بيروت وتل أبيب… تاريخ من المفاوضات بوساطات دولية

عُقِدَت مباشرة في 1983 فقط

المبعوث الأميركي توم برّاك ومورغان أورتاغوس نائبة المبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط في القصر الرئاسي اللبناني (د.ب.أ)
المبعوث الأميركي توم برّاك ومورغان أورتاغوس نائبة المبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط في القصر الرئاسي اللبناني (د.ب.أ)
TT

بيروت وتل أبيب… تاريخ من المفاوضات بوساطات دولية

المبعوث الأميركي توم برّاك ومورغان أورتاغوس نائبة المبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط في القصر الرئاسي اللبناني (د.ب.أ)
المبعوث الأميركي توم برّاك ومورغان أورتاغوس نائبة المبعوث الرئاسي إلى الشرق الأوسط في القصر الرئاسي اللبناني (د.ب.أ)

منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948، ظلّ التفاوض اللبناني - الإسرائيلي شبه محصور في الإطار العسكري أو التقني. فمن اتفاقية الهدنة عام 1949 إلى ترسيم الحدود البحرية عام 2022، حافظ لبنان على موقف ثابت يرفض أي حوار سياسي مباشر مع إسرائيل، مكتفياً بتعاطٍ محدود عبر وسطاء دوليين.

ومع كل محطة تاريخية، تكرّس هذا النمط من التواصل المحدود الذي يعبّر عن توازن دقيق بين الرفض السياسي والحاجة إلى معالجة قضايا ميدانية ملحّة.

لكنّ التطورات الإقليمية الأخيرة، وتبدّل موازين القوى، إضافة إلى الضغوط الدولية المتزايدة لإرساء «استقرار دائم» على كل حدود إسرائيل، وضمناً الحدود اللبنانية، تعيد طرح ملف المفاوضات إلى الواجهة. فالدفع الحاصل اليوم، وخصوصاً عبر وساطات أميركية، يوحي بأن لبنان قد يجد نفسه أمام الاختبار الأصعب.

ومرت العلاقات اللبنانية - الإسرائيلية، التي اتسمت منذ عام 1948 بالعداء والقطيعة التامة، بأكثر من محطة تاريخية اضطُر خلالها الطرفان لصياغة تفاهمات بـ«الواسطة» لإنهاء نزاعات مسلحة وحروب متعددة منذ تسعينات القرن الماضي.

اتفاقية الهدنة

ونشب أول اقتتال بين لبنان وإسرائيل عام 1948، مع إعلان قيام دولة إسرائيل حين شارك الجيش اللبناني إلى جانب الجيوش العربية بالحرب التي انتهت باحتلال إسرائيل بلدات داخل العمق اللبناني. ولم تنسحب تل أبيب من الأراضي اللبنانية المحتلة، إلا بعد توقيع «اتفاقية الهدنة» عام 1949 في بلدة الناقورة اللبنانية.

جانب من المفاوضات بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي بوساطة أميركية في عام 1983 تمهيداً لتوقيع اتفاق 17 مايو (أرشيفية - غيتي)

ويشير جورج غانم، الكاتب السياسي الذي واكب عن كثب الأحداث اللبنانية، إلى أن المفاوضات التي سبقت الاتفاقية جرت برعاية الأمم المتحدة تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الصادر في نوفمبر (تشرين الثاني) 1948، ونصّ على عدم اللجوء إلى القوّة العسكرية في تسوية القضية الفلسطينية.

ووقّع الاتفاق في حضور المندوب الشخصي لوسيط الأمم المتحدة لفلسطين ورئيس هيئة مراقبة الهدنة التابع للأمم المتحدة، موضحاً أن هذه الاتفاقية كانت نتاج أول مفاوضات ذات طابع عسكري بين الطرفين، وإن كان قد شارك فيها عن الطرف اللبناني مستشاراً دبلوماسياً وقانونياً.

ويلفت غانم إلى أنها «أدت إلى ترتيبات أمنية على جانبي الحدود وتوزيع القوى بالتساوي. وقد جرى بذلك الوقت تثبيت الحدود وكانت هناك لجنة عسكرية من الأمم المتحدة تشرف على تنفيذ الاتفاق». ويضيف: «جرى تثبيت الحدود كما نصّت عليه اتفاقية بوليه - نيوكمب لعام 1923، ورغم الاعتداءات الإسرائيلية الكثيرة بين عامَي 1968 و1982 فإنّ لبنان الرّسمي ظلّ متمسّكاً باتفاقية الهدنة».

الاجتياح الإسرائيلي‏

ويوضح غانم أن «لبنان لم يشارك بالحرب العربية - الإسرائيلية التي اندلعت عام 1967 بل أكد تمسكه باتفاق الهدنة، وبالوقت نفسه أعلن تضامنه مع الإخوة العرب. وبعد ذلك، ومع انتهاء تلك الحرب، بدأت إسرائيل بقضم أراض لبنانية والتمدد باتجاه مزارع شبعا، وعندها أيضاً انطلقت العمليات الفدائية من لبنان عام 1968».

هوكستين خلال اجتماعه مع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي قبل إعلان وقف النار بين لبنان وإسرائيل في نوفمبر 2024 (وزارة الدفاع)

ومع توقيع لبنان اتفاقية القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1969، التي لحظت السماح للمقاومة الفلسطينية بالعمل العسكري ضد إسرائيل من مناطق محددة في الجنوب اللبناني، اتهمت إسرائيل لبنان بخرق اتفاق الهدنة ما أدى لتفجير الوضع.‏

«اتفاق 17 أيار»

واجتاحت إسرائيل لبنان عام 1978، فيما عُرف باسم «عملية الليطاني»، حيث فرضت سيطرتها على الضفة الجنوبية لنهر الليطاني، وصدر قرار عن مجلس الأمن حمل الرقم 425، يطالب تل أبيب بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة. ثم في عام 1982، نفذت اجتياحاً واسعاً ووصلت إلى بيروت، ولم تنسحب منها إلا بالتزامن مع مفاوضات أفضت إلى توقيع اتفاق أمني في 17 مايو 1983، وانبثقت عنه لجان بحث اقتصادية وسياسية وأمنية، وكانت المفاوضات مباشرة برعاية وتسهيل أميركيين.

ويشير غانم في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «المفاوضات التي سبقت هذا الاتفاق، كانت دبلوماسية - عسكرية شارك فيها سفراء من الطرفين، وانتهت إلى اتفاق عسكري - أمني له طابع دبلوماسي تحت عنوان إنهاء حالة الحرب. لكن هذا الاتفاق أثار معارضة شديدة في لبنان، ولم يُنفّذ قط، وألغاه مجلس النواب اللبناني، كما ألغى اتفاق القاهرة (لعام 1969 الذي أتاح المقاومة الفلسطينية المسلحة انطلاقاً من لبنان) عام 1987».

مفاوضات 1985

وفي عام 1985، جرت مفاوضات عسكرية بين لبنان وإسرائيل لترتيب الانسحاب الإسرائيلي، وقد انسحب الجيش الإسرائيلي من بيروت والجبل عام 1983، ومن صيدا عام 1985. وهنا يقول غانم: «لذلك فإنّ مفاوضات 1985 هدفت إلى استكمال الانسحاب من جزين والمنطقة وباقي الجنوب والعودة إلى اتفاقية الهدنة، علماً بأن إسرائيل انسحبت من جزين عام 1999»، فيما انسحبت من سائر الأراضي اللبنانية المحتلة في عام 2000.

‏ويشير غانم إلى أنه «في عام 2000 وبعد انسحاب إسرائيل من باقي الشريط الحدودي على خلفية عمليات المقاومة، جرى اتفاق عبر وساطة الأمم المتحدة والسفير تيري رود لارسن على الخط الأزرق، وهو ليس خطاً نهائياً للحدود، وبقي هناك خلاف على 13 نقطة كما على مزارع شبعا وقرية الغجر» التي بقيت إسرائيل تحتل شطراً منها.

مفاوضات ترسيم الحدود البحرية

‏وبعد حرب 2006 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1701 الذي أنهى الحرب. ولم يحصل خلالها أي تفاوض مباشر أو غير مباشر بين إسرائيل ولبنان وصولاً إلى عام 2022 حين حصلت مفاوضات غير مباشرة برعاية أميركية وبوساطة المبعوث الأميركي آموس هوكستين على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري (يمين) يصافح المبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت خلال مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في 2022 (أرشيفية - رويترز)

اتفاق وقف النار

‏كذلك قاد هوكستين مفاوضات غير مباشرة أدت إلى وقف الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2024، من خلال التفاهم على ما عُرف باتفاق «وقف النار» في نوفمبر من العام نفسه.

وبعد تنصل إسرائيل من هذا الاتفاق ومواصلتها خروقاتها وعملياتها العسكرية واحتلالها لأراض لبنانية، جرى الحديث عن وجوب خوض مسار جديد من التفاوض الذي تفضل واشنطن أن يكون مباشراً ويؤدي إلى هدنة جديدة تطمح إلى أن تتحول إلى تطبيع للعلاقات بين البلدين. لكن لبنان الرسمي لا يزال يرفض بشكل قاطع أي مفاوضات مباشرة ولا يمانع مفاوضات غير مباشرة تؤدي إلى تثبيت وقف إطلاق النار وتلزم إسرائيل بتطبيق التزاماتها.


مقالات ذات صلة

«حزب الله»: «حصرية السلاح» تخدم إسرائيل

المشرق العربي «حزب الله»: «حصرية السلاح» تخدم إسرائيل

«حزب الله»: «حصرية السلاح» تخدم إسرائيل

شنّ أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم هجوماً على أركان السلطة في لبنان، متّهماً إياهم بـ«العمل من أجل إسرائيل».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم متحدثاً في احتفال «تعظيماً للعلماء الشهداء على طريق القدس وأولي البأس» (الوكالة الوطنية للإعلام) play-circle

نعيم قاسم: لبنان أمام مفصل تاريخي إما «وصاية أميركية وإما سيادة»

قال الأمين العام لـ«حزب الله» اللبنانية نعيم قاسم إن لبنان أمام «مفصل تاريخي حاسم» يكون فيه إما «تحت الوصاية الأميركية الإسرائيلية وإما النهوض واستعادة السيادة»

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي موكب تابع للكتيبة الإسبانية في قوة «اليونيفيل» يعبر بلدة القليعة (جنوب لبنان) يوم 12 أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

أي مهام للقوة الدولية «الموعودة» في لبنان بعد انسحاب «اليونيفيل»؟

تنشط المساعي الأوروبية لبلورة بديل عن قوات «اليونيفيل» التي يُفترض أن تبدأ انسحابها من لبنان مع نهاية عام 2026، بقرار من مجلس الأمن الدولي.

بولا أسطيح (بيروت)
المشرق العربي زينة الميلاد في وسط بيروت التجاري الذي تحوّل إلى مقصد للسياح خلال فترة الأعياد (أ.ب)

تبديد المخاوف من الحرب ينعكس على الحركة السياحية والتجارية في لبنان

انعكست التطمينات وتبدّد المخاوف تدريجياً من التصعيد الإسرائيلي بارتفاع ملحوظ في عدد القادمين إلى لبنان خلال فترة الأعياد.

حنان حمدان (بيروت)
المشرق العربي عربات الإسعاف والدفاع المدني السوري على الحدود السورية - اللبنانية (سانا)

غرق 5 سوريين خلال محاولتهم عبور الحدود اللبنانية - السورية

قال التلفزيون السوري، الأحد، إن 5 سوريين غرقوا في أثناء محاولتهم عبور الحدود اللبنانية - السورية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

4 قتلى و108 جرحى باعتداء فلول النظام السابق على الأمن والمدنيين في اللاذقية

نشر قوات الأمن السورية بعد الصدامات التي اندلعت خلال احتجاجات في اللاذقية أمس (إ.ب.أ)
نشر قوات الأمن السورية بعد الصدامات التي اندلعت خلال احتجاجات في اللاذقية أمس (إ.ب.أ)
TT

4 قتلى و108 جرحى باعتداء فلول النظام السابق على الأمن والمدنيين في اللاذقية

نشر قوات الأمن السورية بعد الصدامات التي اندلعت خلال احتجاجات في اللاذقية أمس (إ.ب.أ)
نشر قوات الأمن السورية بعد الصدامات التي اندلعت خلال احتجاجات في اللاذقية أمس (إ.ب.أ)

أعلنت مديرية الصحة في محافظة اللاذقية السورية، الاثنين، ارتفاع عدد الوفيات عقب هجوم مسلح على قوات الأمن ومواطنين خلال احتجاجات إلى 4 أشخاص و108 مصابين.

وكان قائد الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية، العميد عبد العزيز الأحمد، قد صرح، الأحد، بوقوع اعتداء من «بعض العناصر الإرهابية التابعة لفلول النظام البائد على عناصر الأمن الداخلي في اللاذقية وجبلة خلال المظاهرات التي دعا لها المدعو غزال غزال»؛ ما أدى لإصابة بعض العناصر الأمنية وتكسير سيارات تتبع للمهام الخاصة والشرطة.

وأضاف الأحمد: «تم رصد عناصر ملثمة ومسلحة خلال الاحتجاجات في دوار الأزهري في اللاذقية ودوار المشفى الوطني في جبلة»، مضيفاً أن هذه العناصر تتبع لما يُسمى خلية «سرايا درع الساحل» وخلية «سرايا الجواد» الإرهابيتين، المسؤولتين عن عمليات تصفية ميدانية وتفجير عبوات ناسفة على أوتوستراد M1، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا).

أحد المصابين في مستشفى باللاذقية عقب هجوم مسلح على قوات الأمن ومواطنين خلال احتجاجات في المدينة (إ.ب.أ)

وأعلنت وزارة الدفاع السورية، الأحد، نشر مجموعات من الجيش مدعومة بآليات مصفحة ومدرعات بمراكز مدن اللاذقية وطرطوس بالساحل الغربي للبلاد عقب هجوم مسلح على قوات الأمن ومواطنين خلال احتجاجات.

ونقل التلفزيون السوري عن إدارة الإعلام والاتصال بوزارة الدفاع القول إن نشر المجموعات العسكرية جاء بعد «تصاعد عمليات الاستهداف من قبل مجموعات خارجة عن القانون باتجاه الأهالي وقوى الأمن». وأضافت الإدارة أن مهمة القوات هناك «حفظ الأمن وإعادة الاستقرار بالتعاون مع قوى الأمن الداخلي».


البرلمان العراقي يعقد اليوم أولى جلساته في الدورة البرلمانية السادسة

إحدى جلسات البرلمان العراقي (أرشيفية - إ.ب.أ)
إحدى جلسات البرلمان العراقي (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

البرلمان العراقي يعقد اليوم أولى جلساته في الدورة البرلمانية السادسة

إحدى جلسات البرلمان العراقي (أرشيفية - إ.ب.أ)
إحدى جلسات البرلمان العراقي (أرشيفية - إ.ب.أ)

يعقد البرلمان العراقي الجديد في دورته السادسة، ظهر اليوم (الإثنين)، أولى جلساته بعد مصادقة المحكمة الاتحادية العليا في البلاد على نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في العراق في الحادي عشر من الشهر الماضي.

وأعلنت الدائرة الإعلامية في البرلمان العراقي أن الجلسة ستعقد برئاسة أكبر الأعضاء سناً، وسيؤدي النواب اليمين القانونية، ومن ثم يُفتَح باب الترشيح لانتخاب رئيس البرلمان ونائبيه للأعوام الأربعة المقبلة.

وأعلنت قوى المجلس السياسي الوطني الذي يضم الأغلبية السنية في البرلمان ترشيح هيبت الحلبوسي لمنصب رئيس البرلمان، بينما أعلن رئيس تحالف العزم مثنى السامرائي الترشح لرئاسة البرلمان.

وسيكون أمام النواب في جلسة اليوم مرشحان من القوى السنية للتنافس على منصب رئاسة البرلمان، وبذلك ستجري عملية اقتراع سري مباشر لإعلان اسم الفائز بالمنصب.

وأعلن صفوان الجرجري، الأمين العام للبرلمان العراقي، أن جلسة البرلمان الأولى ستقتصر على المرشحين الفائزين ولا يسمح بدخول الضيوف والصحافيين إلى قاعة البرلمان.


سماع دوي انفجار بمحيط منطقة المزة في دمشق

عناصر من قوات الأمن السورية خلال عمليات أمنية في ريف دمشق (الداخلية السورية)
عناصر من قوات الأمن السورية خلال عمليات أمنية في ريف دمشق (الداخلية السورية)
TT

سماع دوي انفجار بمحيط منطقة المزة في دمشق

عناصر من قوات الأمن السورية خلال عمليات أمنية في ريف دمشق (الداخلية السورية)
عناصر من قوات الأمن السورية خلال عمليات أمنية في ريف دمشق (الداخلية السورية)

أفادت الوكالة العربية السورية للأنباء الرسمية (سانا)، الاثنين، بسماع دوي انفجار بمحيط منطقة المزة بدمشق، ويجري التحقق من طبيعته.