«جلباب المتحف الكبير» يفجر سجالاً بشأن الزي الشعبي المصري

انتقادات حادة لابنة فرج فودة... ومتابعون يشددون على تمسكهم به

المصريون من فئات مختلفة زاروا المتحف الكبير وعبروا عن فخرهم به (إ.ب.أ)
المصريون من فئات مختلفة زاروا المتحف الكبير وعبروا عن فخرهم به (إ.ب.أ)
TT

«جلباب المتحف الكبير» يفجر سجالاً بشأن الزي الشعبي المصري

المصريون من فئات مختلفة زاروا المتحف الكبير وعبروا عن فخرهم به (إ.ب.أ)
المصريون من فئات مختلفة زاروا المتحف الكبير وعبروا عن فخرهم به (إ.ب.أ)

تفجّر سجال حول «الزي الشعبي المصري» المتمثل في «الجلباب البلدي»، عقب تعليق من الإعلامية سمر فرج فودة (ابنة الكاتب الراحل فرج فودة) على صورة انتشرت بوسائل «السوشيال ميديا» خلال الأيام الماضية، لرجل وزوجته في زيارة للمتحف المصري الكبير وهما يرتديان الزي الشعبي الشهير في مصر.

وتصدر اسم سمر فودة «الترند» على «غوغل» و«إكس» في مصر، السبت، عقب تدوينة كتبتها معلقة على الصورة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيها زوجان بالجلباب البلدي البسيط يمسكان يد بعضهما، ويسيران في مدخل المتحف المصري، ويتأمل الزوج الآثار والمبنى المحيط بنظرة إعجاب وفخر، وهي الصورة التي حظيت بانتشار واسع واحتفاء من مستخدمي وسائل التواصل عدوها تعبر عن «الأزياء المصرية الأصيلة».

وكتبت سمر مؤكدة أن هذا الزي لا يمثل مصر، وأن مصر معروفة باعتدادها بالأزياء الأنيقة على أحدث الصيحات، وتمثلها أزياء السيدات في الأربعينات والخمسينات التي كانت تنافس أزياء الباريسيات والإنجليزيات في ذلك الوقت. منتقدة الملابس التي تعطي انطباعاً دينياً للسيدة الموجودة في الصورة.

لتعود بعد ساعات وتعتذر عن التعليق مدونة: «أعتذر عن أي شيء قد مس قلوب المصريين بالسلب، أعتذر للزوجين، فهما بالتأكيد فخر لنا جميعاً»، وأكدت أنها حذفت المنشور لأن المتابعين لم يفهموا وجهة نظرها، مؤكدة أن أهلها من الفلاحين، وأنها لم تتطرق لـ«الجلابية الفلاحي» للرجال.

وتوالت التعليقات على منشور سمر فودة، بل وظهر ما يمكن اعتباره «ترند» يدعو الجميع لارتداء الجلباب الصعيدي والفلاحي كدليل على الأصالة والزي الشعبي للمصريين، وتفاعلت سمر فودة نفسها مع هذا «الترند»، ونشرت تعليقاً على صفحتها بـ«فيسبوك» على سبيل المزاح والفخر لشخص كتب: «وسيشهد التاريخ أن سمر فودة لبّست مصر كلها جلاليب في 6 ساعات».

المتحف المصري شهد حضوراً متنوعاً منذ افتتاحه (إ.ب.أ)

وتوالت التعليقات التي استنكرت ما اعتبروه تهكماً من سمر فودة على الجلباب، وتعرضت لانتقادات حادة، في حين أوضحت هي في اعتذارها أنها تعتز بالجلباب البلدي ولم تقصد التطرق إليه، وإنما كانت تنتقد أزياء لها دلالات دينية، تراها دخيلة على المجتمع المصري.

وعدت المتخصصة في التراث الشعبي، الدكتورة فاتن صلاح سليمان: «الجلباب البلدي المصري مميز منذ المصريين القدماء»، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «الصورة التي انتشرت والتعليق عليها بأنها لا تمثل المصريين أخذا منحى غريباً، وهناك أمثلة كثيرة تؤكد ارتباط هذا الزي بالمصريين منذ القدم، فهو قريب جداً من أزياء الكهنة المصريين المعروضة في بعض متاحف العالم»، وأكدت فاتن أن «الجلباب المصري لا مثيل له في العالم، ويختلف عن الجلباب السوداني أو العربي أو المغربي، وهذا الزي انتشر في الفترة القبطية، وكان يصنع من القماش القباطي المصري، وهو خليط من القطن والكتان، وله شكل مميز للغاية».

وقالت إن «هذا الزي يمثل الهوية المصرية ومشرّف لأي شخص يرتديه، ويعبر عن الأصالة والثقافة المصرية الخالصة، والمفروض أن نعتز بهؤلاء الناس لأنهم يعبرون عن جزء مهم من موروثنا الثقافي الشعبي المصري».

ووصفت الدكتورة نهلة إمام، مستشارة وزير الثقافة المصري لشؤون التراث غير المادي، التعليق الذي نشرته سمر فودة، بشأن عدم تمثيل هذا الزي لهوية المصريين، بأنه «مؤلم بالنسبة لها»، وقالت في تصريحات متلفزة إن «الجلابية هي زي الفلاح المصري التقليدي، وتُعد جزءاً من هوية الشعب المصري وتاريخه، وعلينا أن نقدر هذا التراث ونفخر به».

وأشار الباحث في التراث الشعبي بأكاديمية الفنون المصرية، الدكتور عبد الكريم الحجراوي، إلى أن «الحديث عن الجلباب بأنه لا يعبر عن المصريين ولا يعبر عن وضعهم الحضاري، ويجب عدم الالتفات إليه لأنه يحمل قصوراً في الفكر»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لا يصح بشكل من الأشكال أن نهين رمزاً يمثل الغالبية من سكان مصر، وأن نعتبر زياً لا يعبر عنا ولا يناسب المصريين حضارياً»، وأوضح أن «هذا الكلام حظي بتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي؛ لأنه يمس كل المصريين تقريباً، ففي كل منطقة بمصر هناك نمط معين من الجلباب، ومن ثم يجب الاعتداد به واحترامه كزي شعبي ممتد منذ سنوات طويلة، ويجب عدم التعرض له بالإهانة أو التقليل من شأنه».

وقال الدكتور عبد الرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، مؤسسة حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، إن «معظم شعوب العالم لها زي قومي مميز تفتخر به وترتديه على المستويين: القومي والشعبي، ويعد جزءاً لا يتجزأ من هويتها»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «يوجد زي له احترامه مرتبط بثقافة مناطق معينة وهوية مصر بشكل عام، مثل الجلباب والعمامة في الصعيد، والجلباب والطاقية بوجه بحري»، لافتاً إلى التنوع الثقافي في مصر والذي يعكسه الزي والفنون المرتبطة، مطالباً بـ«السعي لتسجيل هذه المفردات تراثاً عالمياً ثقافياً ضمن التراث اللامادي بـ(اليونيسكو)».


مقالات ذات صلة

حزن في الوسط الفني المصري لدراما رحيل بطلة «اللي بالي بالك»

يوميات الشرق الفنانة نيفين مندور (حسابها على «فيسبوك»)

حزن في الوسط الفني المصري لدراما رحيل بطلة «اللي بالي بالك»

خيَّم الحزن على الوسط الفني المصري عقب الإعلان عن وفاة الفنانة نيفين مندور بطلة فيلم «اللي بالي بالك»، التي رحلت صباح الأربعاء، إثر اختناقها في حريق بشقتها.

داليا ماهر (القاهرة )
شمال افريقيا وقائع «تحرش مدرسي» أثارت صدمةً في المجتمع المصري (وزارة التربية والتعليم)

مصر: ترحيب واسع بإحالة أوراق المتهم في قضية «تحرش الإسكندرية» إلى المفتي

سادت حالة من الارتياح في مصر، الأربعاء، بعد إحالة أوراق المتهم في «واقعة تحرش مدرسة الإسكندرية» إلى مفتي الديار المصرية لإبداء الرأي الشرعي في إعدامه.

أحمد جمال (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان الراحل سعيد المختار (حسابه على موقع فيسبوك)

«خلافات زوجية» تُنهي حياة ممثل مصري بعد مشاجرة في الشارع

تسببت «خلافات أسرية» في إنهاء حياة الممثل المصري سعيد المختار، خلال وجوده لرؤية نجله البالغ من العمر 9 سنوات في أحد النوادي الشهيرة.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق دار الإفتاء المصرية تصدر بياناً يؤكد تحريم البشعة شرعاً (دار الإفتاء المصرية)

مصر: تجدد الجدل حول «طقس البشعة» ومدى شرعيته

جدّد مقطع فيديو تظهر فيه فتاة تقوم بما يُعرف بـ«طقس البشعة» الجدل حول هذه الممارسات الشعبية ومدى توافقها مع الشرع والقانون

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق سمير الإسكندرني قدم أعمالاً جديدة ومختلفة في الموسيقى العربية (صفحة محبي سمير الإسكندراني على فيسبوك)

قرار بإزالة مقبرة سمير الإسكندراني يعيد جدل هدم مدافن المشاهير

أدى إخطار وصل لأسرة الفنان سمير الإسكندراني «1938 - 2020» يدعوهم لنقل رفاته قبل إزالة مقبرته الموجودة في منطقة السيدة نفيسة، لتجديد أحزانهم.

حمدي عابدين (القاهرة )

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى؛ إذ يعرف الطفل «نور» (يقوم بدوره الطفل آسر) أن «حبيبة» (ريهام عبد الغفور) هي خالته، ويتعامل معها على هذا الأساس، فالطفل المتفوق في المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر، يخطط لمفاجأة والدته في رأس السنة بزيارتها في باريس مع تحضير مفاجأة لها، لتكون العطلة بمثابة بداية لأيام مختلفة في حياته.

نشاهد الفيلم من منظور الطفل «نور» على مدار الأحداث، بداية من المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر والتي تقع بالقرب من منزل «حبيبة» وصديقتها التي تقيم معها، وكلتاهما من أصحاب «متلازمة داون»، مروراً بتواصله مع «سارة» (هنادي مهنا) باعتبارها والدته التي لم تأتِ لزيارته ولقائه من باريس منذ عامين، في حين يقتصر التواصل بينهما على الاتصالات الهاتفية.

يعتمد الفيلم بالكامل على رؤية العالم من خلال «نور»، فنحن نراه ونفهمه كما يراه هو، ونشهد تحوّلاته النفسية من دون تدخل تفسيري مباشر للقاءات التي يخوضها في الطريق مع غرباء، وتبدّل الأمكنة، والضغط المتواصل الناتج عن السفر، والظروف الاضطرارية التي تعوق ترتيب رحلته وإكمالها بالطريقة التي يريدها، مع إعادة ترتيب الأنشطة والأماكن التي يوجد فيها قبل الوصول إلى والدته.

في الأحداث التي تستمر على مدار أكثر من 90 دقيقة نتابع رحلة «نور» التي تشمل توقفات بعدد من المدن الأوروبية قبل الوصول لوجهته النهائية في باريس؛ توقفات لرغبته في تنفيذ مفاجأة استثنائية لوالدته وهدية لذكرى والده الراحل.

ريهام عبد الغفور مع عدد من الحضور في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

الفيلم الذي شارك في بطولته إلى جوار ريهام وآسر كل من هنادي مهنا، وأسماء أبو اليزيد، وعدد من الممثلين الأجانب، كتبه يوسف وجدي، ويخرجه رامي الجندي في أولى تجاربه الإخراجية، في حين صُوّر بين 6 مدن أوروبية مختلفة على مدار أكثر من عام.

وقال المخرج رامي الجندي لـ«الشرق الأوسط» إن نقطة الانطلاق في «خريطة رأس السنة» كانت تحديد زاوية الرؤية للأحداث، وإن القرار الأهم تمثّل في أن يُروى الفيلم بالكامل من داخل وعي الطفل «نور»، فالمتفرج لا يُفترض به أن يرى الشخصيات من الخارج، بل يختبر العالم بذات الدرجة من البراءة والارتباك والأسئلة غير المكتملة التي يعيشها البطل، وهو ما فرض إيقاعاً هادئاً ولغة بصرية تميل إلى المراقبة أكثر من الشرح، وفق تعبيره.

وأوضح الجندي أن «العلاقة بين (نور) و(حبيبة) لا تقوم على المفاجأة أو الاكتشاف، بل على المعرفة المسبقة، وهو ما منح الفيلم مساحة أعمق للاشتغال على الاختبار الإنساني، لا الصدمة الدرامية»، مشيراً إلى أن هذا الاختيار أتاح له التركيز على التفاصيل الصغيرة في العلاقة، وعلى التحوّلات التدريجية في فهم الطفل لمعنى المسؤولية، بدلاً من اللجوء إلى حلول سردية مباشرة.

ولفت المخرج إلى أن «اختيار التصوير في أجواء (الكريسماس) بأوروبا كان تحدياً كبيراً؛ إذ يُعد هذا التوقيت الأصعب من حيث الإجازات والتحكم في المواقع وحركة المدن»، على حد تعبيره، وقال إنه قام بتقسيم التصوير إلى ثلاث مراحل، عبر ست دول أوروبية مختلفة، معتبراً أن السيطرة على هذا الكم من التفاصيل لم تكن سهلة، لكنها كانت حاسمة للحفاظ على الإحساس الحقيقي بالطريق.

وأضاف الجندي أن «العمل مع ممثلين أجانب جرى بالكامل عبر الإنترنت، من خلال شركات متخصصة، وهو ما تطلّب تحضيرات طويلة قبل التصوير».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأكد مؤلف الفيلم يوسف وجدي لـ«الشرق الأوسط» أن العمل لا يتعامل مع «متلازمة داون» بوصفها موضوعاً مستقلاً، بل كجزء من نسيج إنساني أوسع، موضحاً أن «التحدي الحقيقي كان في تجنّب الخطاب المباشر أو التفسير الأخلاقي الجاهز، خصوصاً أن ما شغله منذ البداية مرتبط بطبيعة الاختلاف بين كل حالة، والتفاوت الموجود لدى كل شخص، وكيف يمكن أن يستفيد منه ليعيش حياته بشكل أفضل».

وأضاف وجدي أن «فكرة العمل استُلهمت جزئياً من قضايا حقيقية أُثيرت في فرنسا، تتعلق بالأهلية الأسرية، وبالنظرة القانونية والاجتماعية إلى مفهوم المسؤولية لمن يعاني من (متلازمة داون)»، مشيراً إلى أن هذه القضايا فتحت أمامه مساحة للتفكير في الفجوة بين القانون والمشاعر، وبين ما يُعتبر صحيحاً على الورق وما يحدث فعلياً داخل البيوت والعلاقات اليومية.


معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
TT

معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)

ضمن فعاليات متنوعة احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، استضاف المتحف القومي للحضارة المصرية معرضاً تراثياً لفنون الخط العربي، وتضمنت الفعاليات معرضاً فنياً ضم مجموعة من اللوحات التي تُبرز جماليات فن الخط العربي، إلى جانب معرض متميز لأعمال ومقتنيات عائلة صوفي زاده، شمل لوحات فنية وأفلاماً تسجيلية توثّق مسيرتها الفنية بوصفها رائدة في فنون الخط العربي.

وتحت شعار «إرث يتجدد بخط يتألق»، جاءت الفعاليات المتنوعة، بالتعاون مع سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة، وجمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، ومشيخة الأزهر الشريف، والمجمع اللغوي بالقاهرة، وعائلة صوفي زاده؛ تأكيداً على الدور المحوري للغة العربية بوصفها أحد أهم روافد الهوية الثقافية والإنسانية.

واحتفلت أكثر من مؤسسة مصرية باليوم العالمي للغة العربية المقرر في 18 ديسمبر (كانون الأول) عبر ندوات وأنشطة ومعارض متنوعة، من بينها: ندوة مشتركة بين كلية دار العلوم ودار الكتب والوثائق القومية، واحتفالية بجامعة الدول العربية، وفعاليات ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي الذي أقيم في قصر الفنون وضم لوحات العديد من رواد الخط العربي فضلاً عن الفنانين المعاصرين.

وتسعى الفعاليات التي نظمها متحف الحضارة إلى «نشر الوعي بالتراث المصري وتعزيز قيمه الحضارية، وإيماناً بأهمية اللغة العربية ومكانتها التاريخية بوصفها وعاءً للهوية وذاكرة للأمة»، وفق بيان للمتحف.

وأكد الدكتور الطيب عباس، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، أهمية هذه الفعاليات في «صون التراث المصري وتعزيز الوعي به»، مشيراً في البيان إلى أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وعاء الحضارة وذاكرة الأمة، وحلقة الوصل بين الماضي والحاضر، بما تحمله من قيم ثقافية وجمالية قادرة على التعبير عن هوية الشعوب وصون تراثها عبر العصور».

ولفت إلى أن مقتنيات المتحف تضم العديد من القطع الأثرية، لا سيما الإسلامية منها، التي تزخر بنماذج راقية من الفنون والزخارف والخطوط العربية، وتعكس تطور الكتابة وجمالياتها عبر العصور، بما يجعلها شاهداً حياً على عبقرية الفنان المصري وقدرة اللغة العربية على التجدد والتألق.

فيما عدّ المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، اللغة العربية «ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الحضارية المصرية ونقلها إلى الأجيال المتعاقبة»، مشيداً بالدور الذي يقوم به المتحف في صون هذا الإرث الثقافي.

وتضمّنت الفعالية عرض فيلم تسجيلي قصير عن تراث عائلة صوفي زاده، إحدى أعرق العائلات التي توارثت فنون الخط العربي والزخرفة والرسم والنحت والتذهيب عبر خمسة أجيال متعاقبة.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قراراً عام 1973 بإدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل بالأمم المتحدة، في 18 ديسمبر، وهي المناسبة التي تم خلالها عدّ هذا اليوم يوماً عالمياً للغة العربية.


مصر: مخاوف متجددة من «فوضى» حفلات الزفاف بالمساجد التاريخية

صحن مسجد محمد علي   (وزارة السياحة والآثار)
صحن مسجد محمد علي (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: مخاوف متجددة من «فوضى» حفلات الزفاف بالمساجد التاريخية

صحن مسجد محمد علي   (وزارة السياحة والآثار)
صحن مسجد محمد علي (وزارة السياحة والآثار)

تجددت الانتقادات والجدل في أوساط الآثاريين والمهتمين بالسياحة بمصر حول استخدام المواقع الآثارية في استضافة الفعاليات والاحتفالات الجماهيرية الصاخبة، عقب ظهور فيديو يصور عمليات تجهيز مسجد محمد علي بالقلعة لاستقبال حفل زفاف، مساء السبت، وطالب خبراء آثار بالتوقف عن تلك النشاطات، لما تمثله من خطورة بالغة على الأثر، فيما دعا آخرون لفرض مزيد من الإجراءات والضوابط حتى لا تتضرر المواقع وتتعرض للتشويه.

وذكر خبراء آثار أن استضافة المواقع الآثارية حفلات الزفاف وعقد القران، وغير ذلك مما تسمح به وزارة الآثار والسياحة المصرية داخل ساحاتها، يمثل خطراً كبيراً على الأثر، وقال الدكتور فاروق شرف، استشاري ترميم الآثار، ومدير عام إدارة ترميم الآثار الإسلامية والقبطية السابق، إن مسجد محمد علي مبني على أطلال قصر الأبلق، وأغلب الظن أن هناك أسفل المسجد فراغات كثيرة أقيمت فوقها أساساته، وهي على هذه الحال يمكن أن تتأثر سلبياً في حالة تسرب المياه إليها من الأمطار، أو حتى من مخلفات تلك الاحتفالات، مما يؤدي لخلخلة في التربة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك مخاوف من حدوث أي انهيار في بعض أجزاء المسجد»، مشيراً إلى أن «وجود أعداد ضخمة من الحضور والمعازيم يمكن أن يؤدي لكارثة، يجب أن يوضع كل هذا في الحسبان، من أجل تلافي أي أضرار قد تلحق بالمسجد، ناهيك عن عمليات تجهيز مسرح في صحن المسجد ووضع المقاعد، وما يصاحب كل هذا من عمليات طرق بأدوات شديدة الخطورة على المسجد، تتسم بالاستهتار واللامبالاة في التعامل مع أرضياته الرخامية الأصلية المصنوعة من الألبستر المصري»، على حد تعبيره.

جانب من تنظيم الحفلات بمسجد محمد علي (صورة من فيديو نشرته المرشدة السياحية هدى راضي)

وأظهر فيديو بثته هدى راضي، وهي مرشدة سياحية كانت توجد في المسجد أثناء عمليات تجهيزه لاستقبال عقد قران، عدداً من الأفراد يستخدمون مطارق حديدية ثقيلة، ويقومون برص قوائم من الحديد على أرضيات صحن المسجد، فضلاً عن تجهيزات مسرح، وقالت المرشدة السياحية وهي تستعرض حجم الضجيج الحادث في المكان: «هذا لا يليق بأثر مهم مثل مسجد محمد علي، ناهيك عن حرمة المسجد أصلاً، الرخام معظمه تضرر، وحين تحدثنا مع المسؤولين قالوا إنه غير أصلي، ويمكن استبداله». وأضافت أن «التعامل مع الأثر غير حذر ولا يحترم قيمته، ناهيك عن قدسية المكان بصفته مسجداً تقام فيه الصلاة، ولا يجب أن يشهد مثل هذه الممارسات».

ويتضمن المسجد مئذنتين، ارتفاع كل واحدة منهما 83 متراً، وهما وفق الدكتور فاروق شرف «معرضتان للسقوط حال حدوث أي هبوط أرضي للمسجد». والمئذنتان مصممتان على الطراز العثماني، وتتميزان بانسيابية ورشاقة كبيرة، وتشبهان القلم الرصاص، وعن المردود المالي المتحصل من تأجير المناطق الأثرية في غير ما خُصصت له، يقول شرف: «لا قيمة له، فلن تعوض النقود ضياع أثر يشكل جزءاً من التراث المصري الذي لا يُقدر بثمن».

وأشار إلى أنه مقتنع تماماً بتوظيف الأثر، وليس ضد السعي لتحقيق أي مردود اقتصادي منه، لكن يجب أن يكون هذا وفقاً لشروط تحمي المواقع من أي ضرر، وأضاف: «في أوروبا يفعلون هذا عندما يكون لديهم مكان ذو قيمة تاريخية، لكنهم يمنعون بتاتاً استخدام النار، والمياه، ويوفرون إجراءات تأمين قوية حال حدوث أي طارئ».

من جهته، قال الباحث الآثاري إبراهيم طايع إن «السماح باستخدام المساجد والمواقع الأثرية في الحفلات والفعاليات غير المنضبطة يمثل خطراً داهماً على الآثار»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «طالبنا كثيراً بمنع تلك الممارسات، لكن دون جدوى، وصار مسجد محمد علي مقصداً لحفلات الزفاف، بما فيها من ضجيج وتجهيزات يراها الجميع، ويدركون مخاطرها، ناهيك عما فيها من انتهاك لحرمة المسجد، بصفته مكاناً للصلاة».

بدأ تشييد مسجد محمد علي عام 1830 ميلادياً، واستمر بناؤه 19 عاماً على مساحة 5 آلاف متر، ويتضمن المقبرة التي دفن فيها الملك عام 1849، ويتميز المسجد الذي يحاكي مسجد «السلطان أحمد» بإسطنبول باستخدام المرمر أو الألبستر في تكسية أرضياته وجدرانه، كما يتميز بقباب المآذن المتعددة، وهو المبنى الأكثر بروزاً في القلعة، وبه منبران أحدهما من الخشب المطليّ بالأخضر والذهبي، وهو المنبر الأصلي، بالإضافة إلى منبر آخر من الرخام أضيف إلى المسجد لاحقاً، وفق وزارة السياحة والآثار المصرية.​

من جهتها، قالت أماني توفيق مدير عام قلعة محمد علي لـ«الشرق الأوسط » إن «أي يوم يشهد احتفالاً بالمسجد، تكون هناك مجموعة كاملة تعمل طوال اليوم تتكون من خبراء آثار، وحماية مدنية وفنيين، ورجال أمن يعملون جميعاً على صون المسجد، وتطبيق البروتوكول الموقّع مع شركة (كنوز) المسؤولة عن تنظيم الاحتفالات للحفاظ على المسجد، وفي حالة المخالفة يتم اتخاذ الإجراءات القانونية الكاملة».