رئيسة وزراء اليابان الجديدة تعد حزمة تحفيز تتجاوز 92 مليار دولار

لمواجهة التضخم ودعم النمو... والأسواق تتفاعل بإيجابية

رئيسة وزراء اليابان ساناي تاكايتشي ترد على أسئلة الصحافيين (أ.ف.ب)
رئيسة وزراء اليابان ساناي تاكايتشي ترد على أسئلة الصحافيين (أ.ف.ب)
TT

رئيسة وزراء اليابان الجديدة تعد حزمة تحفيز تتجاوز 92 مليار دولار

رئيسة وزراء اليابان ساناي تاكايتشي ترد على أسئلة الصحافيين (أ.ف.ب)
رئيسة وزراء اليابان ساناي تاكايتشي ترد على أسئلة الصحافيين (أ.ف.ب)

أفادت مصادر حكومية مطلعة، يوم الأربعاء، بأن رئيسة الوزراء اليابانية الجديدة، ساناي تاكايتشي، تعمل على إعداد حزمة تحفيز اقتصادي يُرجّح أن تتجاوز قيمتها الحزمة البالغة 92 مليار دولار التي خُصصت العام الماضي، بهدف مساعدة الأسر في مواجهة ضغوط التضخم. وتمثّل هذه الحزمة التي تُقدّر بنحو 13.9 تريليون ين (92.19 مليار دولار)، أول مبادرة اقتصادية رئيسية لتاكايتشي منذ توليها منصبها يوم الثلاثاء، وتُعرف بدعمها القوي للإنفاق المالي الواسع، مما يعكس التزامها بما تصفه بـ«السياسة المالية الاستباقية المسؤولة». وأوضحت المصادر أن الحزمة ستستند إلى ثلاثة محاور رئيسية تشمل مكافحة التضخم، وتعزيز الاستثمار في قطاعات النمو، ودعم الأمن القومي.

ردود فعل الأسواق اليابانية

ارتدّ مؤشر «نيكي» الياباني عن خسائره، ليصعد بعد ظهر الأربعاء عقب تقرير «رويترز» حول الحزمة، فيما قلّص الين مكاسبه الصباحية ليستقر دون تغير يُذكر. ويتابع المستثمرون من كثب تفاصيل خطة الإنفاق التي تطرحها تاكايتشي، خصوصاً أن اليابان تُعدّ من أكثر الاقتصادات مديونية في العالم. وفي إطار الإجراءات الرامية إلى كبح التضخم، تعتزم حكومة تاكايتشي إلغاء ضريبة البنزين المؤقتة في أسرع وقت ممكن، مع توسيع نطاق المنح المخصصة للحكومات المحلية لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة غير المستفيدة من الحوافز الضريبية الحالية لرفع الأجور. كما تتضمن الحزمة استثمارات واسعة في مجالات الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، في إطار توجه الحكومة نحو تعزيز التنمية الاقتصادية الاستراتيجية. وأكدت المصادر أن القيمة النهائية للحزمة لا تزال قيد النقاش، ومن المرجح إعلانها في وقت مبكر من الشهر المقبل.

تمويل الحزمة والتحفظات المالية

لتمويل هذه التدابير، تعمل الحكومة على إعداد موازنة تكميلية للسنة المالية الحالية التي تنتهي في مارس (آذار)، على أن تُقرّ خلال الدورة البرلمانية الاستثنائية المقبلة. وفي حال تجاوز الإنفاق الإضافي التوقعات الأولية فإن الحكومة قد تضطر إلى إصدار سندات جديدة لتغطية العجز، مما يثير تساؤلات حول كيفية الموازنة بين دعم النمو والحفاظ على الانضباط المالي. وقال رئيس قسم الاقتصاد الياباني في «أكسفورد إيكونوميكس»، شيغيتو ناغاي، إن الخطة «تتماشى مع برنامج تاكايتشي الذي أعلنته خلال حملتها لقيادة الحزب الحاكم»، مشيراً إلى أن نهجها لا يختلف كثيراً عن الإدارات السابقة التي استخدمت الإيرادات الضريبية الإضافية الناتجة عن التضخم لتمويل ميزانيات تكميلية تهدف إلى دعم الأسر بدلاً من تحقيق الفائض المالي الأولي.

وانتُخبت تاكايتشي، يوم الثلاثاء، بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في تاريخ اليابان، مما أدى إلى تراجع قيمة الين وعوائد السندات، وسط توقعات بأن نهجها المالي قد يؤدي إلى تأجيل أي رفع جديد لأسعار الفائدة من قِبل «بنك اليابان». وتُعد تاكايتشي من أبرز المؤيدين لسياسات التحفيز الاقتصادي التي تبنّاها رئيس الوزراء الراحل شينزو آبي؛ إذ تدعو إلى زيادة الإنفاق وخفض الضرائب. كما تعهدت بإعادة تعزيز الدور الحكومي في توجيه السياسة النقدية، في وقت يدرس فيه البنك المركزي إمكانية رفع أسعار الفائدة خلال اجتماعه المقبل المقرر في 29 و30 أكتوبر (تشرين الأول). وأكدت تاكايتشي، في مؤتمر صحافي، أن السياسة النقدية تشكّل جزءاً من الإطار الاقتصادي العام الذي تتحمّل الحكومة مسؤوليته، لكنها أشارت إلى أن التفاصيل والإجراءات المحددة تظل من صلاحيات «بنك اليابان».

لوحة إلكترونية تعرض مؤشر «نيكي» الياباني في إحدى شركات الأوراق المالية بطوكيو (أ.ب)

تأثر الأسواق المالية وانتعاش الأسهم والسندات

وفي الأسواق، ارتفعت الأسهم اليابانية إلى مستويات قياسية؛ إذ تفاعل المستثمرون إيجاباً مع وعود دعم الأسر ومواجهة التضخم. واختتم مؤشر «توبكس» التداول مرتفعاً بنسبة 0.5 في المائة عند مستوى إغلاق قياسي بلغ 3.266.43 نقطة، بعد أن سجل خلال الجلسة أعلى مستوى يومي على الإطلاق عند 3.274.94 نقطة، فيما أغلق مؤشر «نيكي» منخفضاً بشكل طفيف عند 49.307.79 نقطة، بعد أن تراجع بما يصل إلى 1.4 في المائة في وقت سابق من الجلسة، قبل أن يقلّص خسائره ويرتفع بنسبة 0.3 في المائة عقب التقرير. وبدأ المستثمرون، يوم الأربعاء، جني الأرباح بعد مكاسب قوية حققها مؤشر «نيكي» بلغت 3.6 في المائة خلال الجلستَيْن السابقتَيْن، وصل خلالها إلى مستوى قياسي يوم الثلاثاء عند 49.945.95 نقطة.

دعم سياسي واهتمام عالمي

جاء صعود السوق بعد أن حصلت تاكايتشي على دعم حاسم من حزب الابتكار الياباني (إيشين) الذي مكّنها من الفوز في تصويت البرلمان. وعاد مديرو الصناديق العالميون إلى الاستثمار في الأسهم والسندات اليابانية، مدفوعين بآمال حدوث انتعاش اقتصادي في ظل سياسات تاكايتشي التحفيزية، ورغبتهم في تنويع استثماراتهم بعيداً عن الأسواق الأميركية والأوروبية ذات التقييمات المرتفعة. وذكر محللو «مورغان ستانلي إم يو في جي»، في مذكرة للعملاء، أن تعيين تاكايتشي «يرمز إلى بداية إصلاح هيكلي محتمل»، مشيرين إلى أنه إذا نجحت الحكومة في تنفيذ استراتيجيتها للنمو وتعزيز حوكمة الشركات، فقد ترتفع نسبة السعر إلى الأرباح المتوقعة لمؤشري «نيكي» و«توبكس» بنحو الضعف.

وفي الوقت نفسه، تراجعت مخاوف المستثمرين في سوق السندات بشأن احتمال توسع الإنفاق المالي المفرط في ظل حكومة تاكايتشي، بعد تأكيدها التمسك بسياسة مالية استباقية تراعي استدامة الدين العام.

وارتفعت أسعار سندات الحكومة اليابانية قليلاً يوم الأربعاء، مما أدى إلى انخفاض العوائد بشكل طفيف؛ إذ تراجع عائد السندات لأجل عشر سنوات بنصف نقطة أساس إلى 1.65 في المائة، فيما انخفض عائد السندات لأجل ثلاثين عاماً بمقدار نقطة أساس واحدة إلى 3.115 في المائة، بعد أن بلغ ذروة 3.345 في المائة في وقت سابق من الشهر. كما تراجع عائد السندات لأجل عشرين عاماً بنصف نقطة أساس إلى 2.63 في المائة، وانخفضت عوائد السندات القصيرة لأجل عامين وخمس سنوات بنقطة أساس واحدة إلى 0.925 في المائة و1.215 في المائة على التوالي.

انتعاش العقود الآجلة طويلة الأجل

انتعشت عقود سندات الحكومة اليابانية الآجلة (JGB) في إشارة إلى تصاعد المخاوف من تزايد التقلبات وانهيار الارتباطات التاريخية في ثالث أكبر سوق للديون في العالم. أصبحت العقود الآجلة المرتبطة بسندات الحكومة اليابانية لأجل 20 عاماً أدوات تداول نشطة لأول مرة على الإطلاق في يوليو (تموز)، بعدما قفزت عوائد السندات طويلة الأجل للغاية إلى أعلى مستوياتها منذ عقود. حتى وقت قريب، كانت العقود الآجلة المرتبطة بسندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات هي الأكثر تداولاً في البلاد؛ إذ كانت كافية للتحوط من مخاطر أسعار الفائدة عبر مختلف الآجال، غير أن هذه العلاقة انهارت مؤخراً، حسب كبير الاستراتيجيين في شركة «سوميتومو ميتسوي ترست» لإدارة الأصول، كاتسوتوشي إينادومي، الذي أشار إلى صعوبة التحوط من السندات طويلة الأجل باستخدام العقود الآجلة لأجل 10 سنوات بسبب تحرك عوائدها غالباً في اتجاهات متعاكسة.

وقد شهد منحنى العائد في اليابان تقلبات حادة على نحو غير معتاد هذا العام، وسط مخاوف بشأن الوضع المالي للبلاد وتكهنات حول مسار رفع أسعار الفائدة من جانب «بنك اليابان». وارتفعت عوائد السندات الحكومية اليابانية لأجل 30 عاماً إلى مستويات قياسية هذا الشهر. وأدى هذا التقلب إلى إحياء سوق العقود الآجلة لسندات الحكومة اليابانية لأجل 20 عاماً التي أُنشئت من قِبل بورصة أوساكا عام 1988، لكنها ظلّت مهملة لفترة طويلة، بل توقفت لأكثر من عقد في عام 2002 بسبب ضعف الطلب.

وارتفع متوسط حجم التداول اليومي للعقود الآجلة لأجل 20 عاماً من مستويات شبه معدومة خلال السنوات الماضية إلى نحو 14.4 مليار ين (95.5 مليون دولار) خلال الربع الممتد من يوليو إلى سبتمبر (أيلول)، أي ما يعادل سبعة أضعاف الذروة السابقة المسجلة في عام 2014. وفي سبتمبر، شكّلت المعاملات الخاصة بالمؤسسات المالية اليابانية والأجنبية نحو 90 في المائة من حجم تداول العقود الآجلة لأجل 20 عاماً، في حين استحوذت صناديق التحوط ومديرو الأصول على النسبة المتبقية، حسب بيانات البورصة. ورغم ذلك، لا يزال حجم التداول في هذه العقود ضئيلاً مقارنةً بالعقود الآجلة لأجل 10 سنوات التي تشهد تداولات يومية تزيد بنحو 300 مرة، لكن مع تزايد الاهتمام بالعقود الأطول، تلقت بورصة أوساكا دعوات إلى إطلاق عقود آجلة جديدة لآجال استحقاق أخرى، حسب كي أوهاشي، المدير الأول في قسم تطوير المشتقات بالبورصة.


مقالات ذات صلة

تعثّر «أوراكل» يهزّ أسهم الذكاء الاصطناعي... والسوق ترفض الاستسلام

الاقتصاد شعار شركة «أوراكل» في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

تعثّر «أوراكل» يهزّ أسهم الذكاء الاصطناعي... والسوق ترفض الاستسلام

تلقّى الزخم القوي الذي يدعم أسهم الذكاء الاصطناعي ضربة مؤلمة بعد تقرير مخيّب من «أوراكل»، أعاد إلى الواجهة المخاوف من التقييمات المبالغ فيها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك )
الاقتصاد صورة جوية لمركز بيانات «أمازون ويب سيرفيسز» في آشبورن - فيرجينيا - أكتوبر 2025 (رويترز)

ديون مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي تقفز إلى 125 مليار دولار

مع انتشار «حمّى الذكاء الاصطناعي» التي دفعت الأسهم العالمية إلى مستويات قياسية، يتم تمويل مراكز البيانات اللازمة لتشغيل هذه التكنولوجيا بشكل متزايد.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد صورة تمثل العملات المشفّرة في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

نائب محافظ «المركزي الهندي» يحذر من العملات المستقرة... ويشكك في جدواها

قال نائب محافظ بنك الاحتياطي الهندي، تي رابي شانكار، يوم الجمعة، إن بلاده بحاجة إلى توخي الحذر تجاه العملات المستقرة، مشيراً إلى أنها تُشكّل مخاطر اقتصادية.

«الشرق الأوسط» (مومباي )
الاقتصاد يتسوق الناس في سوق بمدينة نيودلهي (رويترز)

ارتفاع طفيف لتضخم التجزئة بالهند يتيح خفضاً إضافياً للفائدة

أظهرت بيانات، الجمعة، أن التضخم في أسعار التجزئة في الهند ارتفع في نوفمبر (تشرين الثاني) من أدنى مستوى قياسي سجَّله الشهر السابق، لكنه ظلَّ دون النطاق المستهدف.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
الاقتصاد أبخرة وعوادم تخرج من إحدى مصافي النفط في مدينة أومسك الروسية بسيبيريا (رويترز)

توقعات بتراجع إيرادات الطاقة الروسية لأدنى مستوى منذ جائحة «كوفيد-19»

من المرجح أن تنخفض إيرادات النفط والغاز الحكومية الروسية إلى النصف تقريباً في ديسمبر الحالي مقارنة بالعام الماضي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

مليارات الذكاء الاصطناعي... هل هي فرصة تاريخية أم فخ الفقاعة؟

روبوتات تعمل في غرفة أخبار أُنشئت باستخدام تطبيق «Midjourney» المدعوم بالذكاء الاصطناعي (إكس)
روبوتات تعمل في غرفة أخبار أُنشئت باستخدام تطبيق «Midjourney» المدعوم بالذكاء الاصطناعي (إكس)
TT

مليارات الذكاء الاصطناعي... هل هي فرصة تاريخية أم فخ الفقاعة؟

روبوتات تعمل في غرفة أخبار أُنشئت باستخدام تطبيق «Midjourney» المدعوم بالذكاء الاصطناعي (إكس)
روبوتات تعمل في غرفة أخبار أُنشئت باستخدام تطبيق «Midjourney» المدعوم بالذكاء الاصطناعي (إكس)

في وقت تتدفق فيه مئات المليارات نحو صناعة الذكاء الاصطناعي بوتيرة غير مسبوقة، يجد المستثمرون أنفسهم أمام سؤال جوهري: هل نحن أمام ثورة رقمية تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي، أم على أعتاب فقاعة مالية جديدة تشبه الدوت كوم؟

فالسباق العالمي لبناء مراكز البيانات، وتطوير الرقائق، وتوسيع البنية التحتية، تجاوز بالفعل حجم استثمارات تاريخية مثل «مشروع مانهاتن» و«برنامج أبولو»، فيما تتنافس شركات التكنولوجيا العملاقة على اقتناص موقع قيادي في «سباق السلاح الرقمي» الجديد. لكن هذا الزخم الهائل ترافقه مؤشرات مقلقة: أسعار أسهم صعدت بوتيرة فلكية، وتقييمات شركات ناشئة لا تعكس حجم إيراداتها الفعلي، وشهية استثمارية تغذِّيها توقعات النمو أكثر مما تغذيها النتائج الواقعية.

وبينما يرى البعض أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة اقتصادية تمتد لعقود، يُحذر آخرون من أن الحماس المفرط قد يُخفي وراءه هشاشة يمكن أن تؤدي إلى تصحيح قاسٍ في الأسواق.

لا يعتقد مورتن ويرود، الرئيس التنفيذي لشركة «إيه بي بي»، أن هناك فقاعة، لكن «نرى بعض القيود فيما يتعلق بسعة البناء التي لا تواكب جميع الاستثمارات الجديدة»، وفقاً لـ«رويترز».

وأضاف: «نتحدث عن تريليونات من الاستثمارات، وستستغرق عدة سنوات لتنفيذها، لأن الموارد والبشر غير كافيين لبناء كل هذا».

أما دينيس ماشويل، الرئيس التنفيذي لشركة «أديكو»، فيرى أن «هناك بالفعل فجوة حالية بين هذا العرض الهائل من الذكاء الاصطناعي والطريقة التي تقوم بها الشركات بتضمينه فعلياً في عملياتها الأساسية»، كما قال في نوفمبر (تشرين الثاني). وأضاف أن المشروع المشترك لمجموعته مع «سيلس فورس» قد يقلل من مخاطر فقاعة الذكاء الاصطناعي من خلال دفع الشركات لاستخدامات أكثر واقعية للتقنية.

يد آلية أمام رسالة مكتوب عليها «الذكاء الاصطناعي» ولوحة مفاتيح (رويترز)

ويقول سندر بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة «ألفابت»: «لا أعتقد أن أي شركة ستكون بمنأى عن التأثر، بما في ذلك نحن»، وذلك في مقابلة مع «بي بي سي» نُشرت في 18 نوفمبر، عند سؤاله عن كيفية تعامل «غوغل» مع احتمال انفجار فقاعة. وأضاف أن موجة الاستثمار الحالية في الذكاء الاصطناعي «لحظة استثنائية»، لكنه أقر بوجود «عناصر من السلوك غير العقلاني» في السوق، مشيراً إلى تحذيرات مماثلة خلال فترة فقاعة «الدوت كوم».

أما جيف بيزوس، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة «أمازون»، فيقول: «عندما يتحمس الناس بشدة للذكاء الاصطناعي كما يحدث اليوم، يتم تمويل كل تجربة... ويصعب على المستثمرين التمييز بين الأفكار الجيدة والسيئة وسط هذا الحماس».

وأضاف: «الفقاعات الصناعية ليست بالخطورة نفسها كالفقاعات المصرفية، وقد تكون مفيدة لأن الفائزين النهائيين سيعودون بالنفع على المجتمع من خلال تلك الابتكارات».

وحذر بنك إنجلترا (البنك المركزي) من أن الأسواق العالمية قد تتراجع إذا تغير مزاج المستثمرين تجاه آفاق الذكاء الاصطناعي. وقالت لجنة السياسة المالية في البنك في 8 أكتوبر (تشرين الأول): «ارتفعت مخاطر حدوث تصحيح حاد في السوق»، مضيفةً أن احتمال تأثير ذلك على النظام المالي البريطاني «مهم».

وخلال حلقة نقاشية في قمة خاصة بالتكنولوجيا في آسيا في 3 أكتوبر الماضي، قال برايان يو، المدير الاستثماري في «جي آي سي»، إن «هناك بعض الضجة المبالغ فيها في مجال الشركات الناشئة»، وأضاف: «أي شركة ناشئة تحمل شعار (إيه آي) ستُقوَّم بمضاعفات ضخمة مهما كان حجم الإيرادات الصغيرة... قد يكون ذلك عادلاً لبعض الشركات وليس كذلك لأخرى».

فيما أكد جوزيف بريغز، الاقتصادي في «غولدمان ساكس» للأبحاث الاقتصادية العالمية، أن فيض الاستثمارات بمليارات الدولارات في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة مستدام، ورفض المخاوف المتزايدة من أن القطاع قد يكون في مرحلة فقاعة. لكنه حذر من أن «الفائزين النهائيين في الذكاء الاصطناعي لا يزالون غير واضحين»، مع تغير التكنولوجيا بسرعة، وانخفاض تكلفة الانتقال، مما قد يحد من مزايا المبادر الأول.

وأشار بيير-أوليفييه غورينتشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، إلى أنه قد تتبع موجة استثمارات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة انهياراً شبيهاً بفترة «الدوت كوم»، لكنها أقل احتمالاً أن تكون حدثاً نظامياً يضر بالاقتصاد الأميركي أو العالمي. وأضاف: «هذا لا يتم تمويله بالديون، مما يعني أنه إذا حدث تصحيح في السوق، قد يخسر بعض المساهمين وبعض حاملي الأسهم».

جن سين هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة «إنفيديا»، يقول: «تحدث الكثير عن فقاعة الذكاء الاصطناعي، لكن من وجهة نظرنا نرى شيئاً مختلفاً جداً»، مشيراً إلى الطلب الكبير من شركات الحوسبة السحابية على رقائق شركته.

وفي أغسطس (آب) الماضي، تساءل سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»: «هل نحن في مرحلة يكون فيها المستثمرون بأكملهم مفرطين في الحماس تجاه الذكاء الاصطناعي؟ جوابي: نعم». وأضاف: «سوف يخسر البعض مبالغ هائلة، وسيجني البعض الآخر مبالغ هائلة أيضاً».

وفي أول منشور له على «إكس» منذ أكثر من عامين، حذر مايكل بوري، مستثمر ومؤسس «سايون» لإدارة أصول، من فقاعة في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ووضع رهانات هبوطية على «إنفيديا» و«بالانتير» الشهر الماضي، وهذا زاد من مخاوف المستثمرين بشأن الإنفاق المبالغ فيه في صناعة الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.

لكن تشي تاي-وون، رئيس «إس كيه هاينكس» الكورية الجنوبية، لا يرى «أي فقاعة في صناعة الذكاء الاصطناعي». وأضاف: «لكن عند النظر إلى أسواق الأسهم، نجدها صعدت بسرعة كبيرة جداً، وأعتقد أنه من الطبيعي أن يكون هناك بعض التصحيحات»، مشيراً إلى أن أسهم الذكاء الاصطناعي تجاوزت قيمتها الأساسية.

ويرى محللو الأسهم في بنك «يو بي إس»، أن عدد المستثمرين الذين يعتقدون أننا في فقاعة الذكاء الاصطناعي يقارب عدد أولئك الذين ما زالوا محتفظين باستثماراتهم في القطاع. وأضافوا في مذكرة منتصف أكتوبر الماضي: «معظمهم شعر بأننا في فقاعة، لكن بعيداً عن الذروة فإن نحو 90 في المائة من الذين قالوا إننا في فقاعة ما زالوا مستثمرين في العديد من مجالات الذكاء الاصطناعي».


أوروبا لتبسيط إجراءات الاستيراد

اصطفاف شاحنات نقل تابعة لشركة «أمازون» في ميناء شيربورغ بفرنسا بسبب تأخير عمليات التفتيش الجمركي (رويترز)
اصطفاف شاحنات نقل تابعة لشركة «أمازون» في ميناء شيربورغ بفرنسا بسبب تأخير عمليات التفتيش الجمركي (رويترز)
TT

أوروبا لتبسيط إجراءات الاستيراد

اصطفاف شاحنات نقل تابعة لشركة «أمازون» في ميناء شيربورغ بفرنسا بسبب تأخير عمليات التفتيش الجمركي (رويترز)
اصطفاف شاحنات نقل تابعة لشركة «أمازون» في ميناء شيربورغ بفرنسا بسبب تأخير عمليات التفتيش الجمركي (رويترز)

يدخل أكثر من 12 مليون طرد الاتحاد الأوروبي يومياً، مما يجعل مهمة فحصها بحثاً عن البضائع غير القانونية، أو التي لم تُعلن، أو تقدير الرسوم المستحقة عليها، مهمة شاقة على رجال الجمارك.

والكثير من هذه الطرود صغير الحجم وقليل القيمة، ففي عام 2024 دخل إلى التكتل 4.6 مليار طرد بقيمة معلنة فردية أقل من 22 يورو (25.6 دولار).

وذكرت المفوضية الأوروبية في أغسطس (آب) الماضي أن نسبة ما فحصته سلطات الجمارك من إجمالي المنتجات المستوردة بلغت فقط 0.0082 في المائة.

ووفقاً لديوان المحاسبة الأوروبي (محكمة المدققين الأوروبيين)، تفتقر عمليات الفحص الجمركي في بعض الدول الأعضاء إلى الصرامة الكافية. كما أن عدم توحيد تطبيق القواعد في جميع دول الاتحاد يجعل الاحتيال أمراً سهلاً.

إصلاح الجمارك: ما الخطة؟

وفي عام 2023، قدمت المفوضية الأوروبية مقترحات تهدف إلى إجراء إصلاح شامل للحد من البيروقراطية والتعامل مع تحديات مثل الارتفاع الحاد في حجم التجارة الإلكترونية.

وتُعدّ كيفية إدارة التدفق الهائل للطرود والشحنات الواردة من دول غير أعضاء في الاتحاد الأوروبي -خصوصاً الصين- نقطة محورية في خطة الإصلاح.

وقررت دول الاتحاد الأوروبي الشهر الماضي إلغاء الحد الحالي للإعفاء الجمركي، البالغ 150 يورو، على الطرود، وذلك بمجرد استكمال الإجراءات اللازمة -وهو أمر متوقع بحلول عام 2028- مع الالتزام بفرض رسوم جمركية مؤقتة على الطرود الصغيرة خلال الفترة الانتقالية. كما اقترحت المفوضية الأوروبية فرض رسوم عامة على المناولة، وهو إجراء لا يزال قيد النقاش.

وعلى نحو مختصر، يهدف الإصلاح إلى تحديث إجراءات الجمارك، وتعزيز التعاون بين سلطات الجمارك في الدول الأعضاء، وتحسين الرقابة على الواردات والصادرات. كما يعد بتحسين تحصيل الرسوم والضرائب، وتوفير حماية أفضل للسوق الداخلية في الاتحاد الأوروبي.

ومن أجل تحقيق ذلك، سيجري إنشاء «منصة بيانات الجمارك الأوروبية»، التي ستخضع لإشراف هيئة الجمارك الأوروبية، التي لم تُنشأ بعد.

ومن المقرر أن تعمل هيئة الجمارك الأوروبية بوصفها مركزاً رئيسياً لدعم هيئات الجمارك في الدول الأعضاء. وبمجرد تشغيلها، سوف تسعى إلى تبسيط الإجراءات، وتحسين سلامة المشتريات الإلكترونية، وتزويد السلطات الوطنية بأدوات أكثر بساطة وتوحيداً.

ومن المتوقع أن يحقق الإصلاح عدة مزايا، من بينها تبسيط متطلبات الإبلاغ عبر جهة موحدة، وذلك توافقاً مع وعود رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، بتقليص الروتين.

ويتوقع الاتحاد الأوروبي تحقيق توفير بقيمة مليارَي يورو سنوياً، عبر إحلال المنصة محل بنية تكنولوجيا المعلومات في الدول الأعضاء.

مقر هيئة الجمارك الأوروبية

من المقرر إنشاء هيئة الجمارك الأوروبية بداية من عام 2026، وسوف تتولي المفوضية الأوروبية مسؤولية إطلاقها. ومن المتوقع أن تحصل الشركات على أول فرصة وصول إلى منصة البيانات بحلول 2028، مع بدء الاستخدام الطوعي في 2032، ثم الإلزامي في 2038.

أما القرار الأول الحاسم فسوف يكون تحديد مقر الهيئة، وقد تقدمت تسع دول أعضاء الأسبوع الماضي، بملفات لاستضافة المقر: بلجيكا (لييغ)، وكرواتيا (زغرب)، وفرنسا (ليل)، وإيطاليا (روما)، وهولندا (لاهاي)، وبولندا (وارسو)، والبرتغال (بورتو)، ورومانيا (بوخارست)، وإسبانيا (مالقا).

وستقوم المفوضية -الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي- الآن بدراسة الطلبات التسعة، على أن تضمن أن الموقع الذي يقع عليه الاختيار سوف يمكن الهيئة من أداء مهامها، واستقطاب كوادر مؤهلة ومتخصصة، وتوفير فرص تدريب.

ومن المتوقع صدور قرار في هذا الشأن خلال شهر فبراير (شباط)، تقريباً، بالتعاون بين الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي.

وسيتعيّن على الدولة المضيفة توفير مبانٍ جاهزة على الفور، وبنية تحتية متقدمة لتكنولوجيا المعلومات والأمن، ومساحة لما لا يقل عن 250 من الموظفين، إلى جانب غرف اجتماعات ذات تقنية عالية، و«منطقة آمنة» لإدارة المعلومات السرية، إلى جانب العديد من الشروط الأخرى.

حماية الأسواق الأوروبية

وقال وزير المالية البولندي، أندجي دومانسكي: «تجارة أكثر أماناً تعني أوروبا أكثر أماناً». وأوضح أن اتحاداً جمركياً «قوياً ومرناً» يضمن حماية السوق الداخلية وسلامة المستهلك والتنمية الاقتصادية المستقرة.

ولكن، ما تزال كيفية إدارة سياسات التجارة والجمارك المشتركة محل خلاف. ويأتي الإصلاح في الوقت المناسب، في الوقت الذي تسعى فيه العواصم الأوروبية إلى حماية القطاعات الاستراتيجية الرئيسية لديها في ظل تصاعد حدة التوتر في التجارة الدولية.

وتتعالى الدعوات في بعض الأوساط لإطلاق برنامج «صنع في أوروبا»، الذي يعطي أفضلية للمنتجات المحلية، وهو موقف تتبناه فرنسا، على نحو خاص.

وكانت المفوضية الأوروبية تعتزم نشر مبادرة أوروبية مرتبطة بهذا الأمر هذا الشهر، لكنها واجهت معارضة من جمهورية التشيك، وسلوفاكيا، وآيرلندا، والسويد ولاتفيا، وغيرها. وحسب ما ذكرته صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، أُجّل المقترح حتى مطلع العام المقبل.


الصين لتعزيز الصادرات والواردات في 2026 سعياً لنمو «مستدام»

آلاف الحاويات المُعدَّة للتصدير في ميناء نانجينغ العملاق شرق الصين (أ.ف.ب)
آلاف الحاويات المُعدَّة للتصدير في ميناء نانجينغ العملاق شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

الصين لتعزيز الصادرات والواردات في 2026 سعياً لنمو «مستدام»

آلاف الحاويات المُعدَّة للتصدير في ميناء نانجينغ العملاق شرق الصين (أ.ف.ب)
آلاف الحاويات المُعدَّة للتصدير في ميناء نانجينغ العملاق شرق الصين (أ.ف.ب)

ذكر تلفزيون الصين المركزي (سي سي تي في) نقلاً عن مسؤول اقتصادي كبير، السبت، أن الصين تخطط لتعزيز الصادرات والواردات العام المقبل ضمن الجهود الرامية إلى تعزيز التجارة «المستدامة».

ويثير الفائض التجاري البالغ تريليون دولار الذي سجله ثاني أكبر اقتصاد في العالم توتراً مع شركاء بكين التجاريين، ويؤدي إلى انتقادات من صندوق النقد الدولي، ومراقبين آخرين يقولون إن نموذج النمو الاقتصادي الذي يركز على الإنتاج غير مستدام.

وقال هان ون شيو، نائب مدير لجنة الشؤون المالية والاقتصادية المركزية، في مؤتمر اقتصادي: «يجب أن نلتزم بالانفتاح، ونعزز التعاون المربح للجانبين في قطاعات متعددة، ونوسع الصادرات مع زيادة الواردات في الوقت نفسه، لدفع التنمية المستدامة للتجارة الخارجية».

وأضاف أن الصين ستشجع صادرات الخدمات في عام 2026، متعهداً باتخاذ تدابير لتعزيز دخل الأسر، ورفع المعاشات الأساسية، وإزالة القيود «غير المعقولة» في قطاع الاستهلاك.

وحث صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع بكين على اتخاذ «الخيار الشجاع» بالحد من الصادرات، وتعزيز الطلب الاستهلاكي.

ووعد القادة الصينيون يوم الخميس بالإبقاء على سياسة مالية «نشطة» في العام المقبل لتحفيز الاستهلاك، والاستثمار، إذ يتوقع المحللون أن تستهدف بكين تحقيق نمو بنحو 5 في المائة.