قُتل 20 مدنياً على الأقلّ في خلال 24 ساعة بقصف لـ«قوات الدعم السريع» على مستشفى هو من بين آخر المنشآت الصحية قيد الخدمة في مدينة الفاشر المحاصرة في إقليم دارفور بغرب السودان، وفق ما أفادت مصادر طبية، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».
وتشنّ «قوات الدعم السريع» هجومها الأعنف على الإطلاق على مدينة الفاشر في مسعى للسيطرة عليها.
ويفيد ناشطون بأن الفاشر، آخر المدن الكبرى في إقليم دارفور الخارجة عن سيطرة «قوات الدعم السريع»، باتت «مشرحة مفتوحة تنزف من كل الجهات».
وأسفرت الحرب المتواصلة منذ أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش و«قوات الدعم السريع» عن مقتل عشرات آلاف الأشخاص، ودفعت الملايين إلى النزوح، فيما بات نحو 25 مليون شخص يعانون الجوع الحاد. كما أحدثت «أسوأ أزمة إنسانية في العالم»، بحسب وصف الأمم المتحدة.

وأسفر القصف الأربعاء عن سقوط 12 قتيلاً على الأقلّ، من بينهم طبيب وممرّض، و17 جريحاً، بحسب ما أفاد زملاء لهم اشترطوا عدم الكشف عن هوياتهم.
وهذا الهجوم هو الثاني على المستشفى في أقل من 24 ساعة.
وكان قسم التوليد قد استهدف الثلاثاء بمسيّرة، في غارة أدّت إلى مقتل ثمانية أشخاص وإصابة سبعة، بحسب المصادر عنها.
كذلك تسببت الضربة في «تضرر المباني والمعدات».
ويعد المستشفى من بين آخر المنشآت الطبية والصحية التي ما زالت تعمل في المدينة مع تعرّض معظمها لقصف متكرر أجبرها على الإغلاق.
90 في المائة من المستشفيات خارج الخدمة
وغالباً ما تتعرّض المستشفيات للقصف في السودان وتُقتحم وتُنهب. وباتت 90 في المائة من مستشفيات البلاد خارجة عن الخدمة، بحسب نقابة الأطباء.
وقضى عشرات من أفراد الطواقم الطبية في ضربات، غالباً ما تقول الأمم المتحدة إنها متعمّدة.
وتحاول الفرق الطبية المنهكة جاهدة معالجة المصابين جراء الهجمات اليومية.
وتفيد الأمم المتحدة بأن نحو 80 في المائة من العائلات التي تحتاج إلى الرعاية الصحية في الفاشر غير قادرة على الحصول عليها.
وقال أطباء يستخدمون اتصالات الإنترنت عبر الأقمار الاصطناعية للالتفاف على انقطاع الاتصالات، إنهم اضطروا لاستخدام قطع قماش من الناموسيات لتكون بديلاً للشاش لتغطية الجروح.
ومع مرور 18 شهراً على فرض «قوات الدعم السريع» حصارها، نفد كل شيء تقريباً من المدينة التي تعد 400 ألف نسمة.
وحتى علف الحيوانات الذي اعتمدت عليه عائلات بوصفه غذاء للبقاء على قيد الحياة نفد، وبات ثمن الكيس الواحد مئات الدولارات.
وأُجبرت معظم المطابخ العامة التي كانت توفر الغذاء للسكان على إغلاق أبوابها بسبب شح المواد، بحسب «لجان المقاومة المحلية» ومجموعات من المتطوعين ينسّقون المساعدات.
مليون شخص فرّوا
وبحسب أرقام نشرتها الأمم المتحدة، الثلاثاء، فر أكثر من مليون شخص من الفاشر منذ اندلاع الحرب، أي ما يعادل 10 في المائة من إجمالي الأشخاص الذين نزحوا داخل البلاد.
وتراجع عدد سكان المدينة الذي كان الأكبر في المنطقة في الماضي، بنحو 62 في المائة، من أكثر من مليون نسمة إلى نحو 413 ألفاً، بحسب وكالة الهجرة التابعة للأمم المتحدة.
ويفيد مدنيون بأن الضربات اليومية تجبرهم على تمضية معظم أوقاتهم تحت الأرض داخل مخابئ موقتة حفرتها العائلات في الباحات الخلفية لمنازلها.
ومنذ أغسطس (آب) تكثّف «قوات الدعم السريع» قصفها على الفاشر التي تحاصرها منذ مايو (أيار) 2024، وقد تمكّنت في الأسابيع الأخيرة من السيطرة على أجزاء كبيرة من المدينة.
وأظهرت صور بالأقمار الاصطناعية حللها مختبر البحوث الإنسانية «هيومانيتاريان ريسيرتش لاب» في جامعة ييل الأميركية أن «قوات الدعم السريع» بنت جداراً على امتداد 68 كيلومتراً حول الفاشر، بما يدع مخرجاً وحيداً من المدينة يتعرض فيه المدنيون للابتزاز في مقابل العبور.
وحذّرت الأمم المتحدة مراراً من «هجمات وفظاعات واسعة النطاق ومدفوعة عرقياً» في المدينة، حيث سيطرت «قوات الدعم السريع» على عدة مخيّمات للنازحين ضربتها المجاعة، ما أسفر عن سقوط مئات القتلى.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الخميس: «بعد أكثر من 500 يوم من الحصار المتواصل والقتال المستمر، الفاشر على شفا كارثة أكبر إن لم تُتخذ إجراءات عاجلة لفك الطوق المسلّح عنها وحماية المدنيين».
وهو دعا إلى إقامة «ممرّ آمن» لكي يتسنّى لمن يريدون المغادرة الرحيل «طوعاً»، مطالباً بنفاذ فوري إلى المساعدات الإنسانية.




