«الإنفاق الحكومي» والانسداد السياسي يُفاقمان غضب الليبيين تجاه مؤسساتهم

بيان «المركزي» عمّق شعور المواطنين بأنهم وحدهم من يدفع فاتورة صراع الكبار

صالح يترأس اجتماعاً يضم محافظ المركزي وحماد رئيس الحكومة بشرق ليبيا (مكتب صالح)
صالح يترأس اجتماعاً يضم محافظ المركزي وحماد رئيس الحكومة بشرق ليبيا (مكتب صالح)
TT

«الإنفاق الحكومي» والانسداد السياسي يُفاقمان غضب الليبيين تجاه مؤسساتهم

صالح يترأس اجتماعاً يضم محافظ المركزي وحماد رئيس الحكومة بشرق ليبيا (مكتب صالح)
صالح يترأس اجتماعاً يضم محافظ المركزي وحماد رئيس الحكومة بشرق ليبيا (مكتب صالح)

تتصاعد في ليبيا وتيرة الغضب على المؤسسات الحاكمة بسبب اتساع حجم إنفاقها، واستمرار قياداتها في تبادل الاتهامات حول الانقسام السياسي وعرقلة الانتخابات.

ورغم استدعاء مجلس النواب محافظ المصرف المركزي ومجلس إدارته لمناقشة الإجراءات الأخيرة، التي أدت إلى تفاقم أزمة السيولة، فإنّها لم تُهدئ مخاوف الشارع الليبي من استمرار معاناته حيالها، خصوصاً وأنها دفعت بكثير من المواطنين مؤخراً إلى الاصطفاف لساعات أمام المصارف لسحب النقود وتسلم رواتبهم.

شكوك الليبيين حول السياسات الاقتصادية

يرى عضو «المؤتمر الوطني» السابق، صالح المخزوم، أن الجلسة الأخيرة «زادت شكوك الليبيين حول السياسات الاقتصادية والمالية، خصوصاً مع بروز توجّه لإلقاء المسؤولية على المصرف وإدارته، والتغافل عن جوهر الأزمة، المتمثل في الانقسام ووجود حكومتين تتنازعان على السلطة وتنفقان بلا رقابة».

وأشار المخزوم لـ«الشرق الأوسط» إلى ما ورد في بيان المصرف المركزي الأخير من اضطراره لسحب 47 مليار دينار من التداول، بينها 10 مليارات غير معروفة المصدر، ورصده تجاوز إنفاق المجالس الأربعة (الرئاسي، والأعلى للدولة، والبرلمان، والحكومة) أكثر من ثلاثة مليارات منذ بداية العام. واعتبر أن ذلك «زاد من إحباط الليبيين، وعمّق شعورهم بأنهم وحدهم من يدفع فاتورة صراعات الكبار» (الدولار يساوي 5.43 دينار).

المصرف المركزي رصد تجاوز إنفاق المجلس الرئاسي والأعلى للدولة والبرلمان والحكومة أكثر من ثلاثة مليارات منذ بداية العام (رويترز)

ووفق بيان المصرف المركزي، فقد بلغت إيرادات ليبيا نحو 94 مليار دينار في الأشهر التسعة الأولى، فيما بلغ الإنفاق العام أكثر من 86 مليار دينار. وتصدّرت حكومة «الوحدة» والجهات التابعة لها مستوى الإنفاق بـ2.2 مليار دينار، يليها البرلمان وما يتبعه بـ820 مليون دينار.

ويرى المخزوم أن الليبيين «باتوا مدركين أن جلسة استدعاء محافظ المصرف لن تكون لإيضاح السياسات المالية، وكشف التفاصيل حول بعض القضايا لطمأنة الرأي العام كما ردد بعض النواب؛ وإنما لتوظيف معاناته في الحسابات السياسية بين فرقاء السلطة».

وتساءل المخزوم، وهو أستاذ القانون الدستوري بجامعة طرابلس، عن سبب «عدم انعكاس اهتمام تلك المؤسسات بالمواطن، عبر خفض نفقاتها، أو إظهار جدّية في تنفيذ الخريطة الأممية، بما قد يؤدي إلى إجراء انتخابات وتشكيل حكومة موحدة تُصرف لها ميزانية واحدة».

* استياء من تصاعد الإنفاق العام

أشار الباحث القانوني الليبي، هشام الحاراتي، إلى وجود «استياء واضح» يمكن رصده من خلال منصّات التواصل الاجتماعي «من أداء السلطات وتصاعد الإنفاق العام، دون انعكاسه على حياة المواطنين».

وقال الحاراتي لـ«الشرق الأوسط» إن «استياء الليبيين يتزايد من إنفاق الملايين على جهات تابعة للبرلمان أو للمجلس الرئاسي أو للحكومتين، ما بين مراكز إعلامية واستشارات ودعم سياسات، دون توضيح الجدوى منها»، مضيفاً: «هم يرون أن هذا التوسع في الإنفاق لا ينفصل عن معاناتهم من شحّ السيولة، وتدني مستوى الصحة والتعليم».

من جلسة سابقة لمجلس النواب الليبي (المجلس)

ووفق بيان المصرف المركزي، بلغ إنفاق الجهات التابعة للبرلمان 756 مليون دينار، فيما بلغ إنفاق الجهات التابعة للرئاسي أكثر من 472 مليون دينار.

وحسب الحاراتي، فإنّ «أزمة السيولة وغيرها من الأزمات الاقتصادية، بما فيها قضية المليارات المطبوعة خارج المنظومة المصرفية لن تُحل باستدعاء محافظ المصرف لتوضيح سياساته أو لمحاسبته». ودعا إلى «حضور رؤساء الأجهزة الرقابية لكشف مصير الأموال، ومن استفاد منها كإجراءٍ مؤقت، فيما يتمثّل الحل الرئيسي في الذهاب إلى الانتخابات لتوحيد الحكومة والمؤسسات»، مبرزاً أنّ هذا المسار «يهدد مصالح الكثيرين، مما يثير شكوكاً حول توافقٍ ضمني على عرقلته».

وانضم نائب رئيس «حزب الأمة»، أحمد دوغة، إلى الآراء السابقة، معتبراً أن «وجود حكومتين تنفقان بلا رقابة، كل واحدة منهما تضم عدداً كبيراً من الوزراء والوكلاء والمستشارين والموظفين، هو الأساس في إرباك الوضع الاقتصادي وسياسات المصرف المركزي»، معتبراً أن «امتلاك ليبيا لمثل هذا العدد من الوزراء ربما جعلها حالةً استثنائية مقارنة بباقي الدول».

لفت دوغة إلى «معاناة المواطنين في صرف رواتبهم كل شهر ومحدودية أغلبها رغم ارتفاع الأسعار» (أ.ف.ب)

وعبّر دوغة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن قناعته بأنه «حتى قبل بيان المصرف، سجل ازدياد في استياء الليبيين من أداء السلطات، وهو ما يظهر بوضوح في ما نقلته وسائل الإعلام من انتقادات المواطنين خلال وقوفهم في طوابير أمام المصارف»، مرجعاً ذلك إلى «معاناتهم في صرف رواتبهم كل شهر، ومحدودية أغلبها رغم ارتفاع الأسعار، وهم أبناء الدولة النفطية».

أما الناشط السياسي الليبي، حسام القماطي، فاعتبر أن بيانات المصرف حول إنفاق المجالس الأربعة وما يتبعها من جهات متعددة «باتت تُثير تساؤلات جوهرية عن دورها في حياة الليبيين خلال العقد الأخير».

وقال القماطي لـ«الشرق الأوسط» إنّ «الحديث عن الحكومتين والمجلس الرئاسي أو مجلسي النواب والدولة بات مرتبطاً دائماً بالأزمات وفي سياق الانتقاد، لا بمدى مساهمة أيّ منهم في حل أزمات الليبيين أو مكافحة الفساد، أو الحيلولة دون وقوع كارثةٍ ما عبر اتخاذ التدابير اللازمة مسبقاً».

أوضح القماطي أنّ الحديث عن الحكومتين والمجلس الرئاسي أو مجلسي النواب والدولة بات مرتبطاً دائماً بالأزمات (الأعلى للدولة)

وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة وتتخذ من طرابلس غرب البلاد مقراً لها، والثانية برئاسة أسامة حمّاد، وهي مكلّفة من البرلمان، وتحظى بدعم «الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، وتدير المنطقة الشرقية وبعض مدن الجنوب.


مقالات ذات صلة

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

شمال افريقيا عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

أدى التصادم المسلح بين تشكيلين في مدينة الزواية غرب ليبيا إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الهيشري القيادي في «جهاز الردع» الليبية خلال مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية الأربعاء (المحكمة)

مثول ليبي أمام «الجنائية الدولية» يقلب الطاولة على رئيس «الوحدة»

عدّ المجلس الاجتماعي «لسوق الجمعة - النواحي الأربع» في العاصمة الليبية، القبض على الهيشري، «اعتداءً سافراً على سيادة الدولة الليبية وتصفية للقضاء الوطني».

جمال جوهر (القاهرة)
شمال افريقيا النائب العام الليبي الصديق الصور (مكتب النائب العام)

النيابة العامة تحقق في قضية تزوير «أوراق وطنية»

قال مكتب النائب العام الليبي إن التحقيقات انتهت من فحص تسعة قيود عائلية وتبين للمحقق تآمر موظف بمكتب السجل المدني مع تسعة أشخاص غير ليبيين

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا الدبيبة مستقبلاً المبعوثة الأممية في مكتبه بطرابلس الأربعاء (مكتب الدبيبة)

محادثات أممية - كندية حول سبل تنفيذ «خريطة الطريق» الليبية

ناقشت المبعوثة الأممية إلى ليبيا مع الدبيبة آليات تطبيق «خريطة الطريق»، بما في ذلك إطلاق «الحوار المهيكل» وقضايا أخرى تتعلق بتطورات العملية السياسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا على الرغم من قبول البعض بمبدأ إجراء الانتخابات الرئاسية فإنهم أبدوا مخاوفهم من عقبات كبيرة تعترض المسار الذي اقترحته المفوضية (مفوضية الانتخابات)

كيف يرى الليبيون إمكانية إجراء الانتخابات الرئاسية في أبريل المقبل؟

رفض مجلس حكماء وأعيان طرابلس إجراء الانتخابات الرئاسية قبل وجود دستور، وذهب إلى ضرورة تجديد الشرعية التشريعية أولاً عبر الانتخابات البرلمانية.

علاء حموده (القاهرة )

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
TT

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)

فرضت محكمة جزائرية، مساء أمس (الخميس)، عقوبة 3 سنوات حبساً موقوفة النفاذ، وغرامة مالية تبلغ مليون دينار جزائري، في حق الكاتب الصحافي المتهم الموقوف، سعد بوعقبة؛ بعد إدانته بتهمة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني». كما وقَّعت الهيئة القضائية ذاتها عقوبة عاماً حبساً موقوفة النفاذ في حق المتهم الثاني، الموجود تحت الرقابة القضائية، «عبد الرحيم. ح»، عن المشارَكة في الجُرم نفسه، بجنحة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني»، مع الحكم بمصادرة عتاد القناة وغلقها نهائياً.

وجاء منطوق الحكم بعدما التمست النيابة في الجلسة عقوبتهما، بعد استجواب دقيق خضع له المتهمان، وتمسك كل واحد منهما بإنكار ما نُسب إليه من وقائع.

وأكد المتهم بوعقبة في تصريحاته أمام القاضي أنه لم يقل سوءاً في زعيم الثورة، الراحل أحمد بن بلة، موضحاً أنه يعدّه أحد رموز «ثورة التحرير الوطني»، وأحد أصدقائه، وجمعته به علاقة صداقة لا أحد يشكِّك فيها، بحسب ما نقلته صحف محلية. وقال إنه طوال مساره المهني لم يشعر بالإحباط رغم المتابعات القضائية التي طالته سابقاً، سوى في هذه القضية التي أكد أنها آلمته. كما تقدَّم بوعقبة في الجلسة بالاعتذار لابنة الضحية بن بلة مهدية، التي ذرفت دموعاً حارقة جراء ما عدّته إهانةً طالت والدها.

وفجَّرت قضية بوعقبة جدلاً حاداً حول حرية الرأي والخوض في مسائل التاريخ الخلافية، واحتجَّ الطيف السياسي الجزائري بشدة على وضع الصحافي الكبير بوعقبة في الحبس الاحتياطي قبل محاكمته أمس، بتهمة «الإساءة إلى رموز الثورة»،

وقالت «حركة مجتمع السلم» الإسلامية المعارضة إنها «تابعت باهتمام قضية إيداع الصحافي سعد بوعقبة الحبس المؤقت، على خلفية تصريحات أدلى بها عُدَّت مسيئةً لرموز الثورة»، مؤكدة أن «مثل هذه القضايا، لا ينبغي أن تقود إلى عقوبات سالبة للحرية، بحكم طبيعتها الصحافية، لأن الدستور يمنع سجن الصحافيين في مثل هذه الحالات»، مشددةً على «احترام كرامة الصحافي وحقوقه، واعتماد حلول حكيمة تحفظ حرية الصحافة، وتجنِّب البلاد التوتر».

من جهتها، عبّرت «حركة البناء الوطني» المؤيدة لسياسات الحكومة، عن «تضامنها مع الصحافي سعد بوعقبة في قضيته»، مشدّدة على أن «معالجة قضايا الرأي يجب ألا تتم عبر الحبس، بل عبر الحوار والتصويب، والاعتذار عند الضرورة». ورأت الحركة أن تصريحات الصحافي التي سببت له المشكلات «كانت في سياق تحليلي لا يرقى إلى اتهام شخصي»، وأن «اعتذاره لعائلة بن بلة كافٍ لإنهاء القضية».


اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».