ورد كيّال: «نهاية» يُعبِّر عن عجزنا في الأراضي المحتلّة

المخرج الفلسطيني قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يخشى من انتقاد فيلمه الجديد

من كواليس تصوير الفيلم (الشركة المنتجة)
من كواليس تصوير الفيلم (الشركة المنتجة)
TT

ورد كيّال: «نهاية» يُعبِّر عن عجزنا في الأراضي المحتلّة

من كواليس تصوير الفيلم (الشركة المنتجة)
من كواليس تصوير الفيلم (الشركة المنتجة)

قال المخرج الفلسطيني ورد كيّال إنّ فيلمه القصير الجديد «نهاية» جاء من «الحاجة إلى التعبير عن لحظة إنسانية يعيشها الفلسطيني يومياً في ظلّ واقع خانق مليء بالعجز والتناقضات»، مشيراً إلى أنّ فكرته وُلدت من حديث شخصي دار بينه وبين أحد أصدقائه عن السينما والواقع، وعن الطريقة التي يمكن من خلالها أن يقول الفنان ما يريد.

وأضاف، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنّ «الفكرة تطوَّرت وقرَّرتُ أن أصنع منها فيلماً بسيطاً لا يحتاج إلى أدوات ضخمة أو ميزانيات كبيرة أو حبكات مركّبة، بل هو عمل صادق يضع الإنسان أمام صورته، ويُجبره على النظر في مرآته بصدق».

المخرج الفلسطيني ورد كيّال لا يخشى النقد (الشركة المنتجة)

وعدَّ الفيلم محاولة لالتقاط تلك اللحظة الدقيقة التي «يتقاطع فيها الصمت بالعجز، والإدراك بالخذلان، في واقع يزداد قسوة يوماً بعد آخر».

ورأى كيّال مشاركة عمله في الدورة الـ41 من مهرجان «وارسو السينمائي الدولي» محطة مهمّة ومؤثرة بالنسبة إليه، «خصوصاً أنّ المهرجان من أبرز الفعاليات السينمائية الأوروبية التي تمنح مساحةً للأصوات الجديدة وللسينما التي تُواجه القمع والحروب».

وأكد أنّ عرضه في وارسو يُمثّل لحظةً إنسانية وفنّية في آن واحد، «فالمهرجان لم يكن في السنوات الأخيرة منفتحاً على السينما الفلسطينية بهذا الشكل»، مشيراً إلى أنّ «نهاية» هو الفيلم الفلسطيني الوحيد المشارك في المسابقة الرسمية هذا العام، ما يمنحه حضوراً رمزياً كبيراً في ظلّ ما تشهده فلسطين من مأساة متواصلة.

وأوضح أنّ المهرجان، بمكانته السياسية والثقافية، يتيح للفيلم أن يُعرض أمام جمهور أوروبي مختلف قد لا يتعامل عادةً مع السينما الفلسطينية من الداخل، مُعدّاً هذه المشاركة فرصةً لتقديم مقولته الفنّية في فضاء جديد، بعيداً عن التوقّعات المسبقة والنمط المُعتاد في تناول القضية الفلسطينية فنّياً.

تدور أحداث فيلم «نهاية» في ليلة عاصفة بمدينة حيفا، حيث يمشي رجلٌ وحيد في شوارع خالية مُحاولاً إشعال سيجارته من دون جدوى، فالرياح والمطر يُطفئان كلَّ محاولة.

علَّق كيّال: «هذا المشهد البسيط في ظاهره يتحوَّل تدريجياً إلى استعارة عن حالة إنسانية أعمق، إذ يعكس العجز الداخلي الذي يعيشه الفلسطيني خارج غزة أمام المأساة المستمرّة».

مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)

وأكد أنّ الفيلم صُوِّر بلقطة واحدة مُتواصلة من دون أي قطع أو انتقال زمني، في محاولة لتثبيت المُشاهد داخل لحظة واحدة مكثَّفة، مشيراً إلى أنّ هذا القرار الفنّي كان صعباً لكنه ضروري، لكونه يعكس فكرة الثبات والعجز التي أراد التعبير عنها، فالشخصية لا تتحرّك فعلياً نحو أي تغيير، بل تدور داخل دائرة مغلقة من المحاولات الفاشلة.

وأضاف كيّال أنّ «الإصرار على تنفيذ الفيلم بهذه الطريقة يجعل المُشاهد يشعر أنّه يعيش اللحظة نفسها مع الشخصية، من دون أن تمنحه السينما أي مهرب أو فاصل أو انتقال وهمي. فهو يظلُّ أسير اللحظة بكلّ ثقلها وبطئها وبردها»، لافتاً إلى أنّ «هذا الخيار الإخراجي كان تحدّياً تقنياً وإبداعياً كبيراً، لكنه منح الفيلم صدقه البصري وإحساسه الواقعي العميق».

وأوضح أنّ «فكرة إشعال السيجارة تحوَّلت داخل الفيلم إلى استعارة محورية تُعبّر عن الإنسان الذي انغلق على نفسه وتحوَّل إلى كائن أناني يعيش داخل قوقعته»، وقال إنّ «هذه الفكرة جاءت من ملاحظة واقعية لطبيعة الحياة اليومية للفلسطينيين داخل أراضي 48، حيث تستمر الحياة بشكل طبيعي بينما الإبادة مُتواصلة في غزة».

وأشار إلى أنّ الإلهام الأساسي للعمل جاء من شعوره بالعجز الجماعي والتقصير تجاه ما يحدث في فلسطين، الذي ازداد بعد الإبادة التي تشهدها غزة، مُتابعاً: «أرى أنّ السينما مسؤولة عن طرح الأسئلة وليس تقديم الأجوبة، ولا أخشى ردود الفعل على الفيلم، ولا أهتمّ إن كان البعض سيرى فيه نقداً قاسياً، لأنّ وظيفة السينما هي أن تقول ما لا يُقال، وتواجه ما يُخشى مواجهته».

وأضاف: «لا أحمّل الفلسطينيين المسؤولية عن المأساة، ولكن من واجبي أن أراجع نفسي وأُظهر كيف أصبحنا عاجزين عن حماية أنفسنا وعن التواصل مع ألمنا الجمعي. الاحتلال مسؤول أولاً وأخيراً، لكن من واجبنا أن نسأل: ماذا فعل بنا هذا الاحتلال؟ وكيف غيَّر فينا ما لم نعد نراه؟».

وتحدَّث كيّال عن موقع التصوير قائلاً إنّه اختار حيّاً في مدينة حيفا بُنيت طبقاته فوق بعضها البعض منذ عام 1948، حيث تتقاطع العمارة الاستعمارية مع العمارة الشعبية الفلسطينية، في مشهد يعكس التناقض بين مَن بنى ومَن سُلب منه المكان.

وأوضح أنّ «هذا الاختيار لم يكن جمالياً فقط، بل سياسي أيضاً، لأنّ المكان نفسه يحمل في تكوينه طبقات من التاريخ والاستعمار والاقتلاع»، مشيراً إلى أنّ «هذا الحيّ يضمّ فئات منبوذة ومهاجرين وطبقات غير مرئية داخل المجتمع الإسرائيلي، وهو ما يعكس رمزياً الفكرة التي يرتكز عليها الفيلم عن التهميش والعزلة والانفصال».

وبيَّن أنّ التصوير في الشارع، تحت المطر والبرد وفي ظروف صعبة، أضفى واقعيةً شديدة وعمقاً شعورياً إضافياً، إذ امتزج أداء الممثل بتعب الجسد والبرد الحقيقي.

وقال كيّال إنّ «اختيار الممثل زياد بكري جاء طبيعياً ومباشراً بعد سلسلة من اللقاءات»، مشيراً إلى أنّ الأخير قرأ السيناريو وأبدى حماسته الفورية للمُشاركة، لأنه شعر أنّ الشخصية تُعبّر عنه، لافتاً إلى أنّ غياب الحوار تقريباً في الفيلم جعل التمثيل يعتمد على الجسد والحركة والإحساس الداخلي، وهو ما برَعَ فيه بكري، ليُحوّل الصمت إلى لغة مكتملة المعنى.

وأضاف المخرج أنّ «عملية التصوير كانت شاقّة جداً، إذ استغرقت تحضيرات طويلة لتنسيق اللقطة الواحدة، وتطلَّبت انسجاماً كاملاً بين الكاميرا والممثل والإضاءة وحركة المطر والرياح»، واستدرك بأنّ «هذا العناء منح الفيلم صدقه، لأنّ التعب الحقيقي الذي عاشه الممثل انعكس في الأداء وأضفى على الشخصية طبقةً إضافيةً من الضغط والانفعال».

كذلك بيَّن أنّ «هذه الصعوبة لم تكن عائقاً بقدر ما كانت جزءاً من التجربة الإبداعية نفسها، لأنّّ (نهاية) ليس مجرّد فيلم يُروى، بل هو تجربة تُعاش».


مقالات ذات صلة

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

يوميات الشرق ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق مؤسسة «فيلم إندبندنت» تنظم ورشة عمل لصناع الأفلام ومنتجي التلفزيون السعوديين (الشرق الأوسط)

الشراكات الأميركية - السعودية تعيد تشكيل «المشهد السينمائي»

بمشهد يعكس تحوّل السينما من فعل ثقافي إلى صناعة عابرة للحدود حضرت البعثة الأميركية لدى المملكة العربية السعودية على هامش «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي».

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

يقدّم فيلم «الأسود على نهر دجلة» تجربة تتقاطع فيها الذاكرة الشخصية بالذاكرة الجماعية، ويعود فيها المخرج زرادشت أحمد إلى المُوصل.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق خيرية نظمي في مشهد من فيلم «هجرة» (الشرق الأوسط)

خيرية نظمي لـ«الشرق الأوسط»: حياتي الفنّية بدأت بعد الخمسين

تعود خيرية نظمي إلى فكرة السلام الداخلي، مؤكدةً أنها تعيش حالة رضا وتصالح مع الذات...

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق أمير المصري قام ببطولة فيلم «العملاق» (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

المخرج البريطاني روان أثالي: أمير المصري أبهرني في «العملاق»

قال المخرج البريطاني روان أثالي إن اختيار المشهد الافتتاحي لفيلم «العملاق» لم يكن قراراً مفاجئاً، بل كان محدداً منذ المراحل الأولى للكتابة.

أحمد عدلي (جدة )

وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
TT

وزير الإعلام السعودي: لا تسامح مع استخدام حرية التعبير لخلق فوضى

وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)
وزير الإعلام السعودي سلمان الدوسري والعضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار» عبد الله الداود خلال المؤتمر (وزارة الإعلام)

شدد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، على عدم التسامح مع من يحاولون استخدام «حرية التعبير» لخلق فوضى في الفضاء الإعلامي، أو استخدام خطاب شعبوي زائف الهدف منه زيادة أعداد المتابعين، وذلك خلال المؤتمر الصحافي الحكومي بالعاصمة الرياض.

وقال وزير الإعلام السعودي إن القوانين والأنظمة في السعودية تكفل حرية التعبير كحق أصيل، لكن في الوقت نفسه تميز بوضوح بين الرأي المسؤول والنقد البناء، وبين التحريض الذي يهدف إلى التضليل أو تأجيج الرأي العام.

وبيّن أن إجراءات هيئة تنظيم الإعلام لا تستهدف الآراء أو النقد البناء، بقدر ما تأتي في إطار تطبيق الأنظمة تجاه أي ممارسات تتجاوز المسؤولية الإعلامية وتمس السلم المجتمعي.

وكشف الوزير الدوسري خلال المؤتمر، الذي عقد للحديث عن تطورات مشروع مدينة القدية، أن العمل جارٍ لإطلاق مشروع «مدرسة الموهوبين الإعلاميين»، وذلك بالتعاون مع وزارة التعليم، لاكتشاف ورعاية الموهوبين من مراحل مبكرة.

وأوضح أن مدينة القدية ستستضيف الملتقى الثاني لصناع التأثير إمباك 2026، لافتاً إلى أن العمل قائم مع الشركاء في القدية لإطلاق مشروع «بيت إمباك».

واستعرض وزير الإعلام السعودي مجموعة من الإنجازات التي حققتها السعودية خلال الفترة الماضية، ومن ذلك زيادة مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، حيث بلغت 55.4 في المائة خلال الربع الثالث من العام الماضي، مقارنة بـ45.9 في المائة في الربع الثالث من عام 2016. فيما ⁠«بلغت نسبة تملُّك الأسر السعودية للمنازل في نهاية العام الماضي 65.4 في المائة».

وتابع: ⁠«احتلّت المملكة المركز الأول عالمياً في عدد الجوائز التي نالتها في مسابقة الذكاء الاصطناعي العالمية للشباب بـ26 جائزة، كأكبر دولة في العالم تنال هذا العدد من الجوائز في تاريخ المسابقة».

وأضاف الوزير الدوسري أن قطار الرياض استقبل 120 مليون راكب منذ بدء انطلاق المشروع وحتى أكتوبر (تشرين الأول) 2025، وسجّل أعلى درجات الانضباط في التشغيل، بنسبة التزام بلغت 99.8 في المائة لعام 2025. مشيراً إلى أن السعودية تستهدف تنفيذ المرحلة السابعة من مشروع قطار الرياض خلال العام المقبل.

من جهته، قال العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، عبد الله الداود، أن القدية مدينة فريدة من نوعها تجمع أكثر من 70 أصلاً في مكانٍ واحد، من بينها استاد الأمير محمد بن سلمان، ومجمع التنس الوطني، ومركز الفنون الأدائية، والعديد من الأصول النوعية الأخرى. ‏وأكد الداود أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يؤمن بالمشاريع النوعية التي تضيف لحياة الناس ولها القدرة على خلق اقتصادات وقطاعات جديدة، ولذلك كان كل العمل منصباً على تنفيذ أفكار الأمير محمد وتطلعاته، مشيراً إلى أن مشروع القدية يأتي من قلب «رؤية 2030»، وأن القدية تتبنى مفهوماً متكاملاً يندمج فيه الترفيه والرياضة والثقافة والسياحة بشكل متجانس.

وأعلن العضو المنتدب لشركة «القدية للاستثمار»، خلال المؤتمر، أن تاريخ 31 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، هو موعد افتتاح مدينة القدية لأول أصولها، منتزه «سيكس فلاغز»، مؤكداً أن الافتتاح سيشكل نقلة نوعية تحولية في مسيرة المدينة.

وأضاف الدواد أن منتزه «Six Flags» نجح في كسر عدد من الأرقام القياسية، وذلك من خلال 5 ألعاب في مكان واحد، من أبرزها لعبة أفعوانية الصقر التي تحطم 3 أرقام قياسية كأطول أفعوانية في العالم، وأسرع أفعوانية في العالم، وأعلى أفعوانية في العالم.

وكشف الداود أنه تم الانتهاء الكامل من منتزه «Six Flags» الذي صمم لاستقبال نحو 10 آلاف زائر يومياً، ومن المتوقع أن يتجاوز أعداد زوار المنتزه مليوني زائر خلال 2026، فيما تم الانتهاء من أكثر من 95 في المائة من منتزه أكواريبيا المائي وسيفتتح خلال العام المقبل، إضافة إلى المرحلة الأولى للبنية التحتية في الطرق والكهرباء والاتصالات وخدمات الطوارئ.


«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
TT

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)
ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى؛ إذ يعرف الطفل «نور» (يقوم بدوره الطفل آسر) أن «حبيبة» (ريهام عبد الغفور) هي خالته، ويتعامل معها على هذا الأساس، فالطفل المتفوق في المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر، يخطط لمفاجأة والدته في رأس السنة بزيارتها في باريس مع تحضير مفاجأة لها، لتكون العطلة بمثابة بداية لأيام مختلفة في حياته.

نشاهد الفيلم من منظور الطفل «نور» على مدار الأحداث، بداية من المدرسة الداخلية التي يدرس فيها بالمجر والتي تقع بالقرب من منزل «حبيبة» وصديقتها التي تقيم معها، وكلتاهما من أصحاب «متلازمة داون»، مروراً بتواصله مع «سارة» (هنادي مهنا) باعتبارها والدته التي لم تأتِ لزيارته ولقائه من باريس منذ عامين، في حين يقتصر التواصل بينهما على الاتصالات الهاتفية.

يعتمد الفيلم بالكامل على رؤية العالم من خلال «نور»، فنحن نراه ونفهمه كما يراه هو، ونشهد تحوّلاته النفسية من دون تدخل تفسيري مباشر للقاءات التي يخوضها في الطريق مع غرباء، وتبدّل الأمكنة، والضغط المتواصل الناتج عن السفر، والظروف الاضطرارية التي تعوق ترتيب رحلته وإكمالها بالطريقة التي يريدها، مع إعادة ترتيب الأنشطة والأماكن التي يوجد فيها قبل الوصول إلى والدته.

في الأحداث التي تستمر على مدار أكثر من 90 دقيقة نتابع رحلة «نور» التي تشمل توقفات بعدد من المدن الأوروبية قبل الوصول لوجهته النهائية في باريس؛ توقفات لرغبته في تنفيذ مفاجأة استثنائية لوالدته وهدية لذكرى والده الراحل.

ريهام عبد الغفور مع عدد من الحضور في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

الفيلم الذي شارك في بطولته إلى جوار ريهام وآسر كل من هنادي مهنا، وأسماء أبو اليزيد، وعدد من الممثلين الأجانب، كتبه يوسف وجدي، ويخرجه رامي الجندي في أولى تجاربه الإخراجية، في حين صُوّر بين 6 مدن أوروبية مختلفة على مدار أكثر من عام.

وقال المخرج رامي الجندي لـ«الشرق الأوسط» إن نقطة الانطلاق في «خريطة رأس السنة» كانت تحديد زاوية الرؤية للأحداث، وإن القرار الأهم تمثّل في أن يُروى الفيلم بالكامل من داخل وعي الطفل «نور»، فالمتفرج لا يُفترض به أن يرى الشخصيات من الخارج، بل يختبر العالم بذات الدرجة من البراءة والارتباك والأسئلة غير المكتملة التي يعيشها البطل، وهو ما فرض إيقاعاً هادئاً ولغة بصرية تميل إلى المراقبة أكثر من الشرح، وفق تعبيره.

وأوضح الجندي أن «العلاقة بين (نور) و(حبيبة) لا تقوم على المفاجأة أو الاكتشاف، بل على المعرفة المسبقة، وهو ما منح الفيلم مساحة أعمق للاشتغال على الاختبار الإنساني، لا الصدمة الدرامية»، مشيراً إلى أن هذا الاختيار أتاح له التركيز على التفاصيل الصغيرة في العلاقة، وعلى التحوّلات التدريجية في فهم الطفل لمعنى المسؤولية، بدلاً من اللجوء إلى حلول سردية مباشرة.

ولفت المخرج إلى أن «اختيار التصوير في أجواء (الكريسماس) بأوروبا كان تحدياً كبيراً؛ إذ يُعد هذا التوقيت الأصعب من حيث الإجازات والتحكم في المواقع وحركة المدن»، على حد تعبيره، وقال إنه قام بتقسيم التصوير إلى ثلاث مراحل، عبر ست دول أوروبية مختلفة، معتبراً أن السيطرة على هذا الكم من التفاصيل لم تكن سهلة، لكنها كانت حاسمة للحفاظ على الإحساس الحقيقي بالطريق.

وأضاف الجندي أن «العمل مع ممثلين أجانب جرى بالكامل عبر الإنترنت، من خلال شركات متخصصة، وهو ما تطلّب تحضيرات طويلة قبل التصوير».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

وأكد مؤلف الفيلم يوسف وجدي لـ«الشرق الأوسط» أن العمل لا يتعامل مع «متلازمة داون» بوصفها موضوعاً مستقلاً، بل كجزء من نسيج إنساني أوسع، موضحاً أن «التحدي الحقيقي كان في تجنّب الخطاب المباشر أو التفسير الأخلاقي الجاهز، خصوصاً أن ما شغله منذ البداية مرتبط بطبيعة الاختلاف بين كل حالة، والتفاوت الموجود لدى كل شخص، وكيف يمكن أن يستفيد منه ليعيش حياته بشكل أفضل».

وأضاف وجدي أن «فكرة العمل استُلهمت جزئياً من قضايا حقيقية أُثيرت في فرنسا، تتعلق بالأهلية الأسرية، وبالنظرة القانونية والاجتماعية إلى مفهوم المسؤولية لمن يعاني من (متلازمة داون)»، مشيراً إلى أن هذه القضايا فتحت أمامه مساحة للتفكير في الفجوة بين القانون والمشاعر، وبين ما يُعتبر صحيحاً على الورق وما يحدث فعلياً داخل البيوت والعلاقات اليومية.


معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
TT

معرض تراثي في متحف الحضارة المصرية يحتفي بفنون الخط العربي

الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)
الاحتفاء بالخط العربي في المتحف القومي للحضارة المصرية (المتحف القومي للحضارة المصرية)

ضمن فعاليات متنوعة احتفاء باليوم العالمي للغة العربية، استضاف المتحف القومي للحضارة المصرية معرضاً تراثياً لفنون الخط العربي، وتضمنت الفعاليات معرضاً فنياً ضم مجموعة من اللوحات التي تُبرز جماليات فن الخط العربي، إلى جانب معرض متميز لأعمال ومقتنيات عائلة صوفي زاده، شمل لوحات فنية وأفلاماً تسجيلية توثّق مسيرتها الفنية بوصفها رائدة في فنون الخط العربي.

وتحت شعار «إرث يتجدد بخط يتألق»، جاءت الفعاليات المتنوعة، بالتعاون مع سفارة سلطنة عُمان بالقاهرة، وجمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، ومشيخة الأزهر الشريف، والمجمع اللغوي بالقاهرة، وعائلة صوفي زاده؛ تأكيداً على الدور المحوري للغة العربية بوصفها أحد أهم روافد الهوية الثقافية والإنسانية.

واحتفلت أكثر من مؤسسة مصرية باليوم العالمي للغة العربية المقرر في 18 ديسمبر (كانون الأول) عبر ندوات وأنشطة ومعارض متنوعة، من بينها: ندوة مشتركة بين كلية دار العلوم ودار الكتب والوثائق القومية، واحتفالية بجامعة الدول العربية، وفعاليات ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي الذي أقيم في قصر الفنون وضم لوحات العديد من رواد الخط العربي فضلاً عن الفنانين المعاصرين.

وتسعى الفعاليات التي نظمها متحف الحضارة إلى «نشر الوعي بالتراث المصري وتعزيز قيمه الحضارية، وإيماناً بأهمية اللغة العربية ومكانتها التاريخية بوصفها وعاءً للهوية وذاكرة للأمة»، وفق بيان للمتحف.

وأكد الدكتور الطيب عباس، الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف القومي للحضارة المصرية، أهمية هذه الفعاليات في «صون التراث المصري وتعزيز الوعي به»، مشيراً في البيان إلى أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي وعاء الحضارة وذاكرة الأمة، وحلقة الوصل بين الماضي والحاضر، بما تحمله من قيم ثقافية وجمالية قادرة على التعبير عن هوية الشعوب وصون تراثها عبر العصور».

ولفت إلى أن مقتنيات المتحف تضم العديد من القطع الأثرية، لا سيما الإسلامية منها، التي تزخر بنماذج راقية من الفنون والزخارف والخطوط العربية، وتعكس تطور الكتابة وجمالياتها عبر العصور، بما يجعلها شاهداً حياً على عبقرية الفنان المصري وقدرة اللغة العربية على التجدد والتألق.

فيما عدّ المستشار محمد شيرين فهمي، رئيس مجلس إدارة جمعية أصدقاء المتحف القومي للحضارة المصرية، اللغة العربية «ركيزة أساسية في حفظ الذاكرة الحضارية المصرية ونقلها إلى الأجيال المتعاقبة»، مشيداً بالدور الذي يقوم به المتحف في صون هذا الإرث الثقافي.

وتضمّنت الفعالية عرض فيلم تسجيلي قصير عن تراث عائلة صوفي زاده، إحدى أعرق العائلات التي توارثت فنون الخط العربي والزخرفة والرسم والنحت والتذهيب عبر خمسة أجيال متعاقبة.

وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت قراراً عام 1973 بإدراج اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل بالأمم المتحدة، في 18 ديسمبر، وهي المناسبة التي تم خلالها عدّ هذا اليوم يوماً عالمياً للغة العربية.