موسكو ترحب بجهد أميركي لدفع التسوية وتترقب لقاء ترمب مع زيلينسكي

تقرير غربي يؤكد تراجع الدعم العسكري لأوكرانيا 57 % في شهرين

 دمار بمنطقة سكنية بقرية أوكرانية على الخطوط الأمامية للقتال في دونيتسك الأربعاء (أ.ف.ب)
دمار بمنطقة سكنية بقرية أوكرانية على الخطوط الأمامية للقتال في دونيتسك الأربعاء (أ.ف.ب)
TT

موسكو ترحب بجهد أميركي لدفع التسوية وتترقب لقاء ترمب مع زيلينسكي

 دمار بمنطقة سكنية بقرية أوكرانية على الخطوط الأمامية للقتال في دونيتسك الأربعاء (أ.ف.ب)
دمار بمنطقة سكنية بقرية أوكرانية على الخطوط الأمامية للقتال في دونيتسك الأربعاء (أ.ف.ب)

أبدت موسكو، الثلاثاء، ترحيبها بتحرك أميركي لدفع التسوية السياسية في أوكرانيا، وقالت إنها تترقب نتائج لقاء الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، مع نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، لتحديد موقفها بشأن نيات واشنطن تسليم الجانب الأوكراني أنظمة صاروخية بعيدة المدى من طراز «توماهوك».

ودعا الناطق الرئاسي الروسي، ديمتري بيسكوف، واشنطن لممارسة «تأثير على كييف لحملها على إظهار نشاط في التعامل مع عملية السلام».

ورفض بيسكوف خلال إفادته اليومية التعليق على أسئلة الصحافيين حول رد الفعل المتوقع، بشأن تزويد الولايات المتحدة لأوكرانيا بصواريخ قادرة على ضرب العمق الروسي. وقال بيسكوف إن بلاده تنتظر نتائج اجتماع ترمب مع زيلينسكي.

وكان الرئيس الأميركي أعلن أنه سيستقبل زيلينسكي في البيت الأبيض، الخميس، وسيقوم بإطلاعه على خطط واشنطن بشأن نقل عشرات الأنظمة الصاروخية من طراز «توماهوك» إلى أوكرانيا.

الرئيسان الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال لقائهما في البيت الأبيض بواشنطن 18 أغسطس 2025 (أ.ف.ب)

وقال بيسكوف، إنه يفضل «انتظار التصريحات التي ستصدر عقب اجتماع ترمب وزيلينسكي، ومراقبة النتائج... دعونا ننتظر، ونستمع إلى التصريحات، ونحللها. نعلم أن الرئيس نفسه أكد أن مثل هذا الاجتماع مع زيلينسكي سيُعقد في واشنطن. سنرى النتائج».

وكانت موسكو حذرت من أن تسليم الصواريخ إلى كييف قد «يقوض العلاقات بين موسكو وواشنطن نهائياً». وقال الرئيس فلاديمير بوتين إن لدى بلاده «القدرة على الرد بشكل فعال على هذه الخطوة».

لكن اللهجة الروسية حيال واشنطن حافظت على درجة من الهدوء، رغم التوقعات المتشائمة في حال أصر ترمب على مواصلة تسليح أوكرانيا. ولفت الناطق الرئاسي الروسي إلى أن موسكو تتعامل بإيجابية مع جهود ترمب لإحلال السلام، وأنه قد يكون قادراً على لعب دور مهم في دفع تسوية سياسية على غرار الوضع حول غزة، مؤكداً ترحيب بلاده بهذا المنحى.

وقال بيسكوف: «تأمل روسيا أن يُسهم نفوذ الولايات المتحدة والمهارات الدبلوماسية لمبعوثي الرئيس الأميركي في تشجيع كييف على أن تكون أكثر نشاطاً واستعداداً في عملية السلام».

ولفت إلى أن الكرملين «على معرفة جيدة بالمبعوث الخاص للرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، ويعدّه فعالاً... نحن بالفعل على معرفة جيدة بالسيد ويتكوف. إنه فعال، وقد أثبت فاعليته في الشرق الأوسط. ونأمل أن تُسهم مواهبه بشكل أكبر بعملنا في هذا المجال، بأوكرانيا».

وقال بيسكوف، إن روسيا تواصل الإعلان عن استعدادها للتوصل إلى تسوية سياسية، لكنه أكد أن بلاده لن تتراجع عن أهدافها المعلنة في أوكرانيا.

وأوضح أن موسكو «تواصل هجومها نظراً لقلة البدائل، وستحقق كل أهدافها».

وعلق على تصريح الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون بأنه إذا لم تُبدِ روسيا استعدادها للتفاوض، «فستدفع الثمن» بالقول إن بلاده «مستعدة للتسوية السلمية. حالياً، ولقلة البدائل، تواصل روسيا عمليتها العسكرية الخاصة. بطريقة أو بأخرى، ستضمن روسيا مصالحها وتحقق أهدافها».

جندي روسي من مصابي الحرب يشارك في تدشين نصب للجنود الذين سقطوا بالحرب مع أوكرانيا على أرض كنيسة سان جورج بمنطقة موسكو الأحد الماضي (أ.ف.ب)

تراجع الدعم الغربي

على صعيد متصل، نقلت وسائل الإعلام الروسية الحكومية تقارير عن مصادر غربية، تحدثت عن تراجع الدعم العسكري لأوكرانيا خلال الشهرين الأخيرين، وعن انخفاض مستوى الدعم الشعبي للحرب في أوروبا.

وأبرزت وكالة أنباء «نوفوستي» تقريراً نشرته صحيفة «بوليتيكو» تحدّث عن أن أوكرانيا تشعر بالقلق من أن الدول الأوروبية قد سئمت من الصراع الأوكراني، وباتت تعتقد أنه يجب أن ينتهي مهما كلف الأمر على كييف.

وحمل التقرير إشارات إلى أن «هناك خوفاً أعمق من أن بقية أوروبا قد سئمت... وباتت أوساط كثيرة فيها ترى أن الصراع لا بد أن ينتهي، مهما كلف الأمر أوكرانيا».

وأشار إلى وجود تباين في الرأي بين النخب السياسية والجمهور الأوروبي، ومع أن الدعم السياسي لكييف لا يزال قائماً في الدول الأوروبية، لكن «حماس الجمهور» قد تراجع. واستشهدت الصحيفة باستطلاع رأي أجرته مؤسسة مرموقة في بولندا، أظهر أن 35 في المائة من البولنديين يرغبون في انتهاء الصراع، حتى لو اضطرت كييف إلى تقديم تنازلات إقليمية.

كما تحدثت «بوليتيكو» عن نتائج استطلاع رأي أُجري في ألمانيا في أغسطس (آب)، وخلص إلى تأييد 52 في المائة من المواطنين الألمان أيضاً فكرة إنهاء الصراع الأوكراني من خلال تنازلات إقليمية من جانب أوكرانيا.

اللافت أن هذه المعطيات تزامنت مع صدور تقرير غربي نقلته «نوفوستي» أيضاً، تحدث عن تراجع الدعم العسكري لأوكرانيا خلال شهري يوليو (تموز) وأغسطس بمعدلات كبيرة وصلت إلى 57 في المائة.

ورصد التقرير الذي أعده معهد «كيل» للاقتصاد العالمي في ألمانيا أن المساعدات العسكرية لأوكرانيا شهدت انخفاضاً حاداً في هذه الفترة، على الرغم من طرح مبادرة قائمة متطلبات أوكرانيا ذات الأولوية، التي تتضمن شراء أسلحة أميركية لأوكرانيا.

مصافحة بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين في مستهل لقائهما بألاسكا 15 أغسطس 2025 (رويترز)

وأفاد المعهد بأن «المساعدات العسكرية انخفضت بنسبة 43 في المائة مقارنة بالنصف الأول من العام. ورغم إطلاق الآلية الجديدة، فإن حجم المساعدات العسكرية انخفض بشكل ملحوظ في شهري يوليو وأغسطس». ويشير هذا إلى متوسط الحجم الشهري لإجمالي المساعدات العسكرية خلال هذه الفترة.

وقال التقرير: «بعد أن عززت الدول الأوروبية دعمها العسكري لأوكرانيا بشكل كبير، تجاوز متوسط الحجم الشهري للمساعدات العسكرية المخصصة في النصف الأول من عام 2025 مستويات الفترة 2022 - 2024. مع ذلك، تضاءل هذا الزخم في الصيف: انخفضت مخصصات المساعدات العسكرية من الدول الأوروبية بنسبة 57 في المائة مقارنةً بالفترة من يناير (كانون الثاني) إلى يونيو (حزيران) 2025».

وعلق الخبير كريستوف تريبيش، الذي يقود مشروعاً لتتبع جهود المساعدة المقدمة إلى أوكرانيا، قائلاً: «خفض المساعدات العسكرية في يوليو وأغسطس أمر مفاجئ. فرغم مبادرة (الناتو)، تُقلص أوروبا دعمها العسكري الإجمالي. الأمر الحاسم الآن هو كيفية تغير الأرقام في الخريف». في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى استقرار المساعدات المالية والإنسانية المقدمة لأوكرانيا. فبين شهري يوليو وأغسطس، خُصصت 7.5 مليار يورو من المساعدات المالية والإنسانية، وهو ما يتوافق مع أرقام السنوات السابقة والنصف الأول من هذا العام، حيث شكّلت مؤسسات الاتحاد الأوروبي 86 في المائة من هذه الأموال.

في مطلع أغسطس ، أعلن وزير الدفاع الأوكراني، دينيس شميهال، أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) بصدد إطلاق آلية جديدة لدعم أوكرانيا من خلال مبادرة «قائمة متطلبات أوكرانيا ذات الأولوية» التي تنص على تسليم سريع للأسلحة من خلال تبرعات طوعية من دول التحالف. وأعلن الأمين العام لـ«الناتو»، مارك روته، في سبتمبر (أيلول) أن دول الحلف اشترت بالفعل أسلحة فتاكة ودفاعية بقيمة ملياري دولار من الولايات المتحدة لأوكرانيا ،في إطار مبادرة «قائمة متطلبات أوكرانيا ذات الأولوية».

وتعتقد روسيا أن إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا تعيق التسوية، وتُورّط دول «الناتو» بشكل مباشر في النزاع، وتُعد «لعباً بالنار». وأشار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى أن أي شحنات تحتوي على أسلحة متجهة إلى أوكرانيا ستكون هدفاً مشروعاً لروسيا. كما أكد الكرملين أن مواصلة تسليح الغرب لأوكرانيا يضر بالمفاوضات وسيكون له تأثير سلبي.


مقالات ذات صلة

فنزويلا: روسيا أكدت دعمها لنا في وجه الحصار الأميركي

أميركا اللاتينية وزير خارجية فنزويلا إيفان غيل (حسابه عبر منصة «إكس») play-circle

فنزويلا: روسيا أكدت دعمها لنا في وجه الحصار الأميركي

أعلن وزير الخارجية الفنزويلي، إيفان غيل، أنه تلقّى اتصالاً من نظيره الروسي سيرغي لافروف أعرب فيه عن دعم بلاده «الكامل» في الأزمة بين كاراكاس وواشنطن.

«الشرق الأوسط» (كاراكاس)
أوروبا سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي (أرشيفية - أ.ب) play-circle

روسيا تتحدث عن «تقدم بطيء» في المفاوضات بشأن أوكرانيا

سجلت موسكو تقدماً «بطيئاً» في المحادثات مع الولايات المتحدة بشأن خطة إنهاء الحرب في أوكرانيا، ونددت بمحاولات «خبيثة» لإفشالها.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا السيارة التي قتل فيها الجنرال فانيل سارفاروف (56 عاماً) وسط منطقة سكنية في موسكو الاثنين (رويترز)

مقتل ضابط روسي كبير بانفجار سيارة في موسكو

قُتل جنرال في هيئة الأركان العامة للجيش الروسي في انفجار سيارة في جنوب موسكو، وذلك بعد ساعات فقط من إجراء مندوبين روس وأوكرانيين محادثات منفصلة في ميامي.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا كيريل دميترييف مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (رويترز) play-circle

الكرملين: مبعوث بوتين سيقدم له تقريراً مفصلاً بعد مفاوضات ميامي

قال الكرملين، اليوم (الأحد)، إن الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين لم يرسل أي معلومات أو رسائل إلى الوفد الأميركي عبر مبعوثه.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ.ب.أ) play-circle

بوتين مستعد للحوار مع ماكرون «إذا كانت هناك إرادة متبادلة»

أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداده للحوار مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفق ما صرح المتحدث باسم الكرملين لوكالة أنباء «ريا نوفوستي».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

سيارة تدهس حشداً في هولندا وتصيب 9 بينهم 3 بجروح خطيرة

عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

سيارة تدهس حشداً في هولندا وتصيب 9 بينهم 3 بجروح خطيرة

عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)

قالت الشرطة إن سيارة اندفعت نحو حشد من الأشخاص الذين كانوا ينتظرون مشاهدة عرض في مدينة بشرق هولندا، مساء اليوم الاثنين، ما أسفر عن إصابة تسعة أشخاص، ثلاثة منهم على الأقل إصاباتهم خطيرة.

وأوضحت شرطة جيلدرلاند، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن الحادث لا يبدو متعمداً في الوقت الحالي، لكنها فتحت تحقيقاً.

وكان الناس ينتظرون مشاهدة عرض لمركبات مزينة بأضواء عيد الميلاد في مدينة نونسبيت، الواقعة على بعد نحو 80 كيلومتراً شرق أمستردام.

وقالت بلدية إلبورج المجاورة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن العرض توقف بعد الحادث.

وقال رئيس البلدية يان ناثان روزندال في بيان: «ما كان ينبغي أن يكون لحظة تضامن انتهى بقلق وحزن كبيرين».

وأضافت الشرطة أن السائقة، وهي امرأة (56 عاماً) من نونسبيت، أصيبت بجروح طفيفة، وتم توقيفها «كما هو معتاد في حوادث المرور الخطيرة»، دون تقديم مزيد من التفاصيل.


أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
TT

أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)

قالت القوات الأوكرانية إنها رصدت جنوداً روساً يمتطون الخيول قرب خط المواجهة، في مؤشر على الأساليب الارتجالية التي تستخدم في ساحة المعركة.

ونشر اللواء الهجومي 92 التابع للجيش الأوكراني، اليوم الاثنين، مقطع فيديو يظهر على ما يبدو عدداً من الجنود الروس يتنقلون على ظهور الخيل أو البغال، ويتعرضون لهجمات بطائرات مسيرة صغيرة، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وقال اللواء 92، في منشور عبر تطبيق «تلغرام»، «يخسر المحتلون الروس معداتهم بسرعة كبيرة في هجماتهم المباشرة التي لا توفر سوى فرص ضئيلة للنجاة، إلى درجة أنهم باتوا مضطرين للتحرك على ظهور الخيل».

لقطة من فيديو نشرته القوات الأوكرانية تظهر ما يبدو وكأنه جندي روسي يمتطي جواداً ويحاول عبور منطقة مفتوحة قبل أن تصيبه طائرة مسيرة

وقال محللون إنه من المرجح أنه تم تصوير مقطع الفيديو في منطقة دنيبروبيتروفسك جنوبي البلاد، على الرغم من عدم إمكانية التحقق من الموقع بشكل مستقل.

وبحسب ما يظهر في اللقطات، كان الجنود الروس يحاولون عبور حقل واسع ومفتوح بأسرع ما يمكن.

وتعتمد القوات الروسية بشكل متزايد على مجموعات هجومية صغيرة للتقدم بسرعة نحو المواقع الأوكرانية ثم محاولة التحصن فيها. وأظهرت مقاطع فيديو سابقة جنوداً روساً يستخدمون دراجات نارية مخصصة للطرق الوعرة، ودراجات رباعية الدفع، ودراجات كهربائية كوسيلة للتنقل.

كما شوهد جنود أوكرانيون يستخدمون الدراجات الجبلية الكهربائية والدراجات النارية للتنقل بسرعة عبر ساحة المعركة.


شبهات «تجسس ألماني» أجبرت مدير مدرسة ملك بريطانيا على مغادرة اسكوتلندا

كورت هان (ويكيبيديا)
كورت هان (ويكيبيديا)
TT

شبهات «تجسس ألماني» أجبرت مدير مدرسة ملك بريطانيا على مغادرة اسكوتلندا

كورت هان (ويكيبيديا)
كورت هان (ويكيبيديا)

كشفت وثائق حكومية بريطانية رُفعت عنها السرّية مؤخراً، أن كورت هان، مؤسس مدرسة «غوردونستون» الشهيرة التي تلقّى فيها الملك تشارلز تعليمه في شبابه، خضع لمراقبة دقيقة من جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني (MI5)، على خلفية تقارير وُصفت آنذاك بـ«المقلقة»، شككت في ولائه لبريطانيا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وفقاً لصحيفة «التايمز».

وتُظهر الملفات، التي كان مقرراً الإبقاء عليها سرية حتى عام 2046، أن هان أُجبر فعلياً على مغادرة اسكوتلندا عام 1940، بعد اتهامات رسمية بأنه قد يكون «جاسوساً ألمانياً خطيراً»، في واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في تاريخ التعليم البريطاني الحديث.

وكان هان، المولود في ألمانيا، يُشاد به بوصفه مربياً رائداً وصاحب رؤية تربوية ثورية، إذ أسس مدرسة «غوردونستون» عام 1934 في مقاطعة موراي شمال شرقي اسكوتلندا، بعدما اضطر إلى مغادرة بلاده بسبب انتقاداته العلنية لهتلر. ولاحقاً، استضافت المدرسة ثلاثة أجيال من العائلة المالكة البريطانية، من بينهم الأمير فيليب، دوق إدنبرة، والملك تشارلز.

غير أن اندلاع الحرب العالمية الثانية أعاد فتح ملف ولاء هان، وسط تصاعد المخاوف من غزو نازي محتمل للسواحل الاسكوتلندية. وتكشف مراسلات رسمية أن الدعوة إلى التحقيق معه، قادها توماس كوبر، المدعي العام الاسكوتلندي آنذاك، إلى جانب جيمس ستيوارت، نائب كبير منسقي الانضباط الحزبي لرئيس الوزراء ونستون تشرشل.

وفي رسالة بعث بها كوبر إلى وزارة الداخلية في يونيو (حزيران) 1940، قال إن «الملف المُعد ضد هان، ربما يكون أخطر من أي ملف آخر»، مضيفاً أن جهاز «MI5»؛ «يعرف كل شيء عن هذا الرجل»، وأنه «إما جاسوس خطير أو عميل بريطاني».

واتهم كوبر مدرسة «غوردونستون» بأنها تشكّل موقعاً مثالياً للتجسس، نظراً لموقعها المشرف على خليج موراي، وقربها من مطارات ومحطة لاسلكية، فضلاً عن امتلاكها تجهيزات اتصالات مكثفة وعدداً كبيراً من أجهزة الاستقبال اللاسلكي. كما أشار إلى وجود عدد كبير من الألمان ضمن طاقم المدرسة، بعضهم ضباط سابقون في الجيش الألماني.

وأضاف أن مراقبة هواتف المدرسة خلال شتاء 1939 - 1940 كشفت عن مكالمات بعيدة المدى تتناول موضوعات تبدو «تافهة» عن الزراعة والماشية، لكنها، بحسب تقديره، كانت رسائل «مشفّرة».

وفي السياق نفسه، بعث جيمس ستيوارت برسالة إلى وزير الأمن الداخلي، السير جون أندرسون، متسائلاً عن إمكانية نقل المدرسة إلى «منطقة أقل حساسية». وجاء الرد أن هان يعتزم نقل المؤسسة إلى ويلز، وهو ما تم بالفعل في يوليو (تموز) 1940، «لتهدئة المخاوف المحلية»، وفق تعبير الوزارة.

وتضم الملفات أيضاً رسالة من مدير مدرسة مجاورة، اتهم فيها هان باستقبال نازي ألماني كان يتردد ليلاً على المدرسة، ويقوم بجولات تصوير للساحل الاسكوتلندي ومنشآت حيوية قريبة.

وعلى الرغم من كل تلك الشبهات، تُظهر السجلات الأمنية اللاحقة أن أجهزة الاستخبارات لم تعثر على أي دليل يثبت تورط هان في نشاط معادٍ لبريطانيا. وخلص تقرير رسمي لوزارة الداخلية إلى أنه «لا يوجد ما يبرر القلق»، مؤكداً أن هان «معجب بالمؤسسات البريطانية» ولا يكنّ أي عداء للبلاد.

كما تكشف الوثائق أن هان كان يزوّد مكتب الدعاية البريطاني بمعلومات بشكل غير رسمي، من دون علم وزارة الداخلية أو جهاز «MI5»، ما يرجّح أنه كان أقرب إلى متعاون غير معلن منه إلى مشتبه به حقيقي.

وإلى جانب الجدل الأمني، تسلّط الوثائق الضوء على فلسفة هان التربوية المثيرة للجدل، التي قامت على ما وصفه بـ«مختبر تربوي» قاسٍ، شمل تعريض التلاميذ لظروف بدنية شديدة؛ مثل الجري حفاة في الثلج، والاستحمام بالماء البارد، والتدريب البدني الصارم، في إطار إيمانه بأن «قوة الطفولة الروحية» يمكن الحفاظ عليها ومنع «تشوّه المراهقة».

وكان الأمير فيليب من أبرز المدافعين عن هان، واستلهم لاحقاً أفكاره في تأسيس «جائزة دوق إدنبرة». في المقابل، لم يُخفِ الملك تشارلز استياءه من سنوات دراسته في «غوردونستون»، واصفاً إياها لاحقاً بأنها «سجن بلباس اسكوتلندي».

وتوفي كورت هان عام 1974 عن عمر ناهز 88 عاماً في ألمانيا، بينما لا تزال مدرسته تواجه إرثاً مثقلاً بالانتقادات؛ ففي العام الماضي، قدمت «غوردونستون» اعتذاراً رسمياً بعد تحقيق اسكوتلندي خلص إلى وجود «ثقافة مروّعة من الإساءة والعنف» داخل المدرسة قبل عام 1990.