كيف غيّرت «نوبل» للآداب مصائر مبدعين حول العالم؟

البعض تألّق وآخرون انزووا أو انتحروا

إرنست همنغواي (أرشيفية)
إرنست همنغواي (أرشيفية)
TT

كيف غيّرت «نوبل» للآداب مصائر مبدعين حول العالم؟

إرنست همنغواي (أرشيفية)
إرنست همنغواي (أرشيفية)

وصف الكاتب الكولومبي، غابرييل غارسيا ماركيز، جائزة نوبل في الآداب بأنها «حدث يسبب الأرق للكتاب الكبار، وأن نتائجها لا تتعلق بالقيمة الفكرية أو الأدبية، بقدر ما تتعلق بإرادة المحكمين غير القابلة للفهم»، في الوقت نفسه صرّح في حوارات صحافية بأن الجائزة أتاحت له التفرغ أخيراً للكتابة.

أكثر من 120 شخصاً حصلوا على الجائزة المرموقة دولياً، منذ تأسيسها عام 1901 حتى هذا العام، غيّرت الجائزة في نمط حياة وطريقة تفكير، وربما مسار إبداع بعض من حصلوا عليها، بعضهم ظل في دائرة النجومية والأضواء، والبعض الآخر انزوى، وربما انتحر.

ويرى الشاعر المصري، أحمد الشهاوي، أن «الشهرة لها ثمن»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «جائزة نوبل باعتبارها أكبر جائزة أدبية عالمية لا شك أنها أثّرت إيجابياً على حائزيها، لكنها أثّرت بالسلب أيضاً على البعض وجعلتهم دائماً تحت الأضواء بعيداً عن الإبداع». وتابع: «هناك نماذج حية من مختلف اللغات والثقافات، أثّرت الجائزة على مصائرهم، فهناك مبدعون ازداد ألقهم بعد أن حصلوا على الجائزة، وكتبوا أعمالاً جديدة مدهشة، وزادت من تأثيرهم الأدبي والثقافي، مثل الإنجليزي الآيرلندي ويليام بتلر ييتس، وكذلك النرويجي جون فوسي الذي فاز بالجائزة عام 2023، وقال في خطابه إن الكتابة يمكن أن تُنقذ الأرواح».

إلى جانب هذه النماذج، هناك في المقابل ما يطلق عليه الشهاوي «لعنة نوبل» التي تصيب الفائز بفقدان الإلهام والتوقف عن الكتابة، مشيراً إلى «السويدي هاري مارتنسون، الذي حاز الجائزة عام 1974 مناصفة مع إيفيند جونسون، وتلقى الكثير من الانتقادات، خصوصاً لأنه عضو في الأكاديمية السويدية نفسها التي تمنح الجائزة، وتأثر نفسياً من حدة الانتقادات والاتهامات بغياب الموضوعية، وانتحر عام 1978، ومارتنسون نفسه صرّح بأن الجائزة دمّرت كاتباً بداخله، وأنه وجد صعوبة في مواصلة الكتابة بعد تسلّمها».

ومن النماذج الانطوائية الشهيرة هناك صامويل بيكيت، فبعد جائزة نوبل في الآداب التي نالها سنة 1969، وكان معروفاً بخجله وانطوائيته، أعرب عن قلقه من أن الجائزة قد تعيق عمله، أو أن الناس سيطلبون منه تبريراً أو مظهراً معيناً لا ينسجم مع فنّه.

ويلفت الشهاوي إلى أن «الكتّاب المنطوين الذين لا يحبّون الأضواء، غالباً ما يعانون. إن الضغوط، والمقارنات، والتوقعات والجمهور والنقاد كلها عوامل تُثقل كاهلهم، كما يعاني الكاتب من مسألة القدرة على امتلاك استقلال فني بعد الجائزة». ويضيف: «أذكر أن نجيب محفوظ قد قالها صراحة: (أنا أعمل موظفاً الآن عند جائزة نوبل)».

مؤكداً أن «اللعنة تظهر عند رفع سقف التوقعات التي لا يمكن تلبيتها بسهولة، وربما هذه التوقعات وأسباب أخرى دفعت عدداً كبيراً من الذين نالوا نوبل في الآداب للإقدام على الانتحار، خصوصاً في اليابان والولايات المتحدة الأميركية».

لازلو كاراسناهوركاي (أ.ف.ب)

وكانت اللجنة المعنية باختيار الفائز بنوبل للآداب أعلنت، الخميس، اسم الكاتب الهنغاري، لازلو كاراسناهوركاي، صاحب عدة روايات، من بينها «تانغو الخراب» و«كآبة المقاومة» اللتان تُرجمتا للعربية، بالإضافة إلى نحو 10 كتب أخرى، اتسم خلالها بالطابع السوداوي والعبثي في الكتابة.

ووصف أستاذ الدراسات العربية بجامعة يورك الكندية، الدكتور وليد الخشاب، «تأثير جائزة نوبل على من يحصلون عليها من الأدباء بأنه موضوع شائك»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «جرت العادة بأن تكون الجائزة غالباً تكريماً للأديب بعد أن قدّم منجزه، أو أهم ما في منجزه، لكن ما يثير الانتباه أن كثيراً ممن حصلوا على نوبل في الآداب لم نسمع عنهم تقريباً بعد الجائزة، مثلاً بوب ديلون حصل عليها عام 2016، ولم نسمع عنه قبلها ولا بعدها، لأنه فنان منزوٍ منعزل يرفض الأضواء».

ويتابع الخشاب: «ربما كانت نوبل في بعض الأحيان مصدر نحس للكاتب، أذكر ألبير كامو الذي حصل على نوبل عام 1957 ثم مات بعدها بسنوات قليلة في حادث سيارة عبثي، وربما نقول الشيء نفسه عن نجيب محفوظ الذي حصل على الجائزة عام 1988 وبعدها بسنوات قليلة تعرض لمحاولة اغتيال كادت تودي بحياته».

«من المثير أن هناك من رفضوا الجائزة مثل جان بول سارتر، الذي احتج ورفضها لأنها مُنحت لغريمه ألبير كامو قبله، ورغم ذلك ظل توهج وعطاء جان بول سارتر، ولم ينطفئ»، وفق الخشاب.

وتمنح جائزة نوبل للآداب للفائزة مكافأة مالية تقدر بنحو 1.1 مليون دولار أميركي، كما تفتح أمامه فرصاً عديدة للترجمة والانتشار حول العالم. ومن أشهر من حصلوا عليها جورج برنارد شو، وأناتول فرانس، وويليام فوكنر، وأكتوفيو باث، وخوسيه ساراماغو، وول سونيكا، وفيسوافا شمبوريسكا.

ماركيز حصل على نوبل للآداب عام 1982 (نتفلكس - أ.ب)

وترى الشاعرة الجزائرية الباحثة في النقد والتراث، الدكتورة حنين عمر، أن «الشهرة كالنار، مبهرة وتضيء، ولكنها قد تدفئ بعضهم، وقد تحرق آخرين». وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «أهمية النجاح ليست في مكاسبنا من العالم، إنما بما يمنحنا من سلام نفسي، حتى لا يصبح وحشاً يلتهم أرواحنا. وفي هذا الصدد لا يمكننا الحديث عن نوبل دون الحديث عن المسألة النفسية التي جعلت ألفرد نوبل يؤسسها عام 1900، أي أن منطلقها دافع نفسي أصلاً، ولكونها حالياً تقدم في فئاتها أرفع جائزة أدبية حالياً، فإن الحصول عليها بقدر ما هو حلم كبير، بقدر ما هو أمر خطير قد يتحول إلى كابوس».

وتابعت: «من كانت حلماً جميلاً لهم، فيمكننا أن نذكر أول من حصل عليها عام 1901، وهو الشاعر الفرنسي الكبير سولي برودوم، الذي استثمر أموالها في إنشاء جائزة أخرى للشعر، وحوّلها إلى دافع للإبداع. وأما من أثّرت عليهم وانتحروا بعدها، فيمكن أن نذكر الروائي الأميركي إرنست همنغواي، الذي نالها عام 1954 وانتحر عام 1961، وأيضاً الكاتب السويدي هاري مارتينسون، الذي نالها عام 1974 وانتحر عام 1978، والكاتب الياباني ياسوناري كواباتا الذي نالها عام 1968، وانتحر عام 1972».

لكن هل يمكننا أن نسائل نوبل بسبب حوادث الانتحار المتكررة للفائزين في تاريخها، وفي كل فئاتها؟ ربما لا يمكن ذلك ببساطة، إن رجعنا إلى تحليل علم النفس، وعرفنا أن النجاح والشهرة لهما أثر بالغ في التحولات النفسية لأي إنسان، وفق الشاعرة الجزائرية.

نجيب محفوظ (دار نشر الجامعة الأميركية في القاهرة)

ويرى الناقد الأدبي المصري، الدكتور رضا عطية إسكندر، صاحب كتاب «العائش في السرد» عن نجيب محفوظ، أن «الجائزة منحت كثيراً من الكتّاب فرصة للتألق والظهور بشكل كبير، مثل ماركيز، الذي حاز على نوبل عام 1982، وانتشر بعدها بشكل كبير، لخصوصية تجربته في الواقعية السحرية، وكذلك نجيب محفوظ الذي قدّم تجربة ثرية تحمل رؤية نقدية وتأملية وفلسفية في العالم، واستمر تألقه بعد فوزه، وكذلك أورهان باموق وبيتر هندكه». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لكن للأسف كما منحت نوبل قبلة الحياة والتألق للبعض، أدّت إلى انزواء البعض الآخر، خصوصاً في السنوات العشر الأخيرة، فلم يحققوا انتشاراً كبيراً».

ولفت إسكندر إلى أن «الجائزة أصبحت محل تساؤل واستغراب من الأسماء التي تحصل على الجائزة، ولا يقدمون بعدها جديداً، بل يتم اكتشاف أن منجزهم الأدبي أو الإبداعي لا يستحق الجائزة». وحول المصائر المأساوية التي يتعرض لها حائزو نوبل، قال إسكندر: «أشهر حالات الانتحار كانت للكاتب الفذّ إرنست همنغواي، وعموماً العزلة والانتحار أمران واردان وشائعان بين طبقات الكتّاب الفنانين لحساسيتهم المفرطة تجاه العالم».


مقالات ذات صلة

ماتشادو بخير رغم إصابتها في الظهر

العالم ماريا كورينا ماتشادو (أ.ف.ب)

ماتشادو بخير رغم إصابتها في الظهر

قال متحدث باسم زعيمة المعارضة الفنزويلية الحائزة جائزة نوبل للسلام، ماريا كورينا ماتشادو، اليوم (الأربعاء)، إنها بخير، على الرغم من تعرضها لإصابة في الظهر.

«الشرق الأوسط» (أوسلو )
أوروبا المعارض البيلاروسي أليس بيالياتسكي (أ.ب)

مُعارض بيلاروسي حائز «نوبل للسلام»: الجائزة حمتني من المعاملة السيئة بالسجن

تعهّد المعارض البيلاروسي أليس بيالياتسكي بمواصلة النضال من أجل الديمقراطية، مشيراً إلى أن جائزة نوبل التي نالها وهو في السجن حمته من أسوأ أنواع المعاملة.

«الشرق الأوسط» (فيلنيوس)
أميركا اللاتينية ماريا كورينا ماتشادو تتحدث في أوسلو (رويترز)

زعيمة المعارضة الفنزويلية: أسعى إلى انتقال سلمي للسلطة بعد مادورو

قالت ماريا كورينا ماتشادو إن رئيس البلاد نيكولاس مادورو سيغادر السلطة، سواء جرى التوصل إلى اتفاق تفاوضي أم لا.

«الشرق الأوسط» (أوسلو )
شؤون إقليمية نرجس محمدي (أ.ف.ب)

إيران تعتقل نرجس محمدي حائزة «نوبل للسلام 2023»

قالت مؤسسات حقوقية وناشطون، الجمعة، إن السلطات الإيرانية اعتقلت الناشطة البارزة في مجال حقوق الإنسان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام لعام 2023، نرجس محمدي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (د.ب.أ)

حصيلة وساطات ترمب لإنهاء الحروب تبدو بعيدة من إنجازاته المعلنة

هل أنهى دونالد ترمب فعلياً 8 حروب منذ عودته إلى السلطة في يناير الماضي، كما يؤكد؟

«الشرق الأوسط» (باريس)

وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
TT

وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)

شدد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، على عدم التسامح مع من يحاولون استخدام «حرية التعبير» لخلق فوضى في الفضاء الإعلامي، أو استخدام خطاب شعبوي زائف الهدف منه زيادة أعداد المتابعين، وذلك خلال المؤتمر الصحافي الحكومي بالعاصمة الرياض.

وقال وزير الإعلام السعودي إن القوانين والأنظمة في السعودية تكفل حرية التعبير كحق أصيل، لكن في الوقت نفسه تميز بوضوح بين الرأي المسؤول والنقد البناء، وبين التحريض الذي يهدف إلى التضليل أو تأجيج الرأي العام.

وبيّن أن إجراءات هيئة تنظيم الإعلام لا تستهدف الآراء أو النقد البناء، بقدر ما تأتي في إطار تطبيق الأنظمة تجاه أي ممارسات تتجاوز المسؤولية الإعلامية وتمس السلم المجتمعي.

وكشف الوزير الدوسري خلال المؤتمر، الذي عقد للحديث عن تطورات مشروع مدينة القدية، أن العمل جارٍ لإطلاق مشروع «مدرسة الموهوبين الإعلاميين»، وذلك بالتعاون مع وزارة التعليم، لاكتشاف ورعاية الموهوبين من مراحل مبكرة.

وأوضح أن مدينة القدية ستستضيف الملتقى الثاني لصناع التأثير إمباك 2026، لافتاً إلى أن العمل قائم مع الشركاء في القدية لإطلاق مشروع «بيت إمباك».

واستعرض وزير الإعلام السعودي مجموعة من الإنجازات التي حققتها السعودية خلال الفترة الماضية، ومن ذلك زيادة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، حيث بلغت 55.4 في المائة خلال الربع الثالث من العام الماضي، مقارنة بـ45.9 في المائة في الربع الثالث من عام 2016. فيما ⁠«بلغت نسبة تملُّك الأسر السعودية للمنازل في نهاية العام الماضي 65.4 في المائة».

وتابع: ⁠«احتلّت المملكة المركز الأول عالمياً في عدد الجوائز التي نالتها في مسابقة الذكاء الاصطناعي العالمية للشباب بـ26 جائزة، كأكبر دولة في العالم تنال هذا العدد من الجوائز في تاريخ المسابقة».

وأضاف الوزير الدوسري أن قطار الرياض استقبل 120 مليون راكب منذ بدء انطلاق المشروع وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2025، وسجّل أعلى درجات الانضباط في التشغيل، بنسبة التزام بلغت 99.8 في المائة لعام 2025. مشيراً إلى أن السعودية تستهدف تنفيذ المرحلة السابعة من مشروع قطار الرياض خلال العام المقبل.

من جهته، قال العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، عبد الله الداود، أن القدية مدينة فريدة من نوعها تجمع أكثر من 70 أصلاً في مكانٍ واحد، من بينها استاد الأمير محمد بن سلمان، ومجمع التنس الوطني، ومركز الفنون الأدائية، والعديد من الأصول النوعية الأخرى. ‏وأكد الداود أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يؤمن بالمشاريع النوعية التي تضيف لحياة الناس ولها القدرة على خلق اقتصادات وقطاعات جديدة، ولذلك كان كل العمل منصباً على تنفيذ أفكار الأمير محمد وتطلعاته، مشيراً إلى أن مشروع القدية يأتي من قلب «رؤية 2030»، وأن القدية تتبنى مفهوماً متكاملاً يندمج فيه الترفيه والرياضة والثقافة والسياحة بشكل متجانس.

وأعلن العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، خلال المؤتمر، أن تاريخ 31 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، هو موعد افتتاح مدينة القدية لأول أصولها، منتزه «سيكس فلاغز»، مؤكداً أن الافتتاح سيشكل نقلة نوعية تحولية في مسيرة المدينة.

وأضاف الدواد أن منتزه «Six Flags» نجح في كسر عدد من الأرقام القياسية، وذلك من خلال 5 ألعاب في مكان واحد، من أبرزها لعبة أفعوانية الصقر التي تحطم 3 أرقام قياسية كأطول أفعوانية في العالم، وأسرع أفعوانية في العالم، وأعلى أفعوانية في العالم.

وكشف الداود أنه تم الانتهاء الكامل من منتزه «Six Flags» الذي صمم لاستقبال نحو 10 آلاف زائر يومياً، ومن المتوقع أن يتجاوز أعداد زوار المنتزه مليوني زائر خلال 2026، فيما تم الانتهاء من أكثر من 95 في المائة من منتزه أكواريبيا المائي وسيفتتح خلال العام المقبل، إضافة إلى المرحلة الأولى للبنية التحتية في الطرق والكهرباء والاتصالات وخدمات الطوارئ.


«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى؛ إذ يعرف الطفل «نور» (يقوم بدوره الطفل آسر) أن «حبيبة» (ريهام عبد الغفور) هي خالته، ويتعامل معها على هذا الأساس، فالطفل المتفوق في المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر، يخطط لمفاجأة والدته في رأس السنة بزيارتها في باريس مع تحضير مفاجأة لها، لتكون العطلة بمثابة بداية لأيام مختلفة في حياته.

نشاهد الفيلم من منظور الطفل «نور» على مدار الأحداث، بداية من المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر والتي تقع بالقرب من منزل «حبيبة» وصديقتها التي تقيم معها، وكلتاهما من أصحاب «متلازمة داون»، مروراً بتواصله مع «سارة» (هنادي مهنا) باعتبارها والدته التي لم تأتِ لزيارته ولقائه من باريس منذ عامين، في حين يقتصر التواصل بينهما على الاتصالات الهاتفية.

يعتمد الفيلم بالكامل على رؤية العالم من خلال «نور»، فنحن نراه ونفهمه كما يراه هو، ونشهد تحوّلاته النفسية من دون تدخل تفسيري مباشر للقاءات التي يخوضها في الطريق مع غرباء، وتبدّل الأمكنة، والضغط المتواصل الناتج عن السفر، والظروف الاضطرارية التي تعوق ترتيب رحلته وإكمالها بالطريقة التي يريدها، مع إعادة ترتيب الأنشطة والأماكن التي يوجد فيها قبل الوصول إلى والدته.

في الأحداث التي تستمر على مدار أكثر من 90 دقيقة نتابع رحلة «نور» التي تشمل توقفات بعدد من المدن الأوروبية قبل الوصول لوجهته النهائية في باريس؛ توقفات لرغبته في تنفيذ مفاجأة استثنائية لوالدته وهدية لذكرى والده الراحل.

ريهام عبد الغفور مع عدد من الحضور في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

الفيلم الذي شارك في بطولته إلى جوار ريهام وآسر كل من هنادي مهنا، وأسماء أبو اليزيد، وعدد من الممثلين الأجانب، كتبه يوسف وجدي، ويخرجه رامي الجندي في أولى تجاربه الإخراجية، في حين صُوّر بين 6 مدن أوروبية مختلفة على مدار أكثر من عام.

وقال المخرج رامي الجندي لـ«الشرق الأوسط» إن نقطة الانطلاق في «خريطة رأس السنة» كانت تحديد زاوية الرؤية للأحداث، وإن القرار الأهم تمثّل في أن يُروى الفيلم بالكامل من داخل وعي الطفل «نور»، فالمتفرج لا يُفترض به أن يرى الشخصيات من الخارج، بل يختبر العالم بذات الدرجة من البراءة والارتباك والأسئلة غير المكتملة التي يعيشها البطل، وهو ما فرض إيقاعاً هادئاً ولغة بصرية تميل إلى المراقبة أكثر من الشرح، وفق تعبيره.

وأوضح الجندي أن «العلاقة بين (نور) و(حبيبة) لا تقوم على المفاجأة أو الاكتشاف، بل على المعرفة المسبقة، وهو ما منح الفيلم مساحة أعمق للاشتغال على الاختبار الإنساني، لا الصدمة الدرامية»، مشيراً إلى أن هذا الاختيار أتاح له التركيز على التفاصيل الصغيرة في العلاقة، وعلى التحوّلات التدريجية في فهم الطفل لمعنى المسؤولية، بدلاً من اللجوء إلى حلول سردية مباشرة.

ولفت المخرج إلى أن «اختيار التصوير في أجواء (الكريسماس) بأوروبا كان تحدياً كبيراً؛ إذ يُعد هذا التوقيت الأصعب من حيث الإجازات والتحكم في المواقع وحركة المدن»، على حد تعبيره، وقال إنه قام بتقسيم التصوير إلى ثلاث مراحل، عبر ست دول أوروبية مختلفة، معتبراً أن السيطرة على هذا الكم من التفاصيل لم تكن سهلة، لكنها كانت حاسمة للحفاظ على الإحساس الحقيقي بالطريق.

وأضاف الجندي أن «العمل مع ممثلين أجانب جرى بالكامل عبر الإنترنت، من خلال شركات متخصصة، وهو ما تطلّب تحضيرات طويلة قبل التصوير».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأكد مؤلف الفيلم يوسف وجدي لـ«الشرق الأوسط» أن العمل لا يتعامل مع «متلازمة داون» بوصفها موضوعاً مستقلاً، بل كجزء من نسيج إنساني أوسع، موضحاً أن «التحدي الحقيقي كان في تجنّب الخطاب المباشر أو التفسير الأخلاقي الجاهز، خصوصاً أن ما شغله منذ البداية مرتبط بطبيعة الاختلاف بين كل حالة، والتفاوت الموجود لدى كل شخص، وكيف يمكن أن يستفيد منه ليعيش حياته بشكل أفضل».

وأضاف وجدي أن «فكرة العمل استُلهمت جزئياً من قضايا حقيقية أُثيرت في فرنسا، تتعلق بالأهلية الأسرية، وبالنظرة القانونية والاجتماعية إلى مفهوم المسؤولية لمن يعاني من (متلازمة داون)»، مشيراً إلى أن هذه القضايا فتحت أمامه مساحة للتفكير في الفجوة بين القانون والمشاعر، وبين ما يُعتبر صحيحاً على الورق وما يحدث فعلياً داخل البيوت والعلاقات اليومية.


معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
TT

معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)

ضمن فعاليات متنوعة احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، استضاف المتحف القومي للحضارة المصرية معرضاً تراثياً لفنون الخط العربي، وتضمنت الفعاليات معرضاً فنياً ضم مجموعة من اللوحات التي تُبرز جماليات فن الخط العربي، إلى جانب معرض متميز لأعمال ومقتنيات عائلة صوفي زاده، شمل لوحات فنية وأفلاماً تسجيلية توثّق مسيرتها الفنية بوصفها رائدة في فنون الخط العربي.

وتحت شعار «إرث يتجدد بخط يتألق»، جاءت الفعاليات المتنوعة، بالتعاون مع سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة، وجمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، ومشيخة الأزهر الشريف، والمجمع اللغوي بالقاهرة، وعائلة صوفي زاده؛ تأكيداً على الدور المحوري للغة العربية بوصفها أحد أهم روافد الهوية الثقافية والإنسانية.

واحتفلت أكثر من مؤسسة مصرية باليوم العالمي للغة العربية المقرر في 18 ديسمبر (كانون الأول) عبر ندوات وأنشطة ومعارض متنوعة، من بينها: ندوة مشتركة بين كلية دار العلوم ودار الكتب والوثائق القومية، واحتفالية بجامعة الدول العربية، وفعاليات ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي الذي أقيم في قصر الفنون وضم لوحات العديد من رواد الخط العربي فضلاً عن الفنانين المعاصرين.

وتسعى الفعاليات التي نظمها متحف الحضارة إلى «نشر الوعي بالتراث المصري وتعزيز قيمه الحضارية، وإيماناً بأهمية اللغة العربية ومكانتها التاريخية بوصفها وعاءً للهوية وذاكرة للأمة»، وفق بيان للمتحف.

وأكد الدكتور الطيب عباس، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، أهمية هذه الفعاليات في «صون التراث المصري وتعزيز الوعي به»، مشيراً في البيان إلى أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وعاء الحضارة وذاكرة الأمة، وحلقة الوصل بين الماضي والحاضر، بما تحمله من قيم ثقافية وجمالية قادرة على التعبير عن هوية الشعوب وصون تراثها عبر العصور».

ولفت إلى أن مقتنيات المتحف تضم العديد من القطع الأثرية، لا سيما الإسلامية منها، التي تزخر بنماذج راقية من الفنون والزخارف والخطوط العربية، وتعكس تطور الكتابة وجمالياتها عبر العصور، بما يجعلها شاهداً حياً على عبقرية الفنان المصري وقدرة اللغة العربية على التجدد والتألق.

فيما عدّ المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، اللغة العربية «ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الحضارية المصرية ونقلها إلى الأجيال المتعاقبة»، مشيداً بالدور الذي يقوم به المتحف في صون هذا الإرث الثقافي.

وتضمّنت الفعالية عرض فيلم تسجيلي قصير عن تراث عائلة صوفي زاده، إحدى أعرق العائلات التي توارثت فنون الخط العربي والزخرفة والرسم والنحت والتذهيب عبر خمسة أجيال متعاقبة.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قراراً عام 1973 بإدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل بالأمم المتحدة، في 18 ديسمبر، وهي المناسبة التي تم خلالها عدّ هذا اليوم يوماً عالمياً للغة العربية.