بوتين متمسك بالحوار مع واشنطن... وبلاده لا تخشى تصعيد سباق التسلح

«الرابطة المستقلة» تطلق مساراً للتوسع وتضع أساساً جديداً للتعاون في أمن الطاقة

الرئيس القرغيزي صادر جاباروف والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن يحضرون حفل استقبال قمة رابطة الدول المستقلة في دوشانباي يوم 10 أكتوبر (إ.ب.أ)
الرئيس القرغيزي صادر جاباروف والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن يحضرون حفل استقبال قمة رابطة الدول المستقلة في دوشانباي يوم 10 أكتوبر (إ.ب.أ)
TT

بوتين متمسك بالحوار مع واشنطن... وبلاده لا تخشى تصعيد سباق التسلح

الرئيس القرغيزي صادر جاباروف والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن يحضرون حفل استقبال قمة رابطة الدول المستقلة في دوشانباي يوم 10 أكتوبر (إ.ب.أ)
الرئيس القرغيزي صادر جاباروف والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن يحضرون حفل استقبال قمة رابطة الدول المستقلة في دوشانباي يوم 10 أكتوبر (إ.ب.أ)

وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسائل عدة إلى الولايات المتحدة والغرب عموماً، وإلى شركاء بلاده في الفضاء السوفياتي السابق، في ختام أعمال قمتين إقليميتين توليهما موسكو أهمية كبرى.

وفي اليوم الثاني لنشاط سياسي مكثف شهدته عاصمة طاجكستان دوشانباي، عقد رؤساء رابطة الدول المستقلة اجتماعاً شكّل نقطة انطلاق جديدة للرابطة التي شهدت ترهّلاً على مدى سنوات، وتقلصت أهميتها بسبب الخلافات وتباين الأولويات بين أعضائها من الجمهوريات السوفياتية السابقة. وبدا أن الاجتماع كُرّس لضخّ دماء جديدة في آليات عمل الرابطة. وكان القادة المجتمعون في دوشانباي عقدوا في اليوم السابق قمة لا تقل أهمية جمعت رؤساء روسيا وبلدان منطقة آسيا الوسطى.

وشكلت قمة «روسيا - آسيا الوسطى» حدثاً بارزاً وفريداً، كونها ركزت للمرة الأولى على علاقات روسيا مع التكتل، ليس في إطار المنظمات الإقليمية التقليدية مثل «شانغهاي» و«بريكس»، بل في إطار منفصل يُقرّ عملياً بتنامي دور هذه المجموعة، وتصاعد التنافس بين القوى الإقليمية والدولية على النفوذ في المنطقة.

وفي ختام القمتين، وجّه بوتين رسائل مهمة، كان أبرزها إلى الولايات المتحدة، التي تجاهل في حديثه عنها أي إشارة إلى الخلافات ولهجة التحذير والتهديدات الصادرة من إدارة الرئيس دونالد ترمب إلى بلاده، وركّز بدلاً من ذلك على التزام بلاده بالتوافقات التي تم التوصل إليها في القمة الوحيدة التي جمعته بترمب في ألاسكا قبل أسابيع.

العلاقة مع واشنطن

قال بوتين إن بلاده والولايات المتحدة «لا تزالان ملتزمتين باتفاقيات ألاسكا». وأكد بوتين أن الطرفين «يدركان الاتجاه الذي يتعين عليهما اتباعه لإنهاء النزاع (الأوكراني) سلمياً».

الرئيس الأميركي ونظيره الروسي خلال مؤتمر صحافي بقاعدة «إلمندورف ريتشاردسون» المشتركة في أنكوريج بألاسكا 15 أغسطس (أ.ف.ب)

وفي تجاهل كامل للتطورات التي أعقبت تصاعد ما وُصف بأنه «خيبة أمل» أميركية تجاه بوتين، قال الرئيس الروسي: «ربما سنتمكن من تحقيق الكثير بناءً على الاتفاق والمناقشات في أنكوريج». وأقرّ بوتين بأن الطرفين «لم يكشفا بشكل كامل عن المواضيع التي نوقشت في قمة ألاسكا»، لكنه أضاف أن «ترمب ملتزم التزاماً صادقاً بحل الأزمة في أوكرانيا».

وعلّق بوتين أيضاً على حفل توزيع جائزة نوبل للسلام. وأكّد أنه ليس من حقه أن يقرر ما إذا كان الزعيم الأميركي يستحق الجائزة، لكنه أشار إلى أن «ترمب يبذل الكثير من الجهود لحل الأزمات المعقدة وطويلة الأمد».

وأضاف بوتين: «كانت هناك حالات منحت فيها اللجنة جائزة نوبل للسلام لأشخاص لم يفعلوا شيئاً من أجل السلام. برأيي، أضرت هذه القرارات بشكل كبير بمكانة هذه الجائزة».

الأمن الاستراتيجي

مع هذه اللهجة الهادئة تجاه واشنطن وترمب، تطرّق الرئيس الروسي إلى نقطة خلافية حاسمة على خلفية معطيات عن توجه أميركي لتسليم أوكرانيا أنظمة صاروخية قادرة على الوصول إلى العمق الروسي من طراز «توماهوك».

ووصف بوتين الحديث عن هذه الصواريخ بأنه «استعراض»، وأكد أن «ردّنا هو تعزيز نظام الدفاع الجوي للاتحاد الروسي».

الرئيس القرغيزي صادر جاباروف والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن يحضرون حفل استقبال قمة رابطة الدول المستقلة في دوشانباي، يوم 10 أكتوبر (إ.ب.أ)

كما تطرّق إلى ملفات الأمن الاستراتيجي وتقليص التسلح التي تشكل بدورها أساساً لخلافات عميقة مع واشنطن. وفي إشارة لافتة، قال بوتين إن «سباق التسلح قائم بالفعل في العالم». وزاد أن «بلداناً عدة تدرس، بل تستعد، لإجراء تجارب نووية... وروسيا لديها معلومات ذات صلة وقادرة على اتخاذ خطوات جوابية رادعة ومتكافئة».

وأشار إلى المبادرة التي أطلقها قبل أسبوعين لتمديد العمل بمعاهدة «ستارت» التي تنظم تقليص الأسلحة الهجومية الاستراتيجية لمدة عام بعد انقضاء مدتها في فبراير (شباط) المقبل. وسأل بوتين: «هل ستكون هذه الأشهر القليلة كافية لاتخاذ قرار بشأن التمديد؟ أعتقد أنها ستكون كافية إذا توافرت حسن النية لتمديد هذه الاتفاقيات». وأكد أن رفض الولايات المتحدة للمبادرة الروسية «لن يكون تطوراً حاسماً، مع أن مثل هذا القرار سيكون مؤسفاً».

قادة أذربيجان (من اليسار إلى اليمين) وكزاخستان وروسيا وبيلاروسيا وأوزبكستان وطاجيكستان وأرمينيا يصلون إلى مقر قمة رابطة الدول المستقلة في دوشانباي يوم 10 أكتوبر (إ.ب.أ)

وقال بوتين: «نحن مستعدون للتفاوض إذا كان ذلك مقبولاً ومفيداً للجانب الأميركي. وإن لم يكن كذلك، فلا بأس. لكن سيكون من المؤسف؛ لأنه حينها لن يتبقى شيء من حيث الردع في مجال الأسلحة الاستراتيجية الهجومية».

وجدّد التلويح بقدرات الردع النووي الروسي في مواجهة احتمالات تفاقم الوضع، وقال بوتين إن «الردع النووي الروسي أكثر ابتكاراً من ردع الدول الأخرى. علاوة على ذلك، تجري تجارب أسلحة جديدة بنجاح». وأضاف: «نحن بصدد وضع اللمسات الأخيرة، وأعتقد أننا سنتمكن قريباً من الإعلان عن الأسلحة الجديدة التي أعلنّا عنها سابقاً».

العلاقات مع الفضاء السوفياتي

في الملفات الأخرى، أعرب بوتين عن ارتياح واسع بسبب نجاح لقائه مع نظيره الأذري إلهام علييف على هامش أعمال القمة بكسر الجمود وإعادة تطبيع العلاقات بين موسكو وباكو، بعد عام من التوتر المتفاقم بين البلدين. وأشاد بعلاقات بلاده مع بلدان الرابطة المستقلة، وتحدّث خصوصاً عن طاجكستان التي تستضيف اللقاءات، ووصفها بأنها «شريك مهم للغاية في آسيا الوسطى». علماً بأن هذا البلد هو الوحيد حالياً في المنطقة الذي يمنح روسيا وجوداً عسكرياً في قاعدة ضخمة، في مقابل تنفيذ موسكو برنامجاً شاملاً لتحديث وتسليح الجيش الطاجيكي.

صورة جماعية وُزّعت من وكالة «سبوتنيك» الروسية تُظهر قادة أذربيجان وأرمينيا وبيلاروسيا وكزاخستان وروسيا وطاجيكستان وقرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان خلال الجلسة الموسعة لمجلس رؤساء دول الرابطة في قصر الأمة بدوشانباي، يوم 10 أكتوبر (أ.ف.ب)

وأكّد بوتين أن الحفاظ على رابطة الدول المستقلة وتعزيزها «أمر بالغ الأهمية لمستقبلنا». وأكد أن الرابطة لم تفقد أهميتها، بما في ذلك أثرها الإنساني. ونبّه إلى أنه «من المهم لروسيا ودول آسيا الوسطى ألا تنفصلان عن بعضها؛ فموسكو والمنطقة تشتركان في العديد من المصالح المشتركة».

وزاد أنه «يجب ألا نكتفي بالعيش في ظل هذه الظروف، بل أن نفكر أيضاً في كيفية تطوير هذه المساحة، والمضي قدماً، مع الحفاظ على المزايا التنافسية التي نشأت نتيجةً لإنشاء رابطة الدول المستقلة في الاتحاد السوفياتي السابق. لوجيستيات وتعاون صناعي موحد، وثقافة موحدة، على الرغم من التنوع الثقافي لشعوب الاتحاد السوفياتي. صُممت رابطة الدول المستقلة للحفاظ على كل هذا».

وخلص إلى أن «الغالبية العظمى من الناس لم تدرك مباشرة عواقب انهيار الاتحاد السوفياتي، وإنشاء رابطة الدول المستقلة».

وتطرق إلى الوضع في أفغانستان المجاورة. وأشار إلى أن الحكومة الحالية تبذل قصارى جهدها لتطبيع الوضع في البلاد، لكن لا تزال هناك مشاكل عديدة. وأكد الرئيس الروسي ضرورة تأمين الحدود بين طاجيكستان وأفغانستان. كما تطرق إلى ملف غزة، مؤكداً دعم روسيا للخطة الأميركية للتسوية. وقال إنه «إذا اكتمل ما بدأ، فسيكون حدثاً تاريخياً».

تطوير الرابطة

صورة جماعية لقادة دول الرابطة المستقلة في قصر الأمة بدوشانباي، يوم 10 أكتوبر (سبوتنيك - رويترز)

عقب اجتماع مجلس رؤساء الدول في دوشانباي، وقّع قادة دول رابطة الدول المستقلة حزمةً من الوثائق المتعلقة بالتعاون الاقتصادي والأمني، شملت قراراً بإنشاء صيغة «رابطة الدول المستقلة بلس»، في خطوة تسمح بتوسيع الرابطة مستقبلاً. وتم منح منظمة «شنغهاي» للتعاون صفة عضو مراقب فيها.

كما وقع القادة وثيقة تنص على إطلاق آليات لـ«التعاون العسكري المنفتح، وغير منحاز، وغير موجه ضد دول ثالثة». واشتملت وثيقة أخرى على برنامج للتعاون في مكافحة الإرهاب والتطرف؛ كما وقع الزعماء إعلاناً بشأن التعاون في أمن الطاقة الإقليمي.


مقالات ذات صلة

«الإليزيه» يرحب باستعداد بوتين للتحاور مع ماكرون

أوروبا الرئيسان الروسي والفرنسي في لقاء سابق (إ.ب.أ)

«الإليزيه» يرحب باستعداد بوتين للتحاور مع ماكرون

رحبت الرئاسة الفرنسية، الأحد، بإعلان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، استعداده للتحاور مع نظيره إيمانويل ماكرون.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (إ.ب.أ) play-circle

بوتين مستعد للحوار مع ماكرون «إذا كانت هناك إرادة متبادلة»

أبدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداده للحوار مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، وفق ما صرح المتحدث باسم الكرملين لوكالة أنباء «ريا نوفوستي».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ خلال المفاوضات الأوكرانية - الأميركية بحضور المستشار الألماني فريدريش ميرتس بقاعة مؤتمرات في المستشارية ببرلين 14 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب) play-circle

ماراثون ميامي على مسارين لإنهاء حرب أوكرانيا

تتجه الأنظار إلى ميامي، لا بوصفها مدينة ساحلية أميركية فحسب، بل بوصفها مسرحاً دبلوماسياً لمحاولة جديدة قد تكون الأكثر حساسية منذ اندلاع الحرب الروسية -…

إيلي يوسف (واشنطن)
الولايات المتحدة​ الرئيس دونالد ترمب يلوّح بيده بعد نزوله من طائرة الرئاسة الأميركية «إير فورس ون» في مطار بالم بيتش الدولي بمدينة بالم بيتش في فلوريدا (أ.ف.ب) play-circle

محادثات أميركية - روسية جديدة حول أوكرانيا في فلوريدا

يلتقي مفاوضون أميركيون بمسؤولين روس في ولاية فلوريدا اليوم (السبت) لإجراء أحدث مناقشات تهدف إلى إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
أوروبا امرأة محلية برفقة كلبها تتفاعل مع موقع غارة روسية على مبنى خاص في زابوروجيا (إ.ب.أ)

مقتل 7 أشخاص في هجوم صاروخي روسي على أوديسا

قال مسؤولون أوكرانيون إن 7 أشخاص لقوا حتفهم وأصيب نحو 15 في هجوم ​صاروخي روسي استهدف بنية تحتية لميناء أوديسا على البحر الأسود أمس.

«الشرق الأوسط» (كييف)

الأستراليون يحيون ذكرى 15 ضحية بعد أسبوع على مأساة شاطئ بونداي

محمد فاتح الأحمد (في الوسط) والد أحمد الأحمد بطل حادثة إطلاق النار في بونداي يحضر وقفة إحياء ذكرى الضحايا والناجين من مجزرة بونداي في اليوم الوطني للتأمل على شاطئ بونداي في سيدني بأستراليا يوم 21 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
محمد فاتح الأحمد (في الوسط) والد أحمد الأحمد بطل حادثة إطلاق النار في بونداي يحضر وقفة إحياء ذكرى الضحايا والناجين من مجزرة بونداي في اليوم الوطني للتأمل على شاطئ بونداي في سيدني بأستراليا يوم 21 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
TT

الأستراليون يحيون ذكرى 15 ضحية بعد أسبوع على مأساة شاطئ بونداي

محمد فاتح الأحمد (في الوسط) والد أحمد الأحمد بطل حادثة إطلاق النار في بونداي يحضر وقفة إحياء ذكرى الضحايا والناجين من مجزرة بونداي في اليوم الوطني للتأمل على شاطئ بونداي في سيدني بأستراليا يوم 21 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)
محمد فاتح الأحمد (في الوسط) والد أحمد الأحمد بطل حادثة إطلاق النار في بونداي يحضر وقفة إحياء ذكرى الضحايا والناجين من مجزرة بونداي في اليوم الوطني للتأمل على شاطئ بونداي في سيدني بأستراليا يوم 21 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

التزم الأستراليون الأحد دقيقة صمت وأضاءوا الشموع ونكّسوا الأعلام حداداً على أرواح ضحايا الهجوم الذي وقع قبل أسبوع على شاطئ بونداي، مستهدفاً حشداً من المحتفلين اليهود.

ويُتّهم والد وابنه بإطلاق النار على جمع كان يحتفل بعيد الأنوار اليهودي (حانوكا) على الشاطئ، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً، بينهم طفلة وناجٍ من «محرقة اليهود».

وعند الساعة 6:47 مساء الأحد بالتوقيت المحلي؛ أي بعد أسبوع تماماً على الهجوم الذي يعدّ من الأسوأ في تاريخ أستراليا، أُعلنت دقيقة صمت في أنحاء البلد كافة.

وأضيئت شموع أسفل الشبابيك في منازل كثيرة في أرجاء البلد، في خطوة ترمز إلى «تغلّب النور على الظلمة».

وصرّحت روزلين فيشال من الجالية اليهودية في سيدني قائلة: «نحن هنا من أجل بعضنا».

رئيسا الوزراء الأستراليان السابقان سكوت موريسون (من الوسط إلى اليسار) وجون هوارد (من الوسط إلى اليمين) يحضران وقفة إحياء ذكرى الضحايا والناجين من مذبحة بونداي في شاطئ بونداي بمدينة سيدني في أستراليا يوم 21 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

وقالت لمراسل «وكالة الصحافة الفرنسية» من نصب تذكاري أقيم على شاطئ بونداي: «توجّه إلى غرباء وعانقهم، ولنعش بسلام معاً».

ونُكّست الأعلام في البلد، بما في ذلك فوق جسر مرفأ سيدني الشهير. وأضيئت شمعة على شاطئ بونداي خلال أمسية شارك فيها الآلاف.

وقالت ليونا بمبرتون من أمام النصب المقام على شاطئ بونداي: «لا يزال من الصعب جدّاً عليّ أن أستوعب ما حدث».

تأثرت إحدى المشيّعات أثناء حضورها مراسم تأبين ضحايا حادث إطلاق النار على شاطئ بونداي بسيدني في 21 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

صيحات استهجان

سرعان ما ازداد الغضب إزاء ما اعتُبر فشل الحكومة في التحرّك بما يكفي من سرعة وحزم في ظلّ تنامي حوادث «معاداة السامية».

وهتف البعض استهجاناً لحظة الإعلان عن حضور رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز.

ولم يلقِ رئيس الوزراء الأسترالي الذي اعتمر غطاء رأس يهودياً (كيباه) أيّ كلمة خلال المراسم التي قال القيّمون عليها إن نحو 20 ألف شخص حضروها.

وقال ديفيد أوسيب رئيس المجلس اليهودي في نيو ساوث ويلز: «سُلبنا الأسبوع الماضي براءتنا، وكما لُطّخ العشب بالدماء تلطّخت أمّتنا».

تشايا دادون (في الوسط) إحدى الناجيات من حادثة إطلاق النار في بونداي برفقة والدَيها تُلقي كلمةً خلال الوقفة الوطنية لإحياء ذكرى الضحايا والناجين من مجزرة بونداي على شاطئ بونداي في سيدني بأستراليا يوم 21 ديسمبر 2025 (إ.ب.أ)

ولطالما ساد اعتقاد في أوساط الجيل الحالي في أستراليا بأن البلد بمنأى عن عمليات إطلاق النار الجماعي. لكن ساجد أكرم (50 عاماً) ونجله نافيد (24 عاماً) أثبتا العكس بإطلاقهما النار على أحد أشهر شواطئ البلد.

ويعد هذا الاعتداء الأكثر حصداً للأرواح منذ نحو 30 سنة. ولم يكن ليرد في بال الأستراليين أن فاجعة من هذا القبيل من الممكن أن تحدث، لدرجة أنهم ظنّوا الطلقات الأولى مفرقعات نارية احتفالية.

«خسارة لا توصف»

تخيّم أجواء الحزن على أستراليا منذ سبعة أيام. وانهمرت دموع مايكل وفالنتينا عند دفن ابنتهما ماتيلدا البالغة 10 سنوات، وهي أصغر ضحايا الهجوم. واختار الزوجان اللذان هاجرا إلى أستراليا من أوكرانيا هذا الاسم لطفلتهما نسبة إلى أغنية أسترالية شعبية. واستولى الأسى على الأقارب في حين تنقّلوا من مراسم دفن إلى أخرى. وقال الحاخام ليفي وولف: «الخسارة لا توصف».

وقالت السلطات إن مطلقَي النار استلهما من فكر تنظيم «داعش» في هذه الجريمة التي وُصفت بـ«عمل إرهابي معادٍ للسامية»، وتهدّد بتقويض أواصر التماسك الاجتماعي في مجتمع متعدّد الثقافات.

واتّهم قادة الجالية اليهودية الحكومة الأسترالية بتجاهل موجة متنامية من «معاداة السامية». وقال الحاخام يوسي فريدمان من أمام نصب تذكاري من الورود أقيم للضحايا: «هل نشعر بأمان؟ ليس فعلاً بكل صراحة».

قصص بطولية

تطالب العائلات المفجوعة بمعرفة كيف لم يلفت مطلقا النار انتباه السلطات. وكان عامل البناء العاطل عن العمل نافيد لفترة من الفترات في 2019 تحت مراقبة الاستخبارات الأسترالية، لكنها توقّفت عن مراقبته بعدما اعتبرت أنه لا يشكّل خطراً وشيكاً.

وفي أعقاب هجوم بونداي، أعلنت الحكومة سلسلة من التدابير الوطنية في ما يخصّ حيازة الأسلحة وخطاب الكراهية، متعهّدة بفرض قوانين وغرامات أكثر صرامة.

وكشف ألبانيز عن خطّة واسعة لإعادة شراء الأسلحة من أصحابها «بغية التخلّص من المسدّسات في الشوارع».

وهي أوسع خطّة مماثلة منذ 1996 عندما قرّرت السلطات الأسترالية احتواء انتشار الأسلحة النارية إثر عملية قتل جماعي أودت بـ35 شخصاً في بورت آرثر.

وتحقّق وحدة من قسم مكافحة الإرهاب في أسباب سفر المهاجمَين إلى جنوب الفلبين قبل أسابيع من ارتكاب جريمتهما. وطلب رئيس الوزراء الأسترالي مراجعة أساليب عمل الشرطة والاستخبارات.

شخص يحمل علم إسرائيل وآخرون يحضرون مراسم إحياء اليوم الوطني للتأمل في الضحايا والناجين من حادث إطلاق النار في بونداي بسيدني يوم الأحد 21 ديسمبر 2025 في أعقاب الحادثة التي وقعت في 14 ديسمبر (أ.ب)

وإلى جانب الفظائع التي ارتُكبت، برزت أفعال بطولية جديرة بالثناء. فقد تصدّى مارة عزّل للمهاجمَين المدجّجين بالأسلحة، في حين قام آخرون بحماية غرباء أو تحدّوا الطلقات النارية لمعالجة المصابين.

وقضى أليكس كليتمان (87 عاماً)، وهو أكبر الضحايا سنّاً، وسبق أن نجا من «محرقة اليهود»، وهو يحاول حماية زوجته.

وتلقّى صاحب محلّ البقالة أحمد الأحمد الذي انتقل إلى أستراليا من سوريا قبل نحو 10 سنوات، وهو أب لولدَين، إشادات كثيرة بعد تمكّنه من انتزاع سلاح أحد المهاجمَين.

وقضى ساجد أكرم، وهو مواطن هندي وصل سنة 1998 إلى أستراليا بتأشيرة دخول، بطلقات الشرطة. أما نافيد المولود في أستراليا، فهو في المستشفى تحت مراقبة الشرطة، وقد وُجّهت له عدّة تهم، بينها الإرهاب وارتكاب 15 جريمة قتل.


السلطات الباكستانية تخلي مخيماً للاجئين بعد هجوم على سيارة شرطة

يقف أفراد الأمن حراساً بالقرب من كاتدرائية القديس يوحنا قبيل احتفالات عيد الميلاد في بيشاور 20 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
يقف أفراد الأمن حراساً بالقرب من كاتدرائية القديس يوحنا قبيل احتفالات عيد الميلاد في بيشاور 20 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

السلطات الباكستانية تخلي مخيماً للاجئين بعد هجوم على سيارة شرطة

يقف أفراد الأمن حراساً بالقرب من كاتدرائية القديس يوحنا قبيل احتفالات عيد الميلاد في بيشاور 20 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)
يقف أفراد الأمن حراساً بالقرب من كاتدرائية القديس يوحنا قبيل احتفالات عيد الميلاد في بيشاور 20 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

أفادت تقارير بقيام مسلحين بالهجوم على سيارة تابعة للشرطة بالقرب من مخيم للاجئين الأفغان يقع على طريق كوهات في بانو بإقليم خيبر باختنخوا الواقع شمال غربي البلاد، ما دفع السلطات إلى إصدار أوامر بإخلاء المستعمرة.

يقف أفراد الأمن حراساً بالقرب من كاتدرائية القديس يوحنا قبيل احتفالات عيد الميلاد في بيشاور في 20 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

وأفادت صحيفة «ذا إكسبريس تريبيون» الباكستانية، الأحد، بأن الحادث وقع أثناء سفر نائب قائد الشرطة، مفيز خان، من مستعمرة بانو إلى منطقة دوميل. وفتح المهاجمون، الذين كانوا مختبئين بالقرب من المخيم، نيران أسلحتهم على سيارة خان، فيما وصفته الشرطة بأنه «كمين مدبر». ورد أفراد الشرطة بإطلاق النار، ما أجبر المهاجمين على الفرار. ولحقت أضرار جزئية بسيارة الشرطة، دون الإبلاغ عن وقوع إصابات. وقامت الشرطة بتطويق المنطقة وبدأت عملية بحث لتعقب المشتبه بهم.

على صعيد متصل، قال قائد شرطة المنطقة، ياسر أفريدي، إن المخيم كان يستخدم من قبل مسلحين غطاءً لشن هجمات متكررة على قوات الأمن.

في غضون ذلك، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه تم إعادة نحو 2.8 مليون أفغاني من إيران وباكستان. وأضافت المفوضية أن مستقبل اللاجئين الأفغان في باكستان لا يزال غير مؤكد، وأن وضعهم يسبب قلقاً بالغاً، حسب قناة «طلوع نيوز» التلفزيونية الأفغانية الأحد.

وفي أحدث تقرير لها، قالت المفوضية إن المساعدات الإنسانية في أفغانستان تواجه نقصاً حاداً في التمويل، حيث لم يتم تأمين سوى 37 في المائة من مبلغ 478 مليون دولار المطلوب لعام 2025 حتى الآن. وأضاف التقرير: «تواجه أفغانستان أزمة إنسانية متفاقمة، ناجمة عن تدهور وضع حقوق الإنسان والصعوبات الاقتصادية المستمرة وتكرار حدوث كوارث طبيعية والوصول المحدود إلى الخدمات الأساسية». وأدى عودة 2.8 مليون أفغاني على نطاق واسع من إيران وباكستان في عام 2025 إلى زيادة الضغط على الموارد.


باكستان: مقتل 4 جنود في هجوم انتحاري بسيارة مفخخة على موقع عسكري

عناصر من الجيش الباكستاني في حالة استنفار (أرشيفية - متداولة)
عناصر من الجيش الباكستاني في حالة استنفار (أرشيفية - متداولة)
TT

باكستان: مقتل 4 جنود في هجوم انتحاري بسيارة مفخخة على موقع عسكري

عناصر من الجيش الباكستاني في حالة استنفار (أرشيفية - متداولة)
عناصر من الجيش الباكستاني في حالة استنفار (أرشيفية - متداولة)

أفادت السلطات الباكستانية بمقتل 4 جنود وإصابة 15 مدنياً على الأقل، بينهم نساء وأطفال، جراء اشتباك مسلح استمر ساعةً اندلع نتيجة هجوم شنه انتحاري بسيارة مفخخة

وثلاثة مسلحين على موقع عسكري بالقرب من قرية في شمال غرب باكستان، الجمعة.

وأفاد الجيش الباكستاني والشرطة المحلية بأن الهجوم وقع في شمال وزيرستان، المعقل السابق لـ«طالبان باكستان» وجماعات مسلحة أخرى بإقليم خيبر بختونخوا على الحدود مع أفغانستان. وقالت الشرطة إن الانفجار تسبب في انهيار منازل مجاورة، مما أدى إلى إصابة مدنيين. وأعلن الجيش، في بيان، مقتل جميع المهاجمين على يد قوات الجيش أثناء

الاشتباكات. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الهجوم على الفور، لكن الجيش حمّل «طالبان باكستان» مسؤولية الهجوم.

وأوضح الجيش أن المهاجمين حاولوا في البداية اقتحام محيط الموقع، لكن تم صدهم. وأضاف البيان أن المسلحين بعد ذلك اخترقوا الجدار الخارجي بسيارة محملة بالمتفجرات. وأشار الجيش إلى أن قوة الانفجار ألحقت أضراراً بالمنازل القريبة وبمسجد مجاور.

وقال الجيش إن الهجوم تم التخطيط له وتوجيهه عبر الحدود في أفغانستان. ولم يصدر تعليق فوري من جانب كابل، التي أكدت لسنوات أنها لا تسمح لأي جهة باستخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات على أي دولة، بما في ذلك باكستان.

في غضون ذلك، ذكر تقرير للأمم المتحدة أن تنظيم «داعش - خراسان» يحتفظ بنحو 2000 مقاتل في أفغانستان ويلقن الأطفال دون سن 14 عاماً أفكاره ويهدد الأمن الإقليمي بعمليات إرهابية مستمرة. وأضاف التقرير أن البشتون الأفغان يهيمنون على قيادة عناصر «داعش» بأفغانستان، بينما يأتي العديد من المقاتلين من دول آسيا الوسطى، حسب وكالة «خاما برس» الأفغانية للأنباء، السبت.

وتابع التقرير أن الأهداف الرئيسية لتنظيم «داعش - خراسان» تشمل تنفيذ هجمات واسعة النطاق على مستوى العالم وإظهار قدرته على تجنيد مقاتلين وجذب دعم مالي. ويحذر محللون من أن اتساع نطاق التنظيم يشكل تهديداً مستمراً لأفغانستان والمنطقة ككل. وأضاف التقرير أنه مما يثير القلق بشكل خاص أن تنظيم «داعش - خراسان» أنشأ مدارس في أجزاء من شمال أفغانستان ومناطق بالقرب من الحدود الباكستانية، حيث يتم تلقين الأطفال دون سن 14 عاماً أفكاره وتدريبهم على تنفيذ مهام انتحارية.

ووصفت الأمم المتحدة هذا الاستخدام للقصر بأنه أمر بالغ الخطورة. ويقول خبراء إن تقرير الأمم المتحدة يؤكد استمرار دور أفغانستان ملاذاً آمناً للعديد من الجماعات المتطرفة. وتزداد مخاوف السلطات الإقليمية والدولية من أنه بدون إجراءات منسقة لمكافحة الإرهاب، فإن تلك المنظمات يمكن أن توسع نفوذها وتنفذ المزيد من الهجمات بمختلف أنحاء المنطقة.