تواصل حرب المسيرات في السودان... واستهداف مواقع عسكرية في الخرطوم ونيالا

مصادر تحدثت عن وقوع انفجارات في قاعدة وادي سيدنا ومنطقة سركاب العسكرية شمال أم درمان

سقف متضرر بشظايا القصف على مركز للنازحين في الفاشر 7 أكتوبر (رويترز)
سقف متضرر بشظايا القصف على مركز للنازحين في الفاشر 7 أكتوبر (رويترز)
TT

تواصل حرب المسيرات في السودان... واستهداف مواقع عسكرية في الخرطوم ونيالا

سقف متضرر بشظايا القصف على مركز للنازحين في الفاشر 7 أكتوبر (رويترز)
سقف متضرر بشظايا القصف على مركز للنازحين في الفاشر 7 أكتوبر (رويترز)

تصاعدت حرب المسيرات بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع»، لتطول، الثلاثاء والأربعاء، أجزاء من العاصمة الخرطوم وأم درمان، ونيالا التي تتخذ منها «قوات الدعم السريع» عاصمة لحكومتها الموازية.

وفجر الأربعاء شنت «قوات الدعم السريع»، هجمات بسرب من الطائرات المسّيرة على مقرات عسكرية في مدينة أم درمان، كبرى مدن العاصمة الخرطوم، رداً فيما يبدو على هجمات نفذها الجيش على عاصمتها نيالا، في غرب البلاد، ما يجعلها من بين أكبر الهجمات الجوية في الحرب.

وقالت مصادر عسكرية في الجيش لـ«الشرق الأوسط» إن المضادات الأرضية تصدت لهجوم بالمسيَّرات الانتحارية على عدد من المواقع في شمال أم درمان، لم تكشف عنها، بينما تتحدث مواقع غير رسمية، مؤيدة لـ«الدعم السريع»، عن أن الغارات التي شنتها طائرات مُسيّرة انتحارية، استهدفت قاعدة وادي سيدنا الجوية ومنطقة سركاب العسكرية في الجزء الشمالي من المدينة.

الجيش يسقط 8 مسيرات

واستيقظ سكان المدينة صباح الأربعاء، على سماع دوي انفجارات قوية وأصوات المضادات الأرضية. وشوهد الدخان المتصاعد من مسافات بعيدة.

ووفقاً لشهود عيان، اعترضت منظومة دفاعات الجيش المسّيرات فوق سماء المدينة. وأضافوا أن «الهجوم بدأ حوالي الساعة الخامسة صباحاً (بالتوقيت المحلي)، واستمر قرابة ساعة من الزمن، وأن الجيش أسقط 8 طائرات مّسيرة من أصل 10 كانت تحلق في سماء المدينة».

وأظهرت مقاطع فيديو نشرها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، لحظات تحليق المسّيرات على علو منخفض، وانطلاق قذائف الدفاعات الأرضية التابعة للجيش، للتصدي لها.

وفي حين لم يعلن الجيش السوداني رسمياً عن هجومه على مدينة نيالا، لكن منصاتٍ إعلامية موالية له، أفادت بأن الطيران المُسيّر التابع للجيش استهدف، عصر الثلاثاء، مواقع تابعة لـ«قوات الدعم السريع» في المدينة، وأن إحدى المسيرات من طراز «بيرقدار» نفذت غارات دقيقة على تجمعات عسكرية في وسط المدينة.

وصباح الثلاثاء شنت مسيّرات انتحارية هجمات متزامنة على مقرات عسكرية في مناطق سيطرة الجيش، أسفرت عن سقوط أكثر من 7 قتلى وعدد من الجرحى في كل من «عد بابكر» شرق الخرطوم، ومدينة «الدبة» بالولاية الشمالية، وكادوقلي بجنوب كردفان. وأصابت المسيّرات التي استهدفت مدينة «الدبة»، مقر كلية الهندسة، وهو موقع تتمركز فيه القوة المشتركة، وأسفر الهجوم الذي وقع في وقت مبكر من صباح الثلاثاء، عن مقتل خمسة أشخاص على الأقل، وإصابة عدد من المدنيين، بينما استهدفت مسيّرات أخرى مواقع داخل المدينة نفسها.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، تبنت قوات تحالف «تأسيس» الموالية للحكومة الموازية، بقيادة «الدعم السريع» في دارفور، هجمات بالمسّيرات، كانت قد استهدفت مطار وقاعدة وادي سيدنا الجوية شمال أم درمان، إضافة إلى مصفاة الجيلي للنفط، ومصنع اليرموك الحربي، ومحطة كهرباء المرخيات، ومواقع أخرى بالخرطوم.

مصفاة الجيلي النفطية تعرضت لهجوم مدمر بواسطة مسيرات في 18 مارس (أ.ف.ب)

وقتها أكدت أن هذه الهجمات تأتي رداً على غارات جوية للجيش السوداني، طالت منشآت مدنية في دارفور وكردفان، بما في ذلك عاصمة الحكومة الموازية، نيالا بجنوب دارفور. وتفيد أنباء متداولة بأن المسّيرات التي استهدفت أم درمان صباح الأربعاء، انطلقت من منصة تابعة لــ«الدعم السريع» في كردفان. وتسيطر الأخيرة على مناطق واسعة في غرب وجنوب الإقليم.

ودرجت «قوات الدعم السريع» على التكتم الشديد على الهجمات التي تتعرض مدينة نيالا، وفي الوقت نفسه تفرض إجراءات أمنية مشددة على استخدام شبكات الاتصالات، وتضيق على مصادر تدفق المعلومات من هناك.

وسبق أن استهدفت مسيرات استراتيجية تابعة لــ«قوات الدعم السريع» لمرات متتالية مواقع عسكرية ومنشآت مدنية في مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية المؤقتة للجيش السوداني، التي تبعد أكثر من ألف كيلومتر عن إقليم دارفور.

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر طائرات مسيّرة «انتحارية» بعيدة المدى ومعدات إطلاقها شمال مطار نيالا بالسودان 6 مايو 2025 (رويترز)

وعلى الرغم مما يتردد من نشر «قوات الدعم السريع» أنظمة حديثة ومتطورة لتعزيز قدراتها الدفاعية في مدن دارفور ضد الطيران الحربي والطائرات المسّيرة، واصلت مسيَّرات الجيش في الأيام القليلة الماضية شن هجمات على مدينتي نيالا والفاشر ومناطق أخرى في الإقليم.

وكشفت تقارير إعلامية ومراكز أبحاث دولية عن بناء «الدعم السريع» منصات لإطلاق المسّيرات في محيط مدينة نيالا، من بينها مسّيرات صينية حديثة من طراز«FH-95» و«CH-95»، وأخرى هجومية انتحارية، كانت قد استخدمتها في هجمات سابقة على مناطق سيطرة الجيش، شملت المقار العسكرية والمطارات إلى جانب محطات كهرباء ومنشآت مدنية، ألحقت بها خسائر كبيرة في «الخرطوم وكسلا والقضارف بشرق البلاد، وكوستي بالنيل الأبيض، وعطبرة ومدن عدّة بشمال البلاد».


مقالات ذات صلة

رئيس الوزراء السوداني يطرح «مبادرة سلام» أمام مجلس الأمن

شمال افريقيا رئيس وزراء السودان كامل إدريس (إ.ب.أ)

رئيس الوزراء السوداني يطرح «مبادرة سلام» أمام مجلس الأمن

قال رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس أمام مجلس الأمن الدولي الليلة الماضية إن السودان يواجه «أزمة وجودية» بسبب الحرب بين الجيش و«قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا جنود تابعون للجيش السوداني في شوارع مدينة القضارف شرق السودان في 14 أغسطس 2025 احتفالاً بالذكرى الحادية والسبعين لتأسيس الجيش (أ.ف.ب)

السودان: نزوح من كادوقلي جراء تصاعد العمليات العسكرية

نزحت عشرات العائلات السودانية، من مدن كادوقلي والدلنج في ولاية جنوب كردفان، مع تمدد «قوات الدعم السريع» وسيطرتها على البلدات المجاورة.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
خاص روبيو في حديث هامس مع الرئيس ترمب خلال طاولة مناسبات سابقة (أ.ف.ب) play-circle 00:57

خاص 10 أيام فاصلة... ما ملامح خطة أميركا لوقف حرب السودان؟

وضعت واشنطن مدى زمنياً من 10 أيام لتثبيت هدنة إنسانية في السودان، مع بداية العام المقبل وقال وزير خارجيتها مارك روبيو إن 99% من التركيزالآن لتحقيق هذا الغرض

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا خبراء يقولون إن الأسلحة عالية التقنية التي تستخدمها قوات الدعم السريع تحتاج إلى مساعدة خارجية لتشغيلها (أ.ف.ب) play-circle

تقرير: شركات في بريطانيا تجنّد مرتزقة كولومبيين لصالح «الدعم السريع»

كشف تحقيق حصري لصحيفة «الغارديان» عن وجود شركات مسجلة في بريطانيا أسسها أشخاص خاضعون لعقوبات أميركية، يُشتبه في تورطها بتجنيد مقاتلين لصالح «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا رئيس وزراء السودان كامل الطيب إدريس خلال إلقاء كلمته حول الأزمة السودانية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة (إ.ب.أ) play-circle

رئيس وزراء السودان يتوجه إلى نيويورك للقاء مسؤولين في الأمم المتحدة

توجّه رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، إلى نيويورك للاجتماع بالأمين العام للأمم المتحدة ومسؤولين آخرين ومناقشة سبل تسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (بورتسودان)

الجزائر: مسؤول يهوّن من المخاوف بشأن «إسقاط الجنسية» عن المعارضين

وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)
وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)
TT

الجزائر: مسؤول يهوّن من المخاوف بشأن «إسقاط الجنسية» عن المعارضين

وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)
وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)

تزامناً مع إعلان البرلمان الجزائري تنظيم جلسة تصويت، الأربعاء، على نصّين يثيران جدلاً واسعاً، يتعلقان بـ«تجريم الاستعمار» و«سحب الجنسية من المعارضين»، هوَّن مسؤول حكومي رفيع من المخاوف المرتبطة بالنص الثاني، مؤكداً أنه «لا يستهدف أصحاب الرأي المخالف»، بل أولئك الذين «تثبت بحقهم تهمة الخيانة العظمى».

وإذا كان الجدل الدائر بشأن مقترح قانون تجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر (1830 - 1962) يثير حفيظة قطاع من الطيف السياسي الفرنسي، لا سيما اليمين التقليدي، فإن هناك إجماعاً واسعاً في الجزائر على تسريع وتيرة إصداره، ونشره في الجريدة الرسمية، في خطوة مرتبطة بالتوترات القائمة مع باريس، التي كانت اندلعت صيف عام 2024 على خلفية اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء. وقد شهدت هذه التوترات مع مرور الوقت تصعيداً خطيراً، ظل ملف الاستعمار وما تُعرف بـ«آلام الذاكرة» في صلبه.

البرلمان الجزائري (البرلمان)

وعشية اجتماع مكتب «المجلس الشعبي الوطني» لضبط أجندة التصويت على المقترحَين، سعى وزير العدل، لطفي بوجمعة، في تصريحات أمام النواب، إلى التخفيف من المخاوف المرتبطة بنص تعديل قانون الجنسية الذي تقدم به هشام صيفر، النائب عن حزب «التجمع الوطني الديمقراطي» المؤيد لسياسات السلطة التنفيذية، حيث شدد على أن «المعارضين أصحاب الرأي المخالف للحكومة الذين يوجدون في الخارج، غير معنيين بإجراءات التجريد من الجنسية» المتضمنة في النص الذي يحظى بتأييد غالبية الكتل البرلمانية.

وقال الوزير إن النص، الذي أثار كثيراً من الانتقادات، «يتضمن ضمانات صارمة تهدف إلى تأطير إجراءات إسقاط الجنسية، من خلال تحديد الحالات التي يمكن فيها تطبيق هذا الإجراء بشكل واضح ودقيق». مؤكداً أن التعديلات المقترحة «تنص على تعزيز الإطار القانوني، إذ تشترط توفر أدلة ملموسة ومعطيات ثابتة تثبت ارتكاب أفعال خطيرة».

كما تتناول، وفق قوله، استحداث «لجنة مختصة»، تتولى دراسة ملفات سحب الجنسية «بطريقة موضوعية ومحايدة»، من دون أن يذكر هوية الأشخاص الذين ستُسند إليهم عضوية هذه «اللجنة». وأوضح الوزير أيضاً أن مقترح تعديل القانون يتضمن تدابير «تتيح للشخص الذي أُسقطت عنه جنسيته إمكانية استرجاعها في ظل شروط معينة، بما يمنحه فرصة ثانية قبل أن يصبح القرار نهائياً».

«نظام إنذار» يسبق إسقاط الجنسية

من جانبه، صرَح النائب هشام صيفر بأن المقترح الذي تقدم به «يحترم بدقة (المادة 36) من الدستور، ولا يتعارض مع القانون الدولي». وتفيد المادة الدستورية بأن «شروط اكتساب الجنسية الجزائرية، والاحتفاظ بها، وفقدانها أو سحبها، تُحدَّد بمقتضى القانون».

ووفق صيفر فإنه لا تطبق إجراءات التجريد من الجنسية «إلا على المواطنين الجزائريين الذين تتوفر بحقهم أدلة قوية ومتماسكة تثبت ارتكابهم خارج التراب الوطني أفعالاً خطيرة محددة قانوناً، واستمرارهم في ارتكابها رغم توجيه إنذار رسمي من قبل الحكومة». وأشار إلى أن النص يشمل «نظام إنذار، وهو آلية تتيح للشخص المعني التراجع عن أفعاله، قبل اتخاذ قرار إسقاط الجنسية؛ مما يشكل ضمانة إضافية لتحقيق العدالة»، وفق تصريحات البرلماني، الذي لفت إلى إدراج شرط في النص يقضي بعدم جواز إسقاط الجنسية الأصلية عن أي شخص لا يحمل جنسية أخرى؛ تفادياً لحالات انعدام الجنسية، مع استثناءات محددة تتعلق بالجرائم الخطيرة، مثل الخيانة والتجسس لمصلحة دولة أجنبية، أو حمل السلاح ضد الجزائر.

رئيس «ماك» فرحات مهني مستهدَف بخطوة سحب الجنسية الجزائرية (ناشطون)

ويتضمن المقترح كذلك إنشاء لجنة خاصة تتكفل الدراسة والبت في ملفات إسقاط الجنسية، على أن يحدَّد تنظيمها، وتشكيلها، وكيفيات عملها، بموجب نص تنظيمي.

وبشأن الآثار المترتبة على الأقارب، فإن إجراء إسقاط الجنسية لا يشمل الزوج ولا الزوجة ولا الأطفال القُصّر. كما يمكن للأطفال المولودين بعد صدور قرار إسقاط الجنسية اكتساب الجنسية الجزائرية تلقائياً عن طريق الأم.

وطُرحت فكرة إسقاط الجنسية أول مرة في مارس (آذار) 2025، بمناسبة هجوم حاد من الرئيس عبد المجيد تبون ضد الكاتب الفرنسي - الجزائري بوعلام صنصال، بسبب تصريحات صحافية، زعم فيها أن «أجزاء واسعة من الغرب الجزائري اجتزأها الاستعمار الفرنسي من المغرب». وجره هذا الكلام إلى المتابعة القضائية، حيث أدانه القضاء بالسجن 7 سنوات مع التنفيذ، لكن أُفرج عنه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بموجب إجراءات عفو رئاسي بناء على التماس من الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير.

الكاتب بوعلام صنصال (حسابات ناشطين متعاطفين معه)

وظلت الفكرة مجرّد اقتراح ذي طابع سياسي تقدّم به النائب صيفر، لكنها عادت بقوة خلال الأيام الأخيرة على خلفية إعلان انفصاليي القبائل الجزائرية من باريس قيام «دولة مستقلة». ويُعتقد أن النص الجديد قد يُطبق ضد عدد كبير منهم، على رأسهم زعيم «حركة تقرير مصير القبائل (ماك)» فرحات مهني.

«أداة للتكميم»

أكدت منظمة «شعاع لحقوق الإنسان»، المهتمة بالأوضاع الحقوقية في الجزائر التي يوجد مقرها في لندن، في بيان، أن التعديل المقترح لقانون الجنسية، «يفتح الباب أمام المساس بحق الجزائريين في جنسيتهم الأصلية، استناداً إلى مفاهيم فضفاضة، من قبيل المسّ بمصالح الدولة أو بالوحدة الوطنية؛ مما يشكل تهديداً مباشراً لحقوق المواطنة، ويكرّس في الوقت ذاته مساراً تشريعياً خطيراً، من شأنه تحويل التجريد من الجنسية إلى أداة لتكميم الأفواه ومعاقبة الرأي المخالف، بدل أن يظل إجراء استثنائياً محكوماً بضوابط صارمة تحمي الحقوق والحريات».

ووفق البيان، «يحوّل المسعى الجنسية من حق أصيل وملازم للشخص، إلى وسيلة ضغط وابتزاز سياسي مشروطة بالولاء للسلطة لا بالانتماء للوطن»، لافتاً إلى أن «تركيز النص على الأفعال المرتكبة خارج التراب الوطني يكشف عن استهداف خاص للجزائريين المقيمين في الخارج، الذين يشكّلون اليوم الفئة الأكثر ممارسة لحقها في انتقاد السلطة، بحكم وجودهم خارج سطوة الاعتقال والسجن، رغم ما يواجهه العديد منهم من متابعات قضائية، وأحكام غيابية قاسية».


«الوطني الليبي» يتجاهل مجدداً اتهامات بـ«التعاون» مع «الدعم السريع»

القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي المشير خليفة حفتر (إعلام القيادة العامة)
القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي المشير خليفة حفتر (إعلام القيادة العامة)
TT

«الوطني الليبي» يتجاهل مجدداً اتهامات بـ«التعاون» مع «الدعم السريع»

القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي المشير خليفة حفتر (إعلام القيادة العامة)
القائد العام لـ«الجيش الوطني» الليبي المشير خليفة حفتر (إعلام القيادة العامة)

تجاهل «الجيش الوطني الليبي»، برئاسة المشير خليفة حفتر، مجدداً الاتهامات، التي تربطه بتقديم دعم لقوات «الدعم السريع» في السودان، وذلك بعد تقارير تحدثت عن استخدام مهبط للطائرات في مطار الكفرة (جنوب شرقي ليبيا) منصة لوجيستية لتعزيز السيطرة على مدينة الفاشر، في سياق الحرب الأهلية السودانية.

وحاولت «الشرق الأوسط» التواصل مع ثلاثة قادة عسكريين بارزين في شرق ليبيا للحصول على تعليق رسمي، إلا أنه لم يتسنَّ الحصول على رد، فيما قال أحدهم إنه «ليس مخولاً بالتحدث سواء بالنفي أو التأكيد».

قوات تابعة للجيش الوطني بقيادة المشير حفتر (الجيش الوطني)

وأشار تقرير لوكالة «رويترز»، الذي قالت إنه يستند إلى «أكثر من اثني عشر مسؤولاً عسكرياً واستخباراتياً ودبلوماسياً»، إلى أن «خط الإمداد عبر الكفرة كان محورياً في تعزيز سيطرة (الدعم السريع) على مدينة الفاشر؛ ما أتاح لها ترسيخ وجودها في دارفور».

وعدّ المحلل العسكري الليبي، محمد الترهوني، المقرب من قيادة «الجيش الوطني»، أن تقرير وكالة «رويترز» «لا يعكس الحقائق على الأرض»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن مطار الكفرة «منشأة ليبية مهمة، تُستخدم لدعم القوات الليبية المنتشرة في الجنوب الشرقي والجنوب الغربي، وهو نقطة وصل بين شرق ليبيا وجنوبها».

مضيفاً أن «القوات الليبية في الجنوب تعمل بحياد كامل، بعيداً عن أي نزاعات داخلية في دول الجوار، وتركز على تأمين العمق والحدود الليبية فقط، دون الانخراط في أي تجاذبات سياسية، أو عسكرية لدعم طرف ضد آخر».

عناصر من قوات «الدعم السريع» (أ.ف.ب)

وأبرز الترهوني أن «الجنوب الليبي ومطار الكفرة كانا عبارة عن مناطق مهملة سابقاً، استُخدمت كأنها ممرات لتنظيمات مسلحة، وتمويل الهجرة غير النظامية، لكنها أُمنت اليوم بشكل كامل لتصبح منطقة مستقرة ومحمية»، وهو ما عده «تجسيداً لنجاح جهود الجيش الوطني في حماية أراضي ليبيا وسيادتها».

ومنذ بداية الحرب الأهلية في السودان في أبريل (نيسان) 2023، تعرض «الجيش الوطني» الليبي لاتهامات متكررة بتقديم الدعم لقوات «الدعم السريع»، إلا أن القيادة العامة سارعت إلى نفي ذلك حينذاك، مؤكدة «استعدادها للوساطة» بين الأطراف السودانية لوقف القتال، وفقاً للناطق باسمها اللواء أحمد المسماري.

وحسب الرواية ذاتها، فقد سجلت بيانات وتتبع رحلات الجوية لما لا يقل عن 105 عمليات هبوط لطائرات شحن بين أبريل ونوفمبر (تشرين الثاني) 2025، نقلت أسلحة ومرتزقة لدعم سيطرتها في دارفور.

ونسبت الوكالة إلى مسؤول أممي، طلب عدم ذكر اسمه، قوله إن استخدام هذه القناة «غيّر قواعد اللعبة بالكامل في السودان»، وذلك من خلال توفير إمكانات الإمداد والمقاتلين، وهو ما أسهم في تعزيز الحصار الذي استمر 18 شهراً على المدينة.

سودانيون يشاركون في مظاهرة للتنديد بانتهاكات «الدعم السريع» (إ.ب.أ)

وتجدد الجدل حول هذا الملف في يونيو (تموز) الماضي، بعد اتهامات الجيش السوداني لقوات «الجيش الوطني» بـ«تقديم إسناد لقوات (الدعم السريع) في اشتباكات حدودية»، وهو ما نفته وزارة الدفاع التابعة للحكومة المكلفة من البرلمان في شرق ليبيا حينذاك، مؤكدة أن عقيدة القوات المسلحة «ترتكز على السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى».

وتوقع المحلل السياسي الليبي، أيوب الأوجلي، أن تستمر «التسريبات» حول الموضوع، وأنها «مرشحة للزيادة» رغم النفي المستمر. ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «بعض الأطراف الدولية تحاول تسريب الأخبار لوكالات الأنباء لتحقيق مكاسب سياسية، أو الضغط عبر ورقة الإعلام، وهو أسلوب تقليدي متجدد».

وتعيش ليبيا منذ 2014 حالة من الانقسامين السياسي والعسكري، وتشهد حالياً وجود حكومتين متنازعتين؛ إحداهما في طرابلس (غرباً) برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وأخرى في الشرق برئاسة أسامة حماد ومقرها مدينة بنغازي، وتتمتع بدعم «الجيش الوطني» الليبي، الذي يسيطر على معظم مناطق الشرق والجنوب، بما يشمل حقول النفط الاستراتيجية، ومطارات حيوية مثل مطار الكفرة.


الليبيون يحتفلون بالذكرى الـ74 للاستقلال على وقع انقسام حاد

في ليبيا بات كل مواطن يحتفل بـ«ثورته» في مواعيدها (أ.ف.ب)
في ليبيا بات كل مواطن يحتفل بـ«ثورته» في مواعيدها (أ.ف.ب)
TT

الليبيون يحتفلون بالذكرى الـ74 للاستقلال على وقع انقسام حاد

في ليبيا بات كل مواطن يحتفل بـ«ثورته» في مواعيدها (أ.ف.ب)
في ليبيا بات كل مواطن يحتفل بـ«ثورته» في مواعيدها (أ.ف.ب)

تحتفل ليبيا هذا الأسبوع بالذكرى الـ74 لاستقلالها عن الاحتلال الإيطالي، بينما لا تزال تعاني من انقسام سياسي حاد، وسط تعارض «الأجندات الخاصة» في ظل سعي كل فصيل سياسي إلى استدعاء ماضيه، وتطبيقه على حاضره.

وقبل 74 عاماً من الآن، أعلن الملك الليبي الراحل إدريس السنوسي استقلال بلاده، بعد عقود من الاحتلال الإيطالي، الذي بدأ عام 1911، وتمت مقاومته بمعارك دامت لأكثر من عقدين، خاضها «شيخ المجاهدين» عمر المختار مع رفاقه.

ملك ليبيا الراحل إدريس السنوسي (حسابات ليبية موثوقة)

وبشكل منفصل، أعلن كل من رئيسي حكومتي ليبيا عبد الحميد الدبيبة، وأسامة حماد يومي الأربعاء والخميس عطلة رسمية لمناسبة «عيد الاستقلال»، في بلد يعاني من تداعيات انقسام سياسي، وتعثر المسار الانتخابي منذ إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011.

ومن شرفة قصر «المنار» ببنغازي، زفّ السنوسي لشعبه عام 1951 بشارة الاستقلال، قائلاً: «نتيجة جهاد أمتنا، وتنفيذاً لقرار الأمم المتحدة الصادر في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) 1949، تحقق بعون الله استقلال بلادنا العزيزة».

وقال أشرف بودوارة، رئيس اللجنة التحضيرية لـ«المؤتمر الوطني لتفعيل دستور الاستقلال»، لمناسبة حلول هذه الذكرى: «نستحضر لحظة فارقة في تاريخ البلاد، حين توحّد الليبيون على بناء دولتهم بإرادتهم الحرة، وعلى أساس سيادة القانون والشرعية الدستورية».

ورأى بودوارة أن «الاستقلال لم يكن مجرد حدث تاريخي، بل يعد تعبيراً عن وعي وطني عميق بأهمية الدولة والمؤسسات ووحدة الوطن»، متمنياً أن «تتجاوز ليبيا محنها، وتستعيد استقرارها، وتجمع كلمتها، وتسير بثقة نحو مستقبل يليق بتضحيات أبنائها».

المناضل عمر المختار (صفحات ليبية على مواقع التواصل)

ولم تُنسِ الأحداث الجسام والصراعات الدموية، التي شهدتها ليبيا، مواطنيها الاحتفال بـ«ثوراتهم»، كل واحد حسب انتمائه وآيديولوجيته، ما يجعل المشهد السياسي يبدو «فسيفسائياً»، ومغلفاً بالانقسامات.

وفي ليبيا لم يطو الزمن المناسبات السياسية، ولا ذكرى الأحداث الأليمة بعد، ففي هذا البلد الأفريقي يحتفل كل مواطن بـ«ثورته» في مواعيدها. أنصار «الملكية» يحيون «يوم الاستقلال»، ومؤيدو «الفاتح من سبتمبر» يتمسكون بذكراها، بينما تعمّ الاحتفالات في ذكرى «ثورة 17 فبراير»، التي أسقطت نظام القذافي. فيما يسعى كل فصيل لاستدعاء ماضيه بغرض العودة إلى حكم ليبيا.

ويرى سياسيون ليبيون موالون لنظام القذافي أن ليبيا وإن كانت تحررت من الاحتلال الإيطالي قبل 74 عاماً، إلا أنها «لم تتخلص من آثاره، المتمثلة في وجود القواعد العسكرية والقوات الأجنبية في غرب البلاد وشرقها».

وفي مثل هذا التوقيت من كل عام، يدعو أنصار «الملكية» إلى «إعادة استحقاق ولاية العهد للأمير محمد الحسن الرضا السنوسي، وتوليه مُلك البلاد، وتحمّل مسؤولياته الدستورية كاملة».

والأمير محمد الحسن هو نجل الحسن الرضا السنوسي، الذي كان ولي عهد الملك إدريس السنوسي، آخر ملوك ليبيا، وعمل مؤخراً على تكثيف لقاءاته في الخارج بشخصيات ليبية مختلفة؛ بهدف «إنجاح المساعي نحو حوار وطني شامل، تحت مظلة الشرعية الملكية الدستورية».

وفي مطلع سبتمبر (أيلول) 1969 أطاحت مجموعة من «الضباط الوحدويين»، التي قادها القذافي، بالنظام الملكي وحكمت ليبيا قرابة 42 عاماً.

السنوسي يتوسط أكاديميين وقيادات من غرب ليبيا في لقاء سابق (حساب السنوسي على منصة إكس)

وتتوالى برقيات التهنئة على رئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، لمناسبة عيد الاستقلال؛ حيث أعلن عبر حسابه على «فيسبوك» تلقيه، الاثنين، برقية من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان.

كما أعلن مكتب المنفي، الثلاثاء، تلقيه برقية تهنئة من محمد إدريس ديبي، رئيس تشاد لمناسبة يوم الاستقلال، ونقل عن الأخير «التزامه الدؤوب بالعمل معاً من أجل توطيد وتعميق علاقاتنا الثنائية، بهدف جعلها تعاوناً ناجحاً بين بلدينا الأفريقيين الشقيقين».

وفي كل احتفال سنوي بالاستقلال، يحرص الأمير محمد الحسن على بث رسائل المحبة، والدعوة للتوافق بين عموم الليبيين، ويذكر بأن «مخزون ليبيا التاريخي كفيل بإعادة الوحدة والتوافق المفقودين، في ظل الصراعات والتجاذبات».