مجوهرات الفيروز والذهب... زواج يتجدد بلغة العصر

عالم المجوهرات يتكلم مصري

الممثلتان هدى المفتي وسلمى أبو ضيف خلال حفل الافتتاح ومجوهرات من عزة فهمي (إنستغرام)
الممثلتان هدى المفتي وسلمى أبو ضيف خلال حفل الافتتاح ومجوهرات من عزة فهمي (إنستغرام)
TT

مجوهرات الفيروز والذهب... زواج يتجدد بلغة العصر

الممثلتان هدى المفتي وسلمى أبو ضيف خلال حفل الافتتاح ومجوهرات من عزة فهمي (إنستغرام)
الممثلتان هدى المفتي وسلمى أبو ضيف خلال حفل الافتتاح ومجوهرات من عزة فهمي (إنستغرام)

افتتاح المتحف المصري الكبير الذي تابعنا فعالياته مؤخراً أعاد لنا ذلك الافتتان لدرجة الهوس بكل ما هو مصري في مجالات فنية وإبداعية متنوعة. كما أعاد وهج حضارة قديمة لم ينضب نبعها في أي وقت من الأوقات، من خلال المجوهرات والأزياء.

فهذه لم تكن تستعمل بوصفها زينة وزخرفة فحسب. في تطريزاتها، سواء كانت جلية أو مبطنة، رموز للحماية من العين، وطاقة الحسد، وبالتالي تجلب الطاقة الإيجابية، مثل الحظ، والصحة، وما شابه.

الممثلتان هدى المفتي وسلمى أبو ضيف خلال حفل الافتتاح ومجوهرات من عزة فهمي (إنستغرام)

ربما لن يصل هذا الافتتان درجة الهوس التي أصابت العالم في عام 1922 عندما اكتشف العالم البريطاني هوارد كارتر مقبرة الملك الفرعوني الصغير توت عنخ آمون أول مرة، لكنه حتماً سيؤثر على الكثير من المسارات الإبداعية، لا سيما قطاع المجوهرات.

فمن منا لا يتذكر كيف أشعل الاكتشاف روح المنافسة بين دور مجوهرات كبيرة حينها، مثل «كارتييه» و«فان كليف آند آربلز» و«بوشرون» و«تيفاني آند كو»، وكيف حفّزتهم على إبداع قطع تُجسِد رموزاً مثل اللوتس وعين حورس والأفعى واليعسوب وغيرها تعتبر حالياً استثماراً لا يقدر بثمن. أحجار كثيرة دخلت في هذه القطع، لكن الفيروز كان دائماً الحجر الأساسي في معظمها.

عالم المجوهرات... رموز وجمال

حولت المصممة عزة فهمي محلها بالمتحف إلى مغارة من الكنوز المصرية القديمة (عزة فهمي)

في الأسبوع الماضي، استبقت المصممة عزة فهمي هذا الحدث الضخم، وحوَّلت محلها الواقع بالمتحف إلى تجربة تحتفي بكل ما هو مصري فرعوني، وليس أدل على هذا من مجموعتها الأخيرة «الجعران»، التي اعتمدت الأشكال والرموز الثقافية القديمة أكثر من اعتمادها على حجر معين. هذه الثقة تعود إلى أنها من نسل هذه الحضارة، وبالتالي تفهم أسرارها وألغازها أكثر.

الأمر يختلف بالنسبة لدور المجوهرات العالمية، التي إلى جانب الأشكال الرمزية جعلت من حجر الفيروز عموداً مهماً في تصاميمها المصرية. كانت «تيفاني آند كو» من أوائل من استعمل الفيروز في مجوهراتها الرفيعة، حتى قبل اندلاع حمى مصر القديمة. بدأ اهتمامها به في أواخر القرن التاسع عشر، وازداد في بداية القرن العشرين، حين كانت لا تزال تستلهم من فن «الآرت نوفو». بيد أنها لم تسلم من العدوى، وسرعان ما ركبت الموجة وقدّمت تصاميم عدة مستوحاة من مصر مثل عقد «عين حورس»، وأقراط وأساور على شكل أفعى، فضلاً عن قلادات مزينة باللوتس، وغيرها.

من المجوهرات التي تحاكي التحف هذه القطعة على شكل سلحفاة مرصعة بالفيروز والماس (تيفاني أند كو)

في الخمسينات انتقلت الحمى إلى دار «بولغري» التي أطلقت مجموعتها «سيربنتي» (Serpenti). ساعات ومجوهرات مرنة بانحناءات والتواءات الأفعى، التي كانت ترمز للحكمة والتجدد في مصر القديمة.

وفي الستينات، أظهرت «بياجيه» اهتمامها بالفيروز. استعملته بشغف ومهارة في ساعات يد تحاكي المجوهرات، وتؤكد لنا أن الفيروز لا يعترف بزمن أو مكان، ولا هو مجرد حجر يجلب الحظ ويبعد الحسد والعين أو يخلق سلاماً داخلياً. لم ينبع اهتمامها به في البداية من معتقدات المصريين القدامى وشعوب الأزتيك وغيرهم.

نظرت إليه نظرة جمالية بحتة. وسرعان ما احتذت بها دور مجوهرات أخرى، خصوصاً بعد دخوله عالم الموضة، مؤكداً أن لونه يزيد البشرة إشراقاً والإطلالة انطلاقاً.

كيف أخضع سحره صاغة المجوهرات؟

ظهر الفيروز أول مرة في دار بياجيه عام 1963 عندما زيّنت مواني ساعاتها الفخمة (بياجيه)

دار «بياجيه» اختارت هذا العام أن تعيده لنا في مجموعة ساعات ومجوهرات تتداخل فيها الألوان والأشكال بمهارة عالية. ابتعدت عن التاريخ بزخرفاته الشرقية والمعتقدات الروحانية، ووّجهت أنظارها إلى الريفييرا الفرنسية لتستقي من ألوان بحارها ما يسر القلب والعين. تقول الدار إن علاقتها بهذا الحجر تعود إلى عام 1963، حين تزيّنت به موانئ ساعات أنيقة بأنظمة فائقة الرقّة. كان لدمجها الجريء بين الحسّ الفنّي والإتقان التقني أثر في تغيير صناعة الساعات الفاخرة. كانت ساعات تحاكي بكل تفاصيلها المجوهرات الثمينة... ولا تزال.

ساعة «Happy Fish» بلون فيروزي (شوبارد)

من وحي البحار أيضاً، كشفت دار «شوبارد» حديثاً عن مجموعة «Happy Sport» التي تتضمن ساعة «Happy Fish» الجديدة، بقطر 36 مليمتراً، المصنوعة من معدن «لوسنت ستيل™» ومينا من عرق اللؤلؤ الفيروزي تسبح فيه سمكة بشكل راقص.

باقي دور الساعات والمجوهرات ابتعدت أيضاً عن كل ما هو تقليدي، لكنها لا تنكر أن الفيروز تعويذة نجاح لا تخيب من الناحية التجارية. فهو يضفي لمسات مُترفة على أي قطعة، وعندما يقترن بالذهب، يشكل معه زواجاً ناجحاً بكل المقاييس. من هذا المنظور، لم تكتفِ بدمجه مع أحجار كريمة أخرى فحسب، بل جعلته في كثير من المجموعات نجماً ساطعاً يصرخ بالحداثة. دار «فان كليف آند آربلز» مثلاً استعملته في مجموعتها الأيقونية «الحمبرا» (Alhambra)، و«تيفاني آند كو» صاغته بأشكال مثيرة، جمعته فيها مع الذهب الأبيض والألماس.

ساعة من مجموعة "الحمرا" من دار "فان كليف أند آربلز" بميناء من الفيروز (موقع فان كليف أند آربلز)

مصممة «ديور» لقسم المجوهرات، فيكتوار دي كاستيلان، استعملته أيضاً في مجموعات مثل «Gem Dior» و«Rose des Vents». لم تغفل جاذبيته رغم أنها اعترفت مراراً أن عشقها يبقى لحجر الأوبال. لكن ماذا تفعل إذا كان العالم قد أجمع على سحر الفيروز؟ وطبعاً لا يمكن الحديث عن هذا الحجر من دون الحديث عن «بولغري» التي استخدمته بكثافة في تصاميم مستوحاة من التراث الروماني والشرقي، أو عن «كارتييه» Cartier التي صاغته هي الأخرى بمهارة وأشكال مستلهمة من الشرق والزخارف الإسلامية. فقد انتبهت لجماله منذ بداية القرن الماضي، ومنذ ذلك تحرص على إدخاله في مجموعاتها الملونة، وليس أدل على هذا من مجموعة «توتي فروتي» التي تراقص فيها مع الزمرد واللازورد وغيرهما من الأحجار الكريمة. تاريخ «كارتييه» الطويل مع هذا الحجر جعل حرفيّيها يُتقنون استعماله، لدرجة أن قطعها المرصعة به تحقق نجاحات مهمة في المزادات العالمية. مثلاً بيع تاج مرصع بالفيروز والماس للوريثة الأميركية نانسي أستور بـ889400 جنيه إسترليني في مزاد «بونهام».

"بولغري" لا تتوقف على تطوير وتجديد تصميمها الأيقوني "سيربنتي" سواء في ساعات اليد أو المجوهرات أو الاكسسوارات (بولغري)

هذا العام، في مجموعة «سيكستي» (Sixtie) ل «بياجيه» التي تمّ إطلاقها في معرض «ساعات وعجائب»، «Watches and Wonders» كان لافتاً تلوّن ميناء الساعة بالأزرق الفيروزي. قالت إنها جاءت تكريماً لساعة صمّمها جان كلود غيت، وتعد سابقة لأوانها في عام 1969. أعاد قسم الساعات والمجوهرات تصميمها مع احترام الخطوط الهندسية الجريئة التي ميّزتها كما ميّزت تصاميم منتصف القرن. تُضيف الدار أن المجموعة أيضاً تكريم للحقبة الذهبية في سبعينات القرن الماضي، حيث يذكّر إطارها اللامع والمفصّص بإطار ساعة آندي وارهول الأيقونية على شكل شاشة تلفزيونيّة. في التصميم الحديث، نجد الميناء الرباعي محاكاً في المنحنيات الناعمة للسوار الذهبي بهندسة دقيقة وبـ5 صفوف، الأمر الذي يزيد من الكثافة اللونية للفيروز الصافي.

من إبداعات دار «بياجيه» ساعة على شكل قلادة (بياجيه)

اللافت كذلك في هذه الساعة بتصميمها المتدلّي على شكل عقد طويل، أطُر الميناء الشبيهة بتموّجات سطح الماء، التي تعزّزها الحركة الحرّة لشرّابة الماسات والذهب العاكسة للضوء.

تكتمل المجموعة مع عقود طويلة (Swinging Sautoirs) أخرى من «بياجيه» تحمل موانئ فيروزية اللون ورباعية الشكل مثبّتة على حبل من الذهب المجدول، يبدو وكأنه معقود، في حين أنه مصنوع يدوياً حسب أسلوب الدار، الذي أرادته أن يُعبّر عن فلسفتها بأن الساعات يمكن أن تزيّن المعصم والجسم على حد سواء، وبأنها أعمال فنيّة بحد ذاتها.

يمتدّ حسّ «بياجيه» الإبداعي والحسّي إلى ساعة «Essentia» الجديدة حيث تأتي العلبة ذات الشكل غير المنتظم مزوّدة هي الأخرى بميناء ذي لون فيروزي غنيّ ومستوحى من أشكال طبيعية وعضويّة، يحيطها إطار مصقول من الذهب والماس. ينساب شكلها السلس والمتموّج ضمن سوار مصنوع من حلقات ذهبية تلتفّ حول المعصم وتعانقه على شكل طلسم، ما يشكّل دمجاً لمهارة الدار في مجال صناعة السلاسل مع ثراء إلهامها الطبيعي.

السحر مستمر

الممثلة الأميركية شايلين وودلي وعقد مرصع بأحجار ملونة من ضمنها الفيروز (بولغري)

هل يمكن اعتبار هذا الاهتمام الذي يشهده الفيروز في الآونة الأخيرة مجرد موجة عابرة؟ الجواب حسب شركة «إتش تي إف» لتحليلات السوق (HTF Market Intelligence) يقول العكس. فهو ينمو عالمياً بنسبة 6.5 في المائة من عام 2025 إلى 2032، حيث يتوقع أن يرتفع حجمه من 2.8 مليار هذا العام إلى 4.9 مليار دولار عام 2032. تكمن شعبيته في جماله الطبيعي، الأمر الذي يجعله مناسباً لموضة البوهو التي تتصدر مشهد الموضة حالياً. وإلى جانب هذا البعد الجمالي، هناك أيضاً الوعي بقيمته الروحية، وما يرمز إليه من سلام داخلي، وكأنه يأخذنا إلى لحظات اكتشافه الأولى من قبل المصريين القدامى وكل الثقافات البعيدة التي استخدمته عبر العصور.


مقالات ذات صلة

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

لمسات الموضة تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة وتُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق فرض الجيل زد الملابس الواسعة والمريحة في أماكن العمل والجامعات والمدارس (بكسلز) play-circle 01:18

موضة الجيل زد... وسّع وسّع وارتدِ الأرخص

تتجه الأجيال الجديدة إلى توسيع الملابس، ولذلك أسباب كثيرة، منها ما هو نفسي، ومنها ما يعبّر عن ثورة اجتماعية على ثقافة الفلتر، والأحكام المسبقة على الجسد.

كريستين حبيب (بيروت)
لمسات الموضة بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

يدار وادي دوكة بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام، بتحديد مواقع آلاف أشجار اللبان، واستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليُصبح أول غابة ذكية في منطقة الخليج.

جميلة حلفيشي (صلالة - عُمان)
لمسات الموضة زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

زهير مراد يفوز بجائزة الريادة وبقلوب النجمات

فاز المصمم اللبناني العالمي زهير مراد خلال حفل فاشن تراست أرابيا (FTA) في نسخته السابعة بجائزة تقدير لمساهمته في إثراء المشهد الإبداعي في المنطقة ودوره في…

«الشرق الأوسط» (الدوحة - قطر)

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
TT

تانيا فارس أول لبنانية تفوز بجائزة الموضة البريطانية وجوناثان أندرسون يحقق ثلاثية ذهبية

تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)
تانيا فارس خلال تلقي كلمتها بعد حصولها على جائزة تقدير على إسهاماتها في دعم المصممين الناشئين (غيتي)

في الوقت الذي كان فيه لبنان يحتفل بزيارة البابا روبرت بريفوست (ليو الـ14) التاريخية، كانت اللبنانية تانيا فارس تكتب التاريخ في مجال الموضة بوصفها أول لبنانية تفوز بجائزة التقدير الخاص (Special Recognition Award) عرفاناً لها بـ15 عاماً من مبادرة BFC Fashion Trust، وتقديراً لدورها في تأسيس هذه المبادرة.

تانيا فارس عبَّرت عن فخرها بكونها أول لبنانية تحصل على الجائزة (غيتي)

بكلمات تُعبّر عن فخرها بهويتها قالت تانيا وهي تتسلم الجائزة، إن لا شيء يضاهي سعادتها سوى فخرها بأصولها اللبنانية وكونها أول لبنانية تحصل عليها.

جدير بالذكر أن حفل جوائز الموضة البريطانية السنوي من أهم فعاليات عالم الموضة، حيث تُقدَّم فيه جوائز لأهم المصممين العالميين والشباب إلى جانب صناع الموضة والمؤثرين من رؤساء تنفيذيين ومصممين ومبدعين في مجالات فنية مختلفة أخرى. كما يحضره أفراد من الحكومة دعماً لصناعة تدر على البلد الملايين وتوظف الآلاف.

عمدة لندن صادق خان يتوسط المصممة روكساندا والنجمة كيت بلانشيت لدى وصولهم الحفل (رويترز - أ.ف.ب)

هذا العام، وفي أول ليلة من ديسمبر (كانون الأول)، وبين زخّات مطر خفيفة تلامس شوارع لندن، ازدانت قاعة رويال ألبرت هول بالبريق: أضواء مشعة ونجوم في فساتين مثيرة، وكأنها بهذا الكم من الأناقة الراقية، تطوي عاماً حافلاً بالإبداع والفن والتغييرات الجريئة.

منذ اللحظة الأولى وحتى قبل بدء الحفل، بدت الأجواء خارج القاعة واعدة. مشاهير من عالمي الفن والموضة تحدّوا الطقس اللندني وتألقوا على السجادة الحمراء. من شارون ستون وكيت بلانشيت وصادق خان، عمدة لندن، وهلمّ جراً من الأسماء الكبيرة، والتي كان عدد لا يستهان منها يأمل في أن يسمع اسمه من بين الفائزين.

أندرسون... ثلاثية ذهبية

من هؤلاء كان الآيرلندي جوناثان أندرسون، المدير الإبداعي الحالي في دار «ديور» والذي فاز بجائزة مصمم العام، محققاً بهذا إنجازاً قياسياً. فهذه المرة الثالثة التي يفوز بها باللقب على التوالي، وإن كان هذا العام يحمل قيمة إضافية بالنسبة له؛ لأنه فاز بالجائزة عن علامته الخاصة «جي دبليو أندرسون» وعن دار «ديور» التي التحق بها مؤخراً وقدم لها أول مجموعة من إبداعه منذ أشهر قليلة.

جوناثان أندرسون بعد تسلمه جائزة مصمم العام للمرة الثالثة على التوالي (غيتي)

وقف أندرسون وسط تصفيق حار، وقال بروح مرحة: «سأكون سريعاً... أعلم أن الجميع يرغب في الاحتفال». ثم عبّر عن شكره لدلفين أرنو، الرئيسة التنفيذية للدار وإلى فريقه قائلاً: «أؤمن بأن التعاون طريق النجاح». إنجاز أندرسون لا يقتصر على تحقيقه الرقم القياسي هنا، بل يمثل لحظة تحول مهمة لدار «ديور» التي من المتوقع أن يضخها بروح جديدة تجمع بين الحداثة والحرفية وبين الماضي والمستقبل.

جوائز تُكرّم الإبداع البريطاني

وفي سياق الجوائز التي تحتفي بالفعل الإبداعي البريطاني، فازت سارة بيرتون بجائزة مصمّمة الأزياء النسائية البريطانية للعام عن عملها في دار «جيفنشي»، التي التحقت بها مؤخراً، مؤكدة استمرار تأثيرها الراسخ في عالم الأزياء النسائية.

وعلى الجانب الآخر، توّجت غريس ويلز بونر بجائزة مصمّم الأزياء الرجالية البريطانية للعام عن علامتها Wales Bonner، بعد عام شهد حضوراً قوياً لها على منصات العرض وفي النقاشات الثقافية المرتبطة بالهوية والموضة، لا سيما بعد دخولها دار «هيرميس» خليفة لفيرونيك نيشانيان التي تولت القسم الرجالي لنحو 37 عاماً.

أما جائزة Vanguard، التي تُمنح للمواهب الواعدة، فكانت من نصيب المصمّمة ديلارا فندك أوغلو، التي واصلت خلال العام الماضي فرض نفسها بوصفها واحدةً من أكثر الأصوات الشابة إثارة للاهتمام في عالم الأزياء التجريبية.

برونييلو كوتشينيلي

شارون ستون وبرونيلو كوتشينلي قبل دخولهما قاعة الحفل (أ.ف.ب)

ومن بين الجوائز المهمة أيضاً في الأمسية، كانت جائزة الإنجاز المُتميز التي ذهبت هذا العام إلى المصمّم الإيطالي برونيلو كوتشينيلي، المعروف ببناء إمبراطورية عالمية للرفاهية الهادئة من مقره في قرية سولوميو الحالمة بوسط إيطاليا. وكان توم فورد هو الفائز بهذه الجائزة في العام الماضي؛ الأمر الذي يؤكد استمرار الاعتراف بالأسماء التي تركت بصمتها على الصناعة بأبعادها الإنسانية والحرفية.

الجانب الإنساني يسرق الأضواء

رغم أن أسماء الفائزين ببعض الجوائز كانت معلنة قبل الحدث، فإن اللحظات التي عاشها الضيوف داخل القاعة لم تفقد تأثيرها.

كانت أنوك ياي، الفائزة بجائزة عارضة العام، من أبرز هذه اللحظات. العارضة السودانية - الأميركية التي تصدرت أغلفة المجلات العالمية مثل «فوغ» فرنسا، وظهرت في حملات سان لوران وفيرساتشي، وقدّمت عطراً من تييري موغلر، اعتلت المسرح وهي تتلقى الجائزة من الفائزة السابقة أليكس كونساني. وقالت ياي بخفة ظل: «قيل لي إن مسيرتي لن تتجاوز ستة أشهر... ويبدو أنها كانت ستة أشهر طويلة، أليس كذلك؟»، ثم تحوّلت عباراتها رسالة تمس القلوب: «إلى كل الفتيات السود الصغيرات اللواتي يشاهدنني الآن... لونكن ليس لعنة. أنتنّ أقوى مما تتخيلن». كلمات جعلت القاعة تصمت في لحظة إجلال، قبل أن تنفجر بالتصفيق.

إبداع يربط الموضة بالثقافة

جائزة المبتكر الثقافي كانت من نصيب ليتل سيمز، الفنانة التي تجمع بين الموسيقى والتمثيل، والتي أهدت جائزتها «لنسختها الصغيرة» التي لم تكن لتتخيل هذا اليوم، لكنها «رأته حتى النهاية».

كما شهد الحفل منح جائزتي تقديراً خاصاً في هذا المجال لكل من دلفين أرنو وBFC Fashion Trust متمثلة في تانيا فارس بمناسبة مرور 15 عاماً على تأسيسه.

وحصلت لولو كينيدي ورافاييل مور على تكريم 25 عاماً من Fashion East، بينما ذهبت جائزة «لحظة باندورا الأسلوبية» للعام إلى سام وولف.

أما جائزة «إيزابيلا بلو للإبداع»، فقد مُنحت لكلٍّ من راي كاواكوبو، وأدريان جوفي، وديكون باودن عن Dover Street Market.

تخللت الحفل أنشطة فنية وترفيهية عدة عربوناً على لقاء الموضة والفنون (رويترز)

وهكذا اختُتمت أمسية جمعت بين الأزياء وعروض حية من الموسيقى والباليه، إضافة إلى القصص الإنسانية، وفي الوقت ذاته كرّست مكانة جوائز الموضة بين أكثر الأحداث تأثيراً في روزنامة الموضة العالمية. ليلة كتبت فيها لندن فصلاً جديداً، وكان بطلاها الأساسيان لبنانيةً وآيرلندياً.


أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
TT

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)
انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

بين افتتاح المتحف المصري الكبير وفضول عالمي متزايد بسوق الموضة وصعود مصممين من أبناء البلد يطمحون لترك بصمتهم على العالم، يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية. سلاحها، العودة إلى الجذور وإلى حكايات ملهمة إلى جانب توظيف خامات طبيعية محلية.

يبدو واضحاً أن معظم المصممين والمبدعين متمسكون بالجذور رغم تطلعهم للعالمية (خاص)

تحت عنوان «التطور» انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري في احتفال يعكس خطوات واثقة بدأت تحققها صناعة الأزياء منذ إطلاق الحدث لأول مرة في عام 2023. في هذه الدورة برزت رغبة محمومة من قبل المصممين المشاركين في توظيف خامات طبيعية كالقماش والقطن. وطبعاً إحياء حرف يدوية تقليدية في مسار يُعبِد الطريق نحو مستقبل مستدام وهوية تصميم مصرية معاصرة.

فتحت الفعاليات أبوابها للجمهور داخل مبنى كونسوليا وبيت بدير في قلب وسط البلد، بعدما أعادت إحياءهما شركة Coterie الشريك الرئيسي لهذا العام.

من علامة «باز القاهرة» تصاميم مستوحاة من التراث بلغة معاصرة (خاص)

كان هناك حرص على أن تُجرى كل فعاليات الحدث في مكان محدد، حتى لا يضطر الحضور إلى التنقل بين الأماكن في زحمة سير القاهرة، وما يمكن أن يترتب عليه من تأخير وضغوط. ثم إن المكان يتوفر فيه كل شيء، بدءاً من فناء أخضر فيه مقهى إلى طوابق مختلفة يحتضن كل واحد منها فعاليات معينة. الطابق الخامس مثلاً خُصص لأعمال أبرز المصممين المصريين عبر معارض ومنصات تفاعلية وورش عمل، فيما خصصت الطوابق العليا، كمسرح لعروض الأزياء وصالونات للماكياج وتصفيف شعر العارضات.

هناك رغبة في العودة إلى الجذور واستعمال خامات طبيعية مستدامة (خاص)

لكن ما ميز أسبوع هذه الدورة أيضاً، تعدد برامج الحوارات، التي شارك فيها أكثر من 30 شخصية محلية ودولية مؤثرة، من ضمنهم الأرشيدوقة كاميلا فون هابسبورغ-لوتيرينغن والمصممة أمينة غالي من عزة فهمي، و كاميلا فراكاسو ديافيريا من White Milano

والباحثة التراثية شهيرة محرز وشرين رفاعي مؤسسة أسبوع الموضة الأردني.

وشاركت ثمانٍ من أبرز مؤسسات تعليم الموضة في مصر إما بعروض أو معارض تبرز أفكاراً مبتكرة لطلاب يدعمهم برنامج GTEX التابع للمركز الدولي للتجارة ومؤسسة دروسوس بعد عملية انتقاء دقيقة لكل واحد منهم.

كانت القاعات تنبض بالنقاشات حول الاستدامة، الملكية الفكرية، تعليم الحرف والتمويل. وفي ورش العمل، قدّم المصمم الأردني ليث معلوف عروضاً تطبيقية على الأقمشة، بينما شرح مشرفون من مبادرة MSNJ كيف أصبح الصبار خيطاً ناعماً يمكن إدخاله في أزياء صديقة للبيئة.

تقول سوزان ثابت، أحد مؤسسي الأسبوع، إن مصر تزخر بالموارد والمواهب، وتاريخ غني في مجال الموضة لا يعرفه كثيرون ويستحق التعريف به وتسليط الضوء عليه بعد أن طاله غبار الزمن.

المصمم بريهان أبو زيد من علامة «باز» (خاص)

من هذه الفكرة أو الرغبة تبدأ قصة أسبوع الموضة في مصر تحت عنوان «التطور».

كانت التصاميم تشبه دفاتر يوميات مفتوحة ترجم فيها الطلاب رؤية لعالم يريدون أن يكونوا جزءاً منه عن استحقاق.

لكن وراء الألوان والقصات والأضواء وتسريحات الشعر الأنيقة، يقف اقتصاد ضخم. فصناعة النسيج مثلاً من أهم ركائز الاقتصاد المصري، وكذلك القطن المصري الذي يعد علامة فارقة في المنتجات العالمية من ناحية جودته وفخامته. تقول سوزان: «هذا تحديداً ما يرتكز عليه أسبوع الموضة ليعيد صياغة هذه الصناعة، ليس فقط عبر تصدير الخامات، بل عبر خلق علامات مصرية قادرة على المنافسة عالمياً وتحمل مفهوم (صنع في مصر)».


لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
TT

لبان ظُفار من الشجرة إلى الزجاجة في وادي دوكة

بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)
بالنسبة للعمانيين فإن ذِكر «أمواج» واللبان أصبح مرادفاً لعُمان (أمواج)

وأخيراً أصبح في المنطقة العربية مصنع عطور يُجرى فيه تقطير اللبان محلياً، بعدما كان السفر إلى مدينة غراس الفرنسية الخيار الوحيد. أهمية هذه الخطوة لا تقتصر على بناء صناعة متكاملة من الشجرة إلى العطر فحسب؛ بل تمتد أيضاً إلى خفض البصمة الكربونية، وإفادة المجتمعات المحلية، والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. واليوم بات بإمكان صُنَّاع العطور التوجه إلى صلالة، وتحديداً وادي دوكة، لمعاينة هذه النقلة في مجالهم عن قُرب، بعد أن كان المشهد محصوراً في صورة شاعرية لطقوس جمع اللبان وترحاله.

تسمع حكايات وتقرأ في كتب التاريخ الكثير عن منطقة ظفار وعلاقتها بالبخور واللبان. تترسخ في مخيلتك صورة شاعرية عن قوافل تجارية وثقافات متنوعة تمر منها إلى أوروبا وإلى آسيا، محملة بالبضائع النادرة، ولكن ما من وصف يضاهي الواقع.

يتم التعامل مع عملية استخراج اللبان بحذر حتى لا تتأثر الأشجار وتعطي الكثير (أمواج)

كانت الرحلة التي نظمتها دار «أمواج» للعطور بمناسبة افتتاح مصنعها الجديد «عين دوكة» لاستخلاص زيت اللبان، فرصة لاكتشاف هذا العالم عن قرب. أقل ما يمكن قوله عن الرحلة إنها بدأت بفضول وانتهت بانغماس في تاريخ قد يكون ضارباً في القدم، إلا أنه لم يفقد في أي مرحلة بوصلته نحو المستقبل.

ففي وادي دوكة، المدرَج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، تترامى أكبر محمية في العالم لأشجار «بوسويليا ساكرا»، مصدر راتينغ اللبان (إفراز عضوي) الذي شكَّل عبر آلاف السنين ركيزة لثقافات وتجارة وطقوس روحانية لا تُحصى. والآن تريد ظفار تسويقه للعالم بوصفه واحداً من أهم المكونات وأجملها في صناعة العطور، باستخراجه وتقطيره في عقر داره.

بخور المناسبات المهمة

هنا، خلف جبالها وبمحاذاة المنحدرات المنخفضة، وفي بطون الأودية والسهول، تنمو هذه الأشجار المتقشفة التي لا يثير شكلها النظر، إلا أنها بصبرها على مواجهة الرياح والرمال، لا تزال شامخة. جذوعها الخشنة لا تبخل براتينغ مميَّز جعل الإغريق يصفون المنطقة كلها بالبلاد السعيدة «أرابيا فيلكيس».

أنوف مشهورة مثل دومينيك روبيون وباسكال غورين وبيير غيروس وغيرهم انبهروا بطقوس استخراج اللبان (أمواج)

لم تكن الرحلة عادية وتقليدية من ناحية استضافتها وسائل الإعلام وحدها كما جرت العادة. نصف الحضور أو أكثر، كانوا «أنوفاً» عالمية من كبار العطارين، مثل: دومينيك روبيون، وباسكال غورين، وبيير غيروس، وغيرهم. أضفوا على التجربة بُعداً احترافياً. فهذه الأنوف تعوَّدت على أجود أنواع العود والياسمين والنباتات النادرة، ومن الصعب مفاجأتهم بالجديد، ومع ذلك كانوا منبهرين بالمكان وما تبوح لهم به هذه الأشجار من أسرار.

لم تفارق الابتسامة العطار بيير غيروس، فأخذني الحماس لأسأله أن يقارن لي بين هذا المكان وبين مدينة غراس الفرنسية وحقولها التي تعدُّ عاصمة العطور في العالم، فيرد مازحاً: «هناك وُلدت العطور من رحم روائح كريهة كانت تنبعث من دباغة الجلود، أما هنا فالعطر يولد من الأرض نفسها، من هوائها وشجرها ودفئها الصحراوي». هذا الإعجاب لا تلمسه لدى العطارين هنا فحسب؛ بل تلمسه في كل مكان ممزوجاً بفخر، كما تشي حكايات سكان المنطقة عن ارتباطها بالعطر.

بداية الحلم

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد صاحب فكرة تأسيس دار عطور فاخرة تُعرِّف العالم بالثقافة العمانية و«ذهبها الأبيض». كان ذلك في عام 1983 عندما أطلق مشروعاً كان طموحاً لدرجة الحلم: بناء صناعة محلية متكاملة لا تعتمد على الخارج، تبدأ في استخراج زيت اللبان وتنتهي بابتكار عطور تُعرف عالمياً بـ«هدية الملوك» تُصنع من الألف إلى الياء في أرض اللبان.

بعد أربعة عقود تقريباً، يكتمل هذا المشروع، بوضع حجر الأساس لمصنع «عين دوكة». مصنع لاستخلاص زيت اللبان من الراتينغ، وبه يتم إحياء حِرفة شكَّلت عبر العصور جوهر صناعة العطور في عُمان.

وادي دوكة... حكاية مستمرة

ثقافة اللبان ضاربة في التاريخ... ولكن البوصلة موجهة نحو المستقبل والعالم (أمواج)

في هذا الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو» منذ عام 2000، تمتد أكبر محمية لأشجار «بوسويليا ساكرا» في العالم. أشجار منحت عُمان مكانتها بين الحضارات القديمة، ووفرت لإمبراطوريات عظيمة البخور للتطهير والاحتفال. فاللبان لم يكن مجرد بضاعة فواحة؛ بل لغة روحية وثقافية ودبلوماسية وحلقة وصل بين الشرق والغرب. لم يتردد الإغريق مثلاً -شأنهم شأن الرومان وغيرهم من الثقافات القديمة- في دفع أثمان باهظة لقاء الحصول على اللبان العماني تحديداً. فهو يحتوي على نسبة تتجاوز 70 في المائة من المركب العضوي العطري «ألفا بينين»، مما يجعله مختلفاً بفارق عن زيوت اللبان المستخرجة من المواقع الأخرى.

طقوس محددة وأيادٍ محلية متمرسة تتقن التعامل مع الشجر لاستخراج أفضل ما فيه (أمواج)

هذا التاريخ وُضع في الحسبان عند تصميم المكان؛ حيث يتجلَّى المعمار امتداداً للأرض التي تحتضنه؛ تتماهى ألوانه وتفاصيله مع طبيعة الوادي المدرج على قائمة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، فيبدو من بعيد كصخرة ناعمة. ومع الاقتراب، تظهر هندسته الدائرية المستوحاة من التواصل بين الإنسان والطبيعة، تحتضن في قلبها حديقة لشجر اللبان، رمزاً للاستدامة واستمرارية الحياة.

يُدار المكان بأسلوبٍ حديثٍ ومستدام؛ إذ تم تحديد مواقع أكثر من خمسة آلاف شجرة لبان، باستخدام تقنية التتبُّع الجغرافي، ليصبح وادي دوكة أول غابة ذكية في منطقة الخليج. هذه الأشجار تُحصد وفقاً للمعايير الدولية لممارسات الحصاد الأخلاقي والمسؤول، وهو ما أكده اعتماد مؤسسة «فيروايلد» الدولية في أغسطس (آب) الماضي.

رينو سالمون المدير الإبداعي في «أمواج» يشرح تاريخ اللبان وأهميته وطرق استخراجه (أمواج)

يُعلِّق رينو سالمون، المدير الإبداعي في «أمواج»: «كانت رؤيتنا لعين دوكة واضحة منذ البداية. أردناه مكاناً يعكس جمال البساطة وعمق العلاقة بين الأرض والعطر. فالتصميم يبدو وكأنه ينمو من طبيعة المكان ويتناغم معها. ولذا؛ راعينا توفير مساحات مفتوحة لتضفي شعوراً خاصاً وتترك طابعاً يعبر عن شخصية الدار وطبيعة الأرض، وتتيح للحرفة العُمانية أن تكون جزءاً أساسياً من التجربة؛ حيث يرى الزائر كيف يتحوَّل اللبان من مادته الطبيعية إلى عطر بنغمات دافئة ومميَّزة».

ما بدأ بحصاد محلي تحول إلى صناعة عالمية (أمواج)

ما بدأت عطوراً خاصة جداً لتكون هدايا تليق بالملوك، أصبحت اليوم صناعة متكاملة الجوانب. فالدار توسعت، وكلما زاد نجاحها زادت طموحاتها. وللمرة الأولى في تاريخها، تجاوزت مبيعاتها 100 مليون دولار في الربع الأول من عام 2025. وعلى مستوى الإبداعات، حافظ عطر «جايدانس» (Guidance) على مكانته بصفته الأكثر مبيعاً، أما مجموعة «إسينسيس» فقد انضمت عطورها الثلاثة إلى قائمة أفضل 15 عطراً مبيعاً لدى «أمواج» خلال الفترة نفسها.