هل انتهى موسم استثمار الحوثيين مأساة غزة؟

توقعات بسعيهم لإقحام البلاد في صراع جديد

الحوثيون استخدموا أحداث غزة لقمع المطالبين بالمرتبات وكسب المزيد من الأتباع (أ.ف.ب)
الحوثيون استخدموا أحداث غزة لقمع المطالبين بالمرتبات وكسب المزيد من الأتباع (أ.ف.ب)
TT

هل انتهى موسم استثمار الحوثيين مأساة غزة؟

الحوثيون استخدموا أحداث غزة لقمع المطالبين بالمرتبات وكسب المزيد من الأتباع (أ.ف.ب)
الحوثيون استخدموا أحداث غزة لقمع المطالبين بالمرتبات وكسب المزيد من الأتباع (أ.ف.ب)

مع بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بدت الجماعة الحوثية في حالة ارتباك وتوجس من المرحلة المقبلة، وسط مؤشرات على سعيها لإيجاد مبررات جديدة لاستمرار التصعيد العسكري في البحر الأحمر، وتجنّب مواجهة الغضب الشعبي المتصاعد في مناطق سيطرتها نتيجة تفاقم الأزمة المعيشية وتوقف المساعدات الإنسانية.

فإلى ما قبل عامَيْن، كانت الجماعة تواجه أوسع حركة احتجاج منذ انقلابها على الحكومة الشرعية في نهاية عام 2014، عندما قاد نادي المعلمين والنقابات الموازية مظاهرات، مطالبة بصرف الرواتب وتحسين الأوضاع المعيشية.

غير أن اندلاع الحرب في غزة شكّل طوق نجاة للجماعة التي قمعت المحتجين بتهمة «التعاون مع إسرائيل» و«الانشغال عن نصرة الفلسطينيين»، مستثمرة التعاطف الشعبي مع مأساة غزة لتثبيت قبضتها الأمنية وتبرير فشلها الاقتصادي والإداري.

خلال عامين استغل الحوثيون حرب غزة لتجنيد وتعبئة عشرات الآلاف (إ.ب.أ)

ومع بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار، لا يبدو أن الحوثيين سيتخلّون بسهولة عن هذا الاستثمار السياسي والإعلامي؛ فقد وضع زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، ما يمكن وصفها بـ«اشتراطات» لوقف الهجمات على الملاحة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن واستهداف إسرائيل، محذراً مما سمّاه «جولات إسرائيلية جديدة بعد الاتفاق».

وقال الحوثي، في خطابه الأخير، إن جماعته لا تعلم «ما إذا كانت الاعتداءات الإسرائيلية على المنطقة ستتوقف أو تستمر»، في إشارة فُسرت على نطاق واسع بأنها تمهيد لمرحلة جديدة من التصعيد، وربما لاستخدام التهدئة في غزة ذريعة لإشعال جبهة أخرى.

فزع داخلي ومبررات جديدة

يرى سكان في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء أن حديث الحوثي يعكس نية مبيّتة للبحث عن مبرر جديد لإقحام البلاد في صراع إقليمي للهروب من الاستحقاقات الداخلية، فوفقاً لبيانات الأمم المتحدة، يواجه نحو 3 ملايين شخص في مناطق سيطرة الجماعة خطر الجوع بعد توقف المساعدات الإنسانية بسبب نقص التمويل واستهداف العاملين الإغاثيين من قِبل الحوثيين.

وقال منصور (اسم مستعار لسياسي كبير في صنعاء) لـ«الشرق الأوسط»، إن حديث زعيم الحوثيين عن احتمال استئناف إسرائيل لعدوان جديد، واشتراطه وقف الضربات على اليمن والمنطقة شرطاً لإنهاء هجماته في البحر الأحمر؛ «خلّف حالة من الإحباط لدى قطاع واسع من السكان».

حشد في صنعاء دعا إليه زعيم الجماعة الحوثية تعبيراً عن الاحتفال بوقف النار في غزة (رويترز)

ويضيف أن اليمنيين في مناطق الجماعة «كانوا يأملون أن يفتح اتفاق غزة باباً لتسوية سياسية داخلية تضع حداً لمعاناتهم الممتدة منذ أكثر من 10 سنوات، لكنهم فوجئوا بخطاب يشي باستعداد الحوثيين لإطالة أمد الحرب تحت مبررات جديدة».

ويتابع «منصور» بالقول إن «تأكيد الحوثي استمرار الجهوزية والحذر يعكس فزع الجماعة من انتهاء الأسباب التي بررت صراعاتها الخارجية، ويكشف تصميمها على استثمار التعاطف الشعبي مع الفلسطينيين لتبرير استمرار القمع والجباية وحرمان الموظفين من رواتبهم».

خوف من صراع جديد

من جانبها، تؤكد «منى» (اسم مستعار لناشطة من صنعاء) لـ«الشرق الأوسط» أن الخطاب الحوثي الأخير «أصابها بخيبة أمل كبيرة»، مضيفة أن «الناس كانوا يتطلعون إلى انفراجة قريبة بعد اتفاق غزة، لكن الحوثيين يبدون كمن يبحث عن ذريعة جديدة لإشعال الحرب».

وترى أن «هناك تناغماً واضحاً بين خطاب الحوثيين وتصريحات بعض المسؤولين الإيرانيين الذين قالوا إن انتهاء الحرب في غزة سيعني انتهاء الهدنة في مكان آخر، في إشارة إلى احتمال نقل التوتر إلى اليمن ولبنان والعراق».

وتضيف منى أن حديث الحوثي عن «استمرار المؤامرات والأطماع الأميركية والإسرائيلية» و«امتداد المعركة إلى كل الأمة»، يشير إلى أن الجماعة تستعد لأداء دور جديد في المنطقة بالنيابة عن طهران، في وقت يرزح فيه ملايين اليمنيين تحت خط الفقر ويُحرمون من الخدمات الأساسية والرواتب منذ سنوات.

توظيف الأزمات الخارجية

يقدم المحلل السياسي أحمد محمود رؤية مغايرة؛ إذ يرى أن خطاب الحوثي ليس سوى استمرار لنهج توظيف الأزمات الخارجية لخدمة بقاء الجماعة في الداخل.

ويقول إن الحوثيين «كانوا قبل أحداث غزة يواجهون موجات من الغضب الشعبي بسبب إضراب المعلمين وفضائح الفساد ونهب الإيرادات العامة، لكنهم استخدموا الحرب في غزة ذريعة لقمع تلك الاحتجاجات واعتقال المئات من الناشطين».

ويضيف أن الجماعة «برعت في استخدام لغة العداء لإسرائيل والولايات المتحدة لتصفية خصومها ووصم أي صوت معارض بالخيانة والعمالة».

بذريعة إعاقة مناصرة غزة اعتقل الحوثيون آلاف اليمنيين خلال العامين الماضيين (أ.ف.ب)

ويحذر محمود من أن الحوثيين «سيبحثون الآن عن مبرر جديد للبقاء في حالة حرب؛ لأن أي تهدئة حقيقية ستعني انكشافهم أمام الشعب الذي يئن تحت وطأة الجوع والفقر، وقد تشهد مناطقهم انفجاراً شعبياً غير مسبوق إذا لم يجدوا ذريعة خارجية لتبرير فشلهم».

ويشير إلى أن اعتقال العشرات من موظفي الأمم المتحدة خلال الأشهر الماضية والسيطرة على مكاتبها في صنعاء وصعدة أدى إلى توقف معظم الأنشطة الإغاثية، وهو ما يفاقم الأزمة الإنسانية ويزيد من عزلة الجماعة أمام المجتمع الدولي.

ومع تزايد المخاوف من انخراط الحوثيين في صراع إقليمي جديد مع تصاعد التوتر الإيراني-الأميركي، كان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، تومي بيغوت، أكد أن بلاده «تسعى إلى ممارسة أقصى ضغط على إيران وتستهدف (قوة القدس) التابعة لـ(الحرس الثوري) والمجموعات الموالية لها في المنطقة».

وأشار إلى أن هذه الجماعات، بما فيها تلك التي تنشط في العراق واليمن ولبنان، «تُقوّض سيادة الدول وتشن هجمات على المصالح الأميركية».


مقالات ذات صلة

إشادة سعودية بالاتفاق اليمني في مسقط لتبادل المحتجَزين

العالم العربي اتفاق بين الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية في مسقط على تبادل 2900 محتجَز وأسير (إكس)

إشادة سعودية بالاتفاق اليمني في مسقط لتبادل المحتجَزين

وسط ترحيب دولي ومحلي أشادت السعودية بالاتفاق اليمني في مسقط لتبادل المحتجَزين والأسرى وقالت إن ذلك يعزز جهود التهدئة وبناء الثقة

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

العليمي يجدد التحذير من مخاطر إجراءات «الانتقالي» الأحادية

جدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي من خطورة الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي حضرموت والمهرة

«الشرق الأوسط» (جدة)
الخليج جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

السعودية تُرحب بـ«اتفاق مسقط» لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن

رحبت السعودية بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، وعدته خطوةً مهمةً تُسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
العالم العربي مُوالون للمجلس الانتقالي الجنوبي بمحافظة لحج شمال عدن (أ.ف.ب)

وزارات يمنية ترفض بيانات «الانتقالي» وتؤكد التزامها بإعلان نقل السلطة

رفضت وزارات بالحكومة اليمنية سلسلة البيانات المنسوبة إليها أو إلى موظفين فيها، والتي تحدثت عن انحياز مؤسسات حكومية لصالح المجلس الانتقالي الجنوبي.

«الشرق الأوسط» (جدة)
العالم العربي جانب من المشاركين في مشاورات مسقط بشأن المحتجزين والأسرى اليمنيين (إكس)

صفقة يمنية ضخمة في مسقط لتبادل 2900 أسير ومحتجز

توصلت الحكومة اليمنية إلى اتفاق مع الحوثيين يقضي بالإفراج عن نحو 2900 محتجز وأسير من الطرفين، في إطار الجولة العاشرة من المشاورات التي استضافتها مسقط.

«الشرق الأوسط» (عدن)

الرئيس الفلسطيني: ماضون في تنفيذ برنامج إصلاحي شامل

الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز)
TT

الرئيس الفلسطيني: ماضون في تنفيذ برنامج إصلاحي شامل

الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز)
الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز)

قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في بيان اليوم (الأربعاء) إن السلطة ماضية في تنفيذ برنامج إصلاحي وطني شامل يهدف إلى تطوير وتحديث المنظومة القانونية والمؤسسية.

وذكر البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الفلسطينية، أن البرنامج الإصلاحي يشمل «مراجعة وتحديث القوانين الناظمة للحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها القوانين المتعلقة بالحوكمة المالية، والإدارة العامة، والقضاء، ومكافحة الفساد، وتعزيز استقلالية المؤسسات الرقابية».

وأكد عباس الالتزام باستكمال الإصلاح الدستوري والسياسي «بما في ذلك العمل على إعداد الأطر الدستورية اللازمة للانتقال المنظم من مرحلة السلطة الوطنية إلى مرحلة الدولة».

الرئيس الفلسطيني محمود عباس (رويترز)

كما أكد الرئيس الفلسطيني العمل على «تحديث قوانين الانتخابات، وإصدار قانون عصري للأحزاب السياسية على أسس ديمقراطية واضحة، تضمن الالتزام بالبرنامج السياسي لـ(منظمة التحرير الفلسطينية)، وبالشرعية الدولية، ومبدأ حل الدولتين، والقانون الواحد، والسلاح الشرعي الواحد».

وندد عباس في بيانه بما وصفها بأنها «نقاشات وحملات على بعض منصات التواصل الاجتماعي، وما يرافقها أحياناً من تحريض وتشويه للحقائق»، داعياً إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية وصون السلم الأهلي.

وتابع بالقول: «الحفاظ على وحدتنا الوطنية وصون السلم الأهلي والمجتمعي وحماية مؤسساتنا الشرعية، تشكل ركائز أساسية لمواجهة الاحتلال ومخططاته العدوانية، ولا يجوز السماح لأي خطاب تحريضي أو تشهيري بأن يشتت بوصلتنا الوطنية أو يضعف جبهتنا الداخلية».

وحث عباس الفلسطينيين على «التحلي بروح المسؤولية الوطنية، والالتزام بخطاب عقلاني جامع يحترم القانون والحقائق، والاحتكام إلى الأطر الشرعية والدستورية، وتغليب المصلحة الوطنية العليا فوق أي اعتبارات أخرى».


الشيباني: العلاقات السورية الروسية تدخل عهداً جديداً

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق بموسكو (أ.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق بموسكو (أ.ب)
TT

الشيباني: العلاقات السورية الروسية تدخل عهداً جديداً

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق بموسكو (أ.ب)
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء سابق بموسكو (أ.ب)

أكد وزير الخارجية والمغتربين السوري، أسعد الشيباني، أن العلاقات السورية الروسية تدخل عهداً جديداً مبنياً على الاحترام المتبادل.

وقال الشيباني خلال اجتماعه مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو: «مستمرون في إعادة إعمار سوريا بإرادة وطنية خالصة، ونطمح إلى أن تكون علاقاتنا مع الجميع متوازنة». وأضاف: «نعمل على جلب الاستثمارات إلى داخل سوريا لتحسين الوضع الاقتصادي».

من جلسة مفاوضات بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الروسي سيرغي لافروف بمقر وزارة الخارجية الروسية في موسكو يوليو الماضي (د.ب.أ)

من جانبه، أشار لافروف إلى أن الاجتماع ناقش مختلف القضايا، مشدداً على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين.


اختفاء ضابط لبناني على صلة بملف رون آراد

دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)
دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)
TT

اختفاء ضابط لبناني على صلة بملف رون آراد

دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)
دبابات إسرائيلية تجري مناورات قرب الحدود مع لبنان استعداداً لتوغل بري العام الماضي (أ.ب)

قال مصدر قضائي لبناني لـ«الشرق الأوسط» إن تحقيقات تجريها قوى الأمن الداخلي ترجح أن إسرائيل اختطفت النقيب المتقاعد أحمد شكر، خلال «عملية استدراج استخباراتي» للاشتباه بعلاقته بملف الطيار الإسرائيلي المفقود رون آراد، منذ 1986.

وتتركز الجهود الأمنية على كشف مصيره في منطقة البقاع (شرق لبنان)، حيث يُعتقد أن العملية نُفذت بواسطة شخصين سويديّيْن، أحدهما من أصل لبناني. ويرتبط شكر، وهو من متقاعدي الأمن العام، بعائلة ذات صلات بـ«حزب الله»، مما يعيد إثارة النزاعات حول قضية رون آراد. وقال المصدر القضائي إنه يخشى أن يكون اختفاء شكر جزءاً من مسلسل العمليات الإسرائيلية في لبنان.

وتتعدد السيناريوهات بشأن مصير الضابط المتقاعد، بين احتمال تصفيته، على غرار ما نُسب إلى جهاز «الموساد» في قضية اغتيال الصراف أحمد سرور، المرتبط بـ«حزب الله»، العام الماضي، وبين فرضية أكثر خطورة لكنها الأكثر واقعية، وهي نقله إلى خارج لبنان، أي إلى إسرائيل.

ويعيد هذا العمل الأمني الخطير فتح سجل طويل من العمليات الإسرائيلية التي استهدفت أشخاصاً على صلة مباشرة أو غير مباشرة بملف رون آراد، سواء عبر الاغتيال أو الاختطاف أو محاولات التجنيد.