لا قواعد أخلاقية... جنود إسرائيليون يقرُّون بقتل مدنيين في غزة

أمٌّ تحتضن جثمان ابنتها في مستشفى «الشفاء» بمدينة غزة (إ.ب.أ)
أمٌّ تحتضن جثمان ابنتها في مستشفى «الشفاء» بمدينة غزة (إ.ب.أ)
TT

لا قواعد أخلاقية... جنود إسرائيليون يقرُّون بقتل مدنيين في غزة

أمٌّ تحتضن جثمان ابنتها في مستشفى «الشفاء» بمدينة غزة (إ.ب.أ)
أمٌّ تحتضن جثمان ابنتها في مستشفى «الشفاء» بمدينة غزة (إ.ب.أ)

أدلت مجموعة من الجنود الإسرائيليين، في فيلم وثائقي تلفزيوني، بشهادات عما أحدثته القوات الإسرائيلية من فوضى في غزة، وعن انهيار المعايير والقيود القانونية؛ حيث قُتل مدنيون «بدافعٍ من أهواء الضباط».

وحسب صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد اشترط بعض الجنود الذين تحدثوا في الفيلم الوثائقي «كسر الصفوف: داخل حرب إسرائيل»، المقرر بثه في المملكة المتحدة على قناة «آي تي في» (ITV) مساء الاثنين، عدم الكشف عن هويتهم، بينما تحدَّث آخرون بأسمائهم الحقيقية. وجميعهم أشاروا إلى تلاشي الالتزام بالقواعد الأخلاقية المتعلقة بالتعامل مع المدنيين.

وقال «دانيال»، وهو قائد وحدة دبابات في الجيش الإسرائيلي: «إذا أردتَ إطلاق النار دون قيود، فبإمكانك ذلك».

وأكد الجنود استخدام الجيش الإسرائيلي الممنهج للدروع البشرية، في تناقض مع النفي الرسمي من قبل تل أبيب، كما قدَّموا تفاصيل عن إطلاق القوات الإسرائيلية النار على مدنيين كانوا يهرعون للحصول على مساعدات غذائية، في نقاط توزيع أنشأتها «مؤسسة غزة الإنسانية» (GHF) المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل.

«الوسيلة والنية والقدرة»

وقال النقيب يوتام فيلك، وهو ضابط في سلاح المدرعات: «في التدريب الأساسي للجيش، كنا جميعاً نردد عبارة (الوسيلة، والنية، والقدرة)، في إشارة إلى إرشادات التدريب الرسمية التي تنص على أنه لا يجوز للجندي إطلاق النار إلا إذا كان لدى الهدف الوسيلة، وأظهر النية، ولديه القدرة على إلحاق الضرر».

وأضاف: «ولكن في غزة، لا وجود لما يُسمى (الوسيلة، والنية، والقدرة). لا يذكر أي جندي هذه العبارة أبداً. بل تقتصر الشبهات على أشياء، مثل: اشتباه بالسير في مكان غير مسموح بالسير فيه، ورجل تتراوح سنه بين 20 و40 عاماً».

وقال جندي آخر، عُرِف في الفيلم الوثائقي باسم «إيلي» فقط: «لا تُحدَّد الحياة ولا الموت بالإجراءات ولا بلوائح إطلاق النار؛ بل إن ضمير القائد الميداني هو الذي يُقرِر هذا الأمر».

وأضاف: «في مثل هذه الظروف، يُصبح تحديد مَن هو العدو أو الإرهابي تعسفياً واعتباطياً. إذا كانوا يسيرون بسرعة كبيرة، فهم مُريبون. وإذا كانوا يسيرون ببطء شديد، فهم مُريبون. إنهم يُدبِّرون شيئاً ما. إذا كان 3 رجال يسيرون وتأخر أحدهم، فهذا يعني تشكيلاً عسكرياً؛ اثنين لواحد. أي هو تشكيل مشاة عسكري».

ووصف «إيلي» حادثة أمر فيها ضابط رفيع دبابة بهدم مبنى في منطقة مصنفة على أنها آمنة للمدنيين، قائلاً: «كان هناك رجل يقف على السطح ينشر الغسيل، فقرر الضابط أنه مراقب ميداني. ولكنه لم يكن مراقباً، إنه فقط كان ينشر الغسيل. يمكنك أن ترى بوضوح أنه ينشر الغسيل».

وأكمل قائلاً: «كانت أقرب قوة عسكرية على بُعد 600- 700 متر؛ لذا، إن لم تكن لديه عينا نسر، فكيف يُمكن أن يكون مُراقباً؟ أطلقت الدبابة قذيفة. انهار نصف المبنى. وكانت النتيجة العديد من القتلى والجرحى».

وأظهر تحليلٌ أجرته صحيفة «الغارديان» في أغسطس (آب) لبيانات استخباراتية تابعة للجيش الإسرائيلي، أن 83 في المائة من القتلى في غزة -حسب تقديرات مسؤولين عسكريين إسرائيليين- كانوا مدنيين. وهو رقم قياسي تاريخي في النزاعات الحديثة، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي نفى هذا التحليل.

وقُتل أكثر من 69 ألف فلسطيني منذ بدء الحرب، ولا يزال مزيد منهم يُقتلون، رغم وقف إطلاق النار الذي بدأ قبل شهر.

فلسطينيون يشيِّعون قتلى سقطوا برصاص إسرائيلي في مدينة غزة (د.ب.أ)

وفي بيان مكتوب، قال الجيش الإسرائيلي: «لا يزال الجيش ملتزماً بسيادة القانون، ويواصل العمل وفقاً لالتزاماته القانونية والأخلاقية، على الرغم من التعقيد العملياتي غير المسبوق الذي يشكله تغلغل (حماس) الممنهج في البنية التحتية المدنية، واستخدامها المواقع المدنية لأغراض عسكرية».

هدف مشروع

قال بعض الجنود الذين أُجريت معهم مقابلات في الفيلم الوثائقي، إنهم تأثروا بلغة السياسيين والزعماء الدينيين الإسرائيليين، الذين أشاروا إلى أنه بعد هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 الذي قُتل فيه نحو 1200 إسرائيلي وأجنبي، أصبح كل فلسطيني «هدفاً مشروعاً».

وخلصت لجنة تابعة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) إلى أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في غزة. وفيما يتعلق بمسألة النية، أشارت اللجنة إلى تحريض من قادة إسرائيليين، مثل الرئيس إسحاق هرتسوغ الذي قال بعد وقت قصير من هجوم 7 أكتوبر: «إنها أمة كاملة مسؤولة عن الهجوم. هذا الكلام عن المدنيين غير المدركين وغير المتورطين فيما حدث غير صحيح على الإطلاق».

ويقول «دانيال»، قائد وحدة الدبابات، إن الخطاب الذي يُعلِن عدم وجود أبرياء في غزة قد تسرب إلى صفوف الجيش. ويضيف: «نسمع هذا طوال الوقت، فنبدأ في تصديقه».

أم فلسطينية تنعى جثمان ابنها في مستشفى «الشفاء» بمدينة غزة (إ.ب.أ)

ويقدم الفيلم الوثائقي أيضاً أدلة على أن بعض الحاخامات في صفوف الجيش قد روَّجوا لهذه الآراء.

وتقول الرائد نيتا كاسبين: «في إحدى المرات، جلس حاخام بجانبي، وقضى نصف ساعة يشرح لماذا يجب أن نكون كما كانوا في السابع من أكتوبر. علينا أن ننتقم منهم جميعاً، بمن فيهم المدنيون. علينا ألا نميز، وأن هذه هي الطريقة الوحيدة».

ويقول الحاخام أبراهام زربيف -وهو رجل دين يهودي متطرف خدم أكثر من 500 يوم في غزة- في الفيلم: «كل شيء هناك هو بنية تحتية إرهابية ضخمة».

ولم يقتصر دور زربيف على منح الشرعية الدينية للهدم الجماعي للأحياء الفلسطينية؛ بل قاد بنفسه جرافات عسكرية، وينسب لنفسه الفضل في ابتكار تكتيك تبناه الجيش الإسرائيلي كله؛ مشيراً إلى الشراء الجماعي للجرافات المدرعة.

ويقول زربيف في البرنامج: «يستثمر الجيش الإسرائيلي مئات الآلاف من الشواقل لتدمير قطاع غزة. لقد غيَّرنا سلوك جيش كامل».

«بروتوكول البعوض»

ويؤكد الجنود الذين أدلوا بشهاداتهم في الفيلم أيضاً التقارير المتواترة طوال الصراع الذي استمر عامين، حول استخدام المدنيين الفلسطينيين دروعاً بشرية، وهي ممارسة تُعرف بشكل غير رسمي باسم «بروتوكول البعوض».

ويشرح «دانيال» هذا الأمر بقوله: «يتم إرسال الدرع البشري إلى تحت الأرض، وهو يحمل هاتف (آيفون) في سترته. وبينما يمشي في النفق، يرسم خريطة شاملة له باستخدام معلومات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)».

ويضيف: «رأى القادة كيف يعمل هذا النظام. وانتشرت الممارسة كالنار في الهشيم. وبعد نحو أسبوع، أصبحت كل وحدة تشغِّل بروتوكول البعوض الخاص بها».

وصرَّح الجيش الإسرائيلي في بيان له بأنه «يحظر استخدام المدنيين دروعاً بشرية، أو إجبارهم بأي شكل من الأشكال على المشاركة في العمليات العسكرية. وقد تم التأكيد على هذه الأوامر بشكل روتيني للقوات طوال فترة الحرب».

قتل مدنيين عُزل بمواقع توزيع المساعدات

وتحدث صنَّاع الفيلم الوثائقي إلى شخص يُعرف باسم «سام» فقط، كان يعمل في مواقع توزيع الغذاء التي تديرها «مؤسسة غزة الإنسانية» (GHF)، وقال إنه شهد قتل مدنيين عُزل على يد الجيش الإسرائيلي.

ووصف حادثة في أحد مواقع التوزيع؛ حيث كان شابان يركضان للحصول على المساعدات: «رأيت جنديين يركضان خلفهما، قبل أن يسقطا على ركبتيهما ويطلقا رصاصتين على الشابين، ليسقطا في الحال».

فلسطيني يجلس وسط الجثث في مشرحة مستشفى «الشفاء» غرب بيت لاهيا شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

وروى حادثة أخرى؛ حيث دمرت دبابة تابعة للجيش الإسرائيلي قرب أحد مواقع التوزيع «سيارة عادية... كان بداخلها 4 أشخاص عاديين».

ووفقاً لأرقام الأمم المتحدة، قُتل ما لا يقل عن 944 مدنياً فلسطينياً خلال سعيهم للحصول على مساعدات في محيط مواقع إغاثة تديرها «مؤسسة غزة الإنسانية».

ونفت المؤسسة والجيش الإسرائيلي استهداف المدنيين الذين يسعون للحصول على الطعام في مواقع توزيع المساعدات. ونفى الجيش الإسرائيلي مزاعم ارتكاب جرائم حرب ممنهجة، وأصر على أنه يعمل «وفقاً للقانون الدولي، ويتخذ تدابير لتقليل الضرر الواقع على المدنيين في عملياته ضد (حماس)».


مقالات ذات صلة

اعتقال غريتا تونبرغ في مظاهرة داعمة للفلسطينيين بلندن

أوروبا الناشطة السويدية غريتا تونبرغ بجوار عَلم فلسطين (أرشيف - رويترز)

اعتقال غريتا تونبرغ في مظاهرة داعمة للفلسطينيين بلندن

​قالت جماعة «ديفيند آور جوريز»، ​الثلاثاء، ‌إن الشرطة البريطانية اعتقلت الناشطة السويدية غريتا تونبرغ في لندن خلال مظاهرة ⁠داعمة للفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب) play-circle

غزيّون تحت القصف يخشون تهجيراً جديداً شرق «الخط الأصفر»

شنّ الجيش الإسرائيلي غارات مكثفة على المناطق الشرقية من خان يونس، أي تلك الواقعة شرق الخط الأصفر، حيث يعيش عشرات آلاف الفلسطينيين في خيام أو منازل تضررت.

«الشرق الأوسط» (غزة)
خاص ترمب في ميامي في 10 ديسمبر 2025 (د.ب.أ)

خاص ترمب بين إنهاء «حروب أبدية» وتسخين جبهات باردة

لا للحروب الأبدية، هكذا بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب عهده الثاني، متعهداً بإنهاء حرب روسيا وأوكرانيا في 24 ساعة، ووضع أميركا أولاً.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي فلسطينيون يسيرون وسط الدمار الذي خلفته الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)

وزير الدفاع الإسرائيلي: لن ننسحب أبداً من قطاع غزة

تعهد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس اليوم الثلاثاء، بأن إسرائيل «لن تنسحب أبدا من قطاع غزة»، قائلا إنه سيجري إنشاء بؤر استيطانية جديدة في شمال القطاع.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي منظر عام لمخيم للنازحين الفلسطينيين في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

تقرير: أميركا وحلفاؤها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار غزة

ذكرت وكالة «بلومبرغ» للأنباء، نقلاً عن مصادر مطلعة، اليوم الاثنين، أن الولايات المتحدة وحلفاءها يجددون مساعيهم لعقد مؤتمر حول إعادة إعمار قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

غزيّون تحت القصف يخشون تهجيراً جديداً شرق «الخط الأصفر»

أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

غزيّون تحت القصف يخشون تهجيراً جديداً شرق «الخط الأصفر»

أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)
أطفال ينظرون من ملجأ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

في بلدة بني سهيلة بجنوب قطاع غزة، لا تجد أم أحمد قديح جواباً لأطفالها الذين يرتجفون خوفاً مع كل غارة إسرائيلية، ويسألونها: لماذا لا يغادرون للنجاة نحو غرب خان يونس، حيث تتركز حركة النزوح؟

خلال الأسبوع الأخير، شنّ الجيش الإسرائيلي غارات مكثفة على المناطق الشرقية من خان يونس، أي تلك الواقعة شرق الخط الأصفر، حيث يعيش عشرات آلاف الفلسطينيين في خيام أو منازل تضررت جراء حرب ضروس استمرت لعامين.

تقول قديح (40 عاماً)، المقيمة مع أطفالها في خيمة إلى جوار منزلها المدمر: «لا ننام طوال الليل بسبب الخوف لتواصل القصف في المنطقة الشرقية»، مضيفة أنّ أطفالها يسألونها: «لماذا لا ننزح من المنطقة، أصوات الانفجارات لا تتوقف، إلى أين سنذهب؟ وأنا لا أملك جواباً؛ لأنه فعلياً لا يوجد بديل حقيقي»، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

صورة لرضيع متوفى في مستشفى ناصر نتيجةً لسياسة إسرائيلية مستمرة تُقيّد بشدة الوصول إلى الأدوية وحليب الأطفال والمعدات الطبية الأساسية وأنظمة التدفئة (د.ب.أ)

وتتابع أن «منطقة المواصي (غرب خان يونس) ممتلئة بالكامل بالخيام»، مشيرة إلى أن البقاء قرب المنزل المدمر «أهون علينا من المجهول».

وفي شمال شرقي خان يونس، يقول عبد الحميد الفرا (70 عاماً) إن عائلته تقيم على أنقاض منزلها المدمر جزئياً، مؤكداً أن «بقاءنا هنا (...) ليس لأننا بأمان، بل لأننا لا نجد مكانا آخر»، قبل أن يضيف بنبرة من التحدي: «لن نخرج من هنا (...) هذه أرضنا مهما اشتد القصف سنبقى، والتهجير لن يكون حلاً لنا، بل مأساة جديدة».

وحسب الفرا، لم تعد المواصي قادرة على استيعاب مزيد من النازحين، بينما يرى أن استمرار نسف المنازل في المناطق الشرقية يهدف إلى «إفراغ المنطقة بالكامل من شرق الخط الأصفر».

والخط الأصفر الخاضع لسيطرة إسرائيل، وهو خط ترسيم بموجب هدنة بين إسرائيل وحركة «حماس» دخلت حيّز التنفيذ منذ 10 أكتوبر (تشرين الأول).

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، وصف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زمير الخط الأصفر بأنه «الحدود الجديدة» مع إسرائيل.

وقال الجيش إن ضرباته تعود إلى «تهديدات» الفصائل الفلسطينية.

وأوضح في بيان إلى «وكالة الصحافة الفرنسية» أن عملياته «الحالية في غزة وانتشاره على وجه الخصوص في منطقة الخط الأصفر، تتمّ لمواجهة تهديدات مباشرة من منظمات إرهابية في غزة».

«لا خيام ولا طعام ولا دواء»

اندلعت الحرب في غزة في السابع من أكتوبر 2023، عقب هجوم غير مسبوق شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، وأسفر عن مقتل 1221 شخصاً، حسب إحصاء لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» استناداً إلى أرقام رسمية إسرائيلية.

ومنذ اندلاع الحرب، قُتل أكثر من 70 ألف شخص في غزة، وفق وزارة الصحة في القطاع، في حين نزح معظم سكانه البالغ عددهم 2.2 مليون نسمة، وكثيرون منهم مرات عدة.

ومنذ سريان وقف إطلاق النار، يتبادل الطرفان بانتظام الاتهامات بخرقه.

وحسب المتحدث باسم الدفاع المدني محمود بصل، فإن بعض السكان يغادرون منازلهم بسبب القصف، لكن الأعداد تبقى محدودة؛ ذلك أن «لا خيارات أمام المواطنين، كثيرون يفضّلون البقاء رغم مخاطر الموت بسبب القصف، ولا مكان آمناً في القطاع».

ويشير بصل إلى أن الجيش الإسرائيلي «كثَّف في الأسابيع الأخيرة القصف الجوي والمدفعي يومياً على خان يونس ومناطق أخرى في القطاع لترحيل الناس؛ لتبقى المناطق الشرقية خالية أمام الاحتلال».

سيدات ينتظرن استلام حصص غذائية مُتبرع بها في مطبخ خيري بخان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

يصف رئيس بلدية خان يونس علاء البطة القصف الإسرائيلي بأنه «خروق لاتفاق وقف إطلاق النار»، عادَّاً أنّه يهدف إلى «تهجير الناس من مناطقهم»، وطالب بتدخل عاجل لوقف تلك الخروق؛ إذ إن «مئات آلاف النازحين يفتقرون لأبسط مقومات الحياة لا خيام ولا طعام ولا دواء».

وفي بلدة خزاعة، يقول محمود بركة (45 عاماً) إن القصف المدفعي «لا يتوقف» في المناطق الشرقية، وإن أصوات الانفجارات «قريبة جداً».

يسير الناس وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين الفلسطينيين وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ويلفت بركة إلى أن الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات نسف يومية للمنازل «وكأننا في ساحة حرب. هدف الاحتلال إخافتنا».

ويردف: «لا ننام طوال الليل. أطفالي ما زالوا يرتجفون من الخوف وأيضاً من البرد، نحن نعيش مأساة حقيقية، لكن فعلياً لا يوجد خيار ولا بديل أمامنا إلا البقاء هنا».

ويأمل بركة بانتهاء هذا الوضع مع بدء المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي، مؤكداً: «نحاول استرجاع حياتنا بالتدريج؛ فنحن تعبنا جداً».

وتتبادل إسرائيل و«حماس» الاتهامات بشأن تأخير بدء مفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق، الذي ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من مواقعها الحالية، وتولي سلطة مؤقتة إدارة القطاع بدلاً من حكومة حركة «حماس»، إضافة إلى نشر قوة استقرار دولية.


هل يستطيع لبنان الانتقال عملياً لسحب السلاح شمال الليطاني؟

مقاتلون من «حزب الله» خلال مناورة في جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)
مقاتلون من «حزب الله» خلال مناورة في جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

هل يستطيع لبنان الانتقال عملياً لسحب السلاح شمال الليطاني؟

مقاتلون من «حزب الله» خلال مناورة في جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)
مقاتلون من «حزب الله» خلال مناورة في جنوب لبنان (أرشيفية - د.ب.أ)

ينتظر الجيش اللبناني قراراً سياسياً يفترض أن تتخذه الحكومة للانتقال مطلع العام لتنفيذ المرحلة الثانية من الخطة التي كان قد وضعها لحصرية السلاح.

وقد أتت تصريحات رئيس الحكومة نواف سلام عبر «الشرق الأوسط» ليعلن الانتقال قريباً لحصر السلاح بين نهري الليطاني والأولي، لتؤكد أن الأسابيع الأولى من العام الجديد ستكون حاسمة في هذا المجال. إلا أن تشدد «حزب الله» ورفضه رفضاً قاطعاً تسليم سلاحه شمال نهر الليطاني يطرح علامات استفهام كبيرة حول خطة الدولة للتعامل معه، علماً أن مقربين منه عدّوا موقف سلام الأخير «خطوة تنازلية جديدة يسعى إليها لبنان الرسمي من دون أي خطوة مقابلة من الطرف الإسرائيلي».

ويبدو واضحاً أن تعامل الحزب مع ما وصفها بـ«الخطوات التنازلية» التي اضطر للرضوخ إليها جنوب الليطاني، سواء من خلال استلام الجيش سلاحه ومواقعه العسكرية أو امتناعه عن الرد على الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة أو تعيين مدني في الوفد الذي يفاوض إسرائيل، لن يكون مماثلاً لتعامله مع احتمال التوسع لتطبيق خطة حصرية السلاح شمال الليطاني دون موافقته على ذلك.

عناصر من الجيش اللبناني بمحاذاة شاحنة تعرَّضت لغارة إسرائيلية في ساحل جبل لبنان الجنوبي الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

ويربط الحزب أي خطوة في هذا الاتجاه، بمجموعة شروط، أبرزها انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة، وإعادة الأسرى ووقف الاعتداءات والشروع في إعادة الإعمار، علماً أنه يربط مصير سلاحه شمال النهر بـ«استراتيجية دفاعية وطنية» يتم التفاهم عليها داخلياً.

الواقع العسكري

وحسب المعلومات، فإن عناصر وضباط الجيش التزموا طوال الفترة الماضية خلال مهماتهم بحصر السلاح جنوب الليطاني بتعليمات واضحة بعدم الاقتراب من مواقع شمال الليطاني، علماً أن مصادر أمنية تؤكد أنه وبالتوازي مع المهام الميدانية التي كانت تحصل جنوب النهر كانت هناك إجراءات حاسمة تتخذ شمالاً، أي على مختلف الأراضي اللبنانية، وبالتحديد لجهة منع نقل السلاح كما التصدي لأي محاولات تهريب له على الحدود اللبنانية - السورية.

وعما إذا كان الجيش جاهزاً لاستكمال تنفيذ الخطة التي وضعتها القيادة، وبالتالي الانتقال إلى المنطقة الواقعة بين نهري الليطاني والأولي، تقول المصادر الأمنية لـ«الشرق الأوسط»: «الخطة وُضعت لتُنفَّذ، والانتقال إلى هذه المرحلة يتطلب قراراً سياسياً»، لافتة إلى أن «تشدد (حزب الله) ورفضه التسليم يعني وضع الجيش بمواجهة مع عناصره؛ ما قد يهدد السلم الأهلي، وهو ما يُعدّ خطاً أحمر بالنسبة لرئاسة الجمهورية وقيادة الجيش».

محاذير سحب السلاح بالقوة

ويستبعد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور هلال خشان انتقال الدولة اللبنانية لتطبيق قرارها حصرية السلاح شمال الليطاني بالقوة، عادَّاً أن «لبنان دولة ناعمة، وهناك دائماً بالنسبة إليها ثغرة بين اتخاذ القرار وتنفيذه».

ويرى خشان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» ألا خيارات أمام الدولة، «وهي تحاول أن تماطل وتطالب بتمديد المهلة المعطاة لها لحصر السلاح حتى أواخر عام 2026».

جنود في الجيش اللبناني يسيرون في نفق حفره «حزب الله» في منطقة زبقين بجنوب لبنان في وقت سابق وسيطر عليه الجيش بعد الحرب (أرشيفية - أ.ب)

ويؤيد خشان وجهة النظر القائلة بأن محاولة سحب السلاح بالقوة «ستؤدي إلى حرب أهلية وانفراط عقد الجيش وانشقاق الضباط الشيعة»، موضحاً أن «الجيش بتركيبته وعقيدته لا يحارب طائفة أو مجموعة وازنة».

أما عن موقف «حزب الله»، فيرجّح خشان أن يتعاطى الحزب مع أي محاولات لمواجهته بالقوة وفق المنطق القائل «عليّ وعلى أعدائي»، متحدثاً عن «مزاج عام مسيطر لدى الشيعة في لبنان برفض تسليم السلاح؛ لأن ذلك يعني الإطاحة بكل الإنجازات التي تحققت للطائفة خلال أكثر من 40 عاماً». ويضيف: «كما أن الحزب غير مهتم بطروحات تقول بإعطائه امتيازات سياسية مقابل السلاح، فهو الذي بقي مسيطراً على الحياة السياسية في لبنان طوال السنوات الماضية، يُدرك أن امتيازات كهذه لا تدوم».

ويرى خشان أن الحزب وبطرحه الاستراتيجية الدفاعية، «يحاول شراء الوقت لعلمه بأن أي نقاشات داخلية لا يمكن أن تصل إلى نتائج في هذا الملف، وهو ما اختبرناه لسنوات طويلة»، مرجحاً أن «يؤدي هذا الواقع لتصعيد إسرائيلي غير واضح إذا ما كان سيرتقي لحرب».

الحزب يرفض

ويؤكد الكاتب السياسي الدكتور قاسم قصير المطلع من كثب على موقف «حزب الله» أن الحزب «يرفض مطلقاً الانتقال لحصر السلاح شمالي الليطاني ويعدّ أن المسؤولية اليوم أمام الدولة والجيش اللبناني والحكومة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية وإنهاء الاحتلال وإطلاق الأسرى»، لافتاً إلى أنه «من غير الواضح بعد كيف ستتم ترجمة عملية الرفض، خاصة بعدما قال الشيخ نعيم قاسم بوضوح في آخر خطاب له إن السلاح مثل الروح والأرض ولن يتم التخلي عنه».

وعما إذا كان الحزب قد يقبل في مرحلة ما مبادلة سلاحه بامتيازات سياسية، يقول قصير لـ«الشرق الأوسط»: «الحزب لا يطالب بامتيازات سياسية مقابل السلاح، لكنه يطالب بوقف الاعتداءات الإسرائيلية، والاحتلال الإسرائيلي، وإطلاق الأسرى، وإعادة الإعمار، ويعلن الاستعداد للحوار حول الاستراتيجية الدفاعية أو القومية... وغير ذلك لا توجد مطالب لدى الحزب».


الشيباني وأبو قصرة في موسكو لإجراء مباحثات

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق في موسكو (أ.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق في موسكو (أ.ب)
TT

الشيباني وأبو قصرة في موسكو لإجراء مباحثات

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق في موسكو (أ.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق في موسكو (أ.ب)

وصل وفد سوري يضم وزيري الخارجية والدفاع إلى العاصمة الروسية موسكو اليوم الثلاثاء، وفق ما أعلنت إدارة الإعلام بوزارة الخارجية والمغتربين السورية.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن الإدارة قولها إن وزير الخارجية أسعد حسن الشيباني ووزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة ومسؤولون في الاستخبارات العامة وصلوا إلى موسكو لإجراء مباحثات مع المسؤولين الروس.

وفي يوليو (تموز) الماضي، التقى أبو قصرة نظيره الروسي أندريه بيلوسوف في موسكو بحضور كل من الشيباني ورئيس الاستخبارات العامة حسين سلامة، حيث شهد اللقاء مباحثات بشأن عدد من القضايا العسكرية المشتركة.
وأكد الشيباني، خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، آنذاك، أن «الحوار مع روسيا خطوة استراتيجية تدعم مستقبل سوريا»، موضحاً أن «سوريا تتطلع إلى تعاون وتنسيق كامل مع روسيا لدعم مسار العدالة الانتقالية فيها، كما أن التعاون مع روسيا يقوم على أساس الاحترام».