دعوات يمنية إلى إنصاف الأطفال الضحايا ضمن مسار العدالة الانتقالية

دراسة حقوقية كشفت عن استمرار الانتهاكات

أطفال اليمن واجهوا آلاف الانتهاكات في ظل الصراع الدائر منذ أكثر من عقد (أ.ف.ب)
أطفال اليمن واجهوا آلاف الانتهاكات في ظل الصراع الدائر منذ أكثر من عقد (أ.ف.ب)
TT

دعوات يمنية إلى إنصاف الأطفال الضحايا ضمن مسار العدالة الانتقالية

أطفال اليمن واجهوا آلاف الانتهاكات في ظل الصراع الدائر منذ أكثر من عقد (أ.ف.ب)
أطفال اليمن واجهوا آلاف الانتهاكات في ظل الصراع الدائر منذ أكثر من عقد (أ.ف.ب)

دعا حقوقيون يمنيون إلى إعادة تأهيل الضحايا من الأطفال ضمن مسار العدالة الانتقالية، في حين أظهرت دراسة حديثة استمرار الانتهاكات الجسيمة ضدهم؛ إذ تصدّر التجنيد قائمة الانتهاكات، في وجود فجوة واسعة بين الالتزامات التشريعية والدولية والحماية الفعلية، رغم توقيع الاتفاقيات وخطط العمل مع الأمم المتحدة.

وكشفت الدراسة التي أصدرها التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن (تحالف رصد) عن أن تجنيد الأطفال في النزاع المسلح في اليمن حاز على نسبة 88.7 في المائة من قائمة الانتهاكات، يليه القتل أو الإصابة بنسبة 61.7 في المائة، والعنف الجنسي 51 في المائة، والهجمات على المدارس والمستشفيات 50 في المائة.

وقال رئيس التحالف الحقوقي، مطهر البذيجي، إن الدراسة واحدة من مخرجات مشروع تعزيز الوعي وضمان حقوق الأطفال في أثناء النزاع باليمن خلال مرحلته الثانية، بالتعاون مع معهد «دي تي».

أطفال يمنيون في سن الدراسة يقفون أمام مبنى متهالك اتُّخذ مدرسة مؤقتة في محافظة تعز (أ.ف.ب)

وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن الهدف من الدراسة محاولة سدّ فجوة معرفية لطالما عاقت الجهود الوطنية والدولية في توثيق الانتهاكات الستة الجسيمة للأطفال وتحليلها ضمن إطار شامل للعدالة الانتقالية، مذكّراً بأن الأطفال هم الفئة الأكثر هشاشة والأكثر تضرراً من النزاع، ولا تزال هناك حاجة إلى التوثيق الدقيق للانتهاكات ضدهم، وإصلاح المؤسسات وإشراكهم في مساعي السلام.

وبيّنت الدراسة أن الهجمات على المرافق التعليمية واستخدام المدارس لأغراض عسكرية تسببا في تعطيل أو تدمير آلاف المدارس وحرمان أكثر من مليون طفل من التعليم، مما أسهم في ارتفاع معدلات التسرب والانقطاع الدراسي.

ضرورة إعادة التأهيل

تشير الدراسة إلى أنه، ورغم وجود قانون لحقوق الطفل منذ عام 2002 ومصادقة اليمن على اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولاتها، فإن غياب التعديلات التشريعية وضعف آليات الإنفاذ والانقسام المؤسسي أفقدت هذه المنظومة فاعليتها، إذ قيّم 73.3 في المائة من المشاركين في الاستطلاع أن الإطار القانوني إما ضعيف وإما ضعيف جداً.

بسبب الحرب فقد الأطفال في اليمن الكثير من حقوقهم وواجهوا ظروفاً غير إنسانية (أ.ف.ب)

ترى رانيا خالد، الإخصائية الاجتماعية اليمنية، أن أي تأهيل للأطفال المتأثرين بالحرب في اليمن يظل تحدياً كبيراً في ظل غياب مؤسسات الدولة واستمرار النزاع وتعدد القوى المسيطرة، لكن ذلك لا يعني أنه مستحيل.

ونوهت، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن إعادة تأهيل الأطفال تتطلب تفكيراً مرحلياً وعملياً أكثر من الحلول الشاملة والفورية، ورغم أنه من الصعب الوصول إلى كل الأطفال المتأثرين بالانتهاكات، فإنه يمكن بدء العمل على مستويات تدريجية، فخلال السنوات الماضية، أظهرت التجارب الميدانية أن التدخلات المجتمعية الصغيرة وأيضاً تدخلات بعض مؤسسات المجتمع المدني وبعض المنظمات الدولية يمكن أن تُحدث فارقاً حقيقياً.

وبينما شدّدت على ضرورة التركيز على الأطفال في المخيمات والمدارس ومراكز النزوح، اقترحت تدريب المعلمين والمتطوعين على مهارات الدعم النفسي الأولي، وتوفير مساحات آمنة للأطفال في المدارس والمخيمات ومراكز المجتمع المدني، وتقديم تدخلات مجتمعية محلية صغيرة يقودها مختصون ومنظمات تعمل في الميدان، وتضمين الدعم النفسي في المشاريع الإنسانية والتعليمية القائمة.

الحرب والأزمة الإنسانية في اليمن ألحقتا ضرراً بالغاً بالأطفال (أ.ف.ب)

ووصفت الدراسة الإطار القانوني لحماية الطفل في اليمن بالشكلي، وذلك لأنه لم تتم ترجمة مصادقة الدولة على الاتفاقيات الدولية وقانون حقوق الطفل إلى ممارسات فعّالة بسبب غياب التعديلات التشريعية وضعف التنفيذ والانقسام المؤسسي، ما دفع 73.3 في المائة من المشاركين في بحث الدراسة إلى اعتباره غير فاعل.

وتسبّب الانقسام المؤسسي وتعدد السلطات في تعميق الأزمة، حيث تسببت ازدواجية القوانين وضعف العمل التشريعي في تفكيك المرجعية القانونية الوطنية، مما جعل المجلس الأعلى للأمومة والطفولة خارج دور التنسيق، لتصبح خطط الحماية مرتهنة بدعم المانحين وحده.

دمج المصالحة والمساءلة

أظهر المراجعون التشريعيون ثغرات جوهرية مثل تحديد سن الزواج لما دون الخامسة عشرة، وعدم تجريم تجنيد الأطفال صراحة، وتضارب النصوص المتعلقة بالمسؤولية الجنائية للأحداث، وضعف الحماية من جرائم الاستغلال والعنف الجنسي، فيما لا تتناسب العقوبات المقررة مع جسامة بعض الجرائم مثل الاغتصاب، مما يقوّض فاعلية السياسة الجنائية ويكرّس الإفلات من العقاب.

أطفال جنّدتهم الجماعة الحوثية يشاركون في إحدى مناوراتها العسكرية (أ.ب)

ورصدت الدراسة غياب التزام فعلي ببنود اتفاقية حقوق الطفل، مقيّمة أداء المؤسسات الحكومية في حماية حقوق الأطفال بالضعيف أو الضعيف جداً، مع تسجيل تباينات طفيفة بين مناطق السيطرة المختلفة، في حين كان القاسم المشترك هو قصور الاستجابة والفاعلية في جميع الحالات، مع تعطّل البرلمان وغياب دور المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، مما جعل خطط الحماية مرهونة بدعم المانحين.

وترتب عن تلك الانتهاكات وقوع الآثار النفسية في الصدارة على المدى القصير، وتلتها الصعوبات الاجتماعية، في حين حلّت الآثار الاقتصادية في المرتبة الأخيرة، وعلى المدى الطويل، تصدرت الصعوبات النفسية المرتبة الأولى، وتلاها فقدان فرص التعليم والعمل، ثم الانخراط المحتمل في العنف أو التجنيد مجدداً، بالإضافة إلى تراجع الثقة بالأسرة والمجتمع، والعزلة الاجتماعية وتدهور العلاقات.

ويذهب القاضي والباحث القانوني محمد الهتار، وهو معدّ الدراسة، إلى أن تطبيق العدالة الانتقالية في اليمن يواجه صعوبات كبيرة بسبب استمرار النزاع وتعدد مراكز القوى، غير أن القضاء يمكن أن يُسهم في حماية الأطفال عبر إجراءات تمهّد لإنصافهم.

أطفال جنّدتهم الجماعة الحوثية يخضعون لإعادة تأهيلهم في مأرب برعاية «مركز الملك سلمان» (أ.ب)

ويقترح الهتار، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، تعزيز دور المؤسسات المعنية بحقوق الطفل، وإنشاء لجنة وطنية لتوثيق الانتهاكات وتلقي الشكاوى بآليات آمنة وسريعة، مع زيادة الضغط الأممي لضمان التزام الأطراف بخطط حماية الأطفال وربط الدعم الدولي بمستوى التزامها، وإنشاء إطار تنسيقي يجمع الجهات الرسمية والمنظمات المحلية والدولية لتوحيد الجهود، وتنفيذ برامج للدعم النفسي وجبر الضرر والتوعية.

وبينما تعذّر التواصل مع ممثلي وزارة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان في الحكومة اليمنية للرد على ما ورد في الدراسة، يتوقع الهتار أن تلك الإجراءات المقترحة إلى جانب برامج الدعم النفسي والاجتماعي وجبر الضرر، والتوعية والتثقيف ستمهّد لعدالة انتقالية صديقة للطفل تعزّز الثقة بإمكانية تحقيق الإنصاف ومنع تكرار الانتهاكات.


مقالات ذات صلة

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

العالم العربي الجماعة الحوثية أظهرت تحدياً لمختلف القوى الدولية رغم ما تعرضت له من هجمات (أ.ب)

عقوبات قاصرة... الحوثيون يُعيدون رسم خريطة التهديد

رغم تجديد العقوبات الدولية عليهم، يُعزز الحوثيون قدراتهم العسكرية ويحولون التهديد المحلي إلى خطر إقليمي على الملاحة والأمن الدوليين مع تحالفاتهم العابرة للحدود.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تشييع قيادي حوثي توفي بشكل غامض في إب وسط تكهنات باغتياله جراء خلافات مالية (إعلام حوثي)

الانفلات الأمني يفتك بمناطق سيطرة الحوثيين

تشهد مناطق سيطرة الجماعة الحوثية تسارعاً غير مسبوق في الإعدامات الميدانية للمدنيين، وعلى خلفيات مناطقية، وتسبب الانفلات الأمني في حوادث اغتيال عدد من القيادات

وضاح الجليل (عدن)
مسلح حوثي يراقب تجمعاً لرجال القبائل في صنعاء (إ.ب.أ)

انفلات الثأر القبلي يكشف زيف مزاعم الحوثيين باحتواء الصراعات

تصاعدت حوادث الثأر والعنف القبلي في مناطق الحوثيين على الرغم من ادعاءاتهم تبني سياسات للصلح وإنهاء النزاعات التي يستغلونها لتعزيز نفوذهم وجني مزيد من الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي دعا عدد من السفراء الأجانب لخفض التصعيد وتسوية الخلافات بالحوار في اليمن (السفارة البريطانية)

دعوات دولية لخفض التصعيد وتسوية الخلافات بالحوار في اليمن

العليمي:«الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي تمثل خرقاً صريحاً لمرجعيات المرحلة الانتقالية وتهديداً مباشراً لوحدة القرار الأمني، والعسكري».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي يمنيان يبيعان الحبوب المنتجة محلياً في سوق بوسط صنعاء (إ.ب.أ)

انفجار أسعار في مناطق سيطرة الحوثيين يخنق معيشة السكان

التهمت موجة غلاء جديدة ما تبقّى من قدرة السكان الشرائية، في مناطق سيطرة الحوثيين الذين يضاعفون الجبايات، بالتوازي مع تراجع عالمي في أسعار المواد الاستهلاكية

وضاح الجليل (عدن)

العليمي يدعو «المجلس الانتقالي» إلى تغليب لغة الحكمة والحوار

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)
TT

العليمي يدعو «المجلس الانتقالي» إلى تغليب لغة الحكمة والحوار

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

دعا رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، يوم الأحد، الشركاء في المجلس الانتقالي الجنوبي إلى «تغليب الحكمة ولغة الحوار».

وأوضح مصدر في مكتب رئاسة الجمهورية أن العليمي دعا كذلك إلى «تجنيب الشعب اليمني والأمن الإقليمي والدولي، تهديدات غير مسبوقة، وعدم التفريط بالمكاسب المحققة خلال السنوات الماضية بدعم من تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية، وفي المقدمة مكاسب القضية الجنوبية العادلة».

وقال المصدر إن رئيس مجلس القيادة الرئاسي وجّه «باتخاذ كافة الإجراءات القانونية والإدارية بحق أي تجاوزات تمس وحدة القرار، أو تحاول فرض أي سياسات خارج الأطر الدستورية، ومرجعيات المرحلة الانتقالية».

وشدّد على أن «القيادة السياسية الشرعية ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي هي الجهة الوحيدة المخولة بتحديد المواقف السياسية العليا للدولة، وبالتالي فإن استغلال السلطة، واستخدام الصفة الوظيفية، أو المنصب الرسمي لتحقيق مكاسب سياسية، يعد خرقاً جسيماً للدستور والقانون».

كما نقل المصدر عن العليمي دعوته «كافة المكونات السياسية، وأبناء الشعب اليمني، الالتفاف حول مشروع الدولة الوطنية، وحشد كافة الطاقات نحو معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإسقاط انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية المدعومة من النظام الإيراني، وإنهاء المعاناة الإنسانية».


وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
TT

وزير الخارجية المصري: لا تسامح ولا تساهل مع أي مساس بمياه نهر النيل

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (أ.ف.ب)

قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن بلاده لن تتساهل أو تتسامح مع أي مساس أو إضرار بمياه نهر النيل «الذي تعتمد عليه مصر اعتماداً كاملاً».

وأضاف عبد العاطي في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير خارجية جنوب السودان مونداي سيمايا كومبا أن مصر ليست لديها أي مشكلات مع دول حوض النيل «باستثناء دولة واحدة في حوض النيل الشرقي»، في إشارة إلى إثيوبيا.

وافتتحت إثيوبيا في سبتمبر (أيلول) الماضي «سد النهضة» الضخم على نهر النيل الذي بدأت تشييده في 2011، وهو مشروع بلغت تكلفته مليارات الدولارات، وتعدّه مصر تهديداً لحقوقها التاريخية في مياه أطول أنهار أفريقيا.

من جانب آخر، قال وزير الخارجية المصري إنه ناقش مع نظيره في جنوب السودان أهمية الوصول إلى تهدئة في السودان، والتوصل لهدنة إنسانية وإطلاق عملية سياسية شاملة.

ويخوض الجيش السوداني حرباً ضد «قوات الدعم السريع» منذ أبريل (نيسان) 2023 أشعلها صراع على السلطة خلال مرحلة انتقالية كان من المفترض أن تفضي إلى إجراء انتخابات للتحول إلى حكم مدني.


مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
TT

مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)

سجَّلت تحويلات المصريين في الخارج «رقماً قياسياً» جديداً خلال الأشهر الـ10 السابقة، مقتربة من الـ34 مليار دولار (الدولار نحو 48 جنيهاً)، بنسبة زيادة 42.8 في المائة عن الفترة نفسها من عام 2024، وبينما تحتفي الحكومة والبنك المركزي، بزيادة التحويلات التي تعدّ أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في البلاد، يرى خبراء أنها «تظل غير كافية لسد احتياجات الدولة من النقد الأجنبي».

ووجَّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الحكومة والبنك المركزي إلى زيادة الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة خلال الفترة المقبلة، خلال اجتماع مع رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله، ووزير المالية أحمد كجوك، الأحد.

ووفق عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب محمود الصعيدي، فإن «أي زيادة في تحويلات المصريين بالخارج تعني زيادة موارد الدولة من العملة الصعبة، ما يمكِّنها من زيادة احتياطاتها من النقد الأجنبي، الذي وصل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى 50.215 مليار دولار».

وأشار الصعيدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «مصادر النقد الأجنبي الأخرى وهي السياحة، وقناة السويس، والاستثمار، والتصدير تشهد تحسناً هي الأخرى».

مؤتمر مصري يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج... أغسطس الماضي (وزارة الخارجية المصرية)

ووفق البنك المركزي، حقَّقت تحويلات المصريين العاملين بالخارج «تدفقات قياسية خلال الأشهر الـ10 الأولى من عام 2025، خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أكتوبر (تشرين الأول)، لتسجِّل نحو 33.9 مليار دولار، مقابل نحو 23.7 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام السابق».

وأضاف البنك المركزي، في بيان الأحد، «على المستوى الشهري، ارتفعت التحويلات خلال شهر أكتوبر 2025 بمعدل 26.2 في المائة، لتسجل نحو 3.7 مليار دولار، مقابل نحو 2.9 مليار دولار خلال شهر أكتوبر 2024».

وبينما يعدّ النائب البرلماني زيادة تحويلات المغتربين إنجازاً يُحسب للحكومة، التي «استطاعت القضاء على السوق السوداء، وأصبحت تحويلات المصريين بالخارج تتدفق عبر القنوات الرسمية»، يشكك خبيرا الاقتصاد خالد الشافعي ووائل النحاس في «قدرة هذه التحويلات على سد احتياجات الدولة من العملة الصعبة».

واتخذت الحكومة في مارس (آذار) 2024، قراراً بتعويم الجنيه، ارتفع بموجبه سعر الدولار رسمياً في البنوك إلى 50 جنيهاً بعدما كان يسجل نحو 30 جنيهاً، وانعكس ذلك على تحجيم السوق السوداء للعملة الصعبة.

ويرى الشافعي أن زيادة تحويلات المصريين تظل دون المأمول، وغير قادرة هي أو المصادر الأخرى للدولار على سد احتياجات مصر من العملة الصعبة، «ما دام هناك دين على الدولة، وعجز في الموازنة العامة، فذلك يعني أن الأزمة ما زالت قائمة».

وارتفع الدين الخارجي لمصر بنحو 6 مليارات دولار منذ بداية 2025، ليصل إلى 161.2 مليار دولار في نهاية الرُّبع الثاني من العام، أي يونيو (حزيران) الماضي، وفق بيانات رسمية.

وزير العمل المصري يلتقي الجالية المصرية في إيطاليا خلال زيارته... ديسمبر 2025 (وزارة العمل المصرية)

يتفق معه الخبير الاقتصادي وائل النحاس، قائلاً إن «تحويلات المصريين في الخارج تحقق نوعاً من الوفرة في المعروض النقدي بالسوق المصرية، تكفي لسد فوائد الدين، لكن لا تكفي لسد أصل الدين، أو تقلل حجم الأزمة الاقتصادية، التي تحتاج إلى زيادة موارد الدولة الدولارية التي تقوم بالأساس على نشاط خاص بها مثل عوائد قناة السويس، أو تصدير معادن وغيرها، أو نتاج صناعة وطنية».

وعدّ النحاس أن «البيانات الرسمية مرة تتحدث عن التحويلات بالسنة المالية، وأخرى بالسنة الميلادية، في محاولة للتركيز على هذه الزيادات بوصفها إنجازاً».

ويتساءل النحاس: «بالنظر إلى عدد المصريين العاملين في الخارج لو قدرناه بـ10 ملايين مصري، فيعني أن متوسط التحويل من كل مصري شهرياً نحو 300 دولار، والتي يحولها عادة لأهله في الداخل، فأين ادخارات هؤلاء؟»، مشيراً إلى أن «حجم التحويلات مقارنة بأعداد المصريين يكشف عن أن جزءاً منهم ما زال يفضِّل قنوات أخرى لادخار أمواله».

ويوجد أكثر من 11 مليون مصري في الخارج حتى عام 2022، وفق الجهاز المركزي للإحصاء.

أما الشافعي، فيرى أن الحكومة تحتاج إلى العناية بملف المغتربين بصورة أكبر، سواء من خلال طرح أوعية ادخارية واستثمارية لاجتذابهم بعوائد مرتفعة، أو تقديم تسهيلات على الاستثمار وفتح مشروعات متوسطة وصغيرة، بالإضافة إلى العمل على زيادة أعدادهم ومعها زيادة الموارد الدولارية.

وظهرت توجهات حكومية لافتة خلال الشهور الماضية لفتح أسواق عمل للعمالة المصرية، حيث زار وزير العمل المصري محمد جبران قبل يومين إيطاليا «لتعزيز التعاون الثنائي في مجالات التشغيل، والتدريب المهني، ونقل العمالة»، وفق بيان للوزارة. ويرى الشافعي أن هذا التوجه «جاء متأخراً».

وزير الخارجية المصري خلال اجتماع مع وفد للجالية المصرية في اليونان (وزارة الخارجية)

ويقول الشافعي: «غالبية المصريين في الخارج سافروا بجهودهم الشخصية، ولم تعمل الحكومة سابقاً بشكل فعال في هذا الملف»، مطالباً بإنشاء مراكز تأهيل للمصريين الذين يرغبون في العمل بالخارج بداية من العامل، وحتى رئيس مجلس الإدارة، والعلماء، وفتح أسواق لهذه العمالة. وعلق: «وقتها ستقفز التحويلات إلى 100 مليار دولار وأكثر وليس فقط 39».

ويتخوف النحاس من أن «زيادة تحويلات المغتربين وموارد السياحة وكلها موارد رغم أهميتها في تحقيق وفرة دولارية في السوق، لكنها تظل غير متينة، وقابلة لأن تشهد هزات في أي وقت، ومعها عودة أزمة العملة الصعبة».

بالتزامن، وجَّه الرئيس المصري الحكومة، الأحد، إلى «تسريع مسار الاستدامة المالية، وتعزيز الانضباط المالي، وتحسين هيكل المديونية، والتركيز على زيادة مستويات الاحتياطي من النقد الأجنبي».