تتسارع استعدادات المرشحين لخوض جولات الإعادة في انتخابات مجلس النواب المصري، وسط ضغوط كبيرة تلاحق أحزاب المعارضة بعدما كشفت نتائج المرحلة الثانية عن «خسائر جديدة لها في السباق على المقاعد الفردية».
وفي توقيت متزامن، بدأ مواطنون في 19 محافظة الإدلاء بأصواتهم على مدى يومين في الدوائر التي أُلغيت نتائجها خلال المرحلة الأولى من الانتخابات المثيرة للجدل.
ووفق تقييمات لأداء أحزاب المعارضة، فقد تنافست ثمانية أحزاب من المعارضة أو محسوبة عليها على 69 مقعداً خلال المرحلة الثانية، منيت خلالها بـ58 خسارة مقابل فوز واحد فقط، فيما ذهبت عشرة مقاعد لجولات الإعادة. وسجّل حزب «الوفد» أبرز الخسائر، إذ أخفق 15 من مرشحيه من أصل 17، فيما بقي اثنان في الإعادة. وخسر حزبا «الدستور» و«المصري الديمقراطي الاجتماعي» جميع الدوائر التي تنافسا فيها بواقع 22 مرشحاً.
ورغم التراجع الانتخابي للمعارضة، قالت رئيسة حزب «الدستور» جميلة إسماعيل إن التجربة تمثل «نجاحاً سياسياً»، وقالت في مؤتمر صحافي، الثلاثاء، إن الحزب تمكن من «كسر الهندسة الجامدة للمشهد السياسي»، و«نجح في الدفع بقيادات جديدة إلى دوائر مغلقة سياسياً».
أحزاب فضَّلت المقاطعة
غير أن بعض أحزاب المعارضة اختارت مبكراً مقاطعة انتخابات «النواب»، وفي مقدمتها حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي» الذي قال رئيسه مدحت الزاهد لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الموقف كان «رسالة رمزية مبكرة» حيال ما توقعه من «هندسة في القوائم»، و«تدفق المال السياسي».
ورأى الزاهد أن ما جرى لاحقاً، بما في ذلك تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي حول «ضرورة إعادة النظر في المخالفات، سواء عبر الإعادة أو الإلغاء الكامل»، جاء ليعزز صحة موقف حزبه.
وأضاف: «قرار المقاطعة جاء بعد استبعاد إداري لنائبين يتمتعان بشعبية واسعة من الترشح»، وهو ما عدَّه الحزب «إنذاراً مبكراً» بشأن مسار العملية الانتخابية.
وشدّد على أن «الحزب ما زال يرى في الاحتكام لصناديق الاقتراع، الخيار الديمقراطي الأصيل»، لكنه اختار المقاطعة هذه المرة احتجاجاً على ما وصفه بـ«تقلص هوامش المنافسة» قبل بدء السباق.

أما الأحزاب ذات المرجعية الدينية، فواصلت حضورها المحدود؛ إذ يخوض حزب «النور» جولة الإعادة على ثلاثة مقاعد بعد خسارة واحدة في المرحلة الثانية، فيما يشارك تسعة مرشحين في الجولات المكملة، علماً بأن الحزب ضمن مقعدين في الإسكندرية وبني سويف، وفق ما صرّح به المتحدث الرسمي لحملة الحزب، محمود تركي.
الفردي والقائمة
تُجرى الانتخابات وفق نظامي «الفردي» و«القائمة المطلقة المغلقة».
وبحسب النتائج الرسمية، ضمنت «القائمة الوطنية» - التي تضم أحزاباً من بينها «مستقبل وطن» و«حماة الوطن» و«الجبهة الوطنية» - الفوز بمقاعد القوائم كاملة في المرحلتين، واستحوذت على 284 مقعداً تمثل نصف عدد مقاعد البرلمان البالغ 568 مقعداً، في غياب أي قوائم منافسة. كما حققت الأحزاب الثلاثة حضوراً لافتاً في النظام الفردي بحصد 32 مقعداً، مقابل 21 خسارة، مع انتظار نتائج الإعادة على 70 مقعداً.
ودعا المحامي والناشط السياسي خالد علي أحزاب المعارضة والقوى المدنية إلى مراجعة أدائها، مشدداً في الآونة الأخيرة عبر منشور على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» على ضرورة تعزيز الاحتكاك بالجمهور، ودعم المرشحين الشباب.
وفي قراءة أوسع للمشهد الانتخابي وأداء الأحزاب السياسية، قال الباحث بـ«المركز الوطني للدراسات السياسية والاستراتيجية» وليد عتلم إن الانتخابات الحالية «أبرزت الحاجة الملحة إلى تعديل قانون الأحزاب رقم 40 لسنة 1977».
وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «قصور القانون في معالجة ملفات جوهرية، مثل التمويل، والحوكمة الداخلية». وتطرق إلى ما يعتقد أنه «غياب آليات شفافة للرقابة على مصادر تمويل الأحزاب، ما يضع المعارضة في مواجهة غير متوازنة مع الأحزاب الأخرى ذات الإمكانات الأكبر».

واستأنف مرشحو الأحزاب والمستقلون، الأربعاء، حملاتهم الدعائية لجولة الإعادة للمرحلة الثانية من الانتخابات عبر اللقاءات الميدانية ووسائل التواصل الاجتماعي، إذ من المقرر إجراء جولة الإعادة لهذه المرحلة في الخارج يومي 15 و16 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وفى الداخل يومي 17 و18 من الشهر نفسه، على أن تُعلَن النتيجة يوم 25 ديسمبر.
المخالفات والطعون
يأتي ذلك فيما يستمر الجدال العام في مصر حول مسار العملية الانتخابية بعد «سلسلة مخالفات» رافقت التصويت، ودفعت الرئيس السيسي إلى مطالبة الهيئة الوطنية للانتخابات بمراجعة التجاوزات.
وانتهى الأمر بإلغاء نتائج 19 دائرة في سبع محافظات، قبل أن تضيف المحكمة الإدارية العليا أحكاماً ببطلان 29 دائرة أخرى، لترتفع نسبة الدوائر الملغاة في النظام الفردي إلى أكثر من 60 في المائة.
وبحسب وسائل إعلام محلية، بلغ عدد الطعون المقدمة على نتائج الجولة الأولى من المرحلة الثانية نحو 60 طعناً.
وفي ظل هذا المشهد المتشابك، أعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات بدء التصويت في 20 دائرة ملغاة في سبع محافظات، الأربعاء، بمشاركة 455 مرشحاً يتنافسون على 43 مقعداً في 1775 لجنة فرعية على مدى يومين. وبرزت محافظة سوهاج بصعيد مصر بصفتها واحدة من أكثر الدوائر نشاطاً، بعدما سُجّلت فيها كثافة تصويتية لافتة.
وحرصت هيئة الانتخابات على التشديد على «أهمية متابعة أي تجاوزات قد تُرصد في اللجان، والتنبيه إليها فوراً لضمان اتخاذ الإجراءات اللازمة»، وفق ما صرح به رئيس الجهاز التنفيذي للهيئة، القاضي أحمد بنداري.
وعدّ مراقبون هذا التحرك إجراءً احترازياً يهدف إلى ضبط مجريات التصويت، وضمان انتظام العملية الانتخابية في جميع اللجان، وعدم تكرار الخروقات السابقة.




