راجعت وزارة الري المصرية إجراءات مواجهة فيضانات النيل بعد أن تعرضت أراضٍ زراعية ومنازل للغرق في عدد من المناطق بدلتا النيل (شمال البلاد)، وسط حالة من الجدل سادت خلال الساعات الماضية حول الإجراءات التي اتخذتها الوزارة لحماية البلاد من الفيضانات، التي اتهمت مصر «سد النهضة» الإثيوبي بالتسبب فيها.
وعقد وزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، الأحد، اجتماعاً مع «اللجنة الدائمة لتنظيم إيراد نهر النيل»، بهدف «متابعة موقف إيراد نهر النيل، والحالة الهيدرولوجية للنهر، وتحديد كميات المياه الواصلة لبحيرة السد العالي، وإجراءات تشغيله، وخطوات إدارة المنظومة المائية خلال الفترة المقبلة».

وقدم سويلم توضيحاً لإدارة الموقف المائي بعد انتقادات طالت وزارته قائلاً إنه «يقوم بصورة ديناميكية قائمة على الرصد اللحظي في أعالي النيل والتنبؤات الهيدرولوجية باستخدام أحدث النماذج الرياضية والاعتماد على تحليل صور الأقمار الاصطناعية».
وأضاف: «يتم تحديد التوقيتات المناسبة للتصرفات المائية اعتماداً على البنية التحتية لمنظومة الموارد المائية، وعلى رأسها السد العالي، سواء عبر استخدام المجرى الرئيسي لتصريف المياه لتلبية الاحتياجات المختلفة وتوليد الكهرباء، أو عبر مفيض توشكى في الحالات الاضطرارية»، متابعاً: «الأمور تسير طبقاً للتوقعات».
وشهد عدد من القرى المصرية، خصوصاً في محافظتَي البحيرة والمنوفية، خلال الأيام الماضية، ارتفاع منسوب مياه نهر النيل بشكل غير مسبوق، ما أدى إلى غمر مساحات من أراضي «طرح النهر» والأراضي الزراعية وعدد من المنازل.
وتُعرف أراضي «طرح النهر» بأنها أراضٍ منخفضة، تقع ضمن حرم النهر، وتكون عرضة للغمر مع زيادة التصرفات المائية.

وحذرت الحكومة المصرية المواطنين والمزارعين المقيمين بأراضي «طرح النهر» من زراعة أي محاصيل حالياً، وطالبتهم بسرعة إخلاء المنازل حفاظاً على سلامتهم، كما وجّهت برفع درجة الاستعداد والجاهزية، واتخاذ التدابير الوقائية العاجلة للحدّ من ارتفاع منسوب المياه.
وقال وزير الري المصري الأسبق، حسام مغازي، إن «الوزارة تعتمد على ثلاث طرق للتعامل مع الفيضان؛ أولها: فتح بوابات السد العالي وتصريف كميات من المياه في نهر النيل استعداداً لتخزين المياه الواردة إليه، وثانيها: السماح للمياه بالوصول إلى مشروع توشكى الزراعي وهي إجراءات حدثت هذا العام، إلى جانب خطوة ثالثة تتمثل في تصريف المياه عبر مفيض توشكى، ولكن في تلك الحالة قد لا يتم الاستفادة من المياه لأنها تصل إلى الصحراء».
وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «خبراء الوزارة وجدوا أن الكميات التي سيتم تصريفها لا تستدعي فتح مفيض توشكى، ويمكن أن يستوعبها نهر النيل، عبر إجراء يسمى (غسيل النهر) من خلال ترك المياه للتدفق مع فتح قناطر (إدفينا) على البحر المتوسط، وهو ما يتيح الاستفادة من المياه الموجودة في الزراعة وتصريف ما يتبقى منها إلى البحر».
وأكد أن السد العالي لديه قدرة على استيعاب الفيضان، وهناك قياسات مستمرة تتم عليه للتأكد من عدم وجود تسريبات يمكن أن تهدد بتدفق المياه المحجوزة خلفه، وأن الاجتماع مع «اللجنة الدائمة لتنظيم إيراد النيل» يهدف إلى مراجعة صمام شبكة المجاري المائية للسد بعد عملية إحلال وتجديد عدد من القناطر المصرية بينها «إسنا ونجع حمادي وأسيوط الجديدة والدلتا وزفتى».
وربطت مصر بين «فيضان نهر النيل هذا العام، وتصرفات (أحادية متهورة) من جانب إثيوبيا في إدارة (سد النهضة)»، مؤكدة أن «هذه الممارسات تفتقر إلى أبسط قواعد المسؤولية والشفافية، وتمثل تهديداً مباشراً لحياة وأمن شعوب دول المصبّ، وتكشف زيف الادعاءات الإثيوبية المتكررة بعدم الإضرار بالغير».
وأرجعت وزارة الري غرق بعض الأراضي إلى التعديات في مناطق (طرح النهر)، ووجه وزير الري في اجتماع مع قيادات وزارته، الأحد، «العمل على إزالة التعديات عنها في أسرع وقت لزيادة قدرة المنظومة المائية على مواجهة أي طوارئ، وذلك بالتنسيق مع أجهزة المحليات بالمحافظات المختلفة».
لكن أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، نادر نور الدين، يرى أن «إجراءات وزارة الري بها ثغرات تسببت في غرق كميات كبيرة من الأراضي وصلت إلى ما يقرب من 1000 فدان في محافظة المنوفية»، مشيراً لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «السد العالي على مدار أكثر من 55 عاماً حمى مصر من خطر الفيضان والجفاف أيضاً، ما يترك تساؤلات حول سبب غرق الأراضي والمنازل رغم أنها ليست جميعاً في (طرح النهر)».
وأضاف: «تستقبل مصر في شهرَي يوليو (تموز) وأغسطس (آب) ما يقرب من 15 مليار متر مكعب من المياه الواردة من إثيوبيا، في حين أن ما أظهرته رسوم بيانية لوزارة الري يشير إلى وصول الإيراد اليومي إلى 150 مليون متر مكعب خلال الأشهر الأخيرة، ومعنى ذلك أن إثيوبيا حجزت المياه».

ومع فتح بوابات «سد النهضة» منذ يوم 26 سبتمبر (أيلول) الماضي فإنه من المتوقع أن يصل مصر نحو 7 مليارات متر مكعب إلى جانب 2 مليار متر مكعب من النيل الأبيض، وفقاً لنور الدين.
وأكد نور الدين أن «كميات المياه الواردة من (سد النهضة) لا تؤدي إلى فيضان لكن بسبب الحرص الزائد من وزارة الري قامت بتصريف كميات كبيرة من مياه السد العالي لتجنب أي أضرار قبل وصول الفيضان، وهو ما أدى لزيادة منسوب المياه بشكل كبير ومفاجئ».
واعتبرت مصر، مساء الجمعة، في بيان صادر عن وزارة الموارد المائية والري، أن «سد النهضة» الذي بنته إثيوبيا هو السبب وراء الفيضانات الحالية في السودان، وقالت إنه يشكل «تهديداً مباشراً لأمن شعوب دول المصب».
وردت وزارة المياه والطاقة الإثيوبية ببيان رفض اتهامات مصر، ووصفت موقف مصر الأخير حول «سد النهضة» بأنه مليء بـ«المغالطات والتناقضات والتشوهات»، وعدّت سبب فيضانات السودان لـ«زيادة تدفق مياه النيل الأبيض».







