إسرائيل تتصرف في جنوب لبنان «كأنه الضفة الغربية»

1200 عملية اقتحام بري خلال سنة و175 اغتيالاً... وتدريبات على احتلال كامل

دبابتان إسرائيليتان على الحدود مع لبنان الأحد (إ.ب.أ)
دبابتان إسرائيليتان على الحدود مع لبنان الأحد (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تتصرف في جنوب لبنان «كأنه الضفة الغربية»

دبابتان إسرائيليتان على الحدود مع لبنان الأحد (إ.ب.أ)
دبابتان إسرائيليتان على الحدود مع لبنان الأحد (إ.ب.أ)

بعد أن اعترفت القيادات الإسرائيلية وتباهت باغتيال القائد العسكري لـ«حزب الله» هيثم علي الطبطبائي، بغارة جوية على الضاحية الجنوبية لبيروت الأحد، راحت توجه رسائل تهديد تؤكد فيها أنها تنوي التصعيد أكثر قريباً.

فقد أعلنت تل أبيب عن رفع حالة الاستنفار في منظومة دفاعاتها الجوية على طول حدود إسرائيل الشمالية مع لبنان، وأجرت تدريبات مفاجئة بالنيران الحية في مزارع شبعا المحتلة.

وأوحت القيادات الإسرائيلية بأن الإدارة الأميركية لن تمانع هذا التصعيد؛ «لأنها اقتنعت بأن (حزب الله) لن يسلم سلاحه بالوسائل الدبلوماسية»، وأن «إسرائيل ستتولى هذه المهمة بالقوة، وليس فقط بالاغتيالات».

وأكدت أن الجيش الإسرائيلي بات يتصرف في لبنان كما يتصرف في الضفة الغربية المحتلة، وأنه ينفذ اقتحامات يومية؛ إذ نفذ 1200 عملية اقتحام خلال السنة الماضية، منذ إعلان اتفاق وقف النار في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، و175 عملية اغتيال لقادة في «الحزب»، ونفذ غارات جوية ليس فقط في الجنوب اللبناني؛ بل أيضاً في البقاع والهرمل شرق لبنان. ولمحت القيادات إلى أن الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل «الحزب»، ستكون مستهدفة مثلما كانت غزة.

اغتيال الطبطبائي

وقال المحرر العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، إن اغتيال الطبطبائي، «جاء جزءاً من التصعيد الذي قُرر؛ لأن الحكومة الإسرائيلية كانت تتوقع أن يدخل الجيش اللبناني في مواجهة مع (حزب الله) من أجل نزع سلاحه، بعد وقف إطلاق النار، لكنها أدركت لاحقاً أن مواجهة كهذه لن تحدث، وأن (حزب الله) سرّع جهوده بالتسلح ونشر عناصره في شمال نهر الليطاني وجنوبه».

وأضاف أن قرار إسرائيل استهداف مسؤول رفيع بهذه الدرجة في «حزب الله» يشير إلى أن إسرائيل «مستعدة لمواجهة مخاطر بثمن الدخول في أيام قتالية وتبادل ضربات عسكرية»، فتوازن القوى بين الجانبين ليس كما كان قبل سنة، وحسن نصر الله، الأمين العام لـ«الحزب»، الذي اغتالته إسرائيل، والقيادة العسكرية لـ«الحزب»، ليسوا موجودين، ومخزون القذائف الصاروخية تقلص، كما أن الروح القتالية لم تعد كما كانت... ورغم ذلك، فإنه لا يزال هناك احتمال لرد من جانب «حزب الله».

جانب من تشييع الطبطبائي في الضاحية الجنوبية لبيروت الاثنين (أ.ب)

ورجح هرئيل أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لم يكن سيصادق على اغتيال الطبطبائي «من دون دعم كامل من جانب الرئيس الأميركي دونالد ترمب. فالأميركيون يحاولون كثيراً الدفع بواقع جديد في لبنان، ومن الجائز أنهم يعتقدون أن تنفيذ ذلك من خلال الاغتيال سيدل على أن جدية النيات الإسرائيلية قد تخرج الاتصالات مع الحكومة اللبنانية من حالة الجمود».

جهد منهجي

وقال المختص في الشؤون الاستراتيجية بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي، إن تصفية الطبطبائي لم تكن مجرد إشارة إلى نفاد صبر إسرائيل بسبب ازدياد قوة «حزب الله»، «بل كانت أيضاً، وربما بالدرجة الأولى، جزءاً من جهدٍ منهجي لتقويض القوة العسكرية للمنظمة وسلسلة قيادتها. فالطبطبائي هو القائد العسكري الكبير رقم (175) الذي تُقصيه إسرائيل منذ بدء الحرب قبل أكثر من عامين. وتشير الخبرة المُكتسبة إلى أن غياب أي قائد كبير ومتمرس يُقصَى، حتى لو عُيّن بديل له، يُضرّ، ولو مؤقتاً، بفاعلية الأداء العسكري للمنظمة».

دبابة إسرائيلية على الحدود مع لبنان الاثنين (رويترز)

وأكد بن يشاي أن أميركا منحت الضوء الأخضر لهذا لاغتيال، «ليس فقط تشجيعاً لإسرائيل، بل أيضاً ينبع ذلك من رغبة الرئيس ترمب في أن يُنظر إليه على أنه صانع سلام في الشرق الأوسط. فهو ومبعوثوه إلى بيروت يطالبون الآن الحكومة اللبنانية ليس فقط بأن تكون أكبر حزماً في عملية تفكيك القدرات العسكرية لـ(حزب الله)، بل أيضاً بالدخول في مفاوضات سياسية مباشرة مع إسرائيل بشأن اتفاق يُنهي القتال، وربما يُعزز السلام، أو على الأقل الهدوء، على الحدود الشمالية».

محاكمة نتنياهو

ولا يغفل المحللون الإسرائيليون الحسابات الداخلية؛ السياسية والحزبية والشخصية، لرئيس الوزراء نتنياهو في هذه التطورات. وكتب هرئيل: «حقيقةُ أن النيران مشتعلة في جبهات عدة تساعد نتنياهو في السيطرة على الخطاب العام الإسرائيلي، وهذا يمهد أيضاً الأرضية للأجواء التي ستسود هنا قبيل الانتخابات العامة، وتوفر له ذرائع كثيرة لتأجيل جلسات محاكمته الجنائية. وبإمكان رئيس الحكومة الاستمرار في القَسَم بأنه استُخلص عبر (7 أكتوبر/ تشرين الأول)، ولذلك هو يتخذ خطاً هجومياً وقتالياً. لكن في الخلاصة، يبدو أن القرارات لا تُتخذ انطلاقاً من حسابات أمنية موضوعية فقط».

توقعات الجيش

يذكر أن الجيش الإسرائيلي يضع احتمالات عدة لرد «حزب الله» على اغتيال قائده العسكري، وفي مقدمتها إطلاق قذائف صاروخية من لبنان على إسرائيل، أو محاولة تسلل مقاتلين من «الحزب» إلى مواقع الجيش الإسرائيلي عند الحدود، أو أن يطلق «الحوثيون» في اليمن صواريخ باتجاه إسرائيل، أو ألا يرد «حزب الله» بتاتاً على اغتيال الطبطبائي، وفق ما ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي، الاثنين.

وفي كل الأحوال، قرر الجيش الإسرائيلي ألا ينتظر حتى يقرر «حزب الله» الرد، بل قرر استباق الأحداث ومواصلة الغارات الجوية في لبنان بادعاء «إضعاف» «حزب الله»، وضد محاولاته ترميم نفسه عسكرياً وحتى شعبياً واجتماعياً، حيث تُقصف الجرافات التي تزيل الركام وتحاول إعادة بناء البيوت.

ويحرص الإسرائيليون على إطلاع الأميركيين بالتفصيل على كل حادث اعتداء ينفذونه في لبنان، حتى باتوا متفهمين. فعندما يمنعون إعادة البناء يقدمون ملفاً عن البلدة يظهر كيف كان «حزب الله» يستخدمها لحفر الأنفاق وتخزين السلاح.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تخطط لاستثمار 110 مليارات دولار لتعزيز استقلال صناعتها العسكرية

شؤون إقليمية جنود إسرائيليون يسيرون خلال جولة أسبوعية للمستوطنين في الضفة الغربية (رويترز)

إسرائيل تخطط لاستثمار 110 مليارات دولار لتعزيز استقلال صناعتها العسكرية

تعتزم إسرائيل استثمار 350 مليار شيقل (نحو 110 مليارات دولار) على مدى السنوات العشر المقبلة لتعزيز استقلالية صناعتها العسكرية المحلية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية لقطة من الفيديو الذي نشره المكتب الصحافي لبنيامين نتنياهو

فيديو بالذكاء الاصطناعي يظهر نتنياهو وترمب وهما يقودان مقاتلة

نشر المكتب الصحافي لنتنياهو، الأربعاء، مقطع فيديو مولد بالذكاء الاصطناعي لرئيس الوزراء وترمب، وهما يقودان طائرة مقاتلة فوق مجموعة من المباني في منطقة صحراوية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

إسرائيل ستستثمر خلال العقد المقبل 110 مليارات دولار في تصنيع الأسلحة

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأربعاء إن بلاده ستستثمر 350 مليار شيقل (أي ما يوازي 110 مليارات دولار) على مدى السنوات العشر المقبلة.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز) play-circle

نتنياهو يسعى لتحميل «حماس» انفجار رفح قبل زيارته لأميركا

سعى ​رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأربعاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط من «لواء غولاني» بالجيش ⁠الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة.

«الشرق الأوسط» (غزة - تل أبيب)
خاص الرئيس الأميركي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزوجته سارة عند المدخل الجنوبي للبيت الأبيض يوم 7 يوليو 2025 (د.ب.أ)

خاص نتنياهو لا يزال يدرس «ترمب الجديد»

الخبراء بتل أبيب يلفتون الانتباه إلى «أزمة خطيرة بمكانة إسرائيل لدى واشنطن لدرجة الحديث عن تشكيل تهديد استراتيجي»، وترمب يثق بأنه يعرف مصلحة إسرائيل أكثر منها.

نظير مجلي (تل أبيب)

الجيش الإسرائيلي: استهدفنا قبل قليل مسلحاً بمنطقة الناصرية في لبنان

جنود من الجيش اللبناني يقفون بجوار حطام سيارة استُهدفت في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان في 22 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني يقفون بجوار حطام سيارة استُهدفت في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان في 22 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

الجيش الإسرائيلي: استهدفنا قبل قليل مسلحاً بمنطقة الناصرية في لبنان

جنود من الجيش اللبناني يقفون بجوار حطام سيارة استُهدفت في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان في 22 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)
جنود من الجيش اللبناني يقفون بجوار حطام سيارة استُهدفت في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان في 22 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

أعلن الجيش الإسرائيلي اليوم (الخميس) مقتل شخص بمنطقة الناصرية في لبنان.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي «إكس»: «هاجم جيش الدفاع والشاباك قبل قليل عنصراً إرهابياً في منطقة الناصرية بلبنان».

وفي السياق، ذكرت الوكالة الوطنية للأنباء والإعلام، أن مسيَّرة إسرائيلية استهدفت سيارة في بلدة جناتا قضاء صور مساء أمس، وأفادت البلدية اللبنانية في بيان أن الغارة تسببت في إصابة شخص صودف مروره في المكان، وتم نقله إلى المستشفى.


إسرائيل تخطط لاستثمار 110 مليارات دولار لتعزيز استقلال صناعتها العسكرية

جنود إسرائيليون يسيرون خلال جولة أسبوعية للمستوطنين في الضفة الغربية (رويترز)
جنود إسرائيليون يسيرون خلال جولة أسبوعية للمستوطنين في الضفة الغربية (رويترز)
TT

إسرائيل تخطط لاستثمار 110 مليارات دولار لتعزيز استقلال صناعتها العسكرية

جنود إسرائيليون يسيرون خلال جولة أسبوعية للمستوطنين في الضفة الغربية (رويترز)
جنود إسرائيليون يسيرون خلال جولة أسبوعية للمستوطنين في الضفة الغربية (رويترز)

تعتزم إسرائيل استثمار 350 مليار شيقل (نحو 110 مليارات دولار) على مدى السنوات العشر المقبلة لتعزيز استقلالية صناعتها العسكرية المحلية، بحسب ما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الأربعاء، وفقاً لتقارير إعلامية إسرائيلية.

وخلال كلمة ألقاها في حفل تخرج طيارين جدد في سلاح الجو، قال نتنياهو إن البرنامج يهدف إلى تقليل اعتماد إسرائيل على الموردين الأجانب «بمَن فيهم الأصدقاء»، حسبما نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

وأشار نتنياهو، في تصريحاته، إلى ألمانيا، قائلاً إنها مثل دول أخرى تسعى إلى شراء «المزيد والمزيد» من أنظمة الأسلحة من إسرائيل. وكانت ألمانيا قد علّقت مؤقتاً بعض صادرات الأسلحة إلى إسرائيل في أعقاب الحرب المدمرة في غزة، التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، وهي خطوة أثّرت سلباً في العلاقات مع تل أبيب.

كما فرضت دول أوروبية أخرى والولايات المتحدة، الحليف الأقرب لإسرائيل، قيوداً مختلفة، ما قوبل بانتقادات من نتنياهو. وقال رئيس الوزراء إن برنامج الاستثمار الدفاعي الجديد يهدف إلى ضمان الاستقلالية الاستراتيجية لإسرائيل في مجال إنتاج الأسلحة.

وفي الأسبوع الماضي، وقّعت ألمانيا وإسرائيل عقداً لتوسيع منظومة الدفاع الصاروخي «آرو 3» التي زودت بها القوات المسلحة الألمانية، والمصممة للحماية من هجمات صاروخية محتملة من روسيا.

وذكر مسؤولون إسرائيليون أن القيمة الإجمالية للصفقة، بما في ذلك النظام الأساسي، تبلغ نحو 5.7 مليار يورو (6.7 مليار دولار)، ما يجعلها أكبر صفقة تسليح في تاريخ إسرائيل.

وتزود ألمانيا إسرائيل بأنظمة تسليح رئيسية منذ عقود.


نتنياهو يتهم «حماس» بخرق الاتفاق قبل لقائه ترمب


جانب من احتفالات ليلة عيد الميلاد خارج «كنيسة المهد» في بيت لحم بالضفة الغربية أمس (أ.ف.ب)
جانب من احتفالات ليلة عيد الميلاد خارج «كنيسة المهد» في بيت لحم بالضفة الغربية أمس (أ.ف.ب)
TT

نتنياهو يتهم «حماس» بخرق الاتفاق قبل لقائه ترمب


جانب من احتفالات ليلة عيد الميلاد خارج «كنيسة المهد» في بيت لحم بالضفة الغربية أمس (أ.ف.ب)
جانب من احتفالات ليلة عيد الميلاد خارج «كنيسة المهد» في بيت لحم بالضفة الغربية أمس (أ.ف.ب)

سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أمس، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح.

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ورغم أن الجيش الإسرائيلي فتح تحقيقاً في انفجار رفح لمعرفة توقيت زرع العبوة؛ فإن نتنياهو اتهم «حماس» بأنها انتهكت اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفق خطة قدمها ترمب. لكن «حماس» أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

إلى ذلك، منعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي نائب الرئيس الفلسطيني، حسين الشيخ، أمس، من المشاركة في قداس منتصف الليل الذي تقيمه كنيسة المهد ببيت لحم احتفالاً بعيد الميلاد، ومنعت موكبه من الوصول إلى الكنيسة.