قال المخرج البريطاني كيث شولي، إن فكرة الفيلم الوثائقي الطويل «المحيط مع ديفيد أتينبورو» جاءت من رؤيته لما سمّاه «الاستعمار الجديد للبحر»، ووجد أن الإعلامي المخضرم الذي اعتاد رواية قصص الحياة على كوكب الأرض سيكون الأفضل لتقديم العمل، مشيراً إلى أنه تقاسم العمل مع زميلَيْه كولين بوتفيلد وتوبي نوولان، ليخرج بالصورة التي شاهدها عليه الجمهور.
وعرض الفيلم بالصالات السينمائية مطلع العام الحالي، وعبر إحدى المنصات في يونيو (حزيران) الماضي، ويسلط الضوء على تداعيات الصيد الجائر، ويُعرض حالياً ضمن برنامج «العروض الخاصة» في الدورة الحالية من مهرجان «الجونة السينمائي» بحضور كيث شولي.
وتحدّث شولي لـ«الشرق الأوسط» عن مراحل صناعة الفيلم، قائلاً: «تولى زميلي كولين بوتفيلد مراجعة النصوص والتأكد من دقتها العلمية، وإسناد مهمة الجوانب العملية والتقنية خلال العمل إلى المخرج توبي نوولان الذي أنتج العمل، مما جعل التنسيق الجماعي يؤدي إلى خروج الفيلم بشكل لائق».
وأوضح شولي أن «التصوير في أعماق البحار كان من أكثر التحديات صعوبة في الفيلم، لأن العمل تحت الماء دائماً ما يكون معقّداً للغاية، لكون السيطرة على المشهد محدودة، خصوصاً في المحيط المفتوح».

وأضاف: «واجهنا صعوبات كبيرة في تصوير بعض ممارسات الصيد الجائر، مثل مشاهد جر الشباك في قاع البحر؛ لأن كثيراً من الشركات العاملة في هذا المجال لم تكن راغبة في السماح بتصوير ما تفعله، بوصفها ممارسات مدمرة للبيئة، ولم يسبق توثيقها بهذا الوضوح من قبل».
وقال المخرج إن «الفكرة المركزية للفيلم هي تسليط الضوء على مشكلة (الصيد الجائر)، وما يسببه من تدهور للأنظمة البيئية في المحيطات»، موضحاً أن «العمل استند إلى تقارير علمية صادرة عن الأمم المتحدة تؤكد أن معظم بحار العالم تعاني من الاستنزاف المفرط، وأن الحل يكمن في حماية 30 في المائة من مياه الكوكب».
لافتاً إلى أن «مهمة الفيلم كانت أن يشرح للجمهور لماذا هذا المقترح منطقي وضروري، وأن يقدم صورة بصرية مقنعة توضح حجم الخطر الذي يهدد الحياة في البحر بسبب جشع الصيد الصناعي».
تبدأ قصة الفيلم من أعماق المحيط، حيث يأخذنا ديفيد أتينبورو في رحلة تمتد عبر مختلف بحار العالم، ليرينا روعة الحياة التي تزدهر تحت السطح، من أسراب الأسماك المضيئة إلى الشعاب المرجانية الغنية بالألوان، قبل أن ينتقل تدريجياً إلى الجانب المظلم من المشهد، حيث تختفي الحياة ويعمّ الصمت في أماكن كانت يوماً تعجّ بالكائنات.
في هذا الانتقال الحاد بين «الجمال والخراب»، يكشف الفيلم عن كيف أدّت عقود من الصيد الجائر والتلوث إلى تحويل أجزاء واسعة من المحيطات إلى مناطق ميتة، واصفاً ذلك بـ«الاستعمار الحديث في البحر»، حيث تتعامل الشركات مع المياه وكأنها أرض بلا مالك يمكن استنزافها بلا رحمة.

وفي النصف الثاني من الفيلم، يتحول السرد من التحذير إلى الأمل؛ إذ يعرض الفيلم مشاهد مؤثرة لاستعادة الطبيعة لعافيتها حين تُمنح الفرصة. تُظهر الكاميرا غابات الطحالب البحرية وهي تنمو مجدداً، والكائنات وهي تعود إلى موائلها القديمة بعد حظر الصيد في بعض المناطق، بهذه الثنائية بين الدمار والإحياء يقدم الفيلم رسالة مفادها أن المحيط قادر على الشفاء، إذا ما توقف الإنسان عن تدميره.
يقول شولي إن «العمل أُنجز في مرحلة حساسة من حياة السير ديفيد أتينبورو الذي بلغ من العمر تسعة وتسعين عاماً عند عرض الفيلم»، مضيفاً: «عندما بدأنا العمل كان عمر ديفيد ستة وتسعين عاماً، وكنا نعلم أنه سيُعرض وهو في التاسعة والتسعين، وقد تعامل مع ذلك بروح عملية، وقال إن علينا أن نبدأ التصوير فوراً، وبالفعل صورنا معه معظم مشاهده في البداية».

وأضاف أن أتينبورو ما زال يحتفظ بلياقته الذهنية والجسدية المدهشة، مؤكداً أن اختياره لم يكن صدفة، لكونه يتمتع بمصداقية ومعرفة استثنائية في بريطانيا وسائر أوروبا وأميركا، وبوصفه الشخص الوحيد القادر على إيصال رسالة بهذا الحجم من التأثير.
وأكد المخرج أن «الفيلم لا يتحدث فقط عن البيئة، بل أيضا عن رحلة رجل عاش قرناً كاملاً وشهد بأم عينيه التحول الكبير في علاقة الإنسان بالطبيعة»، لافتاً إلى أن «وجود أتينبورو أضفى على الفيلم بعداً إنسانياً عميقاً، وجعل رسالته أكثر قرباً من الناس، لكونه تحدث بخبرة من عاش تلك القصة فعلاً، لا من يرويها من بعيد»، على حد تعبيره.





