تثير العملية العسكرية الأميركية المعلنة ضد تجار المخدرات الفنزويليين، إلى جانب تهديدات دونالد ترمب بتنفيذ ضربات على الأراضي الفنزويلية، قلق قوى أوروبية لديها أراضٍ تقع استراتيجياً في منطقة البحر الكاريبي، على ما يرى مراقبون.
وبدأت فرنسا وهولندا والمملكة المتحدة تقليص تبادل المعلومات الاستخباراتية مع واشنطن بشأن منطقة الكاريبي؛ خشية استخدامها في ضربات قد تُعد غير قانونية داخل أراضيها، بحسب مسؤولين ومصادر تحدثت إلى «وكالة الصحافة الفرنسية».
وللمملكة المتحدة أقاليم صغيرة في الكاريبي تعود إلى الحقبة الاستعمارية، فيما أصبحت الجزر الكبيرة مارتينيك وغوادلوب وكذلك غويانا الفرنسية الواقعة على البر الرئيسي لأميركا الجنوبية جزءاً رسمياً من فرنسا.
وهولندا هي الدولة الأكثر تأثراً من الناحية الجغرافية، إذ لها ثلاث جزر قبالة سواحل فنزويلا، هي أروبا وبونير وكوراساو (يشار إليها اختصاراً إيه بي سي)، وجميعها جزء من المملكة.
وتتهم فنزويلا واشنطن بالسعي إلى تغيير النظام في كراكاس من خلال تعزيزاتها العسكرية، وفي مقدمتها مجموعة حاملة طائرات، وسفن حربية، وكثير من الطائرات الشبح.
في المقابل، تتهم واشنطن مادورو بقيادة كارتل مخدرات «إرهابي»، وهو ما ينفيه. ومنذ سبتمبر (أيلول) قتلت القوات الأميركية 83 شخصاً على الأقل في ضربات جوية استهدفت قوارب اتُّهمت بنقل مخدرات في المياه الدولية، وفقاً لتعداد أجرته «وكالة الصحافة الفرنسية» استناداً إلى أرقام رسمية.
ولم تنشر الولايات المتحدة أي تفاصيل تؤكد أقوالها بأن المستهدفين في منطقة البحر الكاريبي وشرق المحيط الهادئ في أكثر من 20 غارة، كانوا من مهربي المخدرات.
وصرّح ترمب بأنه يعتقد أن أيام مادورو باتت معدودة، ورفض استبعاد نشر قوات برية، مؤكداً في الوقت نفسه انفتاحه على إجراء محادثات مع الزعيم اليساري.
وقال مسؤول عسكري فرنسي طلب عدم الكشف عن هويته: «الهولنديون قلقون بشأن جزر إيه بي سي التابعة لهم... والواقعة على بُعد حوالي 50 كيلومتراً قبالة سواحل فنزويلا».
وأضاف مصدر عسكري أوروبي طلب أيضاً عدم الكشف عن هويته؛ إذ إنه غير مخوّل بالتصريح علناً: «سيجدون أنفسهم على خط المواجهة» في حال نشوب حرب.
«الأوروبيون لا يقدمون معلومات استخباراتية»
مع قلة الخيارات المتاحة أمام ترمب، قررت تلك الدول الثلاث وقف تبادل بعض معلومات الاستخبارات مع واشنطن، وفق مصادر عدة.
وصرّح مدير جهاز الاستخبارات المدنية ومكافحة التجسس الهولندي إريك أكيربوم لصحيفة «دي فولكس كرانت»: «نحن متيقظون خصوصاً فيما يتعلق بتسييس أجهزتنا وانتهاكات حقوق الإنسان».
وقال رئيس جهاز أوفاست لمكافحة المخدرات ديمتري زولاس لإذاعة راديو الكاريبي: «لن تُرسل أي دولة أوروبية، بما فيها فرنسا، معلومات استخباراتية عملياتية إلى الأميركيين في الوضع الحالي إذا كان بإمكانهم استخدامها لاستهداف سفينة بضربة عسكرية».
ولم تؤكد السلطات الفرنسية هذا الموقف علناً. لكنّ مصدراً أمنياً قال: «من الواضح تماماً أن الأوروبيين لا يُقدّمون حالياً للولايات المتحدة أي معلومات استخباراتية من شأنها أن تؤدي إلى ضربة».
في المملكة المتحدة ذكرت صحيفة «تايمز» أن المدعي العام ريتشارد هيرمر، كبير المستشارين القانونيين للحكومة، طلب من الوزراء وقف تبادل المعلومات الاستخباراتية؛ خشية أن يقوم ترمب بـ«اغتيال» تجار مخدرات في منطقة الكاريبي.
ونفى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في وقت سابق من هذا الشهر تقارير أفادت بأن المملكة المتحدة أوقفت تبادل مثل هذه المعلومات، ووصفها بأنها «أخبار كاذبة».
«ليس الوضع تغييراً جذرياً»
صرّح الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني (إم آي 6) ريتشارد ديرلوف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بأن الوضع ليس استثنائياً، وأنه يُجنّب الأوروبيين التواطؤ في عمل ربما هو قانوني في الولايات المتحدة، ولكنه ليس كذلك في بلدانهم.
وقال: «هذا لا يؤثر على تبادل المعلومات الاستخباراتية بشكل عام. إنها قضية محلية ومحددة. وقد حدث ذلك من قبلُ خلال تجربتي». ويدرك الأوروبيون مخاطر استعداء إدارة ترمب.
وقال مصدر في جهاز استخبارات أوروبي: «قبل أن نقول لا للولايات المتحدة ونعلن ذلك، علينا أن نفكر جيداً، لأنهم يقدمون كثيراً» من المعلومات لحلفائهم.
لكنّ عسكرياً أميركياً سابقاً ناشطاً في عمليات مكافحة المخدرات في المنطقة، قال إن مساهمة الأوروبيين في العمل الاستخباراتي الأميركي على الأرض محدودة جداً.
وضبط النفس الأوروبي له تأثير «من الناحية النظرية»؛ لأن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى المعلومات وفق المصدر الأمني الفرنسي.
وبما أنها «مشكلة قانونية بالمعنى الحرفي للكلمة» وفق ديرلوف، فلا ينبغي أن يمسّ ذلك بالصورة الأوسع لتبادل المعلومات الاستخباراتية عبر ضفتي الأطلسي.
وقال: «وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) تُدرك هذا الأمر جيداً. إنه مجال معروف، ويثير أحياناً إشكاليات، ولكنه لا يؤشر إلى تغيير جذري في العلاقة الاستخباراتية».



