أشار بيان مصري - تركي مشترك صدر، الخميس، إلى توافق البلدين على مجموعة من الملفات الإقليمية، في مقدمتها تنفيذ خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، لوقف حرب غزة، والتأكيد على وحدة السودان، ودعم انتقال سياسي شامل في سوريا، والحفاظ على سيادة الأراضي الصومالية.
وفي حين أكد خبراء لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا التوافق لا يزيل (تباينات) ما زالت حاضرة في بعض الملفات، بينها مسار الأوضاع الراهنة في سوريا وليبيا، وتعيين الحدود في شرق المتوسط»، غير أنهم أكدوا التوافق بين البلدين لإدارة هذه الخلافات وفق رؤية قائمة على الحوار، بعيداً عن التصعيد الذي كان سمة سائدة في العلاقات بينهما.
وجاء البيان المشترك في ختام اجتماع وزيرَي الخارجية المصري بدر عبد العاطي، والتركي هاكان فيدان، الأربعاء، في أنقرة، ترأسا خلاله «مجموعة التخطيط المشتركة».
وبرهن البيان على توظيف البلدين لزخم العلاقات نحو الوصول إلى تفاهمات في ملفات شهدت تباينات في سبل التعاطي معها، وشدد البلدان على «تعزيز وتطوير الزخم الإيجابي في العلاقات الثنائية، ومواصلة تطوير العلاقات الاقتصادية والأمنية على المستويين الثنائي والإقليمي، في إطار الرؤية التي حددها رئيسا البلدين».

ودشن البلدان «مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى» في فبراير (شباط) من العام الماضي، على المستوى الرئاسي، وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارة إلى أنقرة، رداً على زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في فبراير من العام نفسه.
وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير حسين هريدي، إن التفاهمات في ملفات عديدة تعبر عن تلاقي المصالح المشتركة للدولتين، مع وجود معطيات دولية جديدة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، والمساعي إسرائيلية لإعادة تشكيل المنطقة، ما أفرز عن تعاون وتنسيق ظهر بشكل أكثر وضوحاً بشأن مساعي وقف الحرب بغزة، وكذلك تنسيق بعض المواقف في ليبيا.
وأضاف هريدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «ملفات الخلافات بين البلدين كان أبرزها في ثلاثة عناوين رئيسية؛ أولها التدخل التركي في الشأن المصري وهو أمر انتهى تقريباً، والرؤى المتعارضة بشأن الحل في ليبيا مع القلق المصري من وجود ميليشيات أجنبية، وهو ما جرى تخفيف درجات التوتر بشأنه، وصولاً للاتفاق على عنوان عريض يتمثل في أهمية تسوية الأزمة على ضوء خريطة طريق المبعوثة الأممية».
وكانت المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، أعلنت في أغسطس (آب) الماضي، خريطة طريق تهدف إلى قيادة ليبيا نحو انتخابات ومؤسسات موحدة في فترة تتراوح بين 12 و18 شهراً.
الملف الثالث، وفقاً لهريدي، يرتبط بتطورات الأزمة الراهنة في السودان، مشيراً إلى أن هذا الملف طرأ على العلاقات ولم يكن حاضراً في ذروة الخلافات بين البلدين، وأن تسارع أحداثه فرض على مصر وتركيا مزيداً من التنسيق للحفاظ على وحدة السودان واستقلاله.
وشهدت العلاقات المصرية - التركية قطيعة حادة في عام 2013، تصاعدت مع مذكرة أنقرة لترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الليبية المقالة من البرلمان، لكن مسار التهدئة انطلق عام 2022 بمصافحة السيسي وإردوغان، ليتطور لاحقاً عبر تعاون في ملفات إقليمية، ومناورات بحرية مشتركة حملت اسم «بحر الصداقة» عام 2025.

وطال البيان المشترك الصادر، الخميس، كل الملفات الإقليمية تقريباً، وأكد التوافق بشأن دعمهما «لخطة الرئيس ترمب بشأن غزة، والتوصل إلى عملية سياسية شاملة تؤدي إلى مستقبل آمن لسوريا، ومكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وتجلياته».
وأكد الوزيران أهمية الحفاظ على الاستقرار في القرن الأفريقي، ودعمهما الراسخ لوحدة وسيادة أراضي جمهورية الصومال الفيدرالية، وأكدا التزامهما بسيادة السودان ووحدة أراضيه والنظام العام فيه، و«العمل المشترك للحفاظ على استقرار ليبيا، لا سيما خريطة طريق الأمم المتحدة»، وجدّدا رؤيتهما المشتركة للبحر المتوسط الشرقي بوصفه منطقة للرخاء والاستقرار.
الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، بشير عبد الفتاح أكد «أن التطابق في جميع الملفات الإقليمية أمر مستحيل في العلاقات الدولية، لكن ما حدث أن مساحات التفاهم بين البلدين اتسعت مؤخراً، بعد تصاعد التهديدات الإسرائيلية في الإقليم»، مضيفاً: «التباينات ما زالت موجودة في ليبيا، وتعيين حدود شرق المتوسط، وكذلك مستقبل السودان، لكن المهم كيفية إدارة هذه الخلافات».
وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «تقاسم المكاسب صيغة مشتركة بين البلدين الآن، وهما يقنعان بأن التفاهم والحلول الوسط هما السبيل الوحيد للتعامل بينهما، بعيداً عن المعادلات الصفرية أو التصعيد».
وأكد عبد الفتاح أن «التصعيد في المنطقة يحرم البلدين من إنجاح سبل التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما، ما يدفع نحو تقارب المواقف في (أزمة غزة)، لكن هناك تباينات في منطقة القرن الأفريقي، وهناك أساس للتعاون تقوم أجندته على لجم التطلعات الإثيوبية التي تشكل خطراً على الأمن القومي المصري، وهو ما بدأت تركيا تتفهمه أخيراً».
وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إن مصر تُعَدّ أكبر شريك تجاري لبلاده في القارة الأفريقية، وإن حجم التجارة الثنائية ارتفع بنسبة 11 في المائة عام 2024 مقارنة بالعام السابق له، ليقترب من 9 مليارات دولار، وأضاف: «نسعى إلى زيادة حجم التبادل التجاري إلى 15 مليار دولار».
وأكد المحلل السياسي والباحث في مركز «تحليل السياسات» في إسطنبول، محمود علوش، لـ«الشرق الأوسط»، أن «التقارب لا يعني أن التباينات انتهت تماماً وتبقى واضحة بشأن ليبيا وسوريا، لكن ما يحدث الآن هو انسجام يتزايد بعد مرحلة إعادة إصلاح العلاقات، ويقدمان نموذجاً لكيفية التعاون في إدارة المشكلات الإقليمية، ما انعكس على التهدئة في ليبيا، وتخفيف حدة التوتر في شرق المتوسط، والتنسيق بشأن حرب غزة».






