كشفت دراسة إيطالية عن حل مبتكر قد يغيّر مستقبل الاستيطان البشري على المريخ، عبر استخدام بكتيريا قادرة على تحويل غبار الكوكب الأحمر مادة بناء صلبة تشبه الخرسانة.
وأوضح الباحثون في جامعة بوليتكنيك ميلانو أن هذا التقدم يأتي بينما تطمح وكالات الفضاء الدولية لإنشاء أول مساكن بشرية على المريخ، وسط تحديات تتعلق بنقل مواد البناء من الأرض بتكلفة هائلة، ونشرت النتائج، الاثنين، بدورية «Frontiers».
ويمثل استيطان البشر على المريخ أحد أكثر الطموحات العلمية جرأة في القرن الحادي والعشرين؛ إذ يسعى العلماء لتحويل الكوكب الأحمر من بيئة قاحلة ذات ظروف قاسية إلى موطن قابل للعيش. ويرتكز هذا الهدف على تقنيات متقدمة تشمل إنتاج الغذاء محلياً، وتوليد الأكسجين، وبناء مساكن مقاومة لظروف المريخ بالاعتماد على موارده الطبيعية.
وتشير الدراسة إلى أن المريخ، الذي فقد غلافه الجوي الكثيف قبل مليارات السنين، يتسم بضغط جوي منخفض ودرجات حرارة تتراوح بين 90 درجة مئوية تحت الصفر و26 درجة، إلى جانب مستويات مرتفعة من الإشعاع الكوني. ومع ارتفاع تكلفة نقل مواد البناء من الأرض، يصبح الاعتماد على الموارد المتاحة في الموقع، خياراً أساسياً لا يمكن الاستغناء عنه.
ويقدم الباحثون رؤية جديدة مستوحاة من الطبيعة، تعتمد على ظاهرة «التعدين الحيوي»، وهي قدرة بعض الكائنات المجهرية على إنتاج معادن عبر عملياتها الحيوية.
وركّز الفريق على بكتيريا «Sporosarcina pasteurii»، المعروفة بإنتاج كربونات الكالسيوم المشابهة للأسمنت الطبيعي عبر عملية التحلل البولي، إلى جانب بكتيريا «Chroococcidiopsis»، وهي «سيانوبكتيريا» شديدة التحمل أثبتت قدرتها على النجاة في ظروف مشابهة لسطح المريخ.
وتوضح الدراسة أن هاتين البكتيريتين تعملان بتناغم مذهل، حيث تنتج بكتيريا «Chroococcidiopsis» الأكسجين وتخلق بيئة دقيقة داعمة لنمو البكتيريا الشريكة، كما تفرز مواد بوليمرية تحميها من الأشعة فوق البنفسجية القاسية على المريخ. في المقابل، تقوم بكتيريا «Sporosarcina pasteurii» بإفراز بوليمرات طبيعية تعزز نمو المعادن وتعمل على تصلّب التربة المريخية وتحويلها مادة شبيهة بالخرسانة.
ويقترح الباحثون استخدام هذا الخليط الحيوي من التربة المريخية والبكتيريا كـ«مادة أولية» للطباعات ثلاثية الأبعاد؛ ما يمهّد لبناء الهياكل الخرسانية المستقبلية على المريخ بطريقة ذاتية ومعتمدة على الموارد المحلية.
ويؤكد الفريق أن هذه التقنية، التي تقع عند تقاطع علوم الأحياء الفلكية والجيوكيمياء وهندسة المواد والروبوتات، يمكن أن تغيّر قواعد البناء في البيئات خارج الأرض.
وحسب الفريق، لا يتوقف دور هذا «الثنائي البكتيري» عند تشييد المباني؛ إذ يمكن أن تسهم «سيانوبكتيريا» في إنتاج الأكسجين لدعم أنظمة الحياة، بينما قد يُستخدم الأمونيا الناتجة من نشاط البكتيريا الأخرى ضمن نظم زراعية مغلقة أو حتى في مسارات مستقبلية لتعديل بيئة المريخ على المدى البعيد.
ومع أن الخطط الدولية تشير إلى بناء أول مسكن بشري على المريخ بأربعينات هذا القرن، يؤكد الباحثون أن التأخر في تنفيذ مهمة إعادة عينات المريخ يحدّ حالياً من فرص اختبار هذه التقنيات على نطاق واسع.



