قبل أن يخوض مباراته الأولى مع ناديه الجديد، كان الحارس آرون رأمسديل قد أدرك تماماً ما تمثّله بطولة كأس الرابطة (كاراباو) بالنسبة إلى نادي نيوكاسل يونايتد، وكيف أصبحت هذه البطولة «بطولتهم الخاصة»، بحسب شبكة «The Athletic». يقول رامسديل في مقابلة مع مجلة النادي قبل إحدى المباريات: «أخبرني أكثر من شخص أنها كأسنا. نحن نحمل اللقب وسنحاول الفوز به مجدداً... لن نتخلى عن الكأس بسهولة».
بالنسبة إلى نادٍ فشل في الفوز بأي لقب منذ 56 عاماً، أو بأي بطولة محلية منذ 70 عاماً، حتى أنهى ذلك الجفاف في 16 مارس (آذار) الماضي بـ«ويمبلي»، يبدو غريباً أن يُقال إن مسابقة باتت مرتبطة بنجاحاته إلى هذا الحد. لكن هذا ما حدث فعلاً مع نيوكاسل في كأس الرابطة.
في كل موسم من المواسم الأربعة التي قاد فيها إيدي هاو الفريق، وصل نيوكاسل على الأقل إلى ربع النهائي، وآخرها الفوز الروتيني تقريباً على توتنهام هوتسبر بهدفين دون رد في ملعب «سانت جيمس بارك»، مساء الأربعاء.
أما في المواسم الخمسة عشر التي سبقت تولي هاو، فلم يصل الفريق إلى ربع النهائي سوى ثلاث مرات فقط.
ومن أصل 19 مباراة خاضها في البطولة خلال هذه الأعوام الأربعة، لم يخسر نيوكاسل في الوقت الأصلي سوى مرة واحدة، وكانت تلك الهزيمة في نهائي 26 فبراير (شباط) 2023، أمام مانشستر يونايتد بهدفين نظيفين. ومنذ تلك الليلة المؤلمة، قبل 975 يوماً، لم يتأخر نيوكاسل في أي مباراة بكأس الرابطة.
وفي موسم 2023 - 2024، خرج على يد تشيلسي بركلات الترجيح بعدما كان متقدماً في ملعب «ستامفورد بريدج» حتى الدقيقة 92 قبل أن يتسبب خطأ كيران تريبيير في التعادل، وحتى تلك الهزيمة تعود إلى 681 يوماً مضت، أي أنها آخر مرة لم يفز فيها الفريق. ومن بعدها، رفع نيوكاسل الكأس في الموسم الماضي.
حقق الفريق 17 انتصاراً، منها 15 في الوقت الأصلي واثنان بركلات الترجيح، وسجّل 32 هدفاً، ولم تستقبل شباكه سوى 9. وحافظ على نظافة مرماه في 11 مباراة. قد يكون هاو قد قاد نيوكاسل مرتين للتأهل إلى دوري أبطال أوروبا، لكن بطولة كأس الرابطة هي التي أصبحت العلامة الأبرز في مسيرته مع الفريق.
يقول هاو مبتسماً في حديثه مع شبكة «The Athletic»، عندما سُئل عن سر تميّز نيوكاسل في هذه البطولة: «لا أعرف. نحن نستمتع بها، نأخذها بجدية، ونرغب في النجاح فيها. الأمر يعود إلى اللاعبين وكيف يتعاملون مع المباريات. هذا يعكس احترافيتهم، وهم يحصدون ثمار ذلك».
النقطة المتعلقة بـ«الجدية» أساسية هنا؛ فمدربو نيوكاسل السابقون كانوا يزعمون أنهم يأخذون البطولات المحلية بجدية، لكنهم كانوا يجرون تغييرات واسعة في التشكيلة، ثم يودّعون البطولة مبكراً.
أما هاو، فرغم أنه يُجري تدويراً في الأدوار الأولى من كأس الرابطة، كما فعل أمام توتنهام حين غيّر ثمانية لاعبين من التشكيلة التي فازت على فولهام في الدوري، وسبعة بين التعادل مع بورنموث والفوز على برادفورد في الدور السابق، فإنه يؤكد دوماً أن الفريق الذي يدفع به قادر على الفوز فعلاً.
وفي الواقع، كانت تشكيلة نيوكاسل تبدو أقوى من تشكيلة توتنهام، ويرجع ذلك جزئياً إلى عمق التشكيلة الكبير في الفريق الشمالي، لكن أيضاً إلى ثقافة المنافسة التي بنى هاو داخل النادي. فاللاعبون يدركون أن هذه المباريات فرصتهم النادرة لإقناع المدرب، ومنح أنفسهم دقائق لعب أكثر.
ولأن الحافز وحده لا يكفي، يحرص هاو على إشراك عناصر من القيادات الأساسية في الفريق لحفظ الانضباط والمعايير. فغيمارايش، القائد الحالي، بدأ مباراة برادفورد، ودان بيرن فعل الأمر نفسه أمام توتنهام.
وهذان اللاعبان يمثلان جوهر ما تعنيه بطولة كهذه لنيوكاسل، فبيرن ابن المدينة الذي سجّل الهدف الأول في نهائي مارس الماضي، بينما غيمارايش القادم من البرازيل احتضن روح النادي بالكامل وأصبح أول قائد يرفع كأساً لنيوكاسل منذ بوب مونكور في ستينات القرن الماضي.
كلاهما أصبح رمزاً لهذه المسابقة. ومع أن الفريق فقد مهاجمه ألكسندر إيساك، صاحب هدف الفوز في «ويمبلي»، فإن بديله نيك وولتمايده سجّل ستة أهداف من ست تسديدات على المرمى منذ انضمامه إلى النادي، وكان صاحب الهدف الثاني ضد توتنهام، بعد أن افتتح فابيان شار التسجيل.
عامل الملعب أيضاً له تأثير كبير في هذه السلسلة المذهلة.
في موسمي 2022 - 2023 و2024 - 2025 خاض نيوكاسل ثلاث مباريات متتالية على أرضه من الدور الثالث حتى ربع النهائي، وفي 2023 - 2024 أطاح بمانشستر سيتي في «سانت جيمس بارك». هذا الموسم، أعفي من الدور الثاني بسبب مشاركته الأوروبية، ثم استفاد من ثلاث قرعات متتالية جعلته يستضيف خصومه على أرضه.
اللعب في تينسايد؛ خصوصاً في الليالي الأوروبية، ميزة لا تُقدّر بثمن. المشجعون المتعطشون للبطولات يخلقون أجواء ملحمية، حتى في مباريات الدور الثالث ضد أندية من الدرجتين الأولى أو الثانية. لذلك، عندما يواجه نيوكاسل فولهام في ربع النهائي بديسمبر (كانون الأول) المقبل، سيكون مرشحاً فوق العادة للعبور مجدداً.
لكن ليس كل ما صادفه في البطولة كان سهلاً، فقد واجه وأقصى جميع أندية «الستة الكبار» في إنجلترا: مانشستر يونايتد خارج أرضه، مانشستر سيتي على أرضه، آرسنال ذهاباً وإياباً، تشيلسي على أرضه، توتنهام على أرضه، وليفربول في «ويمبلي». وفي طريقه نحو اللقب الموسم الماضي، تغلب على الأندية التي أنهت الدوري في المراكز الأول والثاني والرابع والسابع والعاشر.
هاو ولاعبوه اكتسبوا الثقة في هذه المسابقة، واستفادوا من إخفاقاتهم السابقة لتصحيح مسارهم، فعندما واجهوا ساوثهامبتون في نصف نهائي موسم 2022 - 2023، لم يكن الفريق مهيأً بعد لمواجهة أندية بحجم آرسنال على مرحلتين، لكن بعد عامين أصبح معتاداً على الضغوط ومتمكناً من إدارتها. وبينما طغت العاطفة على أدائهم في نهائي 2023، عادوا إلى «ويمبلي» في 2025 بعقلية أكثر هدوءاً وحسماً، فكان اللقب من نصيبهم.
قال الجناح جاكوب مورفي في البرنامج الرسمي للمباراة الأخيرة إن «طعم النجاح في (ويمبلي) كان مدمناً»، وإن الجماهير بدأت فعلاً تردد الأغاني عن رحلة العودة إلى هناك.
وفي المرتين السابقتين اللتين بلغ فيهما نيوكاسل النهائي، تأهل في الوقت نفسه إلى دوري أبطال أوروبا. الفارق هذه المرة أنه يشارك فعلاً في أوروبا بينما يستمر في البطولة المحلية، بعكس موسم 2023 - 2024 حين توقفت مسيرته في ربع النهائي بسبب ازدحام الجدول. ويبقى السؤال الآن: إلى أي مدى يستطيع الفريق الصمود في أربع بطولات في وقت واحد؟
يقول هاو: «نحن نريد النجاح. نريد أن نكون حاضرين في كل بطولة». وللآن، هم كذلك فعلاً. فقط أربعة أندية في تاريخ الكرة الإنجليزية احتفظت بكأس الرابطة في موسمين متتاليين، لكن بالنظر إلى علاقة نيوكاسل الخاصة مع هذه المسابقة في عهد إيدي هاو، فإن فرصتهم تبدو قوية ليصبحوا الخامس في القائمة.




