لوكورنو يعرض نتيجة مشاوراته على ماكرون وحل البرلمان لم يخرج من المعادلة

فرضية تعيين رئيس حكومة ينتمي إلى اليسار تتقدم على ما سواها في فرنسا

فابيان روسيل متجهاً إلى مقر رئاسة الحكومة للقاء رئيسها المستقيل سيباستيان لو كورنو (رويترز)
فابيان روسيل متجهاً إلى مقر رئاسة الحكومة للقاء رئيسها المستقيل سيباستيان لو كورنو (رويترز)
TT

لوكورنو يعرض نتيجة مشاوراته على ماكرون وحل البرلمان لم يخرج من المعادلة

فابيان روسيل متجهاً إلى مقر رئاسة الحكومة للقاء رئيسها المستقيل سيباستيان لو كورنو (رويترز)
فابيان روسيل متجهاً إلى مقر رئاسة الحكومة للقاء رئيسها المستقيل سيباستيان لو كورنو (رويترز)

في ظل المشهد السوداوي الذي يُطبق على الرئيس الفرنسي الصامت منذ أن انفجرت الأزمة الحكومية غير المسبوقة التي شهدت استقالة سيباستيان لوكورنو وحكومته بعد 14 ساعة فقط من صدور مراسيمها، عن رئاسة الجمهورية، وفيما الأخبار والمواقف المحبطة لإيمانويل ماكرون تتراكم يوماً بعد يوم، جاءه، الأربعاء، خبر سعيد مصدره الجمعية الوطنية.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع رئيس الحكومة المستقيل سيباستيان لوكورنو في 13 يوليو الماضي بمناسبة العيد الوطني الفرنسي (أ.ب)

ففي الصباح، التأم مكتب المجلس المشكل من عشرين نائباً، والذي يعد بمثابة هيئته التنفيذية العليا للنظر بطلب 104 من النواب اليساريين الموافقة على النظر في طلب إقالة ماكرون. وكانت النتيجة أن الطلب رفض؛ إذ صوت ضده عشرة من أعضائه ينتمون إلى الوسط واليمين، وأيده النواب الخمسة اليساريون فيما امتنع نواب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الخمسة عن التصويت.

وبذلك يكون طلب إسقاط ماكرون في البرلمان قد تم دفنه نهائياً في مراحله الأولى. وسارعت ماتيلد بانو، رئيسة مجموعة حزب «فرنسا الأبية» الذي أطلق المبادرة إلى القول إن «التجمع الوطني وكالعادة هو من أنقذ ماكرون من السقوط».

رئيس حزب «التجمع الوطني» الفرنسي جوردان بارديلا يتحدث مع وسائل الإعلام في أثناء مغادرته مقر الحزب بعد اجتماع في باريس 6 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

عزلة ماكرون

بيد أن هذا التطور الإيجابي لا يعني أن أزمة ماكرون قد انتهت، أو أن المطالبة باستقالته قد طويت صفحتها. فالرئيس الفرنسي يعيش في عزلة لم يسبق له أن عانى مثيلاً لها منذ وصوله إلى الإليزيه في عام 2017، وسببها التفكك الذي أصاب «الكتلة المركزية» الداعمة له والمشكّلة من أحزاب الوسط الثلاثة ومن حزب «الجمهوريون» اليميني المعتدل.

مؤسس حزب «فرنسا الأبية» اليساري الفرنسي جان لوك ميلانشون خلال مؤتمر صحافي في مقر الحزب في باريس 6 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

غبريال أتال، رئيس الوزراء السابق ورئيس حزبه الخاص «النهضة»، لم يعد يتردد في استهدافه مباشرة؛ إذ أعلن، الاثنين، أنه «لم يعد يفهم قرارات ماكرون». أما أدوار فيليب، رئيس أول حكوماته، فقد دعاه علانية إلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة تاركاً له فرصة تحديد موعدها من أجل الخروج من الأزمة التي تضرب فرنسا. وبنظره، فإن الانتخابات الرئاسية كفيلة وحدها بإخراج البلاد من تخبطها وإعادتها إلى الطريق السوي.

وفي السياق عينه، ما زال زعيم اليسار المتشدد جان لوك ميلونشون يعد من أشد الراغبين في إزاحة ماكرون من الإليزيه. وبعد أن كانت مارين لوبن، زعيمة حزب «التجمع الوطني» تدعو «فقط» إلى حل المجلس النيابي، والدعوة إلى انتخابات تشريعية، فإنها انضمت، الأربعاء، إلى جوقة المطالبين برحيل ماكرون. وفي مطلق الأحوال، فإن الأخير مصرّ وعازم على البقاء في منصبه «حتى الربع الساعة الأخير» كما أكد ذلك مراراً، ما يقطع الطريق نهائياً على الراغبين في إنزاله عنوة عن كرسي الرئاسة.

الأمين العام لحزب «النهضة» الفرنسي الوسطي غابرييل أتال (رئيس حكومة سابق) خلال مقابلة تلفزيونية خارج باريس 6 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

الفرصة الأخيرة

منذ أن أعلن لوكورنو استقالته، صباح الاثنين، تشهد فرنسا حراكاً سياسياً محموماً للنظر في المخارج الممكنة من الأزمة. ولأن ماكرون كلفه، لاحقاً، بالقيام بجولة أخيرة من المشاورات للنظر في إمكانية توفير «قاعدة عمل» تلتف حولها بعض الأحزاب لتشكيل حكومة جديدة تكون أولى مهماتها إصدار ميزانية فرنسا لعام 2026، فقد عمد رئيس الحكومة المستقيل إلى جولة موسعة من المشاورات رفض حزبا «التجمع الوطني» و«فرنسا الأبية» المشاركة فيها.

وصباح الأربعاء، وفي إعلان للصحافة، اعتبر لوكورنو بعد اليوم الأول من لقاءاته مع قادة «الكتلة المركزية»، أن «جميع المشاورات... تظهر أن هناك رغبة في إقرار الميزانية قبل 31 ديسمبر (كانون الأول) من هذا العام. هذه الرغبة تخلق تقارباً يبعد احتمالات حل «مجلس النواب». وجديده في هذا الخصوص قبوله أن تكون الميزانية المقبلة أقل تقشفاً؛ بمعنى أن خفض النفقات العامة لن يتعدى الـ11 مليار يورو فيما ميزانية سلفه فرنسوا بايرو كانت تقدره بـ22.5 مليار يورو.

مارين لوبن زعيمة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف تدعو إلى انتخابات تشريعية مبكرة (أ.ف.ب)

يبدو أن الأمور بدأت تتحرك. وقبل لوكورنو، قالت إليزابيث بورن، وزيرة التربية والتعليم في الحكومة المستقيلة، إنها لا تعارض «تجميد» قانون التقاعد الذي أقر بينما كانت تشغل منصب رئيسة الحكومة. لكن حزب «الجمهوريون» اليميني التقليدي، وكذلك حزب «هورايزون» المتموضع يمين الوسط، والذي يرأسه إدوار فيليب، سارعا إلى رفض تجميد العمل بالقانون المذكور الذي أثار حفيظة النقابات مجتمعة، وعاصفة من المظاهرات والاحتجاجات طيلة أشهر طويلة قبل إقراره في عام 2023؛ لأنه مدد سن التقاعد إلى 64 عاماً «بدل 62 عاماً».

فرضية حكومة برئاسة شخصية يسارية

ويشكل رئيس الحكومة السابق انفتاحاً على اليسار وتحديداً على الحزب الاشتراكي، ما جعل المحللين يرون فيه احتمال أن يكلف ماكرون شخصية يسارية بتشكيل الحكومة. وجاء تصريح مارين توندوليه، أمينة عام «حزب الخضر» بعد لقائها كورنو، الأربعاء، ليعزز هذه الفرضية؛ إذ أعلنت ما حرفيته: «لم نكن أبداً قريبين إلى هذا الحد من تعيين رئيس حكومة يساري»، مضيفة أن إعادة تعيين شخصية من «المعسكر الرئاسي سيكون بمثابة استفزاز إضافي».

غير أن أوليفيه فور، أمين عام الحزب الاشتراكي، بدا متحفظاً؛ إذ قال إنه «ليس لديه تأكيدات بشأن جدية تعليق العمل بقانون التقاعد» الذي عدّه الاشتراكيون، ومعهم بقية اليسار، شرطاً لا بد من توافره لمنع إسقاط أي حكومة في البرلمان بالتوازي مع شرط فرض ضريبة مرتفعة على كبريات الثروات والشركات.

أوليفيه فور أمين عام الحزب الاشتراكي الراغب في تسميته رئيساً للحكومة الجديدة متحدثاً للصحافة بعد اجتماعه مع لوكورنو (إ.ب.أ)

ورغم ذلك، لم يتردد أمين عام الحزب الاشتراكي في إعلان أنه إذا تولى اليسار الحكم، فإنه «لا يمانع في بقاء جان نويل بارو في الخارجية وسيباستيان لوكورنو، في وزارة الدفاع»، باعتبار أن الخارجية والدفاع من صلاحيات رئيس الجمهورية.

تشظي اليسار

ثمة مشكلة أخرى تواجه اليسار بكليته وعنوانها انقساماته العميقة. فقد سارع ميلونشون في تغريدة، الأربعاء، على منصة «إكس» إلى مهاجمة الاشتراكيين وأمينهم العام قائلاً إنه «لمن المذهل أن ينضم أوليفيه فور إلى محاولة» إنقاذ «نظام ماكرون».

وقالت ماتيلد بانو، رئيسة مجموعة الحزب النيابية: «لن ننخرط أبداً في عملية إنقاذ الماكرونية»، مضيفة أنه «لا يمكن القبول بأي شيء من أجل الوصول إلى رئاسة الحكومة»، مشيرة بذلك إلى إعلان أوليفه فور استعداده لترؤس الحكومة العتيدة.

مارين توندوليه أمينة عام حزب «الخضر» (يسار) متحدثة للصحافة بعد اجتماعها مع رئيس الحكومة المستقيل سيباستيان لوكورنو (أ.ف.ب)

لكن بانو أفادت لاحقاً بأنها «لم تقل أبداً أن حزبها سيحجب الثقة عن حكومة مشكلة فقط من الاشتراكيين والشيوعيين والخضر». والحال، أن حكومة كهذه ستسقط منذ اليوم الأول بسبب رفض اليمين المتطرف واليمين التقليدي لها. وكانت مارين لوبن بالغة الوضوح في قولها، الأربعاء، إن نوابها «سيحجبون الثقة عن أي حكومة تتشكل»، وإن هدفها الأول والوحيد هو حل البرلمان وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

حقيقة الأمر أن ماكرون الذي يرفع سيف حل البرلمان فوق رؤوس الأحزاب، لن يغامر بقيام حكومة لا تحظى بثقة مجلس النواب. فسقوط ثلاث حكومات «بارنيه وبايرو ولوكورنو» في عام ونصف عام أدخل البلاد في نفق مظلم انعكست تداعياته على صورة فرنسا ودورها الأوروبي والعالمي، كما على اقتصادها وماليتها.

كذلك يتساءل كثيرون عن «الانسجام السياسي والآيديولوجي» لرئيس الجمهورية المتحالف مع اليمين منذ انتخابات العام الماضي، وها هو يستدير للتحالف مع اليسار.

وفي أي حال، فإن سيناريو اليسار لن ينجح إذا لم تتقبله أحزاب الوسط الثلاثة الداعمة لـ ماكرون «النهضة والحركة الديمقراطية وهورايزون». فالجمع بين النواب الاشتراكيين والشيوعيين والخضر، إضافة إلى الكتلة الوسطية، سيوفر «نظرياً» لحكومة يرأسها اشتراكي؛ إن كان أوليفيه فور أو برنار كازنوف (كان آخر رئيس حكومة في عهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند) أكثرية نسبية تدور حول 252 نائباً، بينما الأكثرية المطلقة تفترض توافر 289 نائباً.

وإذا كان القانون المعمول به لا يفرض على رئيس الحكومة طلب نيل الثقة، فإن المعارضة ستتحين أول فرصة ليأتي الطلب من جانبها، وبالتالي إسقاط الحكومة.

كل ما سبق يندرج في باب التوقعات. فالكلمة الأخيرة ستكون للرئيس ماكرون الذي كان من المفترض أن يستقبل لوكورنو، مساء الأربعاء، لينقل له نتيجة مشاوراته. بيد أن الثابت أن الوضع السياسي الفرنسي أصبح بالغ التعقيد، وما يفاقم صعوباته طموحات الراغبين بالوصول إلى رئاسة الجمهورية وحساباتهم المرتهنة بالدرجة الأولى لهذا الاستحقاق.


مقالات ذات صلة

التنجيم والطقوس الغامضة تتنبأ بمستقبل الانتخابات في بورما

آسيا المنجّم لين نيو تاريار (أ.ف.ب)

التنجيم والطقوس الغامضة تتنبأ بمستقبل الانتخابات في بورما

يعتقد العرّافون في بورما أن مستقبل البلاد بعد الانتخابات لا يُستشف من صناديق الاقتراع بقدر ما يُقرأ في اصطفاف النجوم، وأسرار الهندسة المقدسة.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)
أوروبا رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان يتحدث خلال فعالية ضد الحرب في مدينة سيجيد بجنوب البلاد (مكتب رئيس الوزراء المجري - إ.ب.أ)

رئيس وزراء المجر يطرح بدائل لرئاسة الحكومة 

قال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إنه ليس الشخص الوحيد الذي يمكن أن يكون مرشح الحزب الحاكم لمنصب رئيس الوزراء في انتخابات العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (بودابست)
شمال افريقيا ناخبون في محافظة بورسعيد المصرية خلال المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب (تنسيقية شباب الأحزاب)

«النواب» المصري يواجه «طعوناً» جديدة على نتائج الدوائر الملغاة

تواجه نتائج انتخابات مجلس النواب المصري «طعوناً» جديدة أمام القضاء الإداري، تخص نتائج دوائر سبق إلغاؤها وإعادة الاقتراع بها.

علاء حموده (القاهرة)
المشرق العربي جانب من أحد اجتماعات قوى «الإطار التنسيقي» (وكالة الأنباء العراقية)

جمود يضرب مفاوضات اختيار الرئاسات العراقية

من المفترض أن يقدم تحالف «الإطار التنسيقي» في العراق مرشحه النهائي لرئاسة الحكومة خلال أسبوعين «حداً أقصى».

حمزة مصطفى (بغداد)
شمال افريقيا ناخبة قبل الإدلاء بصوتها في محافظة دمياط بشمال مصر (تنسيقية شباب الأحزاب)

مصر: «هيئة الانتخابات» تنشد إقبالاً أكبر وسط مؤشرات على «تراجع» المشاركة

جددت الهيئة الوطنية للانتخابات بمصر دعوتها المواطنين للإقبال على صناديق الاقتراع، وسط مؤشرات سابقة تشير إلى «تراجع» المشاركة في جولات سابقة شهدتها الانتخابات.

علاء حموده (القاهرة)

سيارة تدهس حشداً في هولندا وتصيب 9 بينهم 3 بجروح خطيرة

عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
TT

سيارة تدهس حشداً في هولندا وتصيب 9 بينهم 3 بجروح خطيرة

عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)
عناصر من شرطة هولندا (أرشيفية - د.ب.أ)

قالت الشرطة إن سيارة اندفعت نحو حشد من الأشخاص الذين كانوا ينتظرون مشاهدة عرض في مدينة بشرق هولندا، مساء اليوم الاثنين، ما أسفر عن إصابة تسعة أشخاص، ثلاثة منهم على الأقل إصاباتهم خطيرة.

وأوضحت شرطة جيلدرلاند، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أن الحادث لا يبدو متعمداً في الوقت الحالي، لكنها فتحت تحقيقاً.

وكان الناس ينتظرون مشاهدة عرض لمركبات مزينة بأضواء عيد الميلاد في مدينة نونسبيت، الواقعة على بعد نحو 80 كيلومتراً شرق أمستردام.

وقالت بلدية إلبورج المجاورة، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إن العرض توقف بعد الحادث.

وقال رئيس البلدية يان ناثان روزندال في بيان: «ما كان ينبغي أن يكون لحظة تضامن انتهى بقلق وحزن كبيرين».

وأضافت الشرطة أن السائقة، وهي امرأة (56 عاماً) من نونسبيت، أصيبت بجروح طفيفة، وتم توقيفها «كما هو معتاد في حوادث المرور الخطيرة»، دون تقديم مزيد من التفاصيل.


أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
TT

أوكرانيا: القوات الروسية تلجأ إلى التنقل بالخيول في ساحة المعركة

الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)
الدمار يظهر في حي أوكراني بمنطقة دونيتسك (الجيش الأوكراني - أ.ف.ب)

قالت القوات الأوكرانية إنها رصدت جنوداً روساً يمتطون الخيول قرب خط المواجهة، في مؤشر على الأساليب الارتجالية التي تستخدم في ساحة المعركة.

ونشر اللواء الهجومي 92 التابع للجيش الأوكراني، اليوم الاثنين، مقطع فيديو يظهر على ما يبدو عدداً من الجنود الروس يتنقلون على ظهور الخيل أو البغال، ويتعرضون لهجمات بطائرات مسيرة صغيرة، وفقاً لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

وقال اللواء 92، في منشور عبر تطبيق «تلغرام»، «يخسر المحتلون الروس معداتهم بسرعة كبيرة في هجماتهم المباشرة التي لا توفر سوى فرص ضئيلة للنجاة، إلى درجة أنهم باتوا مضطرين للتحرك على ظهور الخيل».

لقطة من فيديو نشرته القوات الأوكرانية تظهر ما يبدو وكأنه جندي روسي يمتطي جواداً ويحاول عبور منطقة مفتوحة قبل أن تصيبه طائرة مسيرة

وقال محللون إنه من المرجح أنه تم تصوير مقطع الفيديو في منطقة دنيبروبيتروفسك جنوبي البلاد، على الرغم من عدم إمكانية التحقق من الموقع بشكل مستقل.

وبحسب ما يظهر في اللقطات، كان الجنود الروس يحاولون عبور حقل واسع ومفتوح بأسرع ما يمكن.

وتعتمد القوات الروسية بشكل متزايد على مجموعات هجومية صغيرة للتقدم بسرعة نحو المواقع الأوكرانية ثم محاولة التحصن فيها. وأظهرت مقاطع فيديو سابقة جنوداً روساً يستخدمون دراجات نارية مخصصة للطرق الوعرة، ودراجات رباعية الدفع، ودراجات كهربائية كوسيلة للتنقل.

كما شوهد جنود أوكرانيون يستخدمون الدراجات الجبلية الكهربائية والدراجات النارية للتنقل بسرعة عبر ساحة المعركة.


شبهات «تجسس ألماني» أجبرت مدير مدرسة ملك بريطانيا على مغادرة اسكوتلندا

كورت هان (ويكيبيديا)
كورت هان (ويكيبيديا)
TT

شبهات «تجسس ألماني» أجبرت مدير مدرسة ملك بريطانيا على مغادرة اسكوتلندا

كورت هان (ويكيبيديا)
كورت هان (ويكيبيديا)

كشفت وثائق حكومية بريطانية رُفعت عنها السرّية مؤخراً، أن كورت هان، مؤسس مدرسة «غوردونستون» الشهيرة التي تلقّى فيها الملك تشارلز تعليمه في شبابه، خضع لمراقبة دقيقة من جهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني (MI5)، على خلفية تقارير وُصفت آنذاك بـ«المقلقة»، شككت في ولائه لبريطانيا خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وفقاً لصحيفة «التايمز».

وتُظهر الملفات، التي كان مقرراً الإبقاء عليها سرية حتى عام 2046، أن هان أُجبر فعلياً على مغادرة اسكوتلندا عام 1940، بعد اتهامات رسمية بأنه قد يكون «جاسوساً ألمانياً خطيراً»، في واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل في تاريخ التعليم البريطاني الحديث.

وكان هان، المولود في ألمانيا، يُشاد به بوصفه مربياً رائداً وصاحب رؤية تربوية ثورية، إذ أسس مدرسة «غوردونستون» عام 1934 في مقاطعة موراي شمال شرقي اسكوتلندا، بعدما اضطر إلى مغادرة بلاده بسبب انتقاداته العلنية لهتلر. ولاحقاً، استضافت المدرسة ثلاثة أجيال من العائلة المالكة البريطانية، من بينهم الأمير فيليب، دوق إدنبرة، والملك تشارلز.

غير أن اندلاع الحرب العالمية الثانية أعاد فتح ملف ولاء هان، وسط تصاعد المخاوف من غزو نازي محتمل للسواحل الاسكوتلندية. وتكشف مراسلات رسمية أن الدعوة إلى التحقيق معه، قادها توماس كوبر، المدعي العام الاسكوتلندي آنذاك، إلى جانب جيمس ستيوارت، نائب كبير منسقي الانضباط الحزبي لرئيس الوزراء ونستون تشرشل.

وفي رسالة بعث بها كوبر إلى وزارة الداخلية في يونيو (حزيران) 1940، قال إن «الملف المُعد ضد هان، ربما يكون أخطر من أي ملف آخر»، مضيفاً أن جهاز «MI5»؛ «يعرف كل شيء عن هذا الرجل»، وأنه «إما جاسوس خطير أو عميل بريطاني».

واتهم كوبر مدرسة «غوردونستون» بأنها تشكّل موقعاً مثالياً للتجسس، نظراً لموقعها المشرف على خليج موراي، وقربها من مطارات ومحطة لاسلكية، فضلاً عن امتلاكها تجهيزات اتصالات مكثفة وعدداً كبيراً من أجهزة الاستقبال اللاسلكي. كما أشار إلى وجود عدد كبير من الألمان ضمن طاقم المدرسة، بعضهم ضباط سابقون في الجيش الألماني.

وأضاف أن مراقبة هواتف المدرسة خلال شتاء 1939 - 1940 كشفت عن مكالمات بعيدة المدى تتناول موضوعات تبدو «تافهة» عن الزراعة والماشية، لكنها، بحسب تقديره، كانت رسائل «مشفّرة».

وفي السياق نفسه، بعث جيمس ستيوارت برسالة إلى وزير الأمن الداخلي، السير جون أندرسون، متسائلاً عن إمكانية نقل المدرسة إلى «منطقة أقل حساسية». وجاء الرد أن هان يعتزم نقل المؤسسة إلى ويلز، وهو ما تم بالفعل في يوليو (تموز) 1940، «لتهدئة المخاوف المحلية»، وفق تعبير الوزارة.

وتضم الملفات أيضاً رسالة من مدير مدرسة مجاورة، اتهم فيها هان باستقبال نازي ألماني كان يتردد ليلاً على المدرسة، ويقوم بجولات تصوير للساحل الاسكوتلندي ومنشآت حيوية قريبة.

وعلى الرغم من كل تلك الشبهات، تُظهر السجلات الأمنية اللاحقة أن أجهزة الاستخبارات لم تعثر على أي دليل يثبت تورط هان في نشاط معادٍ لبريطانيا. وخلص تقرير رسمي لوزارة الداخلية إلى أنه «لا يوجد ما يبرر القلق»، مؤكداً أن هان «معجب بالمؤسسات البريطانية» ولا يكنّ أي عداء للبلاد.

كما تكشف الوثائق أن هان كان يزوّد مكتب الدعاية البريطاني بمعلومات بشكل غير رسمي، من دون علم وزارة الداخلية أو جهاز «MI5»، ما يرجّح أنه كان أقرب إلى متعاون غير معلن منه إلى مشتبه به حقيقي.

وإلى جانب الجدل الأمني، تسلّط الوثائق الضوء على فلسفة هان التربوية المثيرة للجدل، التي قامت على ما وصفه بـ«مختبر تربوي» قاسٍ، شمل تعريض التلاميذ لظروف بدنية شديدة؛ مثل الجري حفاة في الثلج، والاستحمام بالماء البارد، والتدريب البدني الصارم، في إطار إيمانه بأن «قوة الطفولة الروحية» يمكن الحفاظ عليها ومنع «تشوّه المراهقة».

وكان الأمير فيليب من أبرز المدافعين عن هان، واستلهم لاحقاً أفكاره في تأسيس «جائزة دوق إدنبرة». في المقابل، لم يُخفِ الملك تشارلز استياءه من سنوات دراسته في «غوردونستون»، واصفاً إياها لاحقاً بأنها «سجن بلباس اسكوتلندي».

وتوفي كورت هان عام 1974 عن عمر ناهز 88 عاماً في ألمانيا، بينما لا تزال مدرسته تواجه إرثاً مثقلاً بالانتقادات؛ ففي العام الماضي، قدمت «غوردونستون» اعتذاراً رسمياً بعد تحقيق اسكوتلندي خلص إلى وجود «ثقافة مروّعة من الإساءة والعنف» داخل المدرسة قبل عام 1990.