النقد صامد رغم تريليونات المحافظ الرقمية في زمن الصدمات

أزمات عالمية تثبت أن النقود الورقية تبقى الملاذ الأخير

أوراق نقدية من اليورو، والدولار الهونغ كونغي، والدولار الأميركي، والين الياباني، والجنيه الإسترليني واليوان صيني (رويتروز)
أوراق نقدية من اليورو، والدولار الهونغ كونغي، والدولار الأميركي، والين الياباني، والجنيه الإسترليني واليوان صيني (رويتروز)
TT

النقد صامد رغم تريليونات المحافظ الرقمية في زمن الصدمات

أوراق نقدية من اليورو، والدولار الهونغ كونغي، والدولار الأميركي، والين الياباني، والجنيه الإسترليني واليوان صيني (رويتروز)
أوراق نقدية من اليورو، والدولار الهونغ كونغي، والدولار الأميركي، والين الياباني، والجنيه الإسترليني واليوان صيني (رويتروز)

في عصر تتسارع فيه التكنولوجيا بوتيرة غير مسبوقة، أصبحت المدفوعات الرقمية جزءاً لا يتجزأ من حياة الأفراد والشركات على حد سواء. فالهواتف الذكية، والمحافظ الإلكترونية، والتطبيقات المصرفية، والعملات المشفرة، لم تعد خيارات مستقبلية؛ بل أصبحت واقعاً يومياً يهيمن على المشهد المالي العالمي.

ومع هذا الانتشار الرقمي الواسع، أثارت دراسة حديثة للبنك المركزي الأوروبي تحت عنوان «حافظ على هدوئك واحتفظ بالنقود» جدلاً واسعاً؛ حيث دعا البنك من خلالها مواطني منطقة اليورو إلى الاحتفاظ ببعض النقود الورقية في منازلهم، معتبراً إياها شبكة أمان أساسية تحميهم في حال تعطل أنظمة الدفع الرقمية.

تكمن قوة هذه الدعوة في التناقض الظاهر فيها: بينما يشجع العالم على التحول الرقمي الكامل وتقليص الاعتماد على النقد الورقي، يصر «المركزي الأوروبي» على ضرورة الاحتفاظ بالنقود الورقية كوسيلة لضمان الاستقرار المالي والمرونة في الأزمات. ويعكس هذا التناقض مفارقة جوهرية: على الرغم من التقدم الهائل في المدفوعات الرقمية وسهولة الوصول إليها، يظل النقد الورقي محافظاً على دوره الأساسي، ليس فقط كأداة دفع؛ بل كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين المالي أو التقني.

فقد أثبتت الأزمات الأخيرة -سواء أكانت صحية أم سياسية أم تقنية- أن النقد الورقي يؤدي دوراً لا تستطيع الوسائل الرقمية منافسته فيه، بدءاً من حماية الأفراد والمؤسسات أمام تعطل الأنظمة الإلكترونية، وصولاً إلى توفير السيولة الفورية عند انقطاع الخدمات الرقمية أو وقوع صدمات اقتصادية مفاجئة.

رجل يستخدم هاتفه للدفع عبر خدمة الهاتف المحمول «أبل باي» في مقهى بموسكو

المدفوعات الرقمية: نمو مستمر

تشير البيانات إلى أن المدفوعات الرقمية شهدت نمواً استثنائياً خلال العقد الماضي؛ إذ ارتفعت قيمة المعاملات عبر المحافظ الرقمية من 1.6 تريليون دولار في 2014 إلى 15.7 تريليون دولار في 2024. ويُعزى هذا النمو إلى الانتشار الواسع للهواتف الذكية، وتحسين البنية التحتية للاتصالات والإنترنت، وتغير تفضيلات المستهلكين بعد جائحة «كوفيد-19».

وتُعد التجارة الإلكترونية من أبرز المحركات لهذا التوسع الرقمي؛ إذ ارتفعت قيمتها من نحو 9.09 تريليون دولار في 2019 إلى توقعات تصل إلى 27.15 تريليون دولار بحلول 2027، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 14.7 في المائة. كما شهدت المدفوعات عبر الهواتف المحمولة نمواً ملحوظاً؛ إذ من المتوقع أن تصل قيمة المعاملات إلى 3.31 تريليون دولار بحلول 2027، ما يعكس تحولاً كبيراً في سلوك المستهلكين نحو الدفع الرقمي السريع والمريح.

النقد صامد رغم المد الرقمي

رغم هذا المد الرقمي، يظل النقد صامداً. فحسب تقرير النقد العالمي 2022، ارتفعت نسبة النقد المتداول إلى الناتج المحلي الإجمالي في معظم الدول بين 2011 و2020، ما يعكس قدرة النقد على التكيف مع التطورات الرقمية، ومكانته المستمرة كوسيلة دفع مفضلة لدى شريحة واسعة من السكان.

ويشير البنك المركزي الأوروبي إلى أن النقد يحتفظ بخصائص فريدة، تزيد من أهميته في الأزمات: ملموس، ومرن، وغير متصل بالإنترنت، ومقبول على نطاق واسع. كما بقيت قيمة أوراق اليورو المتداولة مستقرة عند أكثر من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات العشر الأخيرة، مع زيادة مؤقتة خلال جائحة «كوفيد-19»، ثم اعتدال منذ منتصف 2022 بفعل ارتفاع أسعار الفائدة.

الطلب على النقد أثناء الأزمات

تُعد الأزمات الاقتصادية والسياسية والصحية من أبرز العوامل التي تدعم استمرار الطلب على النقد. ففي حين يقل استخدام النقد اليومي مع التوسع الرقمي، يزداد الاعتماد عليه كخيار احتياطي لتلبية الاحتياجات الطارئة. وأظهرت دراسة المركزي الأوروبي 4 أزمات رئيسية:

1- جائحة «كوفيد-19»: مع تفشي الجائحة مطلع 2020، شهد الطلب على الأوراق النقدية قفزة استثنائية؛ حيث ارتفع صافي الإصدار بأكثر من 140 مليار يورو (164.58 مليار دولار) بنهاية العام، أي بزيادة تجاوزت 130 في المائة عن المتوسط السنوي قبل الجائحة. ورغم تراجع استخدام النقد اليومي نتيجة الإغلاقات والمخاوف الصحية، ارتفعت الحيازات النقدية للأفراد داخل المنازل، ما يعكس ما تُسمَّى «مفارقة الأوراق النقدية»: زيادة الحيازات رغم انخفاض الاستخدام في المعاملات.

2- الحرب الروسية على أوكرانيا: في فبراير (شباط) 2022، أدى الغزو الروسي إلى ارتفاع حاد في الطلب على النقد؛ خصوصاً في الدول المجاورة، نتيجة مخاوف عدم اليقين الجيوسياسي، واحتمال تعرض البنية التحتية لهجمات إلكترونية. وبلغت الزيادات في صافي الإصدار اليومي نحو 36 في المائة في الشهر الأول من الصراع، في دول مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا، بينما ظلت الدول الأبعد عن النزاع قريبة من مستوياتها التاريخية.

3- انقطاع التيار الكهربائي في شبه الجزيرة الأيبيرية: أثبت النقد دوره الحيوي خلال انقطاع واسع للتيار الكهربائي في أبريل (نيسان) 2025؛ إذ تعطلت أنظمة الدفع الرقمية، بما في ذلك نقاط البيع وأجهزة الصراف الآلي والمحافظ الإلكترونية. وأدى الانقطاع إلى تراجع الإنفاق بالبطاقات بنسبة 41– 42 في المائة، والانخفاض في التجارة الإلكترونية بنحو 54 في المائة، بينما أصبح النقد الوسيلة الوحيدة المتاحة للأشخاص الذين امتلكوه، مما يعكس أهميته كخيار احتياطي خلال الأعطال.

4- أزمة الديون السيادية في اليونان: خلال أزمة الديون اليونانية 2014– 2015، ارتفع صافي إصدار الأوراق النقدية من بنك اليونان بشكل ملحوظ، متجاوزاً التقديرات الافتراضية مرات عدة، نتيجة حالة عدم اليقين السياسية والمالية. ووصل متوسط الإصدار اليومي خلال فترة الأزمة إلى 72 مليون يورو (84.64 مليون دولار) أعلى من المتوقع، متراكماً إلى نحو 11.2 مليار يورو (13.17 مليار دولار) بعد 6 أشهر، ما يعكس اعتماد المواطنين على النقد كوسيلة أمان ومرونة في مواجهة الأزمة.

رجل يستخدم النقود لدفع ثمن مشترياته خلال تسوقه في ميلانو (رويترز)

تحديات التحول الكامل للشركات

رغم الانتشار المتزايد للمدفوعات الرقمية، لا تزال الشركات -خصوصاً الصغيرة والمتوسطة- مترددة في التخلي عن النقد. يعود ذلك أساساً إلى تكاليف التنفيذ المرتفعة، ورسوم المعاملات على البطاقات والمحافظ الرقمية، بالإضافة إلى المخاطر التقنية مثل الأعطال والانقطاعات.

كما تلعب تفضيلات العملاء دوراً مهماً؛ إذ يفضل كبار السن وذوو الدخل المحدود النقد لاعتبارات الخصوصية والتحكم في الميزانية، كما تعتبر بعض الثقافات الدفع النقدي أكثر ملاءمة في مناسبات معينة، مما يؤكد أن الاختيار الفردي لا يزال عنصراً محورياً في تحديد وسائل الدفع. كذلك يفرض الإطار التشريعي أحياناً قبول النقد لضمان شمول جميع المستهلكين، ما يجعل التحول الكامل إلى مجتمع بلا نقد عملية معقدة.

هل بات الاقتصاد العالمي بلا نقود؟

الإجابة -حسب المعطيات- واضحة: لا، ليس بعد.

يتوقع الخبراء استمرار تراجع استخدام النقد، ولكنه سيظل جزءاً أساسياً من النظام المالي لعقود قادمة. فالمستقبل ليس خياراً ثنائياً بين النقد والمدفوعات الرقمية؛ بل هو نظام متنوع الوسائل يوازن بين الابتكار والأمان.

ولا تُعد دعوة البنك المركزي الأوروبي تراجعاً عن الرقمنة؛ بل هي تأكيد على المرونة والأمن القومي المالي. ففي مجتمع بلا نقود، تصبح القدرة على الصمود أمام الأزمات محدودة؛ لأنه إذا أصبح كل شيء رقمياً، واختُرق النظام المصرفي أو التحويل الإلكتروني، فإنه يمكن تدمير الاقتصاد دون إطلاق رصاصة واحدة، وفق خبراء، مثل جاي زاغورسكي، من جامعة بوسطن، الذي يؤكد أن النقود الورقية ستظل جزءاً أساسياً من المستقبل، وأن الأمن القومي في بعض الحالات يعتمد عليها.

وفي هذا الإطار، أشارت دراسة للبنك المركزي الأوروبي في 2024، إلى أهمية النقد بالنسبة للجمهور؛ إذ يرى 62 في المائة من المستهلكين، أنه من الضروري أن يظل النقد خياراً متاحاً للدفع، مقابل 60 في المائة في 2022، وأبدت غالبية كبيرة (87 في المائة) رضاها عن سهولة الوصول إلى النقود، رغم انخفاضه قليلاً مقارنة بـ89 في المائة في 2022.

الحاجة إلى نهج متوازن

يتطلب مستقبل المعاملات المالية منظوراً متوازناً، يتجاوز التفكير في خيار ثنائي بين النقد والمدفوعات الرقمية. ويجب أن يضمن هذا النهج توفير خيارات دفع متعددة تناسب جميع الفئات، وإتاحة الوصول لأنظمة الدفع للجميع، بما في ذلك الفئات محدودة الوصول للتكنولوجيا، وحماية بيانات المستخدمين، وضمان عدم المراقبة المالية غير المبررة، وتحسين أمان الدفع الرقمي مع الحفاظ على خيار النقد، وتشجيع الابتكار التكنولوجي مع ضمان موثوقية الأنظمة الجديدة، وقدرة النظام على الصمود أمام الأعطال والهجمات الإلكترونية والانقطاعات.

تعكس مفارقة المدفوعات الرقمية (التعايش بين التقدم التكنولوجي السريع واستمرار استخدام النقد) الطبيعة المعقدة لعلاقة المجتمع بالمال واحتياجات السكان المختلفة. ويعتمد تحقيق نظام مالي مستدام على تعاون البنوك المركزية والمؤسسات المالية والشركات والمستهلكين، لضمان فعالية وأمان وشمولية أنظمة الدفع.

أحد الزبائن يدفع باستخدام بطاقة ائتمان داخل متجر في باريس (رويترز)

ضمان مواجهة الأزمات

يوفر النقد أماناً فردياً وعملياً؛ حيث يمنح المستخدمين شعوراً باليقين والتحكم، ويعمل كوسيلة دفع غير متصلة بالإنترنت عند فشل أنظمة الدفع الرقمية أو انقطاع الكهرباء. كما يلعب النقد دوراً حيوياً في مرونة النظام المالي؛ إذ يعمل كإطار احتياطي أساسي، وتساهم الحيازات النقدية الفردية في توزيع السيولة عند تعطل الأنظمة المركزية، ما يجعلها أشبه بـ«التأمين المجتمعي منخفض التكلفة».

ويمتاز النقد أيضاً بالقيمة الاسمية الثابتة، وسهولة الوصول، والخصوصية، مما يفسر استمرار الطلب عليه بقوة في أوقات التوتر، بغض النظر عن العوامل الاقتصادية التقليدية. وقد أدركت البنوك المركزية في دول مثل هولندا والنمسا وفنلندا هذه الأهمية، فبدأت توصي الأسر بالاحتفاظ بمخزون نقدي يكفي لعدة أيام من المشتريات الأساسية، كما أجرت تجارب على أجهزة صرَّاف آلي مقاومة للانقطاعات لضمان الوصول للنقد في أوقات الأزمات.

وعليه، يعزز هذا النهج دور النقد كالتزام مباشر من البنك المركزي ومتاح للجميع، ليس فقط في المعاملات اليومية؛ بل كركيزة أساسية للاستقرار الاقتصادي وثقة الجمهور. فهل يمكن أن يضمن المستقبل المالي التوازن بين الابتكار الرقمي والشمولية الاقتصادية، ويظل النظام قوياً وموثوقاً أمام الأزمات، إذا اختفى النقد الذي يمثل شبكة الأمان الأساسية للفرد والمؤسسات على حد سواء؟


مقالات ذات صلة

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

الاقتصاد علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

أظهرت دراسة أجرتها جمعية الأعمال «إيكونومي سويس» أن الشركات السويسرية تخطط لنقل جزء من عملياتها وإنتاجها إلى الخارج لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية الأميركية.

«الشرق الأوسط» (زيورخ)
الاقتصاد زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)

حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

أكّد وزراء في الحكومة اليابانية، يوم الجمعة، أن تحديد أدوات السياسة النقدية يظل من اختصاص بنك اليابان بالكامل.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)

الاقتصاد اليوناني يواصل تعافيه في الربع الثالث

يواصل الاقتصاد اليوناني مسار التعافي بثبات، بعدما سجل نمواً بنسبة 0.6 في المائة في الربع الثالث من 2025 مقارنة بالربع السابق.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
الاقتصاد صورة عامة لمشروع «وايتستابل هايتس» السكني الجديد في بريطانيا (رويترز)

سوق الإسكان البريطاني يواصل التباطؤ في نوفمبر قبل إعلان الموازنة

أظهرت بيانات صادرة عن «بنك هاليفاكس» للتمويل العقاري، يوم الجمعة، أن سوق الإسكان في المملكة المتحدة شهد تباطؤاً في نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد مبنى البورصة في مدينة شنغهاي الصينية (رويترز)

«إنفيديا الصين» تنهي 3 أيام من تراجع الأسهم الصينية

ارتفعت أسهم الصين يوم الجمعة، منهيةً سلسلة خسائر استمرت 3 أيام، ومعاكسةً خسائرها السابقة خلال الأسبوع

«الشرق الأوسط» (بكين)

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
TT

دراسة: شركات سويسرية تخطط لنقل عملياتها إلى الخارج لمواجهة الرسوم

علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)
علم سويسرا في ميناء جنيف (رويترز)

أظهرت دراسة أجرتها جمعية الأعمال «إيكونومي سويس»، أن الشركات السويسرية تخطط لنقل جزء من عملياتها وإنتاجها إلى الخارج لمواجهة تأثير الرسوم الجمركية الأميركية.

واستطلعت الدراسة آراء أكثر من 400 شركة قبل وبعد موافقة سويسرا الشهر الماضي، على اتفاق لخفض الرسوم الجمركية الأميركية من 39 في المائة إلى 15 في المائة، حيث حدد نحو ربع الشركات بالفعل خطوات ملموسة ستتخذها، وفق «رويترز».

وأشارت الدراسة إلى أن ما يقرب من ثلث هذه الشركات قررت زيادة استثماراتها خارج سويسرا، ونقل إنتاجها وعملياتها إلى الخارج. وأفاد نحو 16 في المائة من الشركات بأنها ستنقل عملياتها إلى دول خارج الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، فيما ستتجه 10 في المائة إلى الولايات المتحدة، و5 في المائة أخرى نحو الاتحاد الأوروبي.

وشملت الخيارات الأخرى البحث عن أسواق جديدة، ورفع الأسعار، وحتى تعليق الصادرات إلى الولايات المتحدة.

وقال رودولف مينش، كبير الاقتصاديين في «إيكونومي سويس»، إن نقل العمليات والاستثمار في الخارج لم يضر بسويسرا، التي تظل وجهةً تجارية جاذبة، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على الوظائف التي تتطلب مهارات عالية وأنشطة البحث والتطوير.

وكجزء من الاتفاق، تعهدت برن أيضاً باستثمارات بقيمة 200 مليار دولار من شركاتها في الولايات المتحدة، ما أثار مخاوف بشأن التأثير الاقتصادي المحتمل على المدى الطويل.

وأشار بنك «يو بي إس» إلى أنه في حال نقل صناعة الأدوية - أكبر قطاع تصدير في سويسرا - جميع إنتاجها المتجه إلى الولايات المتحدة إلى هناك، فإن النمو الاقتصادي التراكمي السويسري على مدى 5 سنوات سينخفض من 10 في المائة إلى 7.7 في المائة.

وأضاف مينش أن سويسرا أصغر من أن تستوعب مبلغ 200 مليار دولار، لكنها تمتلك تاريخاً طويلاً في الاستثمار بالخارج، وقد ساعدت هذه الاستثمارات أيضاً في تأمين فرص عمل داخل البلاد.


حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
TT

حكومة اليابان تترقب مستقبل الفائدة وتحركات الين

زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)
زوار لجناح بأحد معارض الألعاب في بلدة تشيبا قرب العاصمة اليابانية طوكيو (إ.ب.أ)

أكّد وزراء في الحكومة اليابانية، يوم الجمعة، أن تحديد أدوات السياسة النقدية يظل من اختصاص بنك اليابان بالكامل، وذلك وسط توقعات متزايدة بأن يقدم البنك على رفع أسعار الفائدة خلال اجتماعه في ديسمبر (كانون الأول) الجاري. وقال وزير إنعاش الاقتصاد مينورو كيووتشي إن الحكومة «تأمل أن يواصل بنك اليابان إدارة السياسة النقدية بالشكل المناسب لتحقيق استقرار التضخم عند 2 في المائة، بالتعاون الوثيق مع الحكومة»، مضيفاً أن قرار رفع الفائدة وآلياته أمر يعود للبنك المركزي وحده.

وفي مؤتمر منفصل، أعرب كبير أمناء مجلس الوزراء مينورو كيّهارا عن قلق طوكيو من التحركات السريعة من جانب واحد في سوق العملات، خصوصاً مع تراجع الين لمستويات قرب 155 للدولار. وقال كيّهارا: «نراقب السوق عن كثب، ومستعدون لاتخاذ الإجراءات المناسبة ضد التحركات المفرطة أو غير المنتظمة، بما في ذلك سلوكيات المضاربة». وتأتي تلك التصريحات في حين يقترب بنك اليابان من إنهاء مرحلة أسعار الفائدة شديدة الانخفاض بعد عقود من السياسات التيسيرية.

وفي تحليل نشرته «رويترز»، أفاد مسؤولون بأن رئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي بدأت تنتهج خطاباً أكثر حذراً تجاه الأسواق بعد ارتفاع حاد في عوائد السندات اليابانية طويلة الأجل إلى أعلى مستوياتها منذ 2007. وخلال اجتماع مع فريقها الاقتصادي في 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عرضت وزيرة المالية ساتسوكي كاتاياما على تاكايتشي مخططاً يوضح تسارع عمليات بيع السندات وارتفاع تكلفة الاقتراض، وهو ما جعل تعبيرات رئيسة الوزراء «أكثر جدية»، وفق مصدر مطّلع. وتاكايتشي، التي تُعد من ورثة «أبينوميكس»، تواجه تحدياً كبيراً في تمويل خطتها التحفيزية البالغة 137 مليار دولار، والمعتمدة في جزء كبير منها على إصدار ديون جديدة. وتحاول رئيسة الوزراء تهدئة الأسواق، نافية أن تواجه اليابان سيناريو مشابهاً لـ«صدمة تراس» في بريطانيا عام 2022، التي شهدت انهيار السندات والإطاحة بالحكومة على خلفية تمويل خطط إنفاق غير ممولة.

وتكشف التحليلات أن تراجع مشتريات بنك اليابان وشركات التأمين المحلية يضع عبئاً كبيراً على سوق السندات؛ إذ تشير تقديرات بنك أوف أميركا إلى أن صافي المعروض سيرتفع بـ11 تريليون ين إضافية في 2026. وقال مدير محافظ في طوكيو: «خطة تاكايتشي تعتمد على نمو اقتصادي قوي... لكن إذا لم يتحقق هذا النمو، فلن يبقى إلا جبل الديون». كما بدأ بعض المستثمرين بالرهان على مزيد من انخفاض الين وارتفاع عوائد السندات، بسبب التوقعات برفع الفائدة قريباً.

من جانبه، قال محافظ بنك اليابان كازو أويدا إن هناك «عدم يقين» بشأن المستوى المناسب لرفع الفائدة مستقبلاً، لافتاً إلى أن المعدل الطبيعي (الحيادي) في اليابان يتراوح بين 1 في المائة و2.5 في المائة. ومن المتوقع أن يصبح مؤتمر أويدا الصحافي في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحدث الأكثر أهمية للأسواق، مع محاولة المستثمرين استشراف مسار التشديد النقدي في 2026.


الاقتصاد اليوناني يواصل تعافيه في الربع الثالث

إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)
إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد اليوناني يواصل تعافيه في الربع الثالث

إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)
إشعال الشعلة الأولمبية في معبد البارثينيون بجبل أكروبوليس في اليونان (أ.ف.ب)

يواصل الاقتصاد اليوناني مسار التعافي بثبات، بعدما سجل نمواً بنسبة 0.6 في المائة في الربع الثالث من 2025 مقارنة بالربع السابق، مدفوعاً بارتفاع الاستثمارات وتحسن الاستهلاك المحلي، وفقاً للبيانات الأولية الصادرة عن هيئة الإحصاء اليونانية يوم الجمعة.

وجرى تعديل نمو الربع الثاني بالخفض إلى 0.4 في المائة، إلا أن الربع الثالث أظهر ديناميكية أقوى في القطاعات الإنتاجية والاستهلاكية، في مؤشر على استمرار زخم النمو رغم الضغوط التي تواجه الاقتصاد الأوروبي عموماً.

وأظهرت البيانات المعدلة موسمياً ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي النهائي بنسبة 0.6 في المائة، حيث ارتفع استهلاك الأسر بنسبة 1.2 في المائة، وزاد إنفاق القطاع الحكومي بنسبة 2.3 في المائة. ويعكس هذا الاتجاه تحسناً في ثقة المستهلكين، وتوسّعاً في الطلب المحلي، وهو عامل أساسي في اقتصاد يعتمد على الاستهلاك والسياحة.

وسجّل إجمالي تكوين رأس المال الثابت، وهو مؤشر رئيسي لقياس الاستثمار في الأصول طويلة الأجل، مثل المنشآت والبنية التحتية، ارتفاعاً لافتاً بلغ 3.5 في المائة، مقارنة بالربع السابق. ويأتي هذا التحسن في إطار سعي أثينا إلى جذب مزيد من الاستثمارات المدعومة بإصلاحات هيكلية وبرامج تمويل أوروبية ضمن خطة التعافي من آثار الجائحة.

كما سجّلت الصادرات، وخدمات السياحة التي تُعد ركيزة مهمة للدخل القومي، ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.2 في المائة. وفي حين تراجعت الواردات إجمالاً بنسبة 1.6 في المائة، وكانت الواردات السلعية الأكثر تأثراً بتراجع بلغ 2.3 في المائة، فقد ارتفعت واردات الخدمات 1 في المائة. وساهم تراجع الواردات في تخفيف الضغط على الميزان التجاري خلال الربع الثالث.

وفي تطور لافت يعزز صورة التعافي الاقتصادي، انخفض معدل البطالة في اليونان خلال الربع الثالث إلى 8.2 في المائة، مقارنة بـ8.6 في المائة في الربع الثاني، وفق بيانات هيئة الإحصاء الصادرة يوم الخميس. وحسب الأرقام، فقد بلغت البطالة بين النساء 10.6 في المائة مقابل 6.2 في المائة للرجال. وكان ما يقرب من 59 في المائة من العاطلين عن العمل هم من العاطلين لفترات طويلة (12 شهراً فأكثر). ويمثل هذا المعدل الأدنى للبطالة منذ أكثر من عقد، في بلد كان قد سجّل معدلات بطالة تجاوزت 27 في المائة خلال الأزمة الاقتصادية التي ضربته قبل سنوات.

وتعتمد اليونان في نموها على مزيج من نشاط السياحة القوي وارتفاع الاستهلاك المحلي وتحسّن الاستثمارات المرتبطة بخطة التعافي الأوروبية، إضافة إلى إصلاحات مالية وهيكلية دعمت ثقة المستثمرين. ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، بما في ذلك ارتفاع الأسعار، وتكاليف الاقتراض الأوروبية، واستمرار حساسية الاقتصاد تجاه أي تباطؤ في قطاع السياحة... لكن بيانات الربع الثالث تعطي انطباعاً بأن اليونان تسير بثبات نحو تعزيز نموها الاقتصادي بعد سنوات من التقشف والأزمات.