاً قادراً على إحداث شلل فوري للعمليات.
وأخيراً، لفت إلى بروز نشاط سيبراني مدفوع بآيديولوجيات معينة عالمياً، يستخدم القنوات الرقمية للتضخيم أو محاولة إحداث اضطراب.
وفيما يتعلق بالتعاون مع الجهات الحكومية والتنظيمية السعودية، شدد فولكوف على التزام «غروب آي بي» بالعمل مع الحكومة والشركات والهيئات التنظيمية، مؤكداً أن الشركة تبنّت مسار «الاندماج في البيئة المحلية» عبر تشكيل فريق من الخبراء التقنيين داخل المملكة لتحليل التهديدات المحلية وتقديم رؤى عملية للمجتمع السيبراني، إلى جانب أولوية التثقيف وبناء القدرات.
وأضاف أن الشركة نشرت بنية تقنية تشغيلية داخل السعودية لضمان وجود قدرات محلية تستطيع التعامل مع التحديات الخاصة بالمملكة، وبما يدعم تعزيز التعاون واستمرار الاستثمار في تطوير منظومة الأمن السيبراني.
وقدّم فولكوف رسالة مباشرة للمسؤولين التنفيذيين السعوديين الحاضرين في «بلاك هات» أن الدفاع التعاوني والأمن الاستباقي لم يعودا خياراً ثانوياً، فالمشهد المتشابك للتهديدات -وفق قوله- يثبت أن المؤسسة لا تستطيع حماية نفسها بمعزل عن غيرها، وأن الانتقال من رد الفعل إلى التنبؤ هو ما يصنع الفارق.
كما لفت إلى أن الحدود بين «الهجمات السيبرانية» و«الاحتيال السيبراني» باتت أكثر تداخلاً، في حين تعمل القطاعات المعنية غالباً بشكل منفصل.
ويدعو فولكوف إلى دمج جهود الأمن السيبراني ومنع الاحتيال ضمن استراتيجية واحدة متماسكة، بوصفها الطريق الأسرع لبناء دفاع «أقوى وأكثر مرونة» يتناسب مع طموحات السعودية الرقمية.

