تتأهب جدة لاحتضان الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، حيث ينطلق الحدث في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) المقبل تحت شعار «في حبّ السينما»، تأكيداً لاستمرار الشغف الذي انطلق قبل 5 أعوام، وترسيخاً لدور المدينة بوصفها مركزاً للفنون وصناعة الصورة في المنطقة.
ويأتي هذا الشعار ليعكس رؤية المهرجان في كسر الصورة النمطية عن المهرجانات السينمائية بوصفها نخبوية، إذ أوضح الرئيس التنفيذي لمؤسسة البحر الأحمر السينمائية، فيصل بالطيور، خلال المؤتمر الصحافي، أن الدورة الجديدة توازن بين حضور صناع الأفلام والمهنيين، وبين فتح آفاق أوسع للجمهور العام والعائلات والأطفال، مع برامج تفاعلية ومساحات مخصصة للتواصل، وتقديم تجارب تعليمية وغرس شغف السينما في الجيل الجديد.
فيلم «العملاق» يفتتح الحدث
اختار المهرجان الفيلم المرتقب «العملاق» ليقص شريط الافتتاح في عرضه الأول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو عمل يستعيد مسيرة بطل الملاكمة البريطاني اليمني نسيم «ناز» حامد، يقدمه الفنان أمير المصري في سرد درامي يوثق صعوده من بدايات متواضعة إلى العالمية، متجاوزاً تحديات الهوية والتمييز في بريطانيا خلال الثمانينات والتسعينات.

وقالت مديرة البرنامج السينمائي الدولي فين هاليغان رداً على سؤال «الشرق الأوسط» عن سبب اختيار الفيلم: «فيلم العملاق يحمل قيمة إنسانية وروحاً إيمانية انتظرها الجمهور طويلاً»، مؤكدة أن العمل يجمع بين البعد الملهم والطرح الإنساني وقيم العدالة والاجتهاد والانتصار.
كما عبّر بالطيور، عن اعتزاز المهرجان بافتتاح الدورة بقصة عربية عالمية، مضيفاً: «اختيار فيلم عن شخصية عربية حققت حضوراً دولياً يعكس توجه المهرجان في الاحتفاء بالهوية وبالمواهب الإقليمية القادرة على الوصول إلى منصة عالمية».
وعلى هامش المؤتمر الصحافي أوضح لـ«الشرق الأوسط» فيصل بالطيور أن السنوات الخمس الماضية أسهمت في تشكيل ملامح مدرسة سينمائية سعودية تتقدم بخطوات ثابتة على الساحة الدولية، مشيراً إلى إطلاق مسار جديد لدعم أفلام الرعب والتشويق، إلى جانب دعم السينما الفنية والتجارية لضمان استدامة الصناعة، مع ازدياد حضور العاملين المحليين وتطور مستوى الإنتاج.
من جانبه، أوضح مدير البرنامج السينمائي العربي والكلاسيكي أنطوان خليفة لـ«الشرق الأوسط» أن الهوية والذاكرة والقصص الإنسانية تبرز بوضوح في أعمال هذه الدورة، مع تركيز لافت على العلاقات العائلية والمرأة والاضطرابات النفسية، قائلاً إن «هذه الموضوعات تشكل روح الموجة السينمائية العربية الجديدة».
كما أكد خليفة أهمية استمرار دعم الأفلام القصيرة، مشيراً إلى استقبال نحو 300 عمل سنوياً، يتم اختيار ما بين 20 و25 فيلماً منها للمشاركة.

مسابقة دولية بملامح إنسانية
وكشف المهرجان عن قائمة أعمال تتناول قضايا الهجرة والتحولات والهوية من السعودية والعالم العربي وآسيا وأفريقيا، بينها 7 أفلام مدعومة من مؤسسة البحر الأحمر، من ضمنها فيلم «هجرة» لشهد أمين، وفيلم «نجوم الأمل والألم» لسيريل عريس، إلى جانب الفيلم الروائي «بارني» في عرضه العالمي الأول.
أفلام الوطن... ذاكرة ومرآة
في انعكاس لرؤية خليفة حول مركزية الهوية، تبرز في هذه الدورة أعمال تستعيد ذاكرة الشعوب وصوتها، مثل: «فلسطين 36» و«اللي باقي منك» و«هجرة» و«نجوم الأمل والألم» و«إركالا حلم كلكامش». كما يعيد «العملاق» قراءة سيرة نسيم حامد بوصفها تجربة انتماء وصمود. تلتقي هذه الأعمال عند مفاهيم الأرض والجذور والسعي لحفظ الذاكرة، مؤكدة ما وصفه خليفة بأنه «روح السينما الجديدة في المنطقة».

روائع عربية وروائع عالمية
أعلن المهرجان عن برنامجي «روائع عربية» و«روائع عالمية»، اللذين يضمان أعمالاً بارزة للمخرجة هيفاء المنصور، وآن ماري جاسر، وأنس باطهف، وأمين الأخنش؛ فيما عبّرت إدارة المهرجان عنهما بقولها إن البرنامجين «احتفاء بالمشهد السينمائي العربي المتنوع»، إلى جانب باقة عالمية تضم أنجلينا جولي، وروبرت ويات، ومامورو هوسودا.

عروض خاصة
تتضمن الدورة عرض «صوت هند رجب» لكوثر بن هنية، و«صراط» لأوليفر لاكس، ضمن عروض خاصة تلامس قضايا إنسانية ملحّة وتحقق حضوراً عالمياً لافتاً. وقال فيصل بالطيور تعليقاً على العروض الخاصة: «هذه الأعمال تطرح قضايا إنسانية تمس الوجدان. فيلم (صوت هند رجب) يعبّر عن قوة السينما في رواية الحقيقة وتحريك الضمير، بينما يقدّم (صراط) رؤية فنية آسرة تجمع بين الجمال البصري والعمق الفلسفي».
ومع اقتراب رفع الستارة عن الدورة الخامسة، تبدو جدة على موعد جديد مع حدث يتجاوز حدود العرض والاحتفاء إلى صناعة فعلية تُبنى وتترسخ عاماً بعد عام. ففي «حبّ السينما» يتجمع المبدعون والجمهور، وتتقاطع التجارب والرؤى، وتعود الحكايات العربية لتتقدم على الشاشة بثقة أعلى وحضور أوسع. وبين فيلم افتتاح يحكي مسيرة نجم ولد من الحلم، وبرنامج سينمائي يفتح المجال للأصوات الجديدة، يمضي «مهرجان البحر الأحمر» في تكريس موقعه باعتباره منصة إقليمية رائدة، ورحلة مستمرة نحو سينما أكثر جرأة وعمقاً وإلهاماً.
