«الأندية السينمائية في السعودية»... مشهد مُتجدّد يصنع جمهوره ووعيه البصري

رئيس «سينيراما» لـ«الشرق الأوسط»: نحلم بنادٍ للسينما في كلّ حيّ

تُمثّل الأندية السينمائية مساحة حيّة للحوار حول الأفلام واتّجاهات الفنّ السابع (سينيراما)
تُمثّل الأندية السينمائية مساحة حيّة للحوار حول الأفلام واتّجاهات الفنّ السابع (سينيراما)
TT

«الأندية السينمائية في السعودية»... مشهد مُتجدّد يصنع جمهوره ووعيه البصري

تُمثّل الأندية السينمائية مساحة حيّة للحوار حول الأفلام واتّجاهات الفنّ السابع (سينيراما)
تُمثّل الأندية السينمائية مساحة حيّة للحوار حول الأفلام واتّجاهات الفنّ السابع (سينيراما)

لم تعُد السينما في السعودية تقتصر على عرض الأفلام في الصالات التجارية التي فتحت أبوابها عام 2018، فالمملكة تشهد اليوم حراكاً موازياً يتمثَّل في انتشار الأندية السينمائية بمختلف المناطق. هذه الظاهرة الجديدة بدأت تتحوَّل إلى حاضنة جماعية تمنح الهواة والنقّاد والكتّاب والممثّلين منصّات للتجريب والحوار، وتخلق بيئة ثقافية موازية تعزّز الوعي البصري وتُنمّي الذائقة الفنّية.

كانت السعودية قد عرفت محاولات محدودة لإنشاء تجمّعات سينمائية منذ بداية الألفية الثالثة، لكنها بقيت في دوائر ضيّقة. ومع الانفتاح الثقافي الذي شهدته المملكة خلال السنوات الأخيرة، عادت الفكرة بقوة عبر مبادرات شبابية ومؤسّساتية، مدعومة من «هيئة الأفلام» السعودية ومنصّات مثل جمعية أندية الهواة «هاوي» التابعة لبرنامج «جودة الحياة»؛ ويمكن القول إنّ هذه الأندية باتت تُشكل خريطة سينمائية جديدة لاتجاهات الفنّ السابع في البلاد.

مؤسِّس نادي «سينيراما» د. فهد اليحيا (الشرق الأوسط)

نادي «سينيراما»... من الحلم إلى الواقع

إحدى التجارب اللافتة هي نادي «سينيراما» السينمائي بمدينة الرياض. وفي حديث لرئيس النادي الدكتور فهد اليحيا، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أنه حاول منذ عودته من دراسته العليا في بريطانيا تأسيس نادٍ للسينما لكنه لم يفلح. وأضاف: «ذات يوم تداعى عدد من الشباب المهتمّين بالسينما، على رأسهم مجموعة (تلاشي) برئاسة الناقد والكاتب فهد الأسطا، وأنشأنا مجموعة غير رسمية لعرض الأفلام والنقاش حولها تحت اسم (7 ½)، ربما استُلهم من فيلم فيلليني الشهير (8 ½). في تلك المدّة، عرضت المجموعة عدداً من الأفلام في أحد فنادق غرب الرياض، بالقرب من جمعية الثقافة والفنون، وكانت أمسية جميلة، لكن التجربة لم تدم طويلاً بعدما اتجه كثير من أعضائها للدراسة في الخارج».

وأوضح اليحيا أنه بعد تقاعده قبل أكثر من عامين، ومع ظهور منصّة «هاوي» التابعة لبرنامج «جودة الحياة»، التي تُعنى بإنشاء نوادٍ للهواة، عاد لمحاولاته لتأسيس نادٍ سينمائي حتى تكلّلت بالنجاح بتدشين نادي «سينيراما» في 15 مارس (آذار) الماضي. وأفاد بأنّ النادي بدأ منذ انطلاقه بتنظيم عروض سينمائية نوعية، منها عرض فيلم «هوبال» بحضور مخرجه عبد العزيز الشلاحي والممثلة ميلا الزهراني. كما عرض الفيلم القصير «بسطة» بحضور مخرجته هند الفهاد، وأجرت الحوار الإعلامية إيمان بكر يونس.

وتابع اليحيا: «قدَّمنا فيلم (طريق الوادي)، وفي الأسبوع التالي فيلماً توثيقياً بعنوان (رحلة مع طريق الوادي) عن صناعة الفيلم، تلاه نقاش مع المخرج وعدد من المشاركين. إضافةً إلى ذلك، عرضنا عدداً من الأفلام القصيرة عن الحياة الفطرية في المملكة وحاورنا صنَّاعها». وأشار إلى أنّ أحدث فعاليات النادي كانت خلال هذا الأسبوع باستضافة الشاعر والسينمائي أحمد الملا في أمسية وصفها بـ«الناجحة بكلّ المقاييس»، مزجت بين النقاش حول السينما والمهرجانات، وعرض الأفلام، والشِّعر.

وختم حديثه بالقول: «مع (رؤية 2030)، فُتِح المجال أمام أنشطة فنّية وثقافية وأدبية متعدّدة، وأُنشئت تباعاً أندية سينمائية، ولا يزال الطريق مفتوحاً أمام مزيد من هذا كلّه. أتمنّى أن يكون في كلّ حيّ من كلّ مدينة وقرية نادٍ للسينما، كما الحال في المغرب الذي يضم أكثر من 250 نادياً سينمائياً، وفق ما يذكر السينمائي المغربي الدكتور حمادي كيروم».

الرئيسة التنفيذية لـ«المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام» جمانا الراشد في «سينيراما»... (الشرق الأوسط)

نادي «كات»... الوليد الأحدث

أحدث ما أُضيف إلى مشهد الأندية السينمائية هو نادي «كات» السينمائي بالخُبر، الذي تستضيفه جمعية السينما السعودية ليُعقد لقاءاته بشكل شهري، جامعاً بين الكتّاب والممثلين والنقّاد وهواة الفنّ السابع. ويأتي اسمه «كات» ليجمع بين كلمة «كاتب» ومصطلح القطع في لغة السينما، في إشارة إلى روح الكتابة والإبداع. ويركّز الصالون على تطوير مهارات الكتابة السينمائية وتعميق أدوات النقد الفنّي، واستكشاف فنون الأداء والتمثيل، بما يمنح المشاركين فرصة الحوار وتبادل التجارب أمام جمهور متنوّع.

في هذا السياق، أوضح الكاتب والمخرج عبد المحسن المطيري، أحد مؤسِّسي النادي، أنّ فكرته جاءت «لسدّ فراغ في المشهد المحلّي، إذ تفتقر الساحة إلى منصّات دورية تتيح للمبدعين تبادل الرؤى والتجارب». وأضاف أن النادي سيكون «منبراً حيّاً يحتضن الإبداع ويُنمّي الحوار الفنّي»، ومن المتوقَّع أن يعقد فعالياته في أول يوم أربعاء من كلّ شهر، بداية من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

الفنان إبراهيم الحساوي خلال أحد لقاءات نادي «سينيراما»... (الشرق الأوسط)

حراك سينمائي... من جدة وأبها

ومن الأندية التي شكَّلت نقطة انطلاق جديدة، نادي «ألوان السينما» بجدة، الذي تأسَّس عام 2021 ويضمّ اليوم أكثر من 500 عضو، مُقدِّماً نفسه منصّة مُتكاملة تجمع الموهوبين في التمثيل والإخراج والتصوير وكتابة السيناريو؛ فيعمل على تطوير مهاراتهم عبر ورشات تدريبية ودورات متخصّصة.

وفي منطقة عسير، تأسَّس نادي «الإبداع السينمائي» ليؤكد أنّ الاهتمام بالفنّ السابع لم يعد حكراً على الرياض وجدة، مُركّزاً على مزج المحترفين بالهواة عبر جلسات نقدية وتدريبية، ضمن توجّه يبرز قيمة الأندية بكونها مختبرات صغيرة تسمح للمبتدئين بالتعلُّم المباشر من ذوي الخبرة، وتفتح المجال أمام مدن خارج المركز التقليدي لتُشارك في صياغة المشهد السينمائي الوطني.

وبالعودة إلى العاصمة الرياض، شهد منتصف العام الحالي انطلاق نادي «السينمائيون الجدد» الهادف إلى بناء وعي سينمائي جديد لدى جيل الشباب من خلال ترسيخ مفاهيم التذوّق الفنّي والنقد الجمالي، وتشجيع القراءة العميقة للأفلام، مع فتح المجال أمام الإسهامات الفردية والجماعية في تطوير المشهد السينمائي المحلّي.

فضاءات بديلة

رغم الانتشار، تُواجه الأندية تحّديات أبرزها الاستمرارية والتمويل، إذ يتطلَّب نجاحها دعماً مادياً ومعنوياً يضمن بقاء النشاط، كما تُواجه صعوبات في الحصول على حقوق عرض لأفلام عالمية. كما يبقى جذب الأعضاء والمحافظة على تفاعلهم مسألة تحتاج إلى إدارة دقيقة. ومع ذلك، فإنّ الدعم المؤسَّسي من «هيئة الأفلام» ومنصات مثل «هاوي»، إلى جانب الحماسة الشبابية، يمنحان هذه الأندية أرضية صلبة للنمو.

من جدة إلى أبها، ومن الرياض إلى الخُبر، تتشكَّل اليوم خريطة جديدة للسينما السعودية عبر الأندية والصالونات. ولا تعرض هذه الفضاءات البديلة الأفلام فقط، بل تصنع جمهوراً متذوّقاً، وتُدرّب جيلاً من المبدعين، وتفتح مسارات للنقد والحوار. وإذا كانت قاعات العرض التجارية قد أعادت السينما إلى الحياة العامة، فإنّ الأندية السينمائية تمنحها عمقاً ومعنى، وتجعلها عنصراً أصيلاً في المشهد الثقافي والفنّي للبلاد.


مقالات ذات صلة

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

يوميات الشرق ريهام وأسماء أبو اليزيد في العرض الخاص (الشركة المنتجة)

«خريطة رأس السنة»... دراما مصرية عن الأمومة و«متلازمة داون»

يقدّم الفيلم المصري «خريطة رأس السنة» تجربة سينمائية إنسانية تنطلق من علاقة عائلية واضحة منذ اللحظة الأولى.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق مؤسسة «فيلم إندبندنت» تنظم ورشة عمل لصناع الأفلام ومنتجي التلفزيون السعوديين (الشرق الأوسط)

الشراكات الأميركية - السعودية تعيد تشكيل «المشهد السينمائي»

بمشهد يعكس تحوّل السينما من فعل ثقافي إلى صناعة عابرة للحدود حضرت البعثة الأميركية لدى المملكة العربية السعودية على هامش «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي».

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج العراقي زرادشت أحمد (الشركة المنتجة للفيلم)

«الأسود على نهر دجلة»... صراع إنساني تكشفه بوابة نجت من الدمار

يقدّم فيلم «الأسود على نهر دجلة» تجربة تتقاطع فيها الذاكرة الشخصية بالذاكرة الجماعية، ويعود فيها المخرج زرادشت أحمد إلى المُوصل.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق خيرية نظمي في مشهد من فيلم «هجرة» (الشرق الأوسط)

خيرية نظمي لـ«الشرق الأوسط»: حياتي الفنّية بدأت بعد الخمسين

تعود خيرية نظمي إلى فكرة السلام الداخلي، مؤكدةً أنها تعيش حالة رضا وتصالح مع الذات...

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق أمير المصري قام ببطولة فيلم «العملاق» (مهرجان البحر الأحمر السينمائي)

المخرج البريطاني روان أثالي: أمير المصري أبهرني في «العملاق»

قال المخرج البريطاني روان أثالي إن اختيار المشهد الافتتاحي لفيلم «العملاق» لم يكن قراراً مفاجئاً، بل كان محدداً منذ المراحل الأولى للكتابة.

أحمد عدلي (جدة )

فيلم «أڤاتار: نار ورماد»... نقاط ضعف وحسنات

أونا تشابلن شريرة الفيلم (تونتييث سنتشري ستديوز)
أونا تشابلن شريرة الفيلم (تونتييث سنتشري ستديوز)
TT

فيلم «أڤاتار: نار ورماد»... نقاط ضعف وحسنات

أونا تشابلن شريرة الفيلم (تونتييث سنتشري ستديوز)
أونا تشابلن شريرة الفيلم (تونتييث سنتشري ستديوز)

كل ما يحدث في «أڤاتار: نار ورماد» على مدى ثلاث ساعات و17 دقيقة كان يمكن له أن يحدث على كوكب الأرض فيما لو قرر جيمس كاميرون وكاتبا السيناريو ذلك.

هذا ليس جديداً، بل في الواقع حال فيلمَي السلسلة السابقَين «أڤاتار» (2009) و«أڤاتار: طريق الماء» (2022). التيمة التي تدور حول استعمار البيض للقبائل هي في الأساس بعض التاريخ الأميركي مع مواطني البلاد الأصليين. التكنولوجيا مقابل السهام وأدوات القتال البدائية تدخل في هذا المعترك (شأن تلميحات أكيرا كوروساوا في عدد من أفلامه بدءاً بـ«الساموراي السبعة» في 1954). الحيوانات المائية في هذه السلسلة هي بديل للحيتان والأسماك في البحار الأرضية. الحيوانات المجنّحة التي تطير هي استعاضة عن الخيول في أفلام الوسترن والأفلام التاريخية.

قبائل مُستعمَرة

«أڤاتار: نار ورماد» يؤكد هذه الاستعارات مجدداً. حتى الحكاية هنا هي، في الأساس، حكاية قبائل متقاتلة كما كان حال قبائل الولايات المتحدة (وكل القارة الأميركية) ضد بعضها بعضاً تنازعت على الزعامة والأرض والمراعي.

ما يختلف هو أن الحكاية في «أڤاتار: نار ورماد» تسرد في إطار خيالي ممتع للنظر. تصاميم الفيلم المرسومة وألوانها وبصرياته المتعددة ما زالت دعوة لمتابعة رقي فني في أساسه. شخصيات هذا الفيلم تتحرّك على خلفيات كثيرة والمؤثرات التقنية والبصرية تُولّف بين الحركة البدنية والمحيط الذي يغلّفها طوال الوقت. في المشاهد الخالية من المعارك هي أشبه بسباحة حالمة وفي غيرها تبقى مثيرة للاهتمام بسبب طريقة تنفيذها.

تدور الاحداث على كوكب غرائبي التشكيل والطبيعة من صخور معلّقة إلى غابات عملاقة ومخلوقات نصفها أليف ونصفها الآخر مخيف. (أ.ب)

في الفيلمَين الأول والثاني من السلسلة يقوم الصراع أساساً بين الأرضيين الذين استعمروا جزءاً من كوكب باندورا (على بُعد ملايين السنوات الضوئية كما يذكّرنا الفيلم الجديد) وبين قبيلة ناڤي. هنا، يوجد بُعد آخر. عدو جديد متمثّل بقبيلة أخرى اسمها مانغكوان (تقودها محاربة اسمها ڤارانغ تؤديها أونا تشابلن التي لم يسبق لها الظهور في هذه السلسلة من قبل) هي التي تُغير على أفراد قبيلة ناڤي بعدما انشق عنها الآدمي المتحوّر جاك (سام وورثنغتون) بسبب رفض رئيسها السماح لجاك استخدام السلاح الناري دفاعاً ضد الغازين. هذا ما يجبر جاك وأفراد عائلته التوجه صوب موقع جديد. جاك وزوجته كانا قد خسرا (في نهايات الجزء الثاني) أحد أولادهما في تلك المواجهة. الآن عليه أن يدافع عن أفراد أسرته وصحبه ضد الجميع وهذا هو جزء أساسي من الحكاية التي يعرضها سيناريو لا يخلو من التكرار في المواقف والحوارات.

سام وورثينغتون قبل المعركة (تونتييث سنتشري ستديوز)

إبداع تقني

كيف يجوز لمخرج بمهارة جيمس كاميرون إغفال حقيقة أن السيناريو المرسوم يكرر ما يسرده حتى في إطار المشهد الواحد (في كل مشهد هروب هناك صراخ متوالٍ من نوع «اركض، اركض، اسرع، وGo‪, Go‪, Go كما لو كنا نشاهد فيلماً حربياً تقع أحداثه في فيتنام).

الأفدح هو قيام الكتيبة (سام جوفي وأماندا سيلڤر وجوش فرايدمان وشاين سالرنو) باستخدام تعابير يستخدمها أهل الأرض على كوكبنا هذا مثل Bro (اختصارا لكلمة Brother) وCopy (كلمة تُستخدم في الاتصالات اللاسلكية). إليها تنضم عبارات من تلك التي تصف حالات عاطفية بلا قدرة على ابتكار بدائل لها تناسب شعباً يعيش على بُعد تلك الملايين من السنين.

هذا ما يؤثر على هويّة عمل يحاول -درامياً- أن يقع على كوكب غرائبي التشكيل والطبيعة من صخور معلّقة إلى غابات عملاقة ومخلوقات نصفها أليف ونصفها الآخر مخيف.

المخرج جيمس كاميرون يوجّه أحد ممثليه (تونتييث سنتشري ستديوز)

يعوّض الفيلم بعض هذا الضعف بالتصاميم التقنية والبصرية المذهلة. ما زال المخرج كاميرون بارعاً وموهوباً في تصميم فيلم من البصريات غير المألوفة (التي ترتفع إلى مستوى الفيلمين السابقين من السلسلة بلا ريب)، خصوصاً في مشاهد المعارك التي تنطلق بعد نحو ثلث ساعة من الفيلم وتستمر تباعاً حتى النهاية. يدرك أن لديه قصّة تُروى لكنه هو مَن يحدد كيفية سردها. في هذا النطاق، أراه اهتم بتغطية ثغرات الحوار الساذج بالبصريات، أو هكذا اعتقدَ أنه يستطيع التحليق فوقها.

بيد أن هذه البصريات لا تصنع وحدها فيلماً عظيماً وبوجود أحداث متكررة (مثل فشل المستعمرين في تحقيق انتصار حاسم في المعركة ضد قبيلة ناڤي) يجعل المواقف تدور حول نفسها أكثر من مرّة.

في سلسلة «سيد الخواتم» (Lord of the Rings) لبيتر جاكسون المشابه في إبداع تصاميمه كان هناك محور واحد، لكن كل فيلم من أجزائه الثلاثة قام على حكاية مختلفة.

على ذلك، هذا الصعيد البصري لا يجب الاستهانة به أو تجاهله. لجانب ابتداع عالم مثير للمشاهدة برسوماته وألوانه هناك المخلوقات الغريبة التي يوفرها الفيلم والمواقع الفضائية والبحرية والأرضية التي تأتي دوماً بجديد، أو -بالأحرى- بطريقة لتقديمها على نحو جديد.

زوي سالدانا في الحرب (تونتييث سنتشري ستديوز)

هذا ما يصنع من «أڤاتار: نار ورماد» العمل الملحمي الضخم الذي ينتظره كثيرون. بالنسبة لصانعيه هذه الفانتازيات المنفّذة بجماليات وبأوتار مشدودة هي حبل نجاة في فيلم بلغت تكلفته 400 مليون دولار. مع إنجازه أكثر من 100 مليون دولار في أيامه الخمسة الأولى ما زال بحاجة إلى 900 مليون دولار ليجمع ربحاً.

في حين أن المشاهدين سيربطون تلقائياً حكاية هذا الفيلم بما سبق من «أڤاتار»، فإن الحكاية، في نهاية الفيلم، مكتفية بنفسها لمن يدفعه الفضول لتجربة جديدة في إطار هذه السلسلة. في الوقت ذاته للنهاية سبيل واضح صوب جزء رابع يجري الإعداد لعرضه في مثل هذا الشهر من سنة 2029.

هذا وقت كافٍ لكي يستأجر كاميرون مجموعة أخرى من الكتّاب يمنحونه وفيلمه المقبل نَفَساً جديداً.


كل شيء عن قائمة الأوسكار القصيرة

من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).
من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).
TT

كل شيء عن قائمة الأوسكار القصيرة

من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).
من اليمين: هيام عباس، صالح بكري، آن ماري جاسر وبيلي هاول في «فلسطين 36» (ووترمالون بيكتشرز).

أربعة أفلام لأربعة مخرجين عرب آلت إلى القائمة القصيرة في سباق الأوسكار التي أعلنت عنها أكاديمية العلوم والفنون السينمائية قبل يومين. إنها الجوائز الأكثر استقطاباً للاهتمام بين كل المناسبات السنوية في مثل هذا الموسم. المناسبة التي باتت، منذ سنوات، محط آمال الكثير من السينمائيين، في مختلف المجالات، ومن خارج الولايات المتحدة، كما من داخلها.

القائمة القصيرة تشمل فروعاً مختلفة ليس من بينها بعد سباق الأفلام الرئيسية أو سباق الممثلين والمخرجين. هي تمهيد مثير للاهتمام يسبق الحفل الثامن والتسعين لتوزيع الجوائز يوم 15 من مارس (آذار) المقبل.

توقعات

لا بد من التذكير أنه في العام ما قبل الماضي ظهر فيلمان عربيان فقط في هذه القائمة، هما «أم كل الأكاذيب» لأسماء المدير (المغرب) و«أربعة بنات» لكوثر بن هنية (تونس). في العام التالي، 2024، مثّل «من المسافة صفر» الذي أشرف على إنتاجه الفلسطيني رشيد مشهراوي، السينما العربية وحيداً. أما هذا العام، فإن الأفلام المدرجة في قائمة الأوسكار القصيرة تحمل دلالة مهمّة كونها المرّة الأولى التي تدخل أربعة أفلام من إخراج سينمائيين عرب هذه القائمة معاً.

هذه الأفلام هي «كعكة الرئيس» لحسن هادي (العراق) و«كل ما بقي منك» لشيرين دعيبس (الأردن) و«فلسطين 36» لآن ماري جاسر (فلسطين) و«صوت هند رجب» لكوثر بن هنية (تونس).

من «كعكة الرئيس» (مايدن فوياج فيلمز)

باستثناء «كعكة الرئيس»، فإن الأفلام الثلاثة الأخرى مرتبطة بالقضية الفلسطينية كتاريخ («فلسطين 36» و«كل ما بقي منك») أو كحاضر («صوت هند رجب»)؛ ما يدل على أن المقترعين يريدون لهذه الأفلام أن تعبّر علناً عما يقع في فلسطين لدرجة أن فيلماً إسرائيلياً ناقداً للوضع المفروض على الفلسطينيين في الداخل، وهو «البحر» لشاي كارميلي - بولاك، لم يُتح له الوصول إلى هذا الخط قبل النهائي.

بما أن الترشيحات الرسمية التي ستُعلن في الثاني والعشرين من الشهر المقبل تضم، في سباق «الأفلام العالمية» خمسة أفلام فقط؛ فإنه ليس من المتوقع وجود أكثر من فيلم عربي واحد. وما هو مؤكد أنه سيكون واحداً من هذه الأفلام الثلاثة ذات الموضوع الفلسطيني.

المخرجة شيرين دعيبس (أي أم بي فايرووركس)

هذا ما يعني أن المنافسة بين أفلام كوثر بن هنية، وآن ماري جاسر وشيرين دعيبس ستكون حادّة خلال التصويت على القائمة الرسمية في الشهر المقبل.

يزيد من هذا الاحتمال وجود أفلام أجنبية مهمّة في القائمة القصيرة ستتنافس فيما بينها كما ستنافس الأفلام المذكورة في سعيها لتحقيق الوثبة صوب الأوسكار.

الأفلام الأجنبية

هناك أحد عشر فيلماً آخر تتنافس في هذا المحور، وهي:

> «صراط» (Sirat) لأوليڤر لاكس (أسبانيا)

> «العميل السري» (The Secret Agent) لكلايبر مندوزا فيلو (البرازيل)

> «لا خيار آخر» (No Other Choice) لبارك - تشان ووك (كوريا الجنوبية)

> «مناوبة متأخرة» (Late Shift) لبترا بيوندينا ڤولبي (سويسرا)

> «الفتاة ذات اليد اليسرى» (The Left‪-‬Handed Girl) لشيه تسينغ تساو (تايوان)

> «بَلِن» (Belén) لدولوريس فونزي (الأرجنتين)

> «كانت مجرد حادثة» (It Was Just an Accident) لجعفر بناهي (فرنسا)

> «باتجاه البلد» (Homebound) لنيراج غاوان (الهند)

> «كوكيهو» (Kokuho) لسانغ إلي لي (اليابان)

> «قيمة عاطفية» (Sentimental Value) لواكيم ترايير (النرويج)

الصوت النسائي

لا بد من العودة إلى الأفلام العربية ضمن هذا الجمع من الأعمال لملاحظة أن الأفلام التي تداولت الموضوع الفلسطيني، وهي، مرّة أخرى، «صوت هند رجب» و«فلسطين 63» و«كل ما بقي منك» هي من إخراج نساء (ليس من بينها فيلم رجالي)، وهذا مقابل فيلم «كعكة الرئيس» الذي حققه العراقي حسن هادي. ربما يكون ذلك تعبيراً عن اهتمام أعلى أو ربما لأن المخرجات المذكورات (بن هنية، جاسر ودعيبس) سبقن الرجال العرب في السنوات الأخيرة صوب التقاط ما هو مهم وناجح.

المخرجات العربيات جزء من حضور أكبر في هذا السباق المهم؛ إذ إن هناك سبع مخرجات في هذه القائمة التي تحتوي على 15 فيلماً. كذلك، وفي نطاق قائمة الأفلام التسجيلية الطويلة المؤلفة أيضاً من 15 فيلماً، نجد عشرة أفلام من إخراج نسائي.

ملاحظة أخيرة، وهي أن الأفلام العربية الأربعة ليست من إنتاج بلد واحد وإن انتمت، في قائمة الأوسكار كما لو كانت كذلك. «صوت هند رجب» المتقدّم باسم تونس هو أيضاً إنتاج مشترك بين فرنسا، وبريطانيا، والسعودية والولايات المتحدة. فيلم آن ماري جاسر الذي يرفع الراية الفلسطينية يُداخله تمويل سعودي، وقطري، وفرنسي، وبريطاني، وسويدي، وأسترالي ونرويجي. كذلك الحال مع «كل ما بقي منك»؛ إذ بجانب نسبة تمويل أردنية هناك مشاركة سعودية، ومصرية، وقطرية، وألمانية، ويونانية وأميركية.

أما «كعكة الرئيس»، فتمويله الأساسي ورد من قطر والولايات المتحدة.


شاشة الناقد: 3 أفلام نسائية الإخراج ذات شؤون مختلفة


«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)
«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)
TT

شاشة الناقد: 3 أفلام نسائية الإخراج ذات شؤون مختلفة


«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)
«والأسماك» تطير فوق رؤوسنا (أرجوان فيلمز)

والأسماك تطير فوق رؤوسنا ★★★★And the Fish Fly Above Our Heads

• إخراج: ‪ ديما الحر‬

• لبنان | تسجيلي

• عروض 2025: مهرجان مراكش

تؤلف المخرجة اللبنانية ديما الحر فيلمها الجديد من أشباح مدينة بيروت القابعة على شاطئ البحر. حين تنتقل إلى داخل تلك المدينة تكشف عن حزنها حتى من دون أن تصوّره في نماذج وقصص. يفتقد الفيلم ما كانت عليه يوماً ويلمح لما هي عليه الآن.

ما ينصبّ اهتمام المخرجة عليه هم رجال وحيدون جعلوا البحر صديقهم الوحيد. بغياب أمل ما، حلم فقد طريقه أو حب جرفته الأيام بعيداً لمدينة أو لإنسان، يُمضي رضا وعادل وعلي أيامهم على ذلك الشاطئ. لا شيء آخر يشدّهم كما البحر في صفائه أو في هيجانه. لا شيء يحرّكهم بعيداً سوى العودة إلى داخل المدينة التي تؤويهم ليلاً. لا تعرض المخرجة مشاهد لهم وهم يغادرون البحر ولا منازلهم وكيف يعيشون ومع مَن، بل تنتقل من نهار بارد إلى آخر مع رجال يرتدون لباس البحر ويستلقون فوق صخوره أو يقفزون إليه.

تتناول المخرجة بنجاح لافت هذه الشخصيات التي باتت تعيش على الهامش. يبتسمون أحياناً لكن كلماتهم لا تخفق في فتح دواخلهم الحزينة. يتذكرون وربما يضحكون أحياناً لكنه الضحك الذي يُخفي الحزن. وبينما تُمضي الكاميرا وقتاً طويلاً بصحبة هؤلاء (منفردين غالباً) تتيح كذلك النظر إلى المدينة في وصفٍ لا يحتاج إلى كلمات. كل هذا لأن «والأسماك تطير فوق رؤوسنا» ليس فيلماً عنها بل عن نماذج بشرية هجرتها الروح وأقبلت على البحر كأملٍ وحيد باقٍ.

العنوان ممتزج بمشهد مؤلَّف على نحو تجريبي جيد يعكس وصف من يغطس في الماء بعيداً إلى أن تصبح الأسماك بمنزلة طيور تحلِّق فوق رأسه. نرى البحر في لقطة تميل مقلوبة على نفسها حتى يصبح البحر فوق والمدينة تحتها. تعبير جميل لفيلم معنيّ بتعابيره متحدّثاً عن شخوص تعيش بمنأى عن كل شيء آخر.

ضع روحك على يدك وامشِ★★★★ PUT YOUR SOUL ON YOUR HAND AND WALK

• إخراج: زبيدة فارسي

‫• فرنسا | تسجيلي | ألوان (110 د) ‬

• جائزة «غولدن أثينا» في مهرجان أثينا.

مثل فيلم كوثر بن هنية «صوت هند رجب» يعمد هذا الفيلم إلى إيجاز حياة أنثى في أثناء النكبة الكبرى المتمثّلة في العدوان الإسرائيلي على غزّة. مثله أيضاً تنتهي حياة تلك الأنثى بالموت قتلاً. أكثر من ذلك، يتشابه الفيلمان في أنهما يعمدان إلى توظيف الحقائق وسردها عبر تواصل بين جهتين تتابعان ما يحدث من لحظة التقاط كل فيلم شخصيّته حتى موتها. كل ما في الأمر أن فيلم بن هنية روائيٌّ، وفيلم فارسي تسجيليٌّ.

«ضع روحك على يدك وامش» (Rêves d‪’‬Eau Produtions).

فارسي مخرجة إيرانية خرجت من السجن السياسي في إيران لانتقادها النظام عندما كانت تعمل داخل بلادها. انتقلت للعيش والعمل في باريس. بعد عدّة أفلام تناولت فيها جوانب الحياة في بلدها اختارت أن تقدّم هذا الفيلم التسجيلي القائم على ما تبادلته عبر الكمبيوتر والهاتف مع المصوّرة الصحافية فاطمة حسّونة.

لم تكن أي منهما تعلم أن حياة حسّونة ستنتهي بعد يومين من إعلان قبول الفيلم للعرض في مهرجان «كان» (حيث شهد عرضه العالمي الأول) بسبب قصف جوي نالها وأفراداً من عائلتها. لكن فاطمة، ابنة الخامسة والعشرين ومن خلال المكالمات المصوّرة مع المخرجة، تتنبأ بقرب نهايتها؛ فالموت والحياة يتجاوران كل يوم.

عنوان الفيلم مأخوذ عن عبارة تذكرها فاطمة في أحد المشاهد واصفةً حالها، وهي تسجّل بكاميرتها مدينة تم تدميرها بإمعان وقسوة. تصف حالها وحال من تراه يوماً ثم يغيب عنها في يوم آخر. فاطمة ذات ابتسامة عريضة دائمة لكن ما يتفاعل في داخلها يخرج في لحظات مؤثرة. هذا فيلم يقصد أن يبلغ رسالته على نحو مباشر لأنه لا مجال لنحو آخر.

فتاة عسراء ★★★LEFT‪-‬HANDED GIRL

• إخراج: شي-تشينغ تساو

• تايوان، فرنسا، الولايات المتحدة | دراما

• عروض 2025: ترشيحات الأوسكار.

هناك هجرة من بلد لآخر (أو من قارة لأخرى أيضاً) وهجرة داخلية من الريف إلى المدينة أو العكس. ما تختار المخرجة تساو سرده هو حال ومشكلات عائلة مؤلّفة من أم وابنتيها من قرية ريفية إلى مدينة تايباي بهدف الانتماء والعمل.

«فتاة عسراء» (Cinema Inutile)

تفتتح الأم شو (جانل تساي) مطعم «نودلز» في سوق مكتظة لكن العيش في مدينة كبيرة له تأثيران مختلفان. بالنسبة إلى الفتاة الكبرى آي آن (شي- يوان ما) تمثّل المدينة مرحلة مهمّة في حياة المراهقة التي تريد أن تعيش سنوات حياتها كما تراها: فرصة لممارسة حرّيتها. أما بالنسبة إلى آي جينغ (نينا يَ) ذات السنوات الخمس فإن الوقت مبكر جداً لكي تتأثر بعوارض الاغتراب. هي الفتاة المعنية بالعنوان التي يخبرها جدّها بأن استخدام اليد اليسرى كعادتها يُعد فعلاً شيطانياً. كونها محوراً فعلياً بين شخصيات الفيلم لا يعني أن هناك الكثير مما يقع لها. اهتمام المخرجة بها هو جزء من اهتمامها بما يقع لهذه العائلة الصغيرة والتوتر الذي يسود العلاقة بين الأم وابنتها الكبيرة.

الفيلم من كتابة وتوليف المخرج الأميركي شون باركر (أربع أوسكارات العام الماضي عن فيلمه Andora) وسبق له التعاون مع المخرجة تساو التي قامت بإنتاج بعض أعماله. يُحسن باركر توليف فيلم جيد وسريع الانتقال بين مشاهده، لكنَّ السيناريو يميل إلى ميلودرامية مفرطة ويشبه في تكوينه أفلاماً آسيوية معنية بأشكال استعراضية وبأحداث تفيض عن الحاجة من بينها نهاية غير متوقعة تبدو دخيلة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز