يقول محللون ومستثمرون إن عائد السندات الحكومية اليابانية القياسية يتحدى عتبة الـ2 في المائة التي شكلت سقفاً للعائد على مدى ربع قرن؛ ما يشير للأسواق إلى خروج البلاد المنتظر من الانكماش.
وارتفع عائد السندات الحكومية اليابانية لأجل عشر سنوات بنحو 30 نقطة أساس في شهر واحد ليصل إلى أعلى مستوى له في 18 عاماً عند 1.97 في المائة في 8 ديسمبر (كانون الأول)، ولا يزال يحوم دون هذا المستوى بقليل.
وارتفعت عوائد السندات نتيجةً لتوقعات استئناف «بنك اليابان» حملة التشديد النقدي هذا الأسبوع، فضلاً عن المخاوف من إصدار كميات كبيرة من السندات لتمويل حزمة التحفيز الحكومية الجديدة البالغة 21.3 تريليون ين (136.9 مليار دولار)، وهي الأكبر منذ بدء الجائحة.
ويُعدّ التزامن بين رفع أسعار الفائدة والإنفاق الحكومي السخي تناقضاً سياسياً واضحاً، فإنه في حالة اليابان يُبرز معاناتها الحالية مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة. وحسب المراقبين، فهو وضعٌ غريبٌ على جيلٍ عانى من سبع سنوات متتالية من الانكماش الاقتصادي منذ عام 1999، ولم يشهد أي انتعاش يُذكر في السنوات اللاحقة، حتى مع التحفيز النقدي والمالي الضخم الذي بدأ عام 2013 في إطار برنامج «أبينوميكس» الذي أطلقه رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي.
ويقول يويتشي تشيغوتشي، كبير استراتيجيي الاستثمار في «بلاك روك اليابان»: «إن عائد السندات لأجل 10 سنوات بنسبة 2 - 3 في المائة له دلالة رمزية كبيرة، وهو إيجابي للغاية لنشاط الشركات... وبعد ثلاثة عقود من الانكماش، ننتقل الآن إلى بيئة تضخمية».
ويتوقع خبراء اقتصاديون استطلعت «رويترز» آراءهم أن تُظهر البيانات الصادرة الجمعة استمرار التضخم الأساسي عند معدل سنوي قدره 3 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني)، متجاوزاً بكثير هدف «بنك اليابان» البالغ 2 في المائة.
وبلغت معنويات كبار المصنّعين أعلى مستوى لها في أربع سنوات، وفقاً لمسح «تانكان» الفصلي الذي يُجريه البنك المركزي ويحظى بمتابعة دقيقة، والذي نُشر يوم الاثنين.
ويقول تشيغوتشي إن 2 في المائة ستصبح قريباً الحد الأدنى لعائد السندات لأجل 10 سنوات، متوقعاً ارتفاعه نحو 3 في المائة. وقد بلغ العائد 1.945 في المائة يوم الاثنين.
وفي السنوات التي أعقبت انهيار فقاعة الاقتصاد الياباني في التسعينات، انخفض عائد سندات الحكومة اليابانية لأجل عشر سنوات إلى ما دون 2 في المائة في عام 1999، ولم يرتفع مجدداً، باستثناء ارتفاع طفيف إلى 2.005 في المائة في 10 مايو (أيار) 2006.
وعلى الرغم من أنه قد يبدو من الصعب على الجيل الحالي من متداولي الديون تخيّل عالم بعوائد تبلغ 2 في المائة، فإن تشيغوتشي قال إنه يتذكر سماع الكلام نفسه، ولكن بالعكس عندما كان مديراً لصندوق سندات في عام 1997. وأضاف: «كان كبار المسؤولين يرددون باستمرار: (من المستحيل أن ينخفض عائد سندات الحكومة اليابانية لأجل عشر سنوات إلى ما دون 2.5 في المائة)». قالوا: «لا يُعقل هذا، إنه أمرٌ غير منطقي».
وبالنسبة لكثير من المتداولين اليوم، كانت الفترة الحاسمة هي السنوات السبع التي تلت عام 2016، حين تم تثبيت عائد السندات لأجل 10 سنوات قرب الصفر بموجب سياسة تُعرف باسم «التحكم في منحنى العائد»، والتي كانت جزءاً من برنامج تحفيز نقدي ضخم في عهد محافظ «بنك اليابان» آنذاك، هاروهيكو كورودا.
وأنهى المحافظ الحالي، كازو أويدا، هذه السياسة في مطلع العام الماضي مع بدء دورة التشديد الحالية، إلا أن رفع أسعار الفائدة بدأ يتوقف، ويعود ذلك أساساً إلى الحذر الشديد من التداعيات المحتملة للتعريفات التجارية الأميركية الصارمة.
ومع ذلك؛ أدى تحول أويدا نحو خطاب أكثر تشدداً في بداية هذا الشهر إلى دفع المتداولين إلى التهافت على تسعير ارتفاع سعر الفائدة قصير الأجل بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصل إلى 0.75 في المائة من 0.5 في المائة يوم الجمعة.
وقال شوكي أوموري، كبير استراتيجيي مكتب «ميزوهو للأوراق المالية»، إن البنك المركزي سيرحب على الأرجح بمستويات العائد الحالية على السندات لأجل عشر سنوات؛ «لأن ذلك يشير إلى أن التضخم في اليابان سيستقر عند نحو 2 في المائة خلال العقد المقبل». وأضاف أوموري أن السياسة المالية، لا النقدية، هي على الأرجح المحرك الأكبر لاتجاه العائد، متوقعاً أن تمويل التحفيز الحكومي سيتطلب على الأرجح إصدار سندات إضافية لأجل عشر سنوات، إلى جانب زيادة المعروض من الديون قصيرة الأجل.
وشهدت عوائد سندات الحكومة اليابانية ارتفاعاً متسارعاً الشهر الماضي نتيجة لتزايد التكهنات حول حجم وشكل حزمة الإنفاق الحكومي. وارتفعت عوائد الديون طويلة الأجل إلى مستويات قياسية، حيث طالب المستثمرون بعلاوة أعلى للاحتفاظ بسندات الدولة الأكثر مديونية بين الدول المتقدمة.
وبلغت عوائد الديون طويلة الأجل مستويات قياسية، حيث طالب المستثمرون بعلاوة أعلى للاحتفاظ بسندات الدولة الأكثر مديونية بين الدول المتقدمة.
وقال شوسوكي يامادا، كبير استراتيجيي أسعار الصرف وأسعار الفائدة في اليابان لدى «بنك أوف أميركا»، والذي يتوقع ارتفاع عائد السندات لأجل 10 سنوات فوق 2 في المائة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة: «كان التحرك في الأسبوعين الماضيين سريعاً جداً، أسرع مما توقعنا... لكن من حيث المستوى، لسنا متفاجئين».
وأضاف: «هذا يرمز إلى عودة الأمور إلى طبيعتها بعد الانكماش. على عكس أوائل العقد الأول من الألفية الثانية، فإن نسبة 2 في المائة ليست رقماً سحرياً».
• «نيكي» يتراجع
من جانبه، انخفض مؤشر نيكي الياباني للأسهم بأكثر من 1 في المائة، الاثنين، حيث تراجعت أسهم التكنولوجيا متأثرة بمؤشر وول ستريت. وتراجعت أسهم الشركات المنافسة وسط مخاوف مستمرة بشأن التقييمات المبالغ فيها.
وانخفض مؤشر نيكي بنسبة 1.2 في المائة إلى 50.220.15 نقطة بحلول منتصف الصباح، حيث كان أداء مجموعة «سوفت بنك»، المستثمرة في الشركات الناشئة المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، وشركة «أدفانتست»، مُصنّعة أدوات اختبار الرقائق الإلكترونية وموردة لشركة «إنفيديا»، من أبرز العوامل التي أثرت سلباً على المؤشر بفارق كبير.
وفي المقابل، انخفض مؤشر توبكس، الأوسع نطاقاً والأقل تركيزاً على قطاع التكنولوجيا، بنسبة 0.1 في المائة فقط إلى 3,418.94 نقطة.
ومن بين مكونات مؤشر نيكي البالغ عددها 225 مكوناً، توزعت الأسهم الرابحة والخاسرة بالتساوي عند 110 أسهم، بينما استقرت أسعار خمسة أسهم.
وقالت فوميكا شيميزو، الاستراتيجية في «نومورا للأوراق المالية»: «هذا ليس ضعفاً عاماً في أسهم القطاعات المختلفة». وأضافت: «يبدو الأمر وكأنه تحول قطاعي» بعيداً عن أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى التي حققت أداءً قوياً هذا العام.
وتراجعت أسهم مجموعة «سوفت بنك» بنسبة 6.3 في المائة، وانخفضت أسهم «أدفانتست» بنسبة 5.8 في المائة، ليسهِم هذان السهمان مجتمعَين بـ533 نقطة من إجمالي انخفاض مؤشر نيكي البالغ 671 نقطة. كما انخفضت أسهم «فوجيكورا»، وهي شركة أخرى من الشركات الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في اليابان، بنسبة 3.7 في المائة.
ويوم الجمعة، هوى مؤشر «فيلادلفيا لأشباه الموصلات» بأكثر من 5 في المائة، حيث اتجه المستثمرون إلى قطاعات أخرى بدلاً من قطاع التكنولوجيا وسط مخاوف من فقاعة الذكاء الاصطناعي.
واستفادت أسهم الطلب المحلي في اليابان بشكل ملحوظ من نزوح المستثمرين من أسهم التكنولوجيا. وكانت قطاعات السكك الحديدية والأدوية والتجزئة من بين أفضل ثلاثة قطاعات أداءً في بورصة طوكيو، التي تضم 33 قطاعاً، حيث ارتفع كل منها بنسبة تتراوح بين 1.5 في المائة و1.8 في المائة.
وصعدت أسهم القطاع المصرفي بنسبة 1.3 في المائة قبيل رفع «بنك اليابان» أسعار الفائدة المتوقع يوم الجمعة، وقد تعززت هذه التوقعات، الاثنين، بنتائج مسح «تانكان» الفصلي الذي أجراه البنك المركزي، والذي أظهر ارتفاع معنويات كبار المصنّعين إلى أعلى مستوى لها في أربع سنوات.
