ترمب أتقن مخاطبة الإسرائيليين وتدخل بشؤونهم الداخلية

طلب من رئيس المعارضة الانضمام إلى الحكومة ومن الرئيس العفو عن نتنياهو

TT

ترمب أتقن مخاطبة الإسرائيليين وتدخل بشؤونهم الداخلية

ترمب يلوّح بيده للحاضرين بعد إلقائه كلمة في الكنيست الإسرائيلي بالقدس الاثنين (أ.ف.ب)
ترمب يلوّح بيده للحاضرين بعد إلقائه كلمة في الكنيست الإسرائيلي بالقدس الاثنين (أ.ف.ب)

إذا كان ممكناً تلخيص خطاب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أمام الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، لقلنا بثقة أنه يعرف كيف يخاطب الإسرائيليين، «لدرجة أنه تدخل في الشؤون الداخلية الإسرائيلية بطريقة لم يسمح لنفسه رئيس سابق في التاريخ». وهو أوضح عملياً ما هي «خريطة الطريق» التي يضعها لمنطقة الشرق الأوسط: ضمان أن يبقى بنيامين نتنياهو رئيس حكومة قوياً، بلا محاكمة وبلا معارضة، ليسير معه في خطته لتحقيق سلام شامل.

لقد حاول نتنياهو ورئيس الكنيست، أمير أوحانا، ورئيس المعارضة، يائير لبيد، الذين سبقوا ترمب في إلقاء الخطاب، إعادة الرئيس الأميركي إلى 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وكأن التاريخ بدأ هناك ووقف هناك. فتحدثوا عن الحرب ضد من خرجوا إلى حرب لإبادة إسرائيل والبطولات في الدفاع وفي الهجوم المرتد، حتى رئيس المعارضة، لبيد، تكلم عن القتال والبطولات، ولو أنه خفف من منسوب معارضته للحكومة. ما عدَّه ترمب نفسه «معارضة ناعمة».

ترمب يهمس بأذن نتنياهو في الكنيست الإسرائيلي بالقدس الاثنين (رويترز)

وعندما تسلم ترمب الميكروفون، راح يذكّرهم بأن بلاده ساندتهم بالقوة العسكرية وبمليارات الدولارات، وبأنه صادق على كل طلب من نتنياهو بتزويده بالأسلحة المميزة. بل إنه قال: «حاربنا معاً». ثم انتقل إلى الموضوع الجوهري: «السلام ومستلزماته». وأوضح لهم أنهم يتكلمون في الماضي، وهو يتكلم في المستقبل. ورسم لهم الصورة الوردية التي ستنقل إسرائيل إلى عصر ذهبي من السلام والازدهار، اقتصادياً وعلمياً وأماناً وجواراً حسناً مع الجيران «وهم مستعدون لهذا السلام مع إسرائيل»، ثم عرض عليهم «خريطة طريق» لهذا السلام.

وأذهل ترمب الإسرائيليين في مدى فهمه للصراعات الإسرائيلية والتجاذبات السياسية فيها، واستسخافه سلم أولوياتهم. فإذا كانوا يعدّون محاكمة نتنياهو بتهم الفساد (الاحتيال وخيانة الأمانة والرشى)، ركناً من الأركان الديمقراطية وسلطة القانون، قال لهم إن هذه التهم سخيفة. فكل ما في الأمر أن نتنياهو تلقى هدايا من «الشمبانيا والسيجار التافهين» (في إسرائيل يعدونهما فاخرين). وتوجّه من على منصة الكنيست إلى الرئيس الإسرائيلي، يتسحاك هيرتسوغ، الذي كان يجلس إلى يساره: «أنا عندي فكرة. لماذا لا تصدر أمراً بالعفو عن نتنياهو؟». وهذه الجملة هي التي اختارتها معظم وسائل الإعلام العبرية عنواناً لتقاريرها عن الخطاب.

ترمب يتحدث مع زعيم المعارضة يائير لبيد في الكنيست الإسرائيلي بالقدس الاثنين (أ.ف.ب)

بالطبع ترمب يعرف بالضبط ما هي أحكام القانون الإسرائيلي، وكان قد توجه في مرة سابقة إلى هيرتسوغ طالباً العفو عن نتنياهو. لكنه استغل فرصة الخطاب التاريخي، بطريقة بدا فيها أنه خرج عن النص وكسر القوالب الدبلوماسية ووضع الطلب في رأس الأجندة الإسرائيلية. ولكي يعطي لحماً لهذا الهيكل العظمي راح يعدّد صفات نتنياهو «المبدع في إدارة الحرب» و«البطل القومي» و«القادر على صنع الحرب وصنع السلام».

بعدها توجّه إلى لبيد ونتنياهو، وطلب منهما التعاون، وطلب بشكل غير مباشر، عملياً، أن يحكما معاً في إسرائيل، أي أن ينضم لبيد إلى الحكومة. فالرئيس ترمب يعرف أنه إذا أراد أن يحدِث انعطافاً نحو السلام، فإن حليفي نتنياهو من اليمين المتطرف سيقفان حجر عثرة وسيسقطان الحكومة؛ إذ إن لديهما 14 نائباً في الائتلاف المكون من 68 نائباً. بينما يوجد للبيد الآن 24 نائباً. فإذا انسحبا من الحكومة يستطيع نتنياهو أن يقود مع لبيد حكومة بأكثرية 78 نائباً (من مجموع 120). وربما ينضم أيضاً حزب غانتس فيصبح للحكومة 86 نائباً. وإذا اختارت التوصل إلى اتفاق سلام ستحظى أيضاً بدعم حزب العمل (4 نواب) وحتى الأحزاب العربية (10 نواب)، أي أكثرية 100 نائب.

النائب العربي يرفع ورقة كُتب عليها: «اعترف بفلسطين» خلال إلقاء ترمب كلمته الاثنين (أ.ف.ب)

إذن، ومن وجهة نظر ترمب المدروسة جيداً وغير الارتجالية أبداً، لا يبقى سوى أن يقرر نتنياهو السير في هذا المسار؛ ما سيتيح لترمب إبرام «صفقة القرن» المتجددة لعملية السلام في الشرق الأوسط، التي تستفيد من أخطاء صفقة 2018 وتستند إلى مبادرة السلام العربية.

لقد كان واضحاً أن قادة اليمين الراديكالي في إسرائيل لم يحبوا كلام ترمب. إنهم يخافون من أن ينجح الرئيس الأميركي في خطف نتنياهو منهم. وفي اليسار الراديكالي، قرروا التنغيص على ترمب هذا الاحتفال وبغياب العنصر الفلسطيني عن خطابه، قام النائبان أيمن عودة وعوفر كاسيف من «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة» برفع لافتة تقول لترمب: «اعترف بفلسطين». وأمر رئيس الكنيست الحراس: «أخرجوهما فوراً من القاعة». وأخرجوهما فعلاً. وعلق ترمب على ذلك قائلاً: «عمل ناجع».

أعضاء الكنيست الإسرائيلي يصفقون وقوفاً لترمب خلال إلقائه كلمته الاثنين (أ.ف.ب)

أكثرية الإسرائيليين تأثرت بخطاب الرئيس ترمب. فقد غزا قلوب الكثيرين، بمن في ذلك الذين شعروا بالضيق من فظاظة تدخله بالشؤون الداخلية. وما من شك في أن قسماً غير قليل منهم تمنى لو كان ترمب رئيساً لحكومة إسرائيل. فهم يخافون الحرب ويخافون السلام ويحتاجون إلى قائد قوي لا يخاف من التغيير.


مقالات ذات صلة

«حرب على الأمومة»... كيف أصبحت النساء الحوامل والأطفال أهدافاً في النزاعات؟

العالم امرأة فلسطينية تبكي وهي تحمل طفلاً رضيعاً قُتل في غارة إسرائيلية بمدينة غزة (أ.ف.ب)

«حرب على الأمومة»... كيف أصبحت النساء الحوامل والأطفال أهدافاً في النزاعات؟

كشف تحقيق جديد عن مستوى غير مسبوق من العنف يطول النساء الحوامل والأطفال حديثي الولادة، في ظل النزاعات المشتعلة حول العالم.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (رويترز)

مقتل فلسطيني بقصف لمسيرة إسرائيلية شرق غزة

قُتل مواطن فلسطيني، اليوم الاثنين، برصاص القوات الإسرائيلية على أثر استهدافه في شرق مدينة غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة )
شؤون إقليمية عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة بحثاً عن جثث فلسطينيين يوم السبت (إ.ب.أ)

للمرة العاشرة... حكومة نتنياهو تطلب تمديد منع دخول الصحافة الأجنبية إلى غزة

للمرة العاشرة على التوالي، تقدَّمت الحكومة الإسرائيلية بطلب للمحكمة العليا لتمديد مهلة الرد على التماس «رابطة الصحافيين الأجانب»؛ للسماح بالدخول الحر لقطاع غزة.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي أطفال ينتظرون الحصول على نصيبهم من الطعام بمخيم النصيرات في غزة (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: ندعو لدخول الإمدادات والمعدات الطبية الأساسية لغزة

رحب مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الأحد، بالتقدم الذي أُحْرِزَ بشأن المجاعة في غزة، لكنه أوضح أن هذا التقدم لا يزال هشاً للغاية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية سيدات فلسطينيات أمام جنود إسرائيليين يعتقلون مواطنين في مخيم نور شمس بالضفة الغربية (أ.ف.ب)

تقرير: إسرائيل تسمح للآلاف من جنود الاحتياط بالاحتفاظ ببنادق في منازلهم

يستعدّ الجيش الإسرائيلي لتسليح نحو 10 آلاف جندي احتياطي من الفرقة 96 ببنادق طويلة تُحفظ في منازلهم على مدار العام

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

إيران تبدأ مناورات صاروخية واسعة النطاق

صورة نشرتها وكالة «نور نيوز» التابعة للمجلس الأعلى للأمن القومي من مناورات صاروخية لم تحدد موقعها
صورة نشرتها وكالة «نور نيوز» التابعة للمجلس الأعلى للأمن القومي من مناورات صاروخية لم تحدد موقعها
TT

إيران تبدأ مناورات صاروخية واسعة النطاق

صورة نشرتها وكالة «نور نيوز» التابعة للمجلس الأعلى للأمن القومي من مناورات صاروخية لم تحدد موقعها
صورة نشرتها وكالة «نور نيوز» التابعة للمجلس الأعلى للأمن القومي من مناورات صاروخية لم تحدد موقعها

أفادت وسائل إعلام إيرانية ببدء اختبار صاروخي في عدة محافظات من البلاد.

ونقلت وكالة «فارس»، التابعة لـ«الحرس الثوري»، عن مشاهدات ميدانية وتقارير واردة من مواطنين وقوع اختبار صاروخي في نقاط مختلفة من إيران.

ووفق التقارير، شُوهدت صواريخ في كل من خرم‌ آباد مركز محافظة لرستان، ومهاباد بمحافظة كردستان الغربية (غرب)، وأصفهان، وطهران (وسط)، ومشهد مركز محافظة خراسان شمال شرقي البلاد.


ساعر يدعو اليهود للانتقال إلى إسرائيل بعد هجوم سيدني

وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)
TT

ساعر يدعو اليهود للانتقال إلى إسرائيل بعد هجوم سيدني

وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)
وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر (د.ب.أ)

دعا وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، أمس الأحد، اليهود في الدول الغربية إلى الانتقال إلى إسرائيل؛ هرباً من تصاعد معاداة السامية، بعد أسبوع من مقتل 15 شخصاً بإطلاق نار في فعالية لمناسبة عيد حانوكا على شاطئ بونداي في سيدني.

وقال ساعر، خلال فعالية عامة لإضاءة الشموع لمناسبة اليوم الأخير من عيد حانوكا: «يحق لليهود العيش بأمان في كل مكان، لكننا نرى ونفهم تماماً ما يحدث، ولدينا تجربة تاريخية معينة. اليوم، يتعرض اليهود للاضطهاد في كل أنحاء العالم».

وأضاف، في الفعالية التي شارك فيها قادة المجتمعات والمنظمات اليهودية في أنحاء العالم: «أدعو، اليوم، اليهود في إنجلترا، واليهود في فرنسا، واليهود في أستراليا، واليهود في كندا، واليهود في بلجيكا: تعالوا إلى أرض إسرائيل! عودوا إلى الديار!».

ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، التي اندلعت بعد هجوم حركة «حماس» على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، يندّد القادة الإسرائيليون بتصاعد معاداة السامية في الدول الغربية، ويتّهمون حكوماتها بالفشل في محاربتها.

وقالت السلطات الأسترالية إن الهجوم، الذي وقع في 14 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، على فعالية لمناسبة عيد «حانوكا» على شاطئ بونداي في سيدني، كان مُستوحى من آيديولوجية تنظيم «داعش».

ويوم الثلاثاء، حضَّ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الحكومات الغربية على توفير حماية أفضل لمُواطنيها اليهود.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اتهم ساعر السلطات البريطانية بالفشل في اتخاذ إجراءات للحد من «موجة سامة من معاداة السامية»، عقب هجوم خارج كنيس يهودي بمانشستر في يوم الغفران أسفر عن مقتل شخصين وإصابة أربعة آخرين.

ووفق «قانون العودة» الإسرائيلي لعام 1950، يحق لأي يهودي في العالم الاستقرار في إسرائيل، والحصول على الجنسية الإسرائيلية. وينطبق القانون أيضاً على الأفراد الذين لديهم جَدّ يهودي واحد على الأقل.


إيران: برنامجنا الصاروخي دفاعيّ وليس قابلاً للتفاوض

صواريخ باليستية إيرانية تُرى خلال عرض عسكري في طهران (أرشيفية - رويترز)
صواريخ باليستية إيرانية تُرى خلال عرض عسكري في طهران (أرشيفية - رويترز)
TT

إيران: برنامجنا الصاروخي دفاعيّ وليس قابلاً للتفاوض

صواريخ باليستية إيرانية تُرى خلال عرض عسكري في طهران (أرشيفية - رويترز)
صواريخ باليستية إيرانية تُرى خلال عرض عسكري في طهران (أرشيفية - رويترز)

قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، اليوم الاثنين، إن البرنامج الصاروخي الإيراني دفاعيّ وليس قابلاً للتفاوض.

وأضاف، في مؤتمر صحافي: «لا مجال للنقاش، بأي حال من الأحوال، بشأن القدرات الدفاعية الإيرانية، المصمَّمة لردع المعتدين عن مهاجمة إيران». 

كانت وسائل إعلام أميركية قد أشارت إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب سيستمع إلى إفادة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشير إلى أن أي توسع في برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني يشكل تهديداً قد يستدعي تحركاً سريعاً.

الحرس الثوري الايراني يطلق صواريخ خلال مناورة عسكرية في مضيق هرمز جنوب البلاد (إ.ب.أ)

وكانت مصادر أمنية إسرائيليةقد صرحت إن هناك عدة إشارات تدل على أن إيران بدأت تتحرك من جديد باتجاه إحياء مشروعها النووي، مع أنها لم تستأنف بعدُ تخصيب اليورانيوم. فهناك حركة دائمة في الأسابيع الأخيرة حول المفاعلات النووية التي تم تدميرها في الحرب الإسرائيلية الأميركية عليها، وفقا لما ذكرته صحيفة «معاريف» العبرية.

وأضافت المصادر أن هناك جهوداً هستيرية لإنتاج الصواريخ الباليستية، التي تبلغ بمعدل 3000 صاروخ في الشهر. ومع أن هذه الصواريخ تعتبر من الجيل القديم عديم الدقة، التي يمكن إسقاطها قبل أن تصل إلى أهدافها، فإن ما يصل منها إلى هدفه كافٍ لأن يُحدث دماراً خطيراً.

وصرح وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي،أمس إن طهران «لا تستبعد» احتمال تعرضها لهجوم جديد، لكنها «مستعدة بالكامل، وأكثر من السابق»، مشدداً على أن الجاهزية تهدف إلى منع الحرب لا الترحيب بها، وأن إيران أعادت بناء ما تضرر خلال هجمات يونيو (حزيران) الماضي.

عراقجي وفريقه على هامش الجولة الأولى بعد المحادثات «غير المباشرة» مع الوفد الأميركي في مسقط يوم 12 أبريل (أرشيفية-أ.ف.ب)

قبل الهجمات على منشآتها النووية، كانت إيران تخصّب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة، القريبة من مستوى الاستخدام العسكري، وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران كانت تمتلك نحو 441 كيلوغراماً من هذه المادة عند اندلاع الحرب، قبل أن يتعذر عليها التحقق من المخزون منذ 13 يونيو.

وتؤكد الدول الغربية عدم وجود حاجة مدنية إلى هذا المستوى من التخصيب، فيما تقول «الوكالة الذرية» إن إيران هي الدولة الوحيدة غير الحائزة لسلاح نووي التي تخصب اليورانيوم عند نسبة 60 في المائة.