لو باع أحد أندية منتصف جدول الترتيب ثلاثة من مدافعيه الأربعة الأساسيين، بالإضافة إلى حارس المرمى، في صيف واحد، فسوف ينتهي به المطاف على الأرجح إلى الدخول في دوامة الهبوط. أما بالنسبة إلى بورنموث، فقد أصبح ذلك بطريقة ما نقطة انطلاق نحو واحدة من أكثر البدايات إثارةً للإعجاب في الدوري الإنجليزي الممتاز، إذ يحتل الفريق المركز الثالث بعد ثماني مباريات -وهو أمر ليس سيئاً للفريق الذي باع دين هويسن إلى ريال مدريد، وميلوس كيركيز إلى ليفربول، وإيليا زابارني إلى باريس سان جيرمان في صفقات بلغت قيمتها الإجمالية 150 مليون جنيه إسترليني، بينما انتهت إعارة كيبا أريزابالاغا من تشيلسي.
وحقق العقل المدبر وراء هذا النجاح الكبير، وهو المدير الفني أندوني إيراولا الذي يعمل مع الفريق الذي يأتي في المرتبة السادسة عشرة فيما يتعلق بأعلى فاتورة رواتب في الدوري الإنجليزي الممتاز، معجزة حقيقية في بورنموث. من السهل أن ننسى الآن أنه كانت هناك علامات استفهام حول وصوله في صيف عام 2023. فبعد تسع مباريات دون تحقيق أي فوز، كانت جماهير بورنموث تنظر بعصبية وغضب إلى جدول الترتيب، وبلغت الشكوك ذروتها عندما عاد غاري أونيل، الرجل الذي حل محله، إلى ملعب فيتاليتي مع وولفرهامبتون وحقق الفوز على بورنموث بهدفين مقابل هدف وحيد. وقال أونيل مازحاً في غرفة الصحافة بعد ذلك: «من الجيد رؤية بعض الوجوه المألوفة والودودة».
لكن بعد الخسارة أمام أونيل، بدأ إيراولا في بناء شيء مثير للإعجاب. لقد قاد الفريق للحصول على أكبر عدد نقاط في تاريخ النادي في كلا الموسمين الماضيين (48 نقطة في 2023-2024 و56 نقطة في الموسم الماضي). وعلى الرغم من خسارة العمود الفقري للفريق في فترة الانتقالات الصيفية الأخيرة، يسير بورنموث بخطى ثابتة لتحطيم هذا الرقم القياسي من النقاط مرة أخرى هذا الموسم.
في الحقيقة، لم يتغير الكثير منذ رحيل هؤلاء اللاعبين. لقد استمر إيراولا في اللعب بطريقة 4-2-3-1، والضغط العالي على المنافسين، وهي التفاصيل التكتيكية والخططية التي أسفرت عن تحقيق نتائج رائعة في الموسم الماضي. ولا يزال بورنموث الفريق الأفضل في الدوري من حيث العمل الذي يقوم به عند فقدان الكرة. وتشير الأرقام والإحصائيات إلى أن بورنموث احتل المركز الأول الموسم الماضي فيما يتعلق بمعدل التمريرات المسموح بها لكل حركة دفاعية، والأهداف التي تُسجل من التحولات السريعة (10 أهداف)، واستعادة الكرة لكل 90 دقيقة (47.92). وخلال الموسم الجاري، يتصدر بورنموث مجدداً معدل التمريرات المسموح بها لكل حركة دفاعية واستعادة الكرة لكل 90 دقيقة (44.9 مرة)، كما يحتل المركز الثاني من حيث التحولات الهجومية السريعة.
ويعود الفضل في هذا النجاح جزئياً إلى انسجام اللاعبين الجدد سريعاً؛ حيث يبدو الظهير الأيسر أدريان تروفرت، وقلب الدفاع بافودي دياكيتي، وحارس المرمى جورجي بيتروفيتش كأنهم يلعبون تحت قيادة إيراولا منذ سنوات. لقد كان التعاقد معهم ذكياً للغاية، حيث نجحوا في تعويض غياب اللاعبين الأساسيين الذين رحلوا في الصيف.
يتميز تروفيرت، كما كان الحال مع كيركيز، بأنه ظهير قوي ومتحرك ومبدع -في الدوري الإنجليزي الممتاز يحتل المركز التاسع عشر في التمريرات الأمامية، والمركز العشرين في الانطلاق بالكرة للأمام، والمركز السادس والعشرين في المسافة المقطوعة داخل الملعب، وهي الإحصائيات التي كان كيركيز يحتل فيها مراكز مشابهة الموسم الماضي. أما دياكيتي فهو يشبه هويسن وزابارني أيضاً من حيث القدرة على التعامل مع الفرق المنافسة التي تحاول الاعتماد على الكرات الطويلة لضرب الضغط العالي الذي يمارسه بورنموث.
احتل دياكيتي المركز الخامس في الدوري الفرنسي الممتاز الموسم الماضي من حيث نسبة الفوز في الصراعات الهوائية (72.6 في المائة) كما أنه بارع في توقع الكرات ومواجهة المهاجمين الذين يتحركون في عمق الملعب لتسلم الكرة، وهي سمة أساسية في طريقة لعب إيراولا التي تعتمد على الدفاع القوي. كما استقر ماركوس سينيسي، الذي تم التعاقد معه قبل بضع سنوات من فينورد، في مركز قلب الدفاع بشكل جيد. من الواضح أن اللاعبين يعرفون أدوارهم ومهامهم جيداً، ويفهمون فلسفة ورؤية إيراولا التكتيكية، وهو ما يقلل الاضطراب الناجم عن دخول عدد من اللاعبين الجدد إلى التشكيلة الأساسية للفريق.

في الواقع، لم يتغير الكثير في الطريقة الهجومية التي يلعب بها بورنموث، الذي لا يزال أحد أفضل الفرق في الدوري فيما يتعلق بالتحولات الهجومية السريعة. لا يُضيِّع الفريق الكثير من الوقت في الاستحواذ على الكرة، حيث يصل متوسط استحواذه على الكرة إلى 8.53 ثانية فقط لكل هجمة (سادس أسرع معدل في الدوري) و3.26 تمريرة لكل حركة (خامس أدنى معدل)، ولديه أكبر عدد من الأهداف من الهجمات المباشرة (أربعة أهداف). ولا تختلف هذه الأرقام كثيراً عمَّا كانت عليه خلال الموسم الماضي.
لقد تكيف بورنموث، بقيادة إيراولا، بسرعة مع التغييرات التي طرأت على التشكيلة الأساسية، وبنى على الأساس الذي تم وضعه في المواسم السابقة. وكان الاختلاف الأكبر عن الموسم الماضي هو الأداء الفردي. ويُعد أنطوان سيمينيو أحد أفضل اللاعبين في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، حيث سجل أو صنع تسعة من أصل 14 هدفاً للفريق هذا الموسم. وكان مهاجم مانشستر سيتي إيرلينغ هالاند هو الوحيد الذي سجل أهدافاً أكثر من سيمينيو في الدوري.
لقد وجد إيراولا ضالته في سيمينيو، الذي يُعد أول لاعب يلجأ إليه بورنموث بمجرد استعادة الكرة، في محاولة لاستغلال انطلاقاته السريعة والذكية لتهديد دفاعات المنافسين. ويتميز سيمينيو بقدرته على التغلب على المدافعين في المواجهات الفردية (يحتل المركز الخامس في المواجهات الثنائية) والحصول على الأخطاء (حصل على 56 خطأ من المنافسين)، وهو ما يجعله يمثل تهديداً مستمراً في التحولات الهجومية السريعة، فضلاً عن أنه يستطيع إنهاء الهجمات بكلتا قدميه (ثلاثة أهداف بكل قدم هذا الموسم)، وهو ما يجعل من الصعب على المنافسين التنبؤ بما سيقوم به. وإلى جانب تسجيل الأهداف، يُصنف سيمينيو من بين أفضل لاعبي الدوري في صناعة الأهداف والتسديدات على المرمى، وهو ما يعكس مدى أهميته كصانع ألعاب ومهاجم في طريقة اللعب التي يعتمد عليها إيراولا.
لقد خسر بورنموث 75 في المائة من خط دفاعه، بالإضافة إلى حارس المرمى، لكنه لا يزال يقدم مستويات رائعة. لقد أعاد إيراولا بناء الفريق وأبرم تعاقدات ذكية ورسم الأدوار الخططية والتكتيكية بوضوح للاعبيه، وهي الأمور التي سمحت لبورنموث بالتطور، ليظل واحداً من أكثر فرق الدوري الإنجليزي الممتاز خطورة في التحولات الهجومية السريعة.
* خدمة «الغارديان»
