هل تعوض «الدولا» غياب «الداية» بمصر؟

يساعدن في الحد من انتشار الولادة القيصرية

نائبة وزير الصحة عبلة الألفي في جولة لدعم الولادة الطبيعية (وزارة الصحة المصرية)
نائبة وزير الصحة عبلة الألفي في جولة لدعم الولادة الطبيعية (وزارة الصحة المصرية)
TT

هل تعوض «الدولا» غياب «الداية» بمصر؟

نائبة وزير الصحة عبلة الألفي في جولة لدعم الولادة الطبيعية (وزارة الصحة المصرية)
نائبة وزير الصحة عبلة الألفي في جولة لدعم الولادة الطبيعية (وزارة الصحة المصرية)

قبل أكثر من 40 عاماً، وضعت شريفة إسماعيل (58 عاماً)، مولودها الأول، في منزلها بإحدى قرى محافظة المنيا (جنوب القاهرة) بمساعدة «داية» جاءت على عجل بعدما زاد على شريفة وجع «الطلق»، قبل أن يتكرر الأمر 8 مرات في السنوات التالية.

لكن مع مرور السنوات، وتبدل الأحوال والظروف والاتجاه نحو المدنية، بدأ الاعتماد يتراجع تدريجياً على «الدايات»، وبدأ الاتجاه يزيد نحو الولادة بالمستشفيات، فبعد نحو 20 عاماً من ولادة شريفة الأولى، وضعت ابنتها الكبرى مولودها في مستشفى بشكل طبيعي، لكن ابنتها الثانية وضعت مولودها بعد عملية قيصرية.

ورغم أنه لا توجد أرقام رسمية في مصر حول أعداد الدايات، فإن عدداً كبيراً من الخبراء والأطباء والسيدات يؤكدون تراجع أعدادهن بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة في البلاد.

وتحتل مصر المركز الأول عالمياً، منذ عام 2021، في الولادة «القيصرية» بنسبة 72 في المائة من مجمل الولادات فيها، وفق وزارة الصحة المصرية، التي أعلنت نهاية أغسطس (آب) الماضي «حزمة إجراءات تنظيمية ملزمة لجميع المنشآت الخاصة، لتعزيز الولادة الطبيعية الآمنة، وخفض معدلات العمليات القيصرية غير المبررة طبياً».

تتابع الثلاثينية هبة حامد، وهي «دولا» ومدربة لـ«الدولات»، التوجهات الرسمية بسعادة كبيرة، فأخيراً تتلاقى جهودها في دعم الولادة الطبيعية، التي بدأتها منذ سنوات، مع توجه الدولة وإجراءاتها.

وتعرف هبة حامد «الدولا»، لـ«الشرق الأوسط»، بأنها «برنامج تدريبي متخصص لدعم النساء خلال رحلة حملهن وصولاً إلى ولادة طبيعية، ويمتد دور (الدولا) أيضاً بعد الولادة، في مساعدة الأم على رعاية طفلها».

دربت هبة حامد على مدار العقد الماضي العديد من السيدات، غالبيتهن ولدن بشكل طبيعي، كما قدمت تدريبات لمهتمات بمهنة «الدولا»، التي تعد من المهن الحديثة نسبياً في المجتمع المصري، وتعد هبة حامد إحدى رائداتها.

مجال «الدولا» يتسع في مصر (الشرق الأوسط)

تعود هبة حامد بالذاكرة 13 عاماً، حين وضعت مولودها الأول، وكان مفتاح تعريفها بعالم «الدولا»؛ إذ أخذت المُهندسة التي لا تزال تعمل في مهنتها الأصلية إلى جانب كونها «دولا»، البحث عن بيئات داعمة ومواد تساعدها على الولادة الطبيعية، حتى صادفت منظمة «أماني» وهي منظمة أميركية، لقابلة أميركية مسلمة، تقدم مادة تعليمية لتدريب «الدولات».

وتعمل «الدولا» بشكل رئيسي على تقديم التوعية اللازمة للأم بجميع مراحل الحمل، مع تمارين تساعدها في كل مرحلة، وصولاً لتهيئة جسدها للولادة الطبيعية، كما تصاحب «الدولا» السيدة خلال عملية الوضع، وتخبرها بجميع الإجراءات المتوقعة، وتساعدها على الهدوء والاسترخاء، واتخاذ قراراتها دون وصاية.

وبعد الوضع يتمركز عمل «الدولا» في ربط الأم بالجنين، بمجموعة من الخطوات تُسمى في برامج «الدولا» الساعة الذهبية، وفق حامد، وتتضمن «احتضان الأم لطفلها بعد الوضع وملامسة جسده لجسدها، والإبقاء على الحبل السري لفترة لمد الجنين بأكبر استفادة، ومساعدة الأم في إرضاع نجلها، وهكذا».

وبينما لم توثق الأعمال الفنية في مصر دور «الدولا» في دعم الولادة الطبيعية إلى الآن، فإن كثيراً من الأفلام القديمة وثقت دور «الداية» التقليدية.

لا تعتبر هبة حامد أن «الدولا» امتداداً لمهنة «الداية»، قائلة إن «الداية تقوم بعملية الولادة، ولا تتواجد سوى فيها، عكس (الدولا) التي تبدأ رحلتها مع الأم في مراحل مبكرة من الحمل، ولا تتدخل في عملية الولادة سوى بالدعم والتوعية»، مشيرة إلى أن الأقرب لمفهوم «الداية» القديم الآن هن «القابلات».

وتشير وزارة الصحة المصرية إلى كل من «القابلة» و«الدولا» كخطين متقاطعين نحو هدف واحد، وهو تعزيز الولادة الطبيعية والحد من «القيصرية» غير الضرورية، حيث نظمت الوزارة في 16 سبتمبر (أيلول) الماضي، جلسة نقاشية حول «تعزيز الولادة الطبيعية، ودمج أدوار (القابلة) ومقدمة الدعم النفسي (الدولا) في الرعاية التوليدية».

بوستر دعائي لدعم الولادة الطبيعية (وزارة الصحة المصرية)

ويتمثل دور «القابلة» وفق تصريحات نائبة وزير الصحة، عبلة الألفي، خلال جلسة «تعزيز الولادة الطبيعية» في «متابعة المخاض باستخدام مخطط الولادة (البارتوجرام) تحت إشراف طبيب مختص، بما يضمن سلامة الأم والجنين»، أما «دور (الدولا) فيكمّل عمل (القابلة) بتقديم الدعم النفسي والعاطفي، وتدريب الأم على تقنيات الولادة الطبيعية، ومرافقتها أثناء الولادة، وتعزيز الرضاعة الطبيعية خلال الساعة الذهبية».

وعكس «القابلة» التي لا بد أن يكون لها صلة بالمجال الطبي، فإن عمل «الدولا» لا يستدعي ذلك، ما يسمح للمجال بالتوسع أسرع، مع حصول مهتمات على التدريبات اللازمة من «دولات» أقدم أو عبر برامج «أون لاين» غالبيتها مدفوعة. وربما كان ذلك نقطة التقاء أخرى بين «الداية التقليدية»، التي كانت تعتمد في خبرتها على الموروث، و«الدولا».

في السياق ذاته، تعمل الحكومة على زيادة عدد القابلات الذي تصفه عبلة الألفي بأنه يواجه «نقصاً حاداً»، مشيرة إلى أن «مصر تحتاج إلى 20 ألف قابلة مدربة، في حين لا يتجاوز العدد الحالي ألف قابلة فقط».

وتعتمد الوزارة على «خطة تدريب شاملة تتضمن: دورات تدريبية مدتها 18 شهراً، وبرنامج البورد المصري للقبالة (3 سنوات)، وإعادة إدراج تخصص (القبالة) في كليات التمريض، وبرامج المعاهد الصحية (3 سنوات)».

شغف بـ«الدولا»

دفعت تجربة ولادة قيصرية صعبة «الدولا» إسراء سعد (29 عاماً)، إلى شق طريقها في هذا المجال، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إنها خططت في ولادتها الأولى عام 2019 لأن تكون طبيعية، لكن الطبيبة أجرتها قيصرية «دون داعٍ طبي»، وقررت أن تبدأ رحلة البحث عن طريقة تساعدها في الولادة الطبيعية المرة القادمة.

خلال بحثها، قرأت إسراء سعد عن مهنة «الدولا» ودورها في دعم الأم حتى تلد طبيعياً، وصادفت تدريباً تقدمه «الدولا» هبة حامد في محافظتها الدقهلية (دلتا مصر) فحصلت عليه. وبالفعل نجحت في أن تلد طبيعياً في مرتها الثانية، وساعدت نساء أخريات لذلك.

«الدولا» هبة حامد خلال أحد التدريبات للنساء على الولادة الطبيعية (الشرق الأوسط)

ترى إسراء سعد أن الدولا «أكبر من كونها مهنة، هي شغف»، مشيرة إلى أن «عائدها المادي لا يتناسب مع حجم المجهود الذي يُبذل». وتتراوح قيمة خدمة «الدولا» بين 1500 جنيه (الدولار نحو 48 جنيهاً) إلى 5 آلاف جنيه، حسب إسراء سعد، التي تصف السعر بأنه «في متناول الجميع»، قبل أن تُحدد «لكن من يلجأ للدولا عادة خريجات الجامعات».


مقالات ذات صلة

من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

يوميات الشرق الخروج في نزهة قصيرة لتجديد نشاطك قد يساعدك في محاربة النعاس بعد تناول الغداء (بكسلز)

من دون قهوة... كيف تتغلب على النعاس بعد تناول الغداء؟

هل تجد صعوبة في إبقاء عينيك مفتوحتين بعد الغداء؟ كثيراً ما يبدأ الناس يومهم بنشاط ثم تنهار طاقتهم بعد الغداء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك يعدّ الشاي بأنواعه المختلفة من أكثر الخيارات شيوعاً لخسارة الوزن (بيكسلز)

من الأسود إلى الأبيض... 8 أنواع شاي تساعد على خسارة الوزن وحرق الدهون

يبحث كثيرون عن طرق طبيعية وآمنة لدعم خسارة الوزن وتحسين عملية الأيض، ويعدّ الشاي بأنواعه المختلفة من أكثر الخيارات شيوعاً.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك زيت الخروع يُستخدم مليّناً وفي منتجات العناية بالبشرة والشعر (بكسلز)

استخدمته كليوباترا لتفتيح بياض عينيها... ما الفوائد الصحية لزيت الخروع؟

زيت الخروع عبارة عن زيت كثيف عديم الرائحة، يُستخرج من بذور نبات الخروع. يعود استخدامه إلى مصر القديمة، حيث يُرجح أنه استُخدم وقوداً للمصابيح.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك توت البلسان يحتوي على كمية جيدة من فيتامين «سي» (بيكسلز)

نوع من التوت يساعد في التقليل من نزلات البرد الشتوية

استخدم السكان الأصليون في أميركا ثمار البلسان في الطب التقليدي لآلاف السنين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك سكري الحمل يمكن أن يؤدي إلى نمو مفرط للطفل... لذا أهمية المتابعة المستمرة له لوقاية الأطفال من تداعيات مستقبلية (بيكسباي)

دراسة: المتابعة المستمرة لسكري الحمل يمكنها وقاية الأطفال من تداعيات مستقبلية

أظهرت بيانات من تجربة جديدة أنه يمكن للنساء اللاتي يصبن بالسكري المرتبط بالحمل أن يقللن من احتمالات إنجاب مولود جديد بوزن أعلى من المتوسط عند الولادة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.


«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
TT

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)
«الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بالتزامن مع ليلة «رأس السنة»، بعدما رفضت محكمة القضاء الإداري جميع الدعاوى التي طالبت بمنعه، واستند الحكم إلى حصول الفيلم على التراخيص المطلوبة من الرقابة على المصنفات الفنية، وفق منتجه.

الفيلم الذي كان مقرراً عرضه في شهر أغسطس (آب) 2024، تأجّل طرحه أكثر من مرة بسبب تجدد الدعاوى القضائية، من بينها دعوى المحامي مرتضى منصور، بالإضافة إلى الجدل الذي أُثير حوله عقب عرض «البرومو الترويجي»، واعتبار البعض أنه عمل مسيء من الناحية الدينية، إلى جانب تعرّضه لأزمات أخرى، من بينها التحفّظات الرقابية، وانسحاب الفنان الراحل مصطفى درويش من العمل احتجاجاً على آراء مؤلفه.

لقطة من البرومو الترويجي لفيلم «الملحد» (الشركة المنتجة)

وانتقد عدد من الفنانين والنقاد والجمهور، وبعض صنّاعه، منع الفيلم عبر منشورات «سوشيالية»، مؤكدين أن المنع ليس حلاً، وأن حرية الإبداع حق للجميع، ولا بدّ من المشاهدة قبل الاعتراض لوضع تصوّر كامل عن فكرة أي عمل فني.

من جانبه أكّد المنتج أحمد السبكي أن الفيلم حصل على جميع التراخيص والموافقات الرقابية اللازمة، لافتاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قرار تأجيل العرض كان بسبب المناوشات (السوشيالية) من بعض المحامين، التي حصلت بالتزامن مع طرح البرومو الترويجي، وليس لأسباب أخرى».

وأوضح السبكي أن العرض سيتم دون أي تعديل أو حذف، بعدما أصدر القضاء الإداري حكماً يقضي برفض جميع الدعاوى المقامة لمنع عرضه. وقال: «لا توجد أي إشارة تمنع عرضه، وبحوزتي النصّ القانوني الذي يؤكد أن العمل لا يتضمّن أي إساءة كما اعتقد بعضهم، وقد صدر الحكم قبل المشاهدة».

وأشار السبكي إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على آراء الجمهور قبل مشاهدة العمل، قائلاً: «في عصر (السوشيال ميديا)، يتشكّل رأي الناس بسرعة من خلال البرومو، وهذا أمر طبيعي، لكننا نؤكد أن الحكم النهائي يعود للمشاهد بعد مشاهدة الفيلم كاملاً».

الملصق الترويجي للفيلم (الشركة المنتجة)

واتّفق نقاد على أن المنع يحدّ من حرية الإبداع؛ إذ أكدت الكاتبة والناقدة المصرية صفاء الليثي رفضها لفكرة المنع، خصوصاً بعد حصول الفيلم على الموافقات الرقابية وتصويره بالفعل. وأشارت إلى أن «المنع بعد إنجاز الفيلم مشكلة كبيرة وكارثة على الصناعة، كما أنه أسلوب غير واقعي؛ فالجمهور اليوم يستطيع الوصول إلى كل الأفكار بسهولة، ولم يعد الاطلاع على أي موضوع أمراً صعباً».

وقالت صفاء الليثي في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إن «سياسة المنع لا بدّ من التراجع عنها؛ فمن غير المعقول الحكم على عمل من اسمه أو من لقطاته الترويجية. فالأسماء أحياناً تكون وسيلة للجذب التجاري، وكذلك الأمر بالنسبة للبرومو، الذي لا يُفترض أن يكون ملخصاً للفيلم، بل قد يُستخدم فقط لجذب الجمهور. والحكم من خلاله غير صائب، فهو دافع للمشاهدة لا سبب للرفض والمنع».

ويتناول فيلم «الملحد» قضية فكرية واجتماعية بطريقة درامية، من خلال قصة رجل دين متشدّد وابنه الذي يتمرّد على أفكاره ويعلن إلحاده. والفيلم من بطولة أحمد حاتم، وحسين فهمي، ومحمود حميدة، وصابرين، وتارا عماد، ونخبة من الفنانين، وهو من إخراج محمد العدل، وتأليف إبراهيم عيسى، وإنتاج أحمد السبكي.

من جهتها أكدت الناقدة الفنية المصرية فايزة هنداوي أن «حرية الإبداع مكفولة للجميع، وأنها ضدّ المنع مطلقاً»، لافتةً في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عرض (الملحد) بعد رفض كبير يُعد مؤشراً جيداً إلى أن الحرية تبقى أول العناصر الضرورية للإبداع».