للمرّة الأولى، لن يكتفي الأطفال هذا العام بالجلوس في قاعات مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، ومشاهدة الأفلام الموجّهة لهم، بل سيقفون خلف الكاميرا، حاملين قصصهم الصغيرة، وصانعين عالمهم البصري الخاص، ضمن مبادرة غير مسبوقة تُعيد تعريف العلاقة بين الطفل والسينما في المملكة.
هذه الخطوة تأتي تحت مظلّة برنامج «المواهب الصاعدة»، لاكتشاف مهارات الأطفال والشباب من عمر 10 إلى 16 سنة، عبر تدريب احترافي ينتهي بأفلام تُعرَض رسمياً ضمن المهرجان.
الطفل ليس مشاهداً فقط
المبادرة توصف بأنها «مشروع يضع الأطفال في داخل المشهد السينمائي، ليس بكونهم متلقّين فحسب، بل بوصفهم صنَّاعاً حقيقيين». والفكرة وُلدت من إيمان مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي بأنّ الطفل لا ينتظر المستقبل ليكون مبدعاً، بل هو قادر منذ لحظته الأولى داخل مساحة فنّية على صياغة رؤيته الخاصة للعالم. وقد تلاقت هذه الفلسفة مع روح المهرجان الذي يسعى دائماً إلى خَلْق منصات جديدة تُشعل شرارة الشغف لدى الجيل القادم.

ومع إطلاق المهرجان برنامجاً مخصّصاً لأفلام الطفل، جاءت هذه المبادرة لتضيف بُعداً آخر: أن يكون الطفل صانع الحكاية، لا متلقيها فقط.
البرنامج التدريبي، المُصمَّم بروح تجمع بين المتعة والمغامرة، يأخذ الأطفال في سلسلة ورشات عملية تبدأ من سؤال أساسي: «ما القصة التي تريد أن ترويها؟».
ومن الكتابة إلى اختيار زوايا التصوير، فالإضاءة، والتسجيل الصوتي، وصولاً إلى الوقوف في موقع المخرج، يختبر الأطفال جميع مفاصل الرحلة السينمائية. التدريب لا يقوم على التقنيات وحدها، بل يذهب إلى ما هو أعمق: اكتشاف الصوت الداخلي للطفل، وتحرير خياله، وتحويل أفكاره إلى صور تتحرَّك على الشاشة.
الهدف ليس تعليم السينما فقط، بل «الاحتفال بالتجربة الإبداعية»، وأن يشعر الطفل بأن الفيلم الذي يصنعه هو عالمه الخاص.
شراكات تصنع الفارق
لا يقتصر التدريب على كوادر مدرسة الفنون السينمائية في جامعة عفّت، بل يمتد ليشمل صنَّاع أفلام محترفين، ومدربين متخصّصين، وشركاء من مهرجان «البحر الأحمر».
وجود هؤلاء يمنح التجربة ثقلاً احترافياً، ويجعل الطفل يشعر بأنه جزء من صناعة حقيقية، لا مجرد مشروع مدرسي. إنها بيئة تُحفّز الحماسة، وتحوّل الورشة إلى منصة صغيرة تشبه مواقع تصوير الأفلام الكبرى.
اختيار الأفلام بمعيار الخيال
اختيرت الأفلام النهائية التي ستُعرَض في المهرجان عبر لجنة متخصّصة تتعامل مع هذه الأعمال بمنظور مختلف. فالمعيار هنا ليس التقنية البحتة، بل صدق التجربة وجرأة الخيال.
إنّ أول ما يُنظَر إليه هو أن يكون الفيلم نابعاً من الطفل نفسه، يحمل بصمته الخاصة، ورؤيته البريئة، وقدرته على تحويل عالمه الصغير إلى حكاية تُرى وتُلمس.
وخلال العرض الرسمي على شاشة المهرجان، يعيش الأطفال لحظة اكتشاف نادرة: أن أفكارهم، مهما بدت بسيطة، يمكن أن تجد جمهوراً حقيقياً ومكاناً في واحدة من أهم التظاهرات السينمائية في المنطقة.
ويتجاوز أثر المبادرة تعليم مهارات فنية، فهي تمنح الطفل ثقةً حقيقيةً بصوته وقدرته على التعبير. إنها تجربة تصنع ذاكرة إبداعية مبكرة، وتفتح أبواباً لفهم الذات، وقد تقود بعضهم إلى مسارات احترافية مستقبلاً، أو تمنحهم ببساطة طريقةً أجمل لرؤية العالم.
وقدَّم الأطفال 8 أفلام قصيرة تنوَّعت في موضوعاتها وتقنياتها. هذه الأعمال، على اختلافها، تؤكد أنّ الطفل قادر على تقديم قصة عميقة، صادقة، ومُدهشة حين يُمنَح المساحة والفرصة.


