«خريطة الطريق» الأممية في ليبيا بين «التفعيل» و«إقصاء سياسيين»

وسط تباينات مستمرة من مجلسَي النواب والأعلى للدولة

الدبيبة وتيتيه في لقاء سابق بالعاصمة الليبية (البعثة الأممية)
الدبيبة وتيتيه في لقاء سابق بالعاصمة الليبية (البعثة الأممية)
TT

«خريطة الطريق» الأممية في ليبيا بين «التفعيل» و«إقصاء سياسيين»

الدبيبة وتيتيه في لقاء سابق بالعاصمة الليبية (البعثة الأممية)
الدبيبة وتيتيه في لقاء سابق بالعاصمة الليبية (البعثة الأممية)

يترقّب المشهد السياسي في ليبيا مصير «خريطة الطريق»، التي طرحتها بعثة الأمم المتحدة في محاولة جديدة لإحياء العملية السياسية، وسط تباينات «حادة» بين مجلسَي النواب والأعلى للدولة، بشأن شروط الترشُّح، والقوانين الانتخابية، وما إذا كانت الخطة تمهِّد بالفعل لاستئناف المسار الديمقراطي، أم تمثل خطوةً لإقصاء بعض الأطراف من المشهد المقبل؟

وبدا لافتاً لمراقبين أن المبعوثة الأممية، هانا تيتيه، استخدمت لهجةً أكثر صرامة خلال إحاطتها أمام مجلس الأمن الأسبوع الماضي، إذ تحدَّثت عن «خيارات بديلة»، ومنحت المجلسَين مهلةً تمتد حتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل لاستكمال المرحلة الأولى من الخطة، التي تشمل إعادة تشكيل مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وحسم الإطارين الدستوري والقانوني للاستحقاق، وهو الملف الذي ظلَّ مثار خلاف حاد بين الطرفين.

لقاء سابق بين حفتر وتيتيه في بنغازي (البعثة الأممية)

حديث تيتيه عن «خيارات بديلة»، وصفه متابعون بأنه يحمل تلويحاً بإقصاء أطراف سياسية من المشهد، يُرجَّح ارتباطه بمقترح سابق للجنة استشارية ليبية، يقضي بحل المؤسسات القائمة، وتشكيل هيئة تنفيذية وجمعية تأسيسية تتولى إعداد دستور مؤقت، ووضع القوانين الانتخابية.

وأمس الجمعة، أعادت البعثة الأممية التأكيد على وجود آليات عملية لمحاسبة المعرقلين، من بينها فرض عقوبات عبر مجلس الأمن.

وأثارت التحذيرات الأممية الأخيرة تساؤلات حول قدرة مجلسَي النواب والأعلى للدولة - ومن خلفهما الحلفاء الإقليميون والدوليون - على تجاوز خلافاتهما المتراكمة، فضلاً عن مدى استعداد المجتمع الدولي لدعم خطة تيتيه إذا قرَّرت المضي في «مسار بديل»، يتجاوز دور المؤسستين في المرحلة المقبلة.

وأبدى عضو مجلس النواب، علي الصول، انفتاح البرلمان على «أي مفاوضات تهيئ المناخ السياسي لإجراء الانتخابات»، لكنه توقَّع في الوقت نفسه استمرار العراقيل؛ بسبب «تمسك المجلس الأعلى للدولة بتعديل القوانين الانتخابية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن المطالبة بتعديل شروط الترشُّح للرئاسة تُمثِّل «عرقلة مبطنة للمسار السياسي»، مشيراً إلى أن «استبعاد العسكريين ومزدوجي الجنسية جاء بهدف إقصاء شخصيات بعينها»، محذراً من أن استمرار هذا النهج «يجعل التوافق مستبعداً».

وقبل أسبوع أقرَّ المجلس الأعلى للدولة تقريراً أعدّته لجنة شكَّلها رئيسه لتقييم «خريطة الطريق» الأممية، تضمَّن توصيات بـ«استبعاد العسكريين ومزدوجي الجنسية، والمطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية من الترشُّح للرئاسة»، وهو ما عدّه مجلس النواب شرطاً تعجيزياً يعمِّق الخلافات القائمة.

من جلس سابقة لأعضاء مجلس النواب الليبي (المجلس)

ويبدو المجلس الأعلى للدولة متمسكاً بموقفه، إذ يرى رئيس لجنة الشؤون السياسية، محمد معزب، أن «مطالب استبعاد العسكريين ومزدوجي الجنسية ليست بدافع الإقصاء، بل لضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها»، عادّاً أن تحميل المبعوثة الأممية المجلسين وحدهما مسؤولية تعطيل الخريطة «تبسيط غير منصف». وقال إن ذلك «يتجاهل تعقيدات المشهد ودور القوى الفاعلة الأخرى».

وتساءل معزب في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا لم تبادر البعثة إلى مناقشة البرلمان بشأن عدم تعاطيه الرسمي حتى الآن مع ما أصدره المجلس الأعلى للدولة حول القوانين الانتخابية؟ ولماذا لم تدعُ إلى تشكيل لجنة مشتركة بينهما لمباشرة هذا الملف، كما حدث في ملف المناصب السيادية؟».

هذا التباين في المواقف يعكس جوهر الأزمة الليبية الممتدة منذ أكثر من عقد، بحسب محللين، حيث تتنازع على السلطة حكومتان: الأولى برئاسة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، والثانية مكلفة من البرلمان ومدعومة من «الجيش الوطني» في الشرق، بينما بقيت الانتخابات المؤجلة منذ 2021 رهينة الشروط والولاءات المتضاربة.

ومع ذلك فإن رسائل البعثة الأممية لا تنقطع بضرورة المسارعة في استكمال الخطوة الأولى من خريطة الطريق، وهو ما أظهره تصريح نائبة المبعوثة الأممية، ستيفاني خوري، خلال لقائها لجنتَي المناصب السيادية في المجلسين نهاية الأسبوع الماضي؛ حيث طالبت «بتحقيق نتائج ملموسة خلال الأيام المقبلة».

وفي قلب هذا الجمود السياسي، يتوقَّع المحلل السياسي الليبي، محمد محفوظ أن تمضي تيتيه قدماً في «إطلاق الحوار المهيكل بين الليبيين، الوارد في الخريطة، بوصفه آليةً بديلةً لتنفيذها»، موضحاً أنها «قد تعتمد تدريجياً على هذا الحوار لتجاوز تعطيل المجلسين، وتفادي اللجوء إلى نهج بديل يتطلب تفويض مجلس الأمن».

لكن محفوظ استبعد أيضاً أن تتجه المبعوثة سريعاً إلى مجلس الأمن «لإدراكها أن الأمر لن يكون سهلاً»، وهو ما رده إلى «تباين مواقف العواصم الكبرى بشأن معالجة الأزمة الليبية وتضارب مصالحها».

ويعتقد مراقبون أن واشنطن تعتمد مقاربةً موازيةً، ترتكز على الدمج الاقتصادي والتعاون الأمني، تمهيداً لإطلاق مسار سياسي لاحق، في ظل انخراطها المتزايد في الملف الليبي عبر سلسلة لقاءات معلنة وغير معلنة مع قيادات عسكرية، وشخصيات فاعلة في شرق ليبيا وغربها.

ومن المحتمل أن يكون تعثّر مجلسَي النواب والأعلى للدولة في التوصُّل إلى حلول حاسمة للقضايا العالقة، منذ طرح «خريطة الطريق»، ناجماً عن أحد سببين محتملين، وفق محفوظ؛ أحدهما «غياب الضغوط الإقليمية والدولية الفاعلة»، والثاني «إدراك المجلسين أن عواصم مؤثرة، وفي مقدمتها واشنطن، تميل إلى إطلاق مسارات موازية لمعالجة الأزمة خارج إطار البعثة الأممية».

خوري خلال لقاء مع أعضاء من مجلسَي النواب والأعلى للدولة بطرابلس (البعثة الأممية)

ومع البصمة الواضحة للحضور الإقليمي والدولي في جميع مراحل الأزمة السياسية منذ 2011، يرى نائب رئيس «المؤتمر الوطني» السابق، صالح المخزوم، أن «المهلة الأممية ليست موجّهة للمجلسين فقط، بل للقوى الإقليمية والدولية الداعمة لهما أيضاً؛ للضغط عليهم؛ بهدف حلحلة الانسداد السياسي بهذا الملف».

ويرجح المخزوم، أستاذ القانون الدستوري بجامعة طرابلس، أن البعثة الأممية «ترصد مبادرات بعض العواصم لمعالجة الأزمة بعيداً عن التنسيق معها، ما قد يدفعها للمضي في إطلاق الحوار المهيكل وتحويله تدريجياً إلى حوار سياسي لتنفيذ مراحل الخريطة».

لكن المخزوم لم يستبعد أيضاً أن تعمل البعثة الأممية «على استقطاب عدد متساوٍ من أعضائهما للمشارَكة في هذا الحوار السياسي بصفاتهم الشخصية، أو بصفتهم ممثلين للمجلسين، كما حدث في اتفاق جنيف 2020»، وهو يعول أيضاً على «صعود نخب سياسية وخبرات تنفيذية قادرة على توظيف الانقسام الدولي، بما يضمن استقرار ليبيا، والوصول إلى الانتخابات المنتظرة».


مقالات ذات صلة

تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

شمال افريقيا جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)

تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

اتَّهمت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أنسميل) الممثلة الخاصة للأمين العام أنطونيو غوتيريش، هانا تيتيه، أصحابَ المصلحة السياسيين الرئيسيين.

علي بردى (واشنطن)
شمال افريقيا الهيشري القيادي في «جهاز الردع» الليبي خلال مثوله أمام المحكمة الجنائية الدولية الأربعاء (المحكمة)

«الوحدة» الليبية تتابع ملف الهيشري الموقوف لدى «الجنائية الدولية»

قالت سفارة ليبيا في هولندا إن «القسم القنصلي سينظم زيارات دورية للمحتجز الهيشري، ضمن اختصاصاته ومسؤولياته القنصلية تجاه المواطنين الليبيين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)

تيتيه تتهم الزعماء الليبيين بـ«التقاعس» عن تنفيذ «خريطة الطريق»

اتهمت هانا تيتيه، أصحاب المصلحة السياسيين الرئيسيين في ليبيا بـ«التقاعس» عن تنفيذ موجبات العملية السياسية المحددة من المنظمة الدولية.

علي بردى (واشنطن)
شمال افريقيا صالح خلال اجتماعه بمسؤولين فرنسيين في باريس (السفارة الفرنسية لدى ليبيا)

ليبيا: هل يدفع فشل اجتماع صالح وتكالة تيتيه إلى تبنّي «خيارات بديلة»؟

تزامن فشل «اجتماع باريس» بين صالح وتكالة واللافي للمرة الأولى مع إحاطة هانا تيتيه، المبعوثة الأممية، أمام مجلس الأمن الدولي بشأن الأزمة السياسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا من حفل توقيع اتفاق بين «الجيش الوطني» الليبي والجيش الباكستاني (القيادة العامة)

تعاون حفتر والجيش الباكستاني يثير قلقاً داخل ليبيا

أثمرت زيارة قائد الجيش الباكستاني، الفريق أول عاصم منير، إلى بنغازي توقيع اتفاقية تعاون مشترك مع الجيش الوطني بقيادة المشير حفتر، الأمر الذي أثار قلقاً ليبياً.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
TT

تيتيه: زعماء ليبيا يتقاعسون عن تنفيذ «خريطة الطريق»

جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)
جانب من إحاطة تيتيه أمام أعضاء مجلس الأمن حول الأزمة الليبية (المجلس)

اتَّهمت رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أنسميل) الممثلة الخاصة للأمين العام أنطونيو غوتيريش، هانا تيتيه، أصحابَ المصلحة السياسيين الرئيسيين في هذا البلد بـ«التقاعس» عن تنفيذ موجبات العملية السياسية المحددة من المنظمة الدولية.

وأشارت تيتيه خلال تقديم إحاطتها، أمس، أمام أعضاء مجلس الأمن، إلى أنَّ الجهود مع الجهات الليبية المعنية بخصوص تنفيذ «خريطة الطريق» تمثل «تحدياً كبيراً»، لا سيما لجهة إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات، والنظر في التعديلات المقترحة على الإطار الدستوري والقانوني للانتخابات. كما أكدت أنَّ الجهود المتواصلة مع لجنتَي المناصب السيادية في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة «لم تُفضِ حتى الآن إلى إعادة تشكيل الهيئة الوطنية العليا للانتخابات». ورأت تيتيه أنَّ «التأخيرات دليل على انعدام الثقة بين المؤسستين».


سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
TT

سودانيون يحيون ذكرى 19 ديسمبر ويطالبون بوقف الحرب

حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)
حشود قادمة من مدينة عطبرة للاحتفال بذكرى الثورة مع نظرائهم في الخرطوم ديسمبر 2019 (أ.ف.ب)

أحيا مدنيون سودانيون ذكرى ثورة ديسمبر (كانون الأول) التي أسقطت نظام التيار الإسلامي، بوقفات احتجاجية في عدد من مدن البلاد، وإسفيرية (عبر الفضاء الإلكتروني/ الإنترنت)، طالبوا خلالها بوقف الحرب وعودة الحكم المدني، وفي غضون ذلك، أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على بلدة «برنو» القريبة من مدينة «كادوقلي» عاصمة ولاية جنوب كردفان، وعززت انتشارها في المنطقة التي كان الجيش قد استعاد سيطرته عليها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وفي وقت تضيق فيه الحرب المجال العام، أحيا ناشطون سودانيون ذكرى انطلاق ثورة ديسمبر، بدعوات لمواكب ووقفات احتجاجية، و«تظاهرات إسفيرية» على منصات التواصل، جددوا خلالها دعوتهم لوقف الحرب واستعادة الحكم المدني الديمقراطي. وعلى الأرض، تداول ناشطون وتنسيقيات مرتبطة بـ«لجان المقاومة» منشورات تعبئة وتوثيق رمزي للذكرى.

بوستر نشر على موقع «فيسبوك» احتفالاً بذكرى ثورة 19 ديسمبر

وفي مدينة أم درمان، فرقت الشرطة بالغاز المسيل للدموع مئات الشباب الذين تجمعوا في بعض ميادين المدينة، وهتفوا بشعارات ديسمبر «حرية وسلام وعدالة»، و«العسكر للثكنات والجنجويد ينحل»، وطالبوا بوقف الحرب وعودة الحكم المدني.

وقال شاهد تحدث لـ«الشرق الأوسط»، إن العشرات من لجان المقاومة تجمعوا في «ميدان الخليفة» بوسط أم درمان، وهتفوا بشعار الثورة «سلمية... سلمية... حرية وسلام وعدالة... الثورة خيار الشعب»، وطالبوا بوقف الحرب وعودة الحكم المدني، وإن الشرطة تصدت لهم بالغاز المسيل للدموع والهراوات، فيما طاردت الشرطة مجموعات أخرى بساحة «الأزهري» قرب جسر شمبات.

تظاهرات في بورتسودان

وفي بورتسودان خرج العشرات من المحتجين ورفعوا لافتات طالبوا فيها بوقف الحرب، فيما ألقت الشرطة القبض على عدد من المحتجين في ولاية القضارف طالبوا بوقف الحرب. وبالتوازي مع ذلك، حضرت الذكرى على الإنترنت، وروجت مجموعات وصفحات متعددة لـ«تظاهرة إسفيرية»، وسط دعوات للنشر بالوسوم والشعارات، تؤكد أن الحرب استهدفت مكتسبات الثورة، واعتبرت إحياء ذكراها، تجديداً للتمسك بخيار الدولة المدنية وعودة العسكر للثكنات.

واعتبرت الاحتجاجات تحدياً لحملات القمع والتخوين التي يشنها أنصار النظام السابق والإسلاميون، وقال نشطاء لـ«الشرق الأوسط»، إن الوقفات الاحتجاجية المحدودة التي خرجت في بعض أنحاء البلاد، تعتبر تحدياً مباشراً لمناخ القمع والترهيب الذي يستهدف الرافضين للحرب والأصوات المدنية، وحملات التخوين والتنمر، والاتهامات بالتعاون مع «قوات الدعم السريع».

نموذج للدعوات للتظاهر والاحتجاج لإحياء ذكرى 19 ديسمبر

ويوافق يوم 19 ديسمبر تاريخ انطلاق موجة احتجاجات ديسمبر التي بدأت في 19 ديسمبر 2018 بمدينة عطبرة باحتجاجات طلابية على الغلاء وارتفاع أسعار الخبز، ثم تحولت لثورة شاملة في أنحاء البلاد كافة، انتهت بسقوط نظام عمر البشير في أبريل (نيسان) 2019، وأصبحت بعد انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، ذكرى سنوية تستحضر مطالب السودانيين: «حرية، وسلام، وعدالة، الثورة خيار الشعب».

معارك كردفان

قالت «قوات الدعم السريع»، في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»، إن قواتها حققت الجمعة، انتصارات ميدانية مهمة، في بلدة «برنو» التابعة لمحلية الريف الشمالي الشرقي بولاية جنوب كردفان، بعد معارك شرسة. وأوضحت أن الجيش هاجم مواقعها القريبة من بلدة «برنو» بالمدفعية الثقيلة والمدرعات، فتصدت له قواتها المرابطة قريباً من البلدة، وألحقت به هزيمة كبيرة، وكبدته خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، ثم تقدمت وبسطت سيطرتها الكاملة على المنطقة ودخلت وسط «برنو»، وارتكزت في محيطها، معززة انتشارها وتأمين مواقعها الحيوية.

وتقع منطقة «برنو» بولاية جنوب كردفان السودانية، وهي منطقة زراعية مهمة تبعد عن عاصمة الولاية بنحو 30 كيلومتراً، وكان الجيش قد سيطر على البلدة بعد اشتباكات عنيفة مع «قوات الدعم السريع» وحليفته الحركة الشعبية - الشمال، 17 نوفمبر الماضي.

حصار مدن كردفان

وتحاصر «قوات الدعم السريع» وحليفتها الحركة الشعبية لتحرير السودان تيار عبد العزيز الحلو، معظم مدن ولاية جنوب كردفان المهمة، بما فيها العاصمة «كادوقلي» والمدينة الثانية في الولاية «الدلنج»، فيما تسيطر الحركة الشعبية على منطقة «كاودا» جنوب شرقي العاصمة كادوقلي، وتبعد عنها بنحو 96 كيلومتراً في جهة الجنوب الشرقي.

ومنذ استيلاء «قوات الدعم السريع» على الفرقة 22 بابنوسة (ولاية غرب كردفان)، كثفت «قوات الدعم السريع» حصارها على ولاية جنوب كردفان، ودأبت على قصف مدنها الرئيسية المحاصرة، بالمدفعية الثقيلة والمسيّرات، خاصة مدينتي كادوقلي والدلنج، ويرد الجيش هو الآخر بقصف مدفعي وقصف المسيّرات على تمركزات «قوات الدعم السريع».

وخلال هذا الأسبوع، واصلت «قوات الدعم السريع» شن هجمات بالطائرات المسيّرة الانتحارية والقتالية، على عدة مدن وبلدات في ولايتي شمال وجنوب كردفان، خاصة مدن كادوقلي والدلنج والأبيض، لقي خلالها العشرات مصرعهم، من بينهم 6 من جنود قوات الأمم المتحدة في بعثة حفظ السلام «يونيسفا». وقصفت مسيّرات «الدعم السريع»، الخميس، مدينة «عطبرة» بشمال السودان، بأعداد كبيرة من المسيّرات الانتحارية، أودت بحياة خمسة أشخاص على الأقل، واستهدفت محطة الكهرباء بالمدينة، ما أدى لانقطاع التيار من عدد من ولايات البلاد.


القاهرة تضغط للحل في لبنان عبر زيارة مدبولي

الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)
الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القاهرة تضغط للحل في لبنان عبر زيارة مدبولي

الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)
الرئيس اللبناني جوزف عون خلال استقبال مصطفى مدبولي في بيروت الجمعة (مجلس الوزراء المصري)

أكد مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط»، أن «زيارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إلى لبنان هدفها اقتصادي؛ لكنها تحمل في جعبتها هدفاً استراتيجياً وسياسياً يتعلق بدعم لبنان ورسالة بأن مصر شريك وحليف استراتيجي له، كما تؤكد وقوف القاهرة معه لحين حل كل أزماته، فضلاً عن أن الرؤية المصرية تنطلق من أن تعاون الجميع في حل الأزمات الاقتصادية، بالقطع سينعكس على القضايا الأخرى، ويخلق أجواء إيجابية تسمح بتقريب وجهات النظر حولها».

وشدد المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، على أن «هناك تكليفات رئاسية واضحة للأجهزة المصرية والحكومة بتقديم كل سبل الدعم للأشقاء في لبنان، وتقديم الاستشارات اللازمة في كل الملفات، وهذا ينطلق من جهود القاهرة خلال الفترة الماضية، للعمل على حلحلة كل القضايا الساخنة في محيطها العربي وبمنطقة الشرق الأوسط، الذي يخلق ذرائع تدفع إلى تدخلات واعتداءات من جانب إسرائيل على وجه الخصوص، وبدعم من أميركا».

ونوه بأن «مصر في الملف اللبناني تحديداً تتمتع بقبول جميع الأطراف، وهو ما يعطيها ميزة للتحرك بقوة من أجل تحقيق الحلول التي تمنع تفجر الأوضاع، وهناك مؤشرات إيجابية ظهرت في كل المناقشات المصرية - اللبنانية على إمكانية تحقيق تقدم كبير في سياق الحل خلال الفترة المقبلة».

المصدر المصري شدد كذلك على أن القاهرة حريصة على أن «يكون الحل في لبنان نابعاً من توافق اللبنانيين أنفسهم، وبدعم مصري وعربي دون ضغوط أو تدخلات أطراف أخرى لها أغراض معروفة بالمنطقة».

وخلال اجتماعات عديدة عقدتها القاهرة على مستويات مختلفة مع مسؤولين لبنانيين منذ أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، طرحت القاهرة ما يُعرف بـ«المبادرة المصرية» لحل الأزمة اللبنانية - الإسرائيلية، وتهدف إلى تسوية شاملة للأزمة وتثبيت وقف إطلاق النار، مع انسحاب القوات الإسرائيلية من 5 نقاط في جنوب لبنان، وفق بيانات رسمية سابقة.

وقال مدبولي في تصريحات إعلامية عقب لقائه رئيس الوزراء اللبناني، نواف سلام، في بيروت، الجمعة، إن «الرئيس عبد الفتاح السيسي كلفه بالتوجه إلى لبنان، حاملاً رسالة تؤكد دعم مصر الكامل لشقيقتها دولة لبنان في مختلف المجالات الممكنة، في ظل المرحلة الدقيقة التي تمر بها». وأوضح أنه «حرص خلال اللقاءات التي عقدها مع المسؤولين اللبنانيين على نقل موقف الرئيس السيسي الداعم سياسياً ولوجيستياً واقتصادياً، والتأكيد على استعداد مصر لتلبية كل ما يطلبه الأشقاء اللبنانيون خلال هذه المرحلة».

مدبولي أكد أن هناك توجيهاً من الرئيس المصري بدعم لبنان سياسياً واقتصادياً (مجلس الوزراء المصري)

وأشار مدبولي إلى أنه في ضوء توقف العدوان الإسرائيلي الغاشم على لبنان، جرى استعراض خطط واضحة لإعادة إعمار جنوب لبنان، مؤكداً «استعداد مصر للمشاركة عبر شركاتها الوطنية لتقديم الدعم والخبرات الفنية واللوجيستية؛ سواء بشكل منفرد أو بالشراكة مع الشركات اللبنانية، وأن مصر تقف بجانب لبنان بشكل كامل، وتحرص على أمنه واستقراره وسلامة أراضيه، وتدعم مؤسسات الدولة اللبنانية لبسط سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية، ووقف أي ممارسات عدوانية تهدد أمن واستقرار البلاد».

وزير خارجية لبنان سابقاً، عدنان منصور قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر لما لها من ثقلها العربي والعالمي وتقدير الجميع لها سواء في لبنان أو خارجه، فإن جهودها حالياً للعمل على حلحلة الأزمة اللبنانية المتعلقة بسلاح (حزب الله) والذرائع التي تستغلها إسرائيل للعدوان على لبنان، هي جهود مقدرة من الجميع، وتوشك على تحقيق تقدم كبير في هذا الأمر وفق ما يرشح من معلومات في الداخل اللبناني».

فيما يرى الخبير في الشؤون اللبنانية، فتحي محمود، أن «الدور المصري في لبنان يكتسب أهميته من أنه يحظى بقبول كل الأطراف اللبنانية، ويحظى أيضاً بقبول الأطراف الإقليمية والدولية، وبدأت مصر تكثيف دورها في لبنان بزيارة رئيس المخابرات العامة، حسن رشاد، إلى بيروت يوم 28 أكتوبر الماضي، عقب زيارة قام بها إلى إسرائيل، والتقى خلالها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو».

وخلال زيارته إلى بيروت، طرح رشاد مجموعة من المقترحات والأفكار التي يمكن أن تشكل مبادرة إذا وافقت عليها كل الأطراف؛ منها «التفاهم على هدنة تمتد لأكثر من 3 أشهر، وإيجاد صيغة سياسية - أمنية برعاية دولية لمشكلة سلاح (حزب الله) شمال الليطاني، وإجراء ترسيم للحدود عبر لجنة (الميكانيزم) التي تراقب وقف إطلاق النار»، وقد استجاب لبنان لأحد المقترحات المصرية بتعيين شخصية دبلوماسية ممثلاً له في اللجنة؛ وهو السفير سيمون كرم، وفقاً لمحمود.

وأوضح محمود، وهو عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية» لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشكلة التي واجهت هذا الدور، هي التعنت الإسرائيلي واستمرار الاعتداءات، وربط الوضع اللبناني بالملف الإيراني، وهو أمر يؤدى لإطالة أمد النزاع، ومن ثم جاءت زيارة رئيس الوزراء المصري إلى بيروت في إطار دعم التعاون الثنائي اقتصادياً لمحاولة إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية، والتأكيد للجميع أن مصر لها مصالح مشتركة مع لبنان، مما يدفع جهود حل الأزمة قدماً».

مدبولي خلال لقاء مع رجال الاقتصاد والاستثمار في بيروت (مجلس الوزراء المصري)

أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية، ليلى نقولا، قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «مصر حالياً لما لها من علاقات طيبة تتمتع بثقة جميع اللبنانيين، وكذلك بالأطراف المتشابكة مع لبنان، فهي بما حققته من زخم بنجاحها في تحقيق اتفاق السلام بغزة، تعمل حالياً على قيادة وتزعّم جهد عربي لحل الأزمة في لبنان، لأنها ترى أن أمن لبنان مرتبط بالوضع في فلسطين وغزة الذي يؤثر بالقطع على الأمن المصري».

وأشارت إلى أن «مصر قدمت أفكاراً تتعلق بنزع السلاح على مراحل، وفيما بعد يتم نزع كامل للسلاح في جنوب الليطاني، ويكون حصراً في يد الدولة والمراقبين الدوليين، بينما في شمال الليطاني يكون هناك جهود لتجميد أو ضبط السلاح، وبذلك حفظ ماء وجه (حزب الله) بأن السلاح لم ينزع منه بالقوة، بمعنى أن يكون نزع السلاح برضا الجميع، ومقابل ذلك تنسحب إسرائيل ويستعاد الأسرى، وأن تشارك الدول الخليجية والمانحة في إعادة إعمار المناطق المتضررة، بالإضافة إلى ترسيم الحدود بشكل كامل بين إسرائيل ولبنان لينتفي الاحتلال الذي يتم التذرع به للاحتفاظ بالسلاح».

وشددت نقولا على أنه «لا يمكن القول كما يتردد، إن مصر تنقل رسائل من أميركا وإسرائيل، فأميركا على وجه الخصوص ليست في حاجة لنقل رسائل عبر وسطاء، فهي لها مبعوثوها وممثلوها التي تنقل عبرهم مباشرة ما تريد، ولكن الجانب المصري له علاقات قوية بكل الأطراف ووزن كبير أيضاً، وبالتالي يستخدم ذلك في محاولة التوصل إلى صيغة تقرب وجهات النظر وتنتهي بالحل، كما تم التوصل إلى الاتفاق بالطريقة نفسها في غزة».