«مفارقات» الحملات الانتخابية تثير اهتمام العراقيين

المرشحون يستثمرون في الرياضة والمشاهير ومحولات الكهرباء

صور ولافتات لمرشحي الانتخابات البرلمانية بشارع فلسطين في بغداد (الشرق الأوسط)
صور ولافتات لمرشحي الانتخابات البرلمانية بشارع فلسطين في بغداد (الشرق الأوسط)
TT

«مفارقات» الحملات الانتخابية تثير اهتمام العراقيين

صور ولافتات لمرشحي الانتخابات البرلمانية بشارع فلسطين في بغداد (الشرق الأوسط)
صور ولافتات لمرشحي الانتخابات البرلمانية بشارع فلسطين في بغداد (الشرق الأوسط)

يتابع عدد كبير من العراقيين، وبمزيج واضح من الاهتمام والسخرية والغضب في أحيان غير قليلة، السلوكيات التي ترافق الحملات الدعائية للمرشحين، وهي سلوكيات بدت في معظمها أقرب إلى مفارقات هزلية وغريبة، وجادة في حالات نادرة.

ويرى غالبية المراقبين والمواطنين أن هذه المفارقات ليست سوى محاولة من المرشحين لـ«التغطية على غياب البرامج الحقيقية القادرة على إقناع الناخبين وكسب تأييدهم».

وصحيح أن نسبة غير قليلة من السلوكيات التي يعتمدها المرشحون في حملاتهم الدعائية للدورة البرلمانية الجديدة ليست بعيدة عن تلك التي اتبعت في الدورات البرلمانية الخمس الماضية، إلا أن التحولات الكبيرة في عالم البرمجيات والتقنيات الحديثة وكثافة الحضور في منصات التواصل الاجتماعي عزّزت من بروز تلك الأنشطة الدعائية، ومنحتها انتشاراً واسعاً في الأوساط الشعبية.

وقد كان لافتاً في هذه الدورة الانتخابية دخول عدد من «المدونين ومشاهير التيك توك» ضمن القوائم الانتخابية. ومن أبرز هؤلاء الـ«تيكتوكر» المعروف سامر جيرمني، الذي ترشح عن تحالف «الإعمار والتنمية» بزعامة رئيس الوزراء محمد السوداني. وقد قوبل ترشحه بموجة انتقادات وسخرية لاذعة من قِبل كثيرين؛ بالنظر إلى «المحتوى المتواضع» الذي كان يقدمه عبر منصة «تيك توك»، حيث كان غالباً ما يعمد إلى تقليد أصوات النساء.

استثمار في الرياضة

وبرزت خلال هذه الحملة الانتخابية قصص عدّة لمرشحين حاولوا الاستثمار في المجال الرياضي؛ سعياً لكسب تعاطف الناخبين. فقد لجأ أحد المرشحين إلى وضع صورة النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو، لاعب نادي النصر السعودي الحالي، بقميص ناديه السابق ريال مدريد، على ملصق دعائي له؛ وهو ما أثار موجة من الاستهجان والتساؤلات حول علاقة رونالدو بالانتخابات العراقية.

صورة من فيديو متداول من لافتة دعائية لمرشح يضع إلى جانبه صورة اللاعب كرستيانو رونالدو

وفي مثال آخر، أثارت المرشحة مروة حامد العيساوي عن محافظة صلاح الدين جدلاً واسعاً وغضباً في أوساط جماهير نادي برشلونة، بعدما أعلنت نيتها تزويج 150 شاباً «من جمهور ريال مدريد حصراً» في حال فوزها في الانتخابات. وتساءل كثيرون عن طبيعة ومصادر الأموال التي قالت إنها ستنفقها لهذا الغرض، خاصة أن قيمتها قد تتجاوز مليار دينار عراقي (نحو 700 ألف دولار).

كما اختار المرشح عن بغداد علي عبود جبور أن يضع صورة نجله رسول أبو القوزي إلى جانب ملصقاته الدعائية؛ أملاً في كسب الأصوات للوصول إلى البرلمان. ويُعرَف رسول بأنه مشجع رياضي يحظى بشهرة محلية، واشتهر بلقب «أبو القوزي» بسبب ولعه بأكلة «القوزي» العراقية.

مرشح يضع إلى جانبه صورة ولده المشجع الرياضي رسول أبو القوزي

ترويج على الرصيف

ورغم الأموال الطائلة التي تنفقها الأحزاب والقوى المشاركة في الانتخابات، وازدحام الأرصفة والشوارع بصور المرشحين وأرقامهم الانتخابية، فقد اختارت المرشحة طاهرة داخل عن تحالف «البديل» مكاناً مختلفاً لحملتها؛ إذ افترشت «الرصيف» وقدمت برنامجها الانتخابي للمارة في مفارقة تُعدّ من أبرز «الخطوات شبه الجادة» في هذه الدورة الانتخابية.

لكن رغم جديتها وإلحاحها على المارة، فإن معظمهم رفضوا أخذ برنامجها الانتخابي؛ ما دفعها إلى القول ضاحكة: «حتى القطط لا تريد برنامجي الانتخابي!» في تعليق يراه مراقبون كاشفاً بعمق عن حالة عدم الاكتراث الواسعة لدى المواطنين تجاه الانتخابات ونتائجها.

محولات الكهرباء وتبليط الشوارع

وكان لاستبدال محولات الكهرباء التالفة وتبليط الشوارع في بعض الأحياء والمناطق النائية نصيب بارز في الحملات الدعائية لعدد من المرشحين. فقد ظهر مدرب المنتخب الوطني السابق حكيم شاكر، المرشح عن تحالف «الإعمار والتنمية»، في مقطع ترويجي لحملته وهو يهدي إحدى المناطق «محولة كهرباء» بعد عجز وزارة الكهرباء - على ما يبدو - عن إصلاحها أو استبدالها، فلجأ سكان الحي إلى «الكابتن» طلباً للحل.

وفي مشهد مشابه، ظهر مرشح آخر في منطقة أبو غريب شمال بغداد، وهو يشترط على الأهالي استبدال المحولة التالفة بأخرى جديدة «إذا صوّتوا له» وتمكّن من الفوز.

وباتت حملات تبليط الشوارع في المناطق البعيدة ظاهرة شبه يومية يقودها مرشحون؛ على أمل كسب الأصوات عبر الوعود السريعة أو الخدمات المؤقتة التي تسبق يوم الاقتراع.

سخرية من البرامج الانتخابية

وحظيت البرامج الانتخابية التي قدمتها معظم الشخصيات والقوى والأحزاب المشاركة بالنصيب الأكبر من السخرية الشعبية؛ نظراً لافتقارها لأي إطار نظري أو عملي قابل للقياس أو التنفيذ في حال الفوز بمقعد برلماني. فقد ركزت إحدى المرشحات، على سبيل المثال، في حملتها الدعائية على أنها ستكون «حاضرة في حال تعرض أحد ناخبيها إلى مشكلة في سيطرة أمنية». بينما ظهرت مرشحة أخرى وهي تقود صهريج ماء لتنظيف أحد الشوارع.

لافتات لمرشحي الانتخابات البرلمانية بشارع فلسطين في بغداد (الشرق الأوسط)

وفي محاولة أخرى لكسب الأصوات، تحدثت مرشحة عن جدّها الذي كان يشغل منصب «مختار» في أحد أحياء بغداد القديمة، في سياق بدا أبعد ما يكون عن طرح برنامج انتخابي حقيقي.

تعطيل الـ«جي بي إس»

وفي خطوة غير مسبوقة، لاحظ كثير من المستخدمين تعطيلاً لتطبيقات تحديد المواقع (GPS)؛ وهو ما فسره البعض بأنه إجراء أمني اتخذته مفوضية الانتخابات. غير أن رئيس الفريق الإعلامي للمفوضية، عماد جميل، نفى ذلك في تصريح أدلى به لـ«الشرق الأوسط»، موضحاً أن «المفوضية ليست لها أي علاقة بالأمر، بل على العكس، نحن ننشر مواقع المراكز الانتخابية بشكل دوري، ومن مصلحتنا أن يستدل المواطنون على مراكز الاقتراع بسهولة».


مقالات ذات صلة

مسؤول: اتفاقية تصدير النفط بين بغداد وأربيل ستُجدد دون مشكلات

الاقتصاد علم كردستان العراق في حقل نفطي (إكس)

مسؤول: اتفاقية تصدير النفط بين بغداد وأربيل ستُجدد دون مشكلات

قال نائب رئيس شركة النفط العراقية الحكومية (سومو)، ‌السبت، إن ⁠اتفاقية ​تصدير ‌النفط بين بغداد وأربيل ستُجدد دون أي مشكلات، حسبما نقلت ​شبكة «رووداو» المحلية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
تحليل إخباري عرض لـ«الحشد الشعبي» في بغداد (د.ب.أ)

تحليل إخباري فصائل عراقية تنضم إلى دعوات لحصر السلاح بيد الدولة

يسارع قادة ميليشيات عراقية هذه الأيام إلى إعلان دعواتهم لحصر السلاح بيد الدولة في تطور يثير مفاجآت وعلامات استفهام، وكذلك انتقادات على المستوى المحلي.

فاضل النشمي (بغداد)
العالم العربي ضابط من القوات المسلحة العراقية يقف حارساً خلال عرض عسكري بمناسبة الذكرى الثامنة لانتصار العراق على تنظيم «داعش» (د.ب.أ)

القيادات العراقية تدعو للإسراع بتشكيل العملية السياسية في البلاد

دعا كبار القادة في العراق اليوم (السبت)، إلى الإسراع بتشكيل العملية السياسية الجديدة، واحترام المدد الدستورية، وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي 
الأمن العراقي قال إنه نفّذ إنزالاً بالأراضي السورية واعتقل قياديين في «داعش» (إعلام حكومي)

الحكيم يدعو إلى حصر السلاح بيد الدولة

دعا عمار الحكيم، أحدُ قادة تحالف «الإطار التنسيقي» في العراق، إلى حصر السلاح بيد الدولة، مشدداً على عدم استخدامه أداة للضغط على صناع القرار في البلاد.

حمزة مصطفى (بغداد)
خاص الأمن العراقي قال إنه نفّذ إنزالاً بالأراضي السورية واعتقل قياديين في «داعش» (إعلام حكومي)

خاص بغداد تدفع نحو «شراكة أقوى» مع واشنطن لمكافحة «داعش»

قال مسؤول عراقي إن التعاون الأمني مع الولايات المتحدة يتخذ وتيرة متزايدة لمكافحة الإرهاب، في أعقاب عملية الإنزال المشتركة التي نفذتها قوة خاصة في سوريا.

حمزة مصطفى (بغداد)

تشييع 6 أشخاص قضوا بقصف إسرائيلي على مدرسة للنازحين في غزة

خلال تشييع جثامين قتلى القصف الإسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بغزة (رويترز)
خلال تشييع جثامين قتلى القصف الإسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بغزة (رويترز)
TT

تشييع 6 أشخاص قضوا بقصف إسرائيلي على مدرسة للنازحين في غزة

خلال تشييع جثامين قتلى القصف الإسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بغزة (رويترز)
خلال تشييع جثامين قتلى القصف الإسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بغزة (رويترز)

تجمّع عشرات الأشخاص، السبت، في مدينة غزة لتشييع 6 أشخاص قضوا بالأمس في قصف إسرائيلي على مدرسة تؤوي نازحين، فيما عدته «حماس» «خرقاً واضحاً ومتجدداً لوقف إطلاق النار».

وكان الجيش الإسرائيلي قد قال، مساء الجمعة، ردّاً على استفسارات بشأن هذه الضربة إنه «خلال نشاط عملياتي في منطقة الخط الأصفر شمال قطاع غزة، تم رصد عدد من الأفراد المشبوهين في مراكز قيادة غرب الخط الأصفر»، مشيراً إلى أن قواته أطلقت النار على المشتبه بهم «للقضاء على التهديد».

وهو أقرّ بأنه «على علم بالادعاء المتعلق بوقوع إصابات في المنطقة، والتفاصيل قيد المراجعة»، معرباً عن أسفه «لأي ضرر لحق بالأفراد غير المتورطين»، وهو «يعمل على تخفيف الضرر قدر الإمكان».

خلال تشييع جثامين قتلى القصف الإسرائيلي على مركز إيواء للنازحين في غزة (أ.ب)

أما حركة «حماس»، فوصفت القصف المدفعي على مدرسة تؤوي نازحين في حيّ التفاح شرق مدينة غزة «وما أسفر عنه من استشهاد عددٍ من المواطنين، معظمهم من الأطفال» بأنه «جريمة وحشية تُرتكب بحقّ المدنيين الأبرياء، وخرق فاضح ومتجدّد لاتفاق وقف إطلاق النار».

وأشارت في بيان أصدرته، السبت، إلى أن «الاحتلال لا يكتفي باستهداف المدنيين، بل يُمعن في تعميق الكارثة الإنسانية عبر منع سيارات الإسعاف والطواقم الطبية من الوصول إلى أماكن الاستهداف لإسعاف المصابين، وعرقلة عمليات الإنقاذ».

وطالبت «الوسطاء الضامنين للاتفاق والإدارة الأميركية بالاضطلاع بمسؤولياتهم تجاه هذه الانتهاكات».

السبت، أمام مشرحة مجمّع «الشفاء»، وقف رجل يحمل بين ذراعيه جثّة طفل ملفوفة بكفن أبيض، بحسب صور التقطتها كاميرا «وكالة الصحافة الفرنسية».

وكانت 5 جثث أخرى مكفّنة مصفوفة على الأرض. وأقام رجال صلاة الجنازة قبل دفن الضحايا.

وكان الدفاع المدني في غزة قد أبلغ بدايةً «وكالة الصحافة الفرنسية»، الجمعة، عن «انتشال 5 شهداء جراء القصف الإسرائيلي لمركز إيواء مدرسة شهداء غزة» في حيّ التفاح شرق مدينة غزة.

والسبت، قال الناطق باسمه محمود بصل إن الحصيلة ارتفعت إلى 6 قتلى، في حين ما زال هناك شخصان مفقودان تحت الأنقاض.

فلسطيني يبكي شقيقه البالغ من العمر 5 أشهر الذي قُتل بقصف إسرائيلي أصاب مركز إيواء للنازحين بغزة (أ.ف.ب)

ومن بين الضحايا رضيع في شهره الرابع وفتاة في الرابعة عشرة من العمر وسيّدتان، وفق محمد أبو سلمية مدير مستشفى «الشفاء».

وقال نافذ النادر من أمام المستشفى: «هذه ليست هدنة، بل حمّام دماء نريده أن يتوقّف»، في إشارة إلى وقف إطلاق النار الساري منذ مطلع أكتوبر (تشرين الأول) في غزة بين إسرائيل و«حماس».

وصرّح عبد الله النادر الذي فقد أقرباء له في الغارة الإسرائيلية: «كانت منطقة آمنة، مدرسة آمنة وفجأة بدأوا بإطلاق مقذوفات من دون سابق إنذار، مستهدفين نساءً وأطفالاً ومدنيين».

لا يزال وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر، هشّاً مع تبادل الجانبين الاتهامات بانتهاكه.

مقاتلون من «حماس» في غزة (أرشيفية - رويترز)

وبموجب الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل و«حماس» في غزة، انسحبت القوات الإسرائيلية إلى مواقع شرق ما تسميه «الخط الأصفر»، وهو خط غير محدد، داخل القطاع.

والسبت، أعلنت وزارة الصحة التابعة لـ«حماس» في القطاع عن مقتل 401 فلسطيني على الأقلّ بنيران الجيش الإسرائيلي منذ سريان وقف إطلاق النار.

وقضى مذاك 3 جنود إسرائيليين في غزة.


رئيس المخابرات التركية ناقش مع «حماس» المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة

عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)
عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

رئيس المخابرات التركية ناقش مع «حماس» المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة

عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)
عناصر من «كتائب القسام» التابعة لحركة «حماس» في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)

ذكرت مصادر أمنية تركية ​أن رئيس جهاز المخابرات التركي إبراهيم كالين التقى اليوم السبت مع رئيس حركة «حماس» في ‌قطاع غزة ‌وكبير ⁠مفاوضيها ​خليل ‌الحية، وناقشا الإجراءات اللازمة للانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة.

مقاتلون من حركة «حماس» في غزة (أرشيفية - رويترز)

وأوضحت المصادر، التي ⁠طلبت عدم الكشف عن ‌هويتها، أن ‍كالين التقى ‍بوفد «حماس» في ‍إسطنبول في إطار اتفاق وقف إطلاق النار في غزة ،وأن الجانبين ​ناقشا الخطوات اللازمة لمنع ما وصفوها ⁠بانتهاكات إسرائيل لوقف إطلاق النار.

وأضافت، دون الخوض في التفاصيل، أنهما بحثا أيضاً الإجراءات اللازمة لحل القضايا العالقة تمهيداً للانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة.


«حزب الله» محشور بـ«حصرية السلاح»... وحواره مع عون يراوح مكانه

كتلة «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد في القصر الجمهوري بعد لقائها الرئيس جوزيف عون في وقت سابق (رئاسة الجمهورية)
كتلة «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد في القصر الجمهوري بعد لقائها الرئيس جوزيف عون في وقت سابق (رئاسة الجمهورية)
TT

«حزب الله» محشور بـ«حصرية السلاح»... وحواره مع عون يراوح مكانه

كتلة «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد في القصر الجمهوري بعد لقائها الرئيس جوزيف عون في وقت سابق (رئاسة الجمهورية)
كتلة «حزب الله» برئاسة النائب محمد رعد في القصر الجمهوري بعد لقائها الرئيس جوزيف عون في وقت سابق (رئاسة الجمهورية)

تبقى الأنظار الدولية واللبنانية مشدودة إلى «حزب الله» لمعرفة مدى استعداده للتجاوب مع الخطة التي أعدّتها قيادة الجيش لاستكمال تطبيق حصرية السلاح، على أن يبدأ ذلك من شمال نهر الليطاني فور الانتهاء من تنفيذ عملية سحب السلاح في منطقة جنوب النهر، وبمواكبة من قيادة قوات الطوارئ الدولية «يونيفيل» ولجنة «الميكانيزم»، التي ستُعاود عقد اجتماعها في السابع من يناير (كانون الثاني) المقبل؛ حيث سيُدرج على جدول أعمالها تقويم مستوى الإنجاز الذي حققته الوحدات العسكرية عبر إحكام سيطرتها على جنوب النهر.

فـ«حزب الله» لا يزال يحتفظ بسلاحه، ولا يستخدمه التزاماً بوقف الأعمال العدائية، وحواره مع رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون يراوح مكانه، وهذا ما ينسحب أيضاً على تواصله بفرنسا ومصر.

وأشار مصدر وزاري إلى أن «حزب الله» يمتنع عن كشف أوراقه، ويصر، عبر تصريح أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، على رفع سقوفه السياسية، متهماً حكومة الرئيس نواف سلّام بارتكاب خطيئة لموافقتها على حصرية السلاح، رغم تأييده بيانها الوزاري الذي نصّ على احتكار الدولة للسلاح، ومشاركته في الحكومة بوزيرين على هذا الأساس.

وكشف المصدر أن القيادة الإيرانية لم تستجب لوساطة فرنسا ومصر بالتدخل لدى «حزب الله» لإقناعه بإعادة النظر في موقفه بتسهيل استكمال حصرية السلاح.

وقال إنه ترتب على موقفها خفض منسوب التواصل، سواء معها أو مع الحزب، الذي لم يتجاوب مع الوساطة التي قام بها مدير المخابرات المصرية اللواء حسن رشاد، والذي اقترح عليه الموافقة على خطة قيادة الجيش لتطبيق حصرية السلاح، بوصفها الممر الإلزامي لبسط سلطة الدولة على أراضيها تنفيذاً للقرار «1701».

قائد الجيش اللبناني العماد رودولف هيكل يتفقّد موقع تفجير منشأة «حزب الله» في الجنوب (مديرية التوجيه)

ورأى المصدر أن هناك مبالغة في الحديث عن استمرار التواصل بين الحزب ومصر، مؤكداً أنه أقل من المطلوب في ضوء عدم تجاوب الحزب مع الأفكار التي طرحها اللواء رشاد خلال زيارته إلى بيروت.

وأوضح أن أحمد مهنا، العضو في الفريق الذي يرأسه رئيس كتلة الحزب النائب محمد رعد، والمكلّف بالحوار مع رئيس الجمهورية ميشال عون، التقى مسؤول الأمن في السفارة المصرية على هامش زيارة رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي إلى بيروت.

وأكد أن اللقاء لم يدم طويلاً؛ نظراً لأن الحزب لم يبدل موقفه تجاوباً مع إصرار الحكومة على حصرية السلاح وعدم العودة عن قرارها في هذا الخصوص.

وقال إن مهنا هو مَن يتواصل مع العميد رحال، الذي يلتقي عند الضرورة برعد، وإن كان الحوار بدا متقطعاً في الآونة الأخيرة، لأن الحزب يمتنع عن كشف أوراقه، وأن ما يُنقل إلى رحال يبقى محصوراً بمواقفه العلنية التي اعتاد قاسم طرحها، ما يعني، من وجهة نظر رسمية، أن الحزب يرفض التقاط الفرص للانخراط في مشروع الدولة بتخليه عن سلاحه.

الرئيس اللبناني جوزيف عون لدى اجتماعه برئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في قصر بعبدا أمس (الرئاسة اللبنانية)

وكشف أن رشاد موجود حالياً، وبتكليف من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في واشنطن لحث الإدارة الأميركية على الضغط على إسرائيل، ومنعها من توسعة الحرب وإلزامها بوقف الأعمال العدائية.

وأكد أن تواصل عون مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري مستمر، ويكاد يكون تعويضاً عن المراوحة التي طغت على حواره بالحزب. علماً بأن العميد رحال مكلف بتكثيف تواصله مع بري، ليس لأنه يحمل تفويضاً من «حزب الله» الذي كان وراء التوصل، مع الموفدين الأميركيين، إلى اتفاق لوقف النار برعاية واشنطن وباريس فحسب، بل لأنه الأقدر على استيعاب موقف الحزب وضبط أدائه، وقيادة عملية احتضانه التسوية من أجل إعادة الاستقرار إلى الجنوب. كما أنه يلتقي الموفدين الدوليين والعرب إلى لبنان، على عكس الحزب الذي لم يعد له حليف سوى إيران، واضعاً كل أوراقه في سلتها.

وفي هذا السياق، قال مصدر سياسي إن على قيادة «حزب الله» أن تُدرك جيداً أن هدر الوقت ليس لمصلحتها، ولم يعد أمامها أي خيار سوى الانخراط في مشروع الدولة، مشروطاً بتسليم السلاح، لأنها لا تملك، على الأقل في المدى المنظور، القدرة على استخدامه.

وتساءل المصدر: ما الجدوى من إيداع السلاح بعهدة طهران لاستخدامه لإعادة الاعتبار لمفاوضاتها مع واشنطن، كونها وحدها القادرة على تقديم الثمن لها، في مقابل تسليمها السلاح لأنها صاحبة الحق فيه وأمنت وصوله للحزب؟

وأكّد المصدر أن لدى أصدقاء لبنان قناعة راسخة بامتناع الحزب عن التجاوب مع الوساطات؛ لأنه ماضٍ في وضع سلاحه بخدمة إيران ليكون في وسعها تحسين شروطها في حال أبدت واشنطن استعدادها لمعاودة المفاوضات. وقال إن موقفها يؤدي حتماً إلى حشر الدولة، ويزيد من الإرباك الذي تتخبط فيه قيادة الحزب، ولا تأخذ بالنصائح لإنزالها من أعلى الشجرة.

ومع أن المصدر لم يستبعد مجيء وزير خارجية إيران عباس عراقجي إلى بيروت، فإنه يؤكد أن لقاءاته لن تُقدّم أو تؤخر، وأنه لا مجال أمامه للإمساك بالورقة اللبنانية لتسييلها، بالمفهوم السياسي للكلمة، لفتح ثغرة في الحائط المسدود الذي يقف عائقاً أمام استئناف مفاوضاتها مع واشنطن.

وعليه، يقف لبنان حالياً على مشارف حسم موقفه بإعداد جدول زمني لاستكمال حصرية السلاح، في ضوء فترة السماح التي أُعطيت له من قبل الدول التي شاركت في الاجتماع التحضيري الذي رعته باريس لانعقاد المؤتمر الدولي لدعم الجيش في فبراير (شباط) المقبل.

الدخان يتصاعد بعد غارات إسرائيلية استهدفت جنوب لبنان هذا الأسبوع (أ.ف.ب)