ترمب يُعيد تموضع واشنطن ليربح «سلام غزة»

يُحاول أن يظهر أنه وحده القادر على «تغيير قواعد اللعبة»

ترمب مستقبلاً نتنياهو في البيت الأبيض في 29 سبتمبر 2025 (رويترز)
ترمب مستقبلاً نتنياهو في البيت الأبيض في 29 سبتمبر 2025 (رويترز)
TT

ترمب يُعيد تموضع واشنطن ليربح «سلام غزة»

ترمب مستقبلاً نتنياهو في البيت الأبيض في 29 سبتمبر 2025 (رويترز)
ترمب مستقبلاً نتنياهو في البيت الأبيض في 29 سبتمبر 2025 (رويترز)

على غير عادته، بدا الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أكثر ميلاً للضغط على حليفه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، من إصراره على معاقبة «حماس»؛ ففي تصريحات نشرها على منصته «تروث سوشيال»، دعا إسرائيل إلى «وقف فوري للقصف» لتأمين ظروف إطلاق سراح الرهائن، مؤكداً أن «(حماس) مستعدة لسلام دائم».

كما أكّد الرئيس الأميركي أنه لن يتهاون «مع أي تأخير من (حماس)» في تطبيق خطته للسلام في غزة، وهو ما يعتقد كثيرون أنه قد يحصل، «أو أي نتيجة تشكّل غزة بموجبها خطراً من جديد... لننجز هذا الأمر سريعاً، وإلا فلا يمكن توقع ما سيحدث»، داعياً الحركة، اليوم (السبت)، إلى «التحرك بسرعة، وإلا فستصبح جميع الاحتمالات واردة».

وأشاد بـ«إيقاف إسرائيل قصف غزة مؤقتاً لإعطاء إتمام عملية الإفراج عن المحتجزين فرصة»، مع العلم بأن القصف لم يتوقف.

ونقل موقع «أكسيوس» الإخباري، اليوم (السبت)، عن ترمب قوله إن إبرام اتفاق سلام في غزة أصبح في المتناول، وإنه سيدفع بكل قوة لإنجاز هذا الاتفاق. وأضاف ترمب أنه أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن هذه فرصة لتحقيق النصر، وأن نتنياهو بدا موافقاً على ذلك. وتابع ترمب قائلاً: «يجب أن يوافق (نتنياهو) على ذلك... ليس لديه خيار، معي يجب أن توافق».

وأردف: «كانت ردود الفعل رائعة إزاء خطتنا. كل بلدان العالم موافقة؛ نتنياهو موافق و(حماس) ترغب في إبرام الاتفاق. يتعين علينا الآن إنجاز الأمر».

وأشاد ترمب بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان قائلاً إنه «قدم المساعدة» في الضغط على «حماس» للمضي قدماً والإفراج عن المحتجزين، واصفاً إردوغان بأنه صديقه وقام بعمل رائع. وقال ترمب إن نتنياهو «بالغ في الأمر؛ ما أدى إلى فقدان إسرائيل كثيراً من الدعم العالمي، لكني سوف أعيد هذا الدعم إلى إسرائيل».

ترمب يفرض حضوره في ملفات الشرق الأوسط

وعدّ مراقبون أن هذه هي المرة الأولى منذ عودته إلى السلطة التي يوجّه فيها ترمب رسالة مباشرة إلى إسرائيل بضرورة تغيير قواعد اللعبة.

ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، حرص ترمب على إعادة فرض حضوره في ملفات الشرق الأوسط باعتباره صانع صفقات يسعى إلى ترك إرث سياسي يتجاوز حدود واشنطن. وفي الحرب الدائرة على غزة، برز فجأة بوصفه وسيطاً رئيسياً، مطلقاً خطة سلام من 20 بنداً، ومهدداً بفتح «جحيم لم يره أحد من قبل»، إذا لم توافق «حماس» عليها في غضون أيام. لكنه في الوقت نفسه أرسل رسالة غير مسبوقة لنتنياهو، داعياً إياه إلى وقف القصف فوراً لتأمين ظروف إطلاق سراح الرهائن.

هذا التحول عكس رغبة ترمب في كسر الصورة التقليدية للولايات المتحدة، بوصفها حليفاً مطلقاً لإسرائيل، وتقديم نفسه لاعباً يفرض التوازن بين الطرفين. وحسب مراقبين في واشنطن، فإن ترمب يحاول أن يظهر أنه وحده القادر على «تغيير قواعد اللعبة» في منطقة استنزفت الإدارات الأميركية المتعاقبة.

ردّ «حماس»: «نعم... ولكن»

ردّ «حماس» على خطة ترمب حمل كثيراً من الغموض؛ ففي حين أعلنت الحركة استعدادها لإطلاق سراح الرهائن مقابل انسحاب إسرائيلي كامل ووقف الحرب، فإنها تجنّبت الالتزام الصريح بنزع السلاح، وطلبت «مفاوضات تقنية» لتوضيح تفاصيل الخطة.

وفي حين رأى ترمب في هذا الموقف «استعداداً لسلام دائم»، وصف السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام رد «حماس» بأنه «رفض مقنع»، قائلاً: «لا نزع للسلاح، وربط إطلاق الرهائن بالمفاوضات، هذه إجابة كلاسيكية: (نعم... ولكن».

لكن ترمب، خلافاً لمعارضيه، تبنّى الرواية الإيجابية، وعدّ أن مجرد تجاوب «حماس» يُمثل «لحظة تاريخية» يجب البناء عليها. وقد نشر على منصاته مقطع فيديو أكّد فيه أن الولايات المتحدة «قريبة جداً» من إنهاء الحرب، وأن جميع الأطراف «ستُعامَل بإنصاف».

نازحة فلسطينية في خيمتها بوسط قطاع غزة بعد إعلان «حماس» موافقتها على إطلاق المحتجزين الإسرائيليين السبت (رويترز)

ضغوط البيت الأبيض

أثارت خطوة ترمب ارتباكاً في إسرائيل؛ فقد كشفت مصادر إسرائيلية لموقع «أكسيوس» أن نتنياهو فوجئ بردّ الرئيس الأميركي، وأنه في اجتماعات مغلقة عدّ موقف «حماس» رفضاً للخطة، لكن المفارقة أن بعض أعضاء فريق التفاوض الإسرائيلي رأوا أن ردّ الحركة قد يفتح الباب أمام صفقة محتملة، وهو ما يعكس التباين داخل المؤسسة الإسرائيلية نفسها.

وفي حين يجد نتنياهو نفسه مضطرّاً للحفاظ على دعم ترمب، فإنه يواجه في الداخل معارضة من قيادات اليمين التي ترى في وقف القتال خضوعاً لضغوط خارجية، ولذلك يحاول الموازنة بين التزامات أمنية ميدانية وخشية خسارة الغطاء الأميركي الوحيد القادر على تحصين إسرائيل دبلوماسياً في المحافل الدولية.

ويقول دبلوماسي عربي شارك في المفاوضات مع واشنطن، إن «ترمب قلب الطاولة على الجميع؛ فقد نقل الضغط من (حماس) وحدها إلى إسرائيل أيضاً، وهو ما لم تجرؤ أي إدارة أميركية سابقة على فعله».

هل ينجح ترمب في فرض إرثه؟

التقديرات الاستخباراتية الأميركية التي تسرّبت إلى وسائل الإعلام لم تكن متفائلة؛ فقد أشار مسؤول رفيع إلى أن «حماس» قد تستخدم المفاوضات لكسب الوقت، وأن الانقسامات داخلها قد تعرقل أي اتفاق نهائي، لكن بالنسبة لترمب، يبدو الرهان مختلفاً؛ فحتى مجرد إطلاق مسار تفاوضي يُحسب له بوصفه إنجازاً سياسياً كبيراً؛ خصوصاً إذا اقترن بوقف إطلاق نار ولو مؤقتاً.

فتى فلسطيني يلعب بطائرة ورقية قرب خيم النازحين في النصيرات بوسط قطاع غزة السبت (أ.ف.ب)

ويؤكد محللون أن الرئيس الأميركي يسعى إلى تحقيق 3 أهداف متوازية؛ إثبات أنه الوسيط الوحيد القادر على تحريك الجمود في مقابل فشل إدارات سابقة؛ وتعزيز موقعه أمام الرأي العام الأميركي بإظهار أنه جلب «سلاماً طال انتظاره» إلى الشرق الأوسط؛ وإعادة صياغة العلاقة مع إسرائيل بما يتيح له فرض شروط على نتنياهو، بدلاً من تبني مواقفه من دون نقاش.

ومع ذلك، لا يمكن تجاهل العقبات الكبرى. وحسب تقرير في «وول ستريت جورنال»، فإن «حماس» تعاني انقساماً داخلياً بين قادة الخارج الذين يميلون للتسوية، وقادة الداخل الذين يخشون فقدان السيطرة على المقاتلين. كما أن إسرائيل لا تزال مصرّة على نزع سلاح الحركة بالكامل، وهو شرط لم تلتزم به «حماس» حتى الآن.

ويُحذر وسطاء من احتمال انشقاق بعض مقاتلي «حماس» وانضمامهم إلى جماعات أكثر تشدداً، ما يعني أن وقف الحرب قد لا يكون شاملاً. أما إذا رفضت الخطة، فقد يطلق ترمب الضوء الأخضر لإسرائيل لمواصلة حربها بلا قيود، بعد أن يكون قد قدّم نفسه للرأي العام على أنه بذل «المحاولة الأخيرة».

ما يحدث في غزة اليوم لا يمكن قراءته بعيداً عن الحسابات الأميركية، فترمب لا يطرح مبادرة تقنية بقدر ما يسعى إلى إعادة رسم دور واشنطن بوصفها لاعباً لا غنى عنه. وفي حين يرحب الوسطاء الإقليميون بالدور الأميركي الجديد، تبقى الكرة في ملعب «حماس»، التي يتعين عليها حسم انقساماتها الداخلية، وإسرائيل التي تواجه ضغطاً غير مسبوق من أقرب حلفائها.

وفي المحصلة، يظل السؤال: هل ينجح ترمب في انتزاع «سلام غزة» ليجعله علامة فارقة في رئاسته، أم أن تعقيدات الميدان وتناقضات الأطراف ستقلب المبادرة إلى محطة عابرة في حرب طويلة؟


مقالات ذات صلة

الولايات المتحدة تطارد ناقلة نفط تقترب من فنزويلا

أميركا اللاتينية ناقلة نفط قبالة سواحل فنزويلا (أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تطارد ناقلة نفط تقترب من فنزويلا

تطارد الولايات المتحدة سفينة في منطقة البحر الكاريبي كانت تقترب من فنزويلا في إطار الحصار الذي فرضته واشنطن على ناقلات النفط المرتبطة بكراكاس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ نائب المدعي العام تود بلانش (أ.ب)

«العدل» الأميركية: حذف صور من ملفات إبستين «لا علاقة له بترمب»

قالت وزارة العدل الأميركية إن حذف أكثر من 12 صورة من ملفات قضية جيفري إبستين لا علاقة له بالرئيس دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
أوروبا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر يصافح الرئيس الأميركي دونالد ترمب (رويترز) play-circle

ستارمر يناقش جهود السلام في أوكرانيا خلال اتصال هاتفي مع ترمب

ذكر مكتب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن رئيس الوزراء بحث مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجهود المبذولة لتحقيق «نهاية عادلة ودائمة» للحرب في أوكرانيا.

شؤون إقليمية تفعيل دفاعات إسرائيلية لاعتراض صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب يوم 22 يونيو الماضي (أ.ف.ب)

إسرائيل تعيد رفع منسوب التحذير من «تهديد وجودي» إيراني

عادت القيادات السياسية والعسكرية تتحدث عن قلق شديد وشعور بالخطر الوجودي من النشاط الإيراني المتجدد لشراء وإنتاج الصواريخ الباليستية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ المدمرة الأميركية «يو إس إس توماس هودنر» (DDG-116) المزودة بصواريخ موجهة تغادر ميناء بونسي في بورتوريكو وسط تحركات عسكرية مستمرة... وذلك في 20 ديسمبر 2025 (رويترز) play-circle

هل تنجح ضغوط ترمب الاقتصادية في دفع مادورو للتخلي عن السلطة؟

نفذت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تهديداتها واحتجزت ناقلة نفط ثانية قبالة سواحل فنزويلا في ضربة جديدة لنظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو لدفعه للتنحي.

هبة القدسي

طهران لا تستبعد هجوماً جديداً من إسرائيل

عراقجي يتحدث إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي (الخارجية الإيرانية)
عراقجي يتحدث إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي (الخارجية الإيرانية)
TT

طهران لا تستبعد هجوماً جديداً من إسرائيل

عراقجي يتحدث إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي (الخارجية الإيرانية)
عراقجي يتحدث إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف الأربعاء الماضي (الخارجية الإيرانية)

لم تستبعد طهران احتمال تعرضها لهجوم إسرائيلي جديد، وتشدد على تمسكها بمواصلة تخصيب اليورانيوم، فيما يسعى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يصل إلى البيت الأبيض اليوم، إلى استيضاح موقف واشنطن، ومعرفة مدى استعداد إدارة الرئيس دونالد ترمب للشراكة في أي مواجهة عسكرية محتملة. وتتصاعد في إسرائيل تحذيرات من عودة ما تصفه بـ«التهديد الوجودي» الإيراني، مع مؤشرات على تسريع طهران إعادة بناء قدراتها النووية والصاروخية.

وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في مقابلة نشرت أمس، إن بلاده «لا تستبعد» احتمال تعرضها لهجوم جديد، لكنها «مستعدة بالكامل، وأكثر من السابق»، مضيفاً أن أي هجوم جديد «لن يكون سوى تكرار لتجربة فاشلة». واعتبر أن أمام الولايات المتحدة «خيارين واضحين»: إما العودة إلى الدبلوماسية، أو الاستمرار في مسار «أثبت فشله».


«أكسيوس»: تحركات صاروخية إيرانية تثير مخاوف إسرائيل

صاروخ باليستي إيراني يُعرَض بجانب لافتة تحمل صورة المرشد علي خامنئي وقادة من «الحرس الثوري» قُتلوا في هجمات إسرائيلية في أحد شوارع طهران (أرشيفية - رويترز)
صاروخ باليستي إيراني يُعرَض بجانب لافتة تحمل صورة المرشد علي خامنئي وقادة من «الحرس الثوري» قُتلوا في هجمات إسرائيلية في أحد شوارع طهران (أرشيفية - رويترز)
TT

«أكسيوس»: تحركات صاروخية إيرانية تثير مخاوف إسرائيل

صاروخ باليستي إيراني يُعرَض بجانب لافتة تحمل صورة المرشد علي خامنئي وقادة من «الحرس الثوري» قُتلوا في هجمات إسرائيلية في أحد شوارع طهران (أرشيفية - رويترز)
صاروخ باليستي إيراني يُعرَض بجانب لافتة تحمل صورة المرشد علي خامنئي وقادة من «الحرس الثوري» قُتلوا في هجمات إسرائيلية في أحد شوارع طهران (أرشيفية - رويترز)

أفاد موقع «أكسيوس» الإخباري، اليوم (الأحد)، نقلاً عن مصادر إسرائيلية وأميركية قولها إن إسرائيل حذرت إدارة الرئيس دونالد ترمب من أن إيران ربما تستخدم مناورة صاروخية للحرس الثوري الإيراني غطاء لشن ضربة على إسرائيل.

وأبلغت مصادر إسرائيلية الموقع أن قدرة الجيش الإسرائيلي على تحمل المخاطر أقل بكثير مما كانت عليه في السابق، وأن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أثارت مخاوف تل أبيب بعد رصد تحركات صاروخية إيرانية.

وذكر «أكسيوس» أن مصادر إسرائيلية أبلغته أن الاستخبارات الإسرائيلية ترى بوادر على إعادة إيران بناء قدراتها الصاروخية.

ورغم أن احتمال وقوع هجوم إيراني أقل من 50 في المائة، وفق ما ذكره «أكسيوس»، أكد الموقع الإخباري الأميركي أن الخطر الأكبر يكمن في أن يتسبب سوء تقدير في اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران بأن يعتقد كل طرف أن الآخر يستعد لشن هجوم عليه.

وأوضح «أكسيوس» أن قائد القيادة المركزية الأميركية براد كوبر، زار إسرائيل اليوم وناقش مع رئيس الأركان الإسرائيلي ايال زامير، المخاوف بشأن إيران، مشيراً إلى أن زامير دعا للتنسيق بشكل وثيق مع الولايات المتحدة تحسبا لهجوم إيراني.


للمرة العاشرة... حكومة نتنياهو تطلب تمديد منع دخول الصحافة الأجنبية إلى غزة

عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة بحثاً عن جثث فلسطينيين يوم السبت (إ.ب.أ)
عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة بحثاً عن جثث فلسطينيين يوم السبت (إ.ب.أ)
TT

للمرة العاشرة... حكومة نتنياهو تطلب تمديد منع دخول الصحافة الأجنبية إلى غزة

عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة بحثاً عن جثث فلسطينيين يوم السبت (إ.ب.أ)
عناصر من الدفاع المدني الفلسطيني يزيلون ركام منزل مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة بحثاً عن جثث فلسطينيين يوم السبت (إ.ب.أ)

للمرة العاشرة على التوالي، تقدَّمت الحكومة الإسرائيلية بطلب رسمي إلى المحكمة العليا في القدس الغربية، الأحد، لتمديد المهلة للرد على التماس تقدّمت به «رابطة الصحافيين الأجانب»؛ للسماح لوسائل الإعلام الدولية بالوصول الحر والمستقل إلى قطاع غزة.

ومنذ بداية الحرب على غزة، حاولت «رابطة الصحافيين الأجانب» في تل أبيب، التي تمثل رابطة المراسلين الأجانب في إسرائيل ومئات من وسائل الإعلام الدولية، إدخال صحافيين ميدانيين إلى قطاع غزة وغيره من المناطق الفلسطينية وحتى الإسرائيلية التي نالها نصيب من آثار الحرب، ولكن السلطات الإسرائيلية دأبت على الرفض، إلا في حالات استثنائية اقتصر فيها دخول الصحافيين الأجانب، كما الإسرائيليين، على جولات محدودة ينظمها الجيش وتُنفَّذ تحت مرافقة عسكرية مشددة وبشروط صارمة تشمل الالتزام بعرض المواد الصحافية على الرقابة العسكرية قبل النشر.

واضطرت الرابطة للجوء إلى القضاء الإسرائيلي، بعد أشهر قليلة من الحرب، تطلب إصدار أمر يلزم الحكومة بالسماح للصحافيين بالدخول إلى غزة بشكل مستقل، من دون مرافقة عسكرية. ولكن المحكمة رفضت الاستجابة بذريعة العمليات العسكرية.

مشيعون يحملون جثمان واحد من 5 صحافيين قُتلوا خلال غارة إسرائيلية على مستشفى ناصر في خان يونس جنوب قطاع غزة... أغسطس الماضي (أ.ف.ب)

وفي سبتمبر (أيلول) 2024، قُدّم التماس جديد، أمرت المحكمة في أعقابه الحكومة بتقديم مخطط يسمح بدخول الصحافيين. ولكن الحكومة وجدت سبيلاً آخر للتهرب، إذ تتقدم كل مرة بطلب إلى المحكمة لتأجيل البت في الموضوع ومنحها مهلة أخرى. وقد فعلت ذلك حتى الآن 10 مرات.

وبدا أن المحكمة تهادنها، فتوافق على التأجيل. وأثار هذا النهج غضباً واسعاً في الأوساط الإعلامية الدولية، التي ترى في السياسة الإسرائيلية أسلوباً منهجياً لمنع التغطية المستقلة.

وازدادت حدة الانتقادات مع دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بموجب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ما جعل مطلب السماح بدخول الصحافة الأجنبية أكثر إلحاحاً.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد تطرّق إلى القضية مرتين خلال الفترة الأخيرة. ففي مقابلة مع شبكة «فوكس نيوز» قال إنه سيعطي تعليماته للجيش بـ«الاستعداد» لهذه المسألة.

وعبَّرت «رابطة الصحافة الأجنبية» في إسرائيل عن «خيبة أمل شديدة» إزاء هذه السياسة، وخصوصاً تجاه ما تبديه المحكمة من «مهادنة».

وترى نقابة الصحافيين الفلسطينيين أن هذا المنع هو «جزء لا يتجزأ من سياسة إسرائيل لإخفاء حقيقة جرائمها في غزة والضفة الغربية».

وبحسب رئيس هذه النقابة، ناصر أبو بكر، فإن ما جرى في غزة منذ 7 أكتوبر 2023 على يد إسرائيل هو «أكبر مجزرة بحق الصحافيين في التاريخ».

وقال، في بيان، إن نحو 1500 صحافي فلسطيني يعملون حالياً وسط القصف، وقد أُصيب المئات، واعتقلت إسرائيل نحو 200 آخرين، كما دمرت كثيراً من المؤسسات الإعلامية.