«ميتا» تطلق «الذكاء الاصطناعي للأعمال»... وكيل مبيعات ذكي على مدار الساعة

ذكاء اصطناعي يبيع ويخدم العملاء

الخدمة تستهدف تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من تبني التجارة الحوارية بسهولة ودون تعقيدات تقنية (شاترستوك)
الخدمة تستهدف تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من تبني التجارة الحوارية بسهولة ودون تعقيدات تقنية (شاترستوك)
TT

«ميتا» تطلق «الذكاء الاصطناعي للأعمال»... وكيل مبيعات ذكي على مدار الساعة

الخدمة تستهدف تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من تبني التجارة الحوارية بسهولة ودون تعقيدات تقنية (شاترستوك)
الخدمة تستهدف تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من تبني التجارة الحوارية بسهولة ودون تعقيدات تقنية (شاترستوك)

أعلنت شركة «ميتا» عن إطلاق خدمة جديدة تحمل اسم «الذكاء الاصطناعي للأعمال» (Business AI) تهدف إلى إعادة تعريف طريقة تفاعل الشركات مع عملائها عبر الإنترنت. ويُنظر إلى هذه الخدمة باعتبارها وكيلاً ذكياً للمبيعات، يعمل عبر تطبيقات «ميتا» (مثل فيسبوك وإنستغرام) إضافة إلى المواقع الإلكترونية وخدمات المراسلة والأكشاك، ليربط بين الاكتشاف والشراء بسلاسة من خلال التفاعل الحواري.

مساعد مبيعات يعمل على مدار الساعة

في جوهره، يُعد «Business AI» وكيلاً آلياً يتحدث مع العملاء من البداية وحتى إتمام عملية الشراء ولا يتطلب الأمر خبرة برمجية. المنظومة تتعلم بشكل ديناميكي من بيانات الحملات والمحتوى القائم، ما يتيح توصيات شخصية في الوقت المناسب ضمن المحادثات ونقاط التفاعل الإعلانية.

فعندما يسأل العميل عن تفاصيل منتج أو سعر، أو مقارنة بين خيارات مختلفة، يقدّم «الذكاء الاصطناعي للأعمال» الإجابات بشكل حواري طبيعي. ولأنه مدمج في الإعلانات والمواقع وخدمات المراسلة، فإن تجربة العميل تسير بانسيابية، من رؤية الإعلان إلى بدء الحوار ثم إتمام الصفقة دون انقطاع.

وتستهدف هذه الخطوة بشكل خاص الشركات الصغيرة والمتوسطة. فلطالما كان إطلاق وكلاء ذكاء اصطناعي يتطلب خبرات تقنية وتكاليف دمج وصيانة. لكن «ميتا» تسعى إلى تبسيط هذه العملية، بحيث تتمكّن هذه الفئة من تبني أدوات التجارة الحوارية بسهولة ومن دون عبء تقني.

الميزة تثير تحديات مرتبطة بالدقة والخصوصية لكنها تَعِد بمستقبل تنافسي أكثر حوارية وشخصية في التجارة الإلكترونية (شاترستوك)

أدوات توليدية تعزز الإبداع

لا يتوقف الأمر عند «Business AI» وحده. فالميزة تأتي ضمن حزمة أوسع من قدرات «ميتا» التوليدية للمعلنين. وتشمل هذه الأدوات إمكانيات إنشاء محتوى إعلاني تلقائياً من الصور والفيديوهات إلى الدبلجة بلغات متعددة وحتى إنتاج موسيقى بالذكاء الاصطناعي.

هذه الإضافات تمكّن المسوّقين من تكييف المواد الإعلانية بسرعة وعلى نطاق واسع، مثل تحويل فيديو واحد إلى عدة نسخ تلائم أسواقاً أو لغات مختلفة.

كما أعلنت «ميتا» أن «الذكاء الاصطناعي للأعمال» لن يقتصر على منصاتها فحسب، بل سيصبح متاحاً على المواقع الخارجية مثل متاجر التجارة الإلكترونية والواجهات المخصصة، ما يمنح العلامات التجارية قدرة أكبر على دمج الوكيل الحواري ضمن تجاربها الخاصة. وبذلك، يمكن للشركات الانتقال من الحملات الثابتة إلى تجارب ديناميكية قائمة على الحوار، لتختفي الحدود بين الإعلان والتجارة.

القيمة المضافة

ترى «ميتا» أن «Business AI» سيعمل كأداة مضاعِفة لفاعلية الإعلانات. فبدلاً من الاعتماد على روبوتات محادثة تقليدية أو رسائل يدوية، تستطيع الشركات نشر وكيل ذكي يحاكي التفاعل البشري، من دون الحاجة إلى فرق دعم كبيرة. ومع مرور الوقت، وبفضل اعتماده على بيانات الحملات والمحتوى، يصبح الوكيل قادراً على تقديم محادثات أكثر ثراءً ودقة، مما يعزز رضا العملاء ويرفع معدلات التحويل، ويتيح للمسوّقين التركيز على الاستراتيجية بدلاً من الجوانب التشغيلية. ورغم أن منصات أخرى قدمت أدوات مشابهة، فإن ما يميز «ميتا» هو دمج هذه القدرات بعمق داخل منظومتها الاجتماعية والرسائلية، إلى جانب التوسع السلس لاستخدامها على مواقع خارجية ومتاجر إلكترونية.

التحديات المحتملة

رغم الآفاق الواعدة، تثير هذه الخطوة تساؤلات حول دقة المعلومات ونبرة التفاعل وتجربة المستخدم. فالحرص على أن يقدم «الذكاء الاصطناعي للأعمال» بيانات صحيحة ويتعامل مع الاستفسارات الاستثنائية باحترافية سيكون أمراً أساسياً. كما أن قضايا الخصوصية واستخدام البيانات ستكون تحت المجهر. فقد أعلنت «ميتا» أن تفاعلات المستخدمين مع أنظمتها ستُستخدم في تحسين التوصيات الإعلانية والمحتوى. البعض سيرى في ذلك قيمة مضافة من خلال تخصيص أكبر، بينما قد يعتبره آخرون تعقيداً إضافياً في العلاقة بين بياناتهم ونظام الإعلانات. وبالإضافة إلى ذلك، قد لا تحتاج كل الشركات إلى نموذج تجارة حواري متكامل، ما يتطلب دراسة دقيقة لتحديد المجالات التي يحقق فيها «Business AI» القيمة الأعلى.

نحو مستقبل أكثر حوارية

يمثل إطلاق «الذكاء الاصطناعي للأعمال» مع أدوات «ميتا» التوليدية نقطة تحول في أسلوب تعامل العلامات التجارية مع الإعلانات والتجارة الإلكترونية. فبدلاً من أن تكون الشركات مجرّد متفرج في رحلة العميل، تستطيع الآن إدخال الذكاء الحواري مباشرة إلى كل نقطة تفاعل من الإعلان إلى واجهة المتجر الرقمية. وإذا أثبتت التجربة فاعليتها، فقد نشهد في القريب العاجل شركات صغيرة تنافس الكيانات الكبرى من خلال قدرات تخصيص وخدمات ذكية لم تكن متاحة لها سابقاً.


مقالات ذات صلة

دراسة جديدة: «فيسبوك» يتصدر منصات الاحتيال الرقمي عالمياً

يوميات الشرق شعار «فيسبوك» (د.ب.أ)

دراسة جديدة: «فيسبوك» يتصدر منصات الاحتيال الرقمي عالمياً

أصبحت منصة «فيسبوك» الآن مسؤولة عن الغالبية العظمى من عمليات الاحتيال على وسائل التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
تكنولوجيا تطبيق «إنستغرام» (أ.ف.ب)

«ميتا» تمنح مستخدمي «إنستغرام» أدوات تحكم جديدة في الخوارزمية

كشف تطبيق «إنستغرام» عن خاصية جديدة مدعومة بالذكاء الاصطناعي تتيح للمستخدمين عرض الخوارزميات التي تشكّل قسم الـReels (فيديوهات موجزة) الخاص بهم وتعديلها.

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو)
إعلام شعار «ميتا» (رويترز)

استخدام الذكاء الاصطناعي في «واتساب» يُعمق الخلاف القانوني بين أوروبا و«ميتا»

أثار استخدام شركة «ميتا» للذكاء الاصطناعي في تطبيق «واتساب» معركة قانونية جديدة بين شركة التكنولوجيا الأميركية والاتحاد الأوروبي.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
الاقتصاد هاتف ذكي وشاشة كمبيوتر يعرضان شعارَي «واتساب» والشركة الأم «ميتا» في غرب فرنسا (أ.ف.ب)

تحقيق أوروبي في قيود «ميتا» على منافسي الذكاء الاصطناعي عبر «واتساب»

خضعَت شركة «ميتا بلاتفورمز» لتحقيق جديد من جانب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتكار، على خلفية خطتها لإطلاق ميزات ذكاء اصطناعي داخل تطبيق «واتساب».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
يوميات الشرق سباق مع الوقت قبل دخول قرار 10 ديسمبر حيّز التنفيذ (أ.ف.ب)

قرار صادم في أستراليا... «ميتا» تطرد القاصرين من منصّاتها

أعلنت مجموعة التكنولوجيا الأميركية العملاقة «ميتا»، الخميس، أنها ستبدأ بحذف حسابات المستخدمين الأستراليين دون السادسة عشرة على منصّاتها.

«الشرق الأوسط» (سيدني)

من الطاقة إلى الرقاقة: تحالف سعودي - أميركي نحو عصر تقني جديد

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحبا بالأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحبا بالأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
TT

من الطاقة إلى الرقاقة: تحالف سعودي - أميركي نحو عصر تقني جديد

الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحبا بالأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض (أ.ف.ب)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرحبا بالأمير محمد بن سلمان في البيت الأبيض (أ.ف.ب)

في عام 1945، وعلى سطح البارجة الأميركية «كوينسي»، وُلد تحالف غيّر وجه العالم. لقاء جمع الملك عبد العزيز آل سعود بالرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، وكانت لحظته انطلاقة شراكة نفطية، وولادة تحالف سعودي - أميركي أعاد تشكيل خريطة الطاقة الدولية.

واليوم، يتكرر هذا اللقاء الاستراتيجي بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ولكن بلغة مختلفة تواكب تحولات العصر. إذ تمثل زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، إلى واشنطن ولقاؤه بالرئيس الأميركي دونالد ترمب انطلاقة عصر جديد لاقتصاديات المستقبل التقنية من الرقائق الإلكترونية الدقيقة والحوسبة إلى الذكاء الاصطناعي.

الأمير محمد بن سلمان والرئيس دونالد ترمب خلال حضورهما منتدى الاستثمار الأميركي - السعودي في واشنطن (رويترز)

فمنذ اللحظة الأولى لهذه الزيارة، برز التحول نحو عصر تقوده التكنولوجيا واضحاً. ففي أول ظهور إعلامي مشترك لولي العهد السعودي والرئيس الأميركي، لم يكن السؤال الافتتاحي للصحافيين عن الأمن أو السياسة أو الطاقة، بل كان عن الرقائق الإلكترونية.

ومن هنا، تعكس أولوية السؤال عن الرقائق الإلكترونية قبل ملفات استراتيجية أخرى الدور المحوري الذي باتت تؤديه هذه الرقائق في تشكيل عالمنا التقني، حيث أصبحت هذه الرقائق بنية تحتية غير مرئية للاقتصادات العالمية، وبها تُقاس القوة الأمنية والسيادة التقنية للدول.

الرقائق الإلكترونية نفط هذا العصر

في عالم اليوم، باتت أشباه الموصلات (أو ما تُعرف بالرقائق الإلكترونية) الأساس لكل تقنية نعتمد عليها في حياتنا المعاصرة. فهي تُعدّ المحرك الخفي لكل ما نستخدمه من هواتف، وسيارات، وطائرات، وصولاً إلى الأجهزة الطبية وأنظمة الذكاء الاصطناعي. جميعها تعتمد بشكل رئيسي على هذه الرقائق. عملياً، لا يمكن لأي جهاز إلكتروني حديث أن يعمل من دونها.

أثر هذا الاعتماد الكبير على هذه الرقائق (أو ما يُعرف بالرقاقات) انكشف بشكل واضح، خصوصاً خلال جائحة «كورونا». فقد أدى النقص في إمداد رقاقات متناهية الصغر إلى التسبب في شلل خطوط إنتاج مصانع سيارات عملاقة حول العالم، نظراً لاعتماد السيارات الحديثة في عملها على هذه الرقاقات، إذ يصل عددها من 1000 إلى 3000 في السيارة الواحدة بحسب النوع والمواصفات.

والمفارقة أن هذه الرقائق، رغم أهميتها الاستراتيجية، فإنها صغيرة جداً لا تُرى بالعين المجردة. فعلى سبيل المثال، يضم معالج (A19) الأحدث من شركة «آبل» لجهاز «آيفون 17»، الذي لا يتجاوز حجم ظفر الإصبع، ما بين 25 و30 مليار ترانزستور تم تصنيعها بتقنية (3 نانومتر) من شركة (TSMC).

شعار شركة الرقائق «إنفيديا» في مقرها الرئيسي بوادي السيليكون (د.ب.أ)

لذلك أصبحت هذه الرقائق الصغيرة جداً تمثل القلب النابض للعالم التقني، بل وأساس القوة الاقتصادية للدول. لذا برزت شركات أشباه الموصلات مثل «إنفيديا» (Nvidia)، و«تي إس إم سي» (TSMC)، و«برودكوم» (Broadcom) ضمن قائمة أعلى عشر شركات قيمة سوقية في العالم، بل إن شركة «إنفيديا» - المتخصصة فقط في تصميم الرقائق الإلكترونية - تصدرت القائمة كأعلى شركة قيمة سوقية في العالم منذ الربع الثاني من عام 2025. وبهذا يمكن اعتبار الرقائق الإلكترونية نفط القرن الحادي والعشرين، ومن يمتلك هذه التقنية يمتلك مفاتيح القوة الاقتصادية والقيادة العالمية.

الرقائق والطاقة: عنوان سباق الذكاء الاصطناعي

أدى التسارع الهائل في قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى ارتفاع غير مسبوق في الطلب على الرقائق الإلكترونية المتقدمة، مثل وحدات المعالجة الرسومية (GPUs)، والدوائر المتخصصة (ASICs)، والمعالجات الأخرى عالية الأداء. وفي ضوء هذا التحول، أصبحت هذه الرقائق أصولاً وطنية استراتيجية، تؤثر في التنافسية الاقتصادية والسيادة التكنولوجية للدول، مما دفع الحكومات حول العالم إلى تسريع جهودها لتأمين سلاسل الإمداد، وتوطين الإنتاج، وحماية تقنيات أشباه الموصلات الحساسة.

ومع ذلك، في هذه المرحلة الجديدة من سباق الذكاء الاصطناعي، لم يعد أداء الرقائق الإلكترونية سوى نصف المعادلة، بينما يتمثل النصف الآخر في القدرة على توفر كميات هائلة من الطاقة اللازمة لتدريب وتشغيل هذه الرقائق داخل مراكز بيانات الحوسبة المتقدمة. وهنا تكمن الميزة التنافسية الاستراتيجية للمملكة العربية السعودية لتكون لاعباً عالمياً في هذا السباق.

إيلون ماسك خلال حفل عشاء بالبيت الأبيض أقامه الرئيس دونالد ترمب احتفاءً باستقبال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان (رويترز)

فكما تكتسب مادة السيليكون الخام قيمتها الحقيقية عندما تتحول إلى رقاقة إلكترونية، يكتسب النفط السعودي بُعداً استراتيجياً مختلفاً عندما يُستخدم لتوليد الطاقة لتشغيل وتبريد مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. فالمملكة، من خلال تحويل مواردها النفطية إلى كهرباء موثوقة ومنخفضة التكلفة للحوسبة المتقدمة، تُعظّم القيمة الاقتصادية لمواردها الطبيعية، وتضع نفسها في قلب الاقتصاد الرقمي العالمي. وبهذا، لم يعد دور المملكة مقتصراً على تصدير الطاقة فحسب، بل امتد ليشمل تمكين القدرة الحاسوبية التي تقوم عليها اقتصاديات المستقبل.

تكشف كثافة استهلاك الذكاء الاصطناعي للطاقة طبيعة هذا التحول. فقد أظهرت دراسات حديثة أن توليد رد واحد من الذكاء الاصطناعي من 500 كلمة قد يستهلك كمية طاقة تعادل شحن هاتف ذكي لمرة واحدة. ومع نمو أحمال الذكاء الاصطناعي، بدأ السؤال المحوري الذي يُشكّل اقتصاد اليوم يتحول من: كم تبلغ تكلفة برميل النفط؟ إلى: كم تبلغ تكلفة حوسبة رمز («توكن») واحد للذكاء الاصطناعي؟

اليوم، أصبحت الرقائق الإلكترونية القلب النابض للذكاء الاصطناعي، بينما باتت الطاقة هي الأكسجين لهذه الرقائق. وضمن هذه المعادلة الثلاثية (رقائق - ذكاء اصطناعي - طاقة)، تقف المملكة العربية السعودية في موقع قوة فريد كواحدة من أكبر منتجي الطاقة في العالم.

في الوقت الحالي، يخضع الوصول إلى تقنيات أشباه الموصلات المتقدمة، بما في ذلك رقائق الذكاء الاصطناعي، لقيود تنظيمية مشددة للغاية من قبل الحكومة الأميركية، تُقنّن عملية بيع هذه الرقائق كمنتجات، من دون الحديث عن نقل صناعتها. لذلك، لا تُمنح موافقات الوصول لهذه التقنيات إلا لحلفاء يتمتعون بتوافق استراتيجي ويملكون بيئات تنظيمية مستقرة وآمنة لهذه الرقائق المتقدمة، كواحدة من أكثر التقنيات حساسية وتأثيراً في ميزان القوى العالمي. وقد برزت السعودية كأحد هؤلاء الحلفاء الاستراتيجيين.

إذ لم تأتِ الشراكات التقنية الأخيرة بين المملكة وكبرى الشركات الأميركية مصادفة، بل جاءت كنتيجة للبيئة الاستثمارية التنافسية للسعودية، التي تجعلها قبلة للشركات الأميركية، كون المملكة تملك:

  • تحالفاً استراتيجياً طويل الأمد مع الولايات المتحدة.
  • ثقلاً اقتصادياً لدولة ضمن مجموعة العشرين ذات قدرة استثمارية كبيرة.
  • تكلفة استهلاك طاقة منخفضة جداً، تقل بما يصل إلى 30 - 40 في المائة مقارنة بالولايات المتحدة.

ونتيجة لذلك، لم تعد المملكة مجرد شريك للشركات الأميركية، بل امتداداً استراتيجياً لهذه الشركات لتطوير قدراتها التقنية. فبالنسبة للولايات المتحدة، يضمن التعاون مع حليف استراتيجي مثل السعودية بقاء التقنيات الحساسة ضمن منظومات موثوقة تشترك في المصالح والمعايير الأمنية. أما بالنسبة للمملكة، فيفتح هذا التعاون مساراً متسارعاً لنقل التقنية، وتوطين سلاسل الإمداد، وخلق وظائف نوعية عالية القيمة، بما يتماشى مع مستهدفات «رؤية السعودية 2030».

في ضوء هذه المعطيات، شهدت المملكة مؤخراً تزايداً متسارعاً في استثمارات كبرى الشركات الأميركية، بدءاً من إنشاء «كوالكوم» (Qualcomm) مركزاً لتصميم الرقائق في المملكة، مروراً بإنتاج خوادم مراكز البيانات محلية الصنع عبر شراكات تجمع «إتش بي إي» (HPE) و«إيه إم دي» (AMD) مع شركة «الفنار» السعودية، وبناء «أمازون ويب سيرفيسز» (AWS) مراكز بيانات وحوسبة متقدمة داخل المملكة، وصولاً إلى شراكات تجمع شركات أميركية مثل «إنتل» (Intel) و«إنفيديا» (Nvidia) و«سوبرمايكرو» (Supermicro) و«غروك» (Groq) مع شركات سعودية، بهدف بناء مراكز بيانات متخصصة في الذكاء الاصطناعي.

تحالف يربح فيه الجميع

على الرغم من التمويل الكبير الذي يقدمه قانون دعم برنامج أشباه الموصلات الأميركي (CHIPS Act) منذ إطلاقه عام 2022، لا تزال صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة تواجه تحديات كبيرة، تشمل ارتفاع تكاليف التصنيع المحلية، ومحدودية إمدادات الطاقة وارتفاع أسعارها. وتتفاقم هذه التحديات مع تصاعد المنافسة العالمية، بالتوازي مع النمو المتسارع للتقنيات المتقدمة، وفي مقدمتها الذكاء الاصطناعي الذي يعتمد بشكل أساسي على توفر رقائق عالية الأداء، إلى جانب احتياج كميات هائلة من الطاقة لأغراض الحوسبة بتكلفة اقتصادية تنافسية.

لذلك، تحتاج الشركات الأميركية للحفاظ على تنافسيتها العالمية إلى شركاء يملكون أسواقاً كبيرة ومستقرة. وتبرز السعودية هنا بوصفها شريكاً استراتيجياً قادراً على توفير العمق الاستثماري والتشغيلي، إلى جانب الوصول الموثوق إلى إمدادات طاقة منخفضة التكلفة، بما يدعم توسع قدرات أشباه الموصلات الأميركية، من التصميم والتصنيع إلى استضافة وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي خارج الحدود الأميركية، مع الحفاظ الكامل على التوافق مع المصالح الأمنية والاستراتيجية للولايات المتحدة.

لهذا، جاءت زيارة ولي العهد الأخيرة في توقيت مثالي، في لحظة باتت فيها منظومة أشباه الموصلات الأميركية بحاجة إلى شراكات دولية موثوقة ومتوافقة للحفاظ على ريادتها وتنافسيتها العالمية. وقد أسفرت الزيارة عن نتائج تاريخية، من أبرزها:

  • إطلاق شراكة استراتيجية سعودية - أميركية في مجال الذكاء الاصطناعي.
  • موافقة الولايات المتحدة على تصدير 35 ألف وحدة معالجة رسومية متقدمة (GPUs) إلى المملكة، بالتوازي مع استثمارات سعودية في قطاع أشباه الموصلات تبدأ بـ50 مليار دولار لتصل مستقبلاً إلى مئات المليارات.
  • توسع واسع لكبرى شركات الرقائق والذكاء الاصطناعي الأميركية داخل المملكة.

إن حجم هذه الاتفاقيات يتجاوز إطار التقدم التدريجي، ليعكس تحولاً تقنياً استراتيجياً يضع السعودية في موقع متقدم بين القوى التقنية الصاعدة عالمياً. فبالنسبة للمملكة، يمثل هذا التحالف تحولاً نوعياً بكل المقاييس، إذ يفتح المجال أمام توطين أجزاء محورية من سلسلة القيمة لصناعة أشباه الموصلات، وتطوير رأس المال البشري المحلي في مجالات التقنية العميقة، واستضافة مراكز عالمية للحوسبة الفائقة للذكاء الاصطناعي، إلى جانب استقطاب الكفاءات التقنية العالمية، وتسريع تحقيق مستهدفات «رؤية السعودية 2030» في الريادة التقنية وتنويع الاقتصاد. ولا تندرج هذه الجهود في إطار مجرد اللحاق بالركب، بل في سياق القفز إلى مقدمة الاقتصادات التكنولوجية العالمية.

ختاماً، لقد قدمت هذه الزيارة ما هو أبعد من الاتفاقيات، إذ أعادت رسم مسار تحالف استراتيجي امتد لعقود، وانتقلت به من قاعدة بنائه النفطية إلى تحالف يقوم أيضاً على اقتصاديات المستقبل التقنية. واليوم، تدخل السعودية والولايات المتحدة عصراً جديداً، لا كشريكين في الطاقة فحسب، بل كشريكين في بناء الأساس التكنولوجي الذي سيحدد معالم القيادة العالمية لعقود مقبلة.


روسيا تعتزم إنشاء محطة طاقة نووية على القمر لدعم برنامجها الفضائي

وكالة الفضاء الأميركية تخطط لبناء مُفاعل نووي على سطح القمر (رويترز)
وكالة الفضاء الأميركية تخطط لبناء مُفاعل نووي على سطح القمر (رويترز)
TT

روسيا تعتزم إنشاء محطة طاقة نووية على القمر لدعم برنامجها الفضائي

وكالة الفضاء الأميركية تخطط لبناء مُفاعل نووي على سطح القمر (رويترز)
وكالة الفضاء الأميركية تخطط لبناء مُفاعل نووي على سطح القمر (رويترز)

تعتزم روسيا إنشاء محطة طاقة نووية على سطح القمر خلال العقد المقبل، لتوفير ​الطاقة لبرنامجها الفضائي على القمر ودعم محطة أبحاث روسية - صينية مشتركة، وسط سباق القوى الكبرى لاستكشاف الكوكب.

ومنذ أن أصبح رائد الفضاء السوفياتي يوري جاجارين، أول إنسان ينطلق إلى الفضاء عام 1961، تفتخر روسيا بمكانتها بوصفها قوة رائدة ‌في استكشاف الفضاء، ‌لكنها تراجعت في العقود القليلة ‌الماضية، خلف الولايات ​المتحدة ‌والصين بشكل كبير.

وتعرضت طموحات روسيا لانتكاسة كبيرة في أغسطس (آب) 2023، عندما اصطدمت مركبة الفضاء «لونا - 25» غير المأهولة بسطح القمر أثناء محاولتها الهبوط عليه، في وقت أحدث فيه إيلون ماسك ثورة في عمليات إطلاق المركبات الفضائية التي كانت ذات يوم ‌مجالاً تتفوق فيه روسيا.

وقالت ‍وكالة الفضاء الروسية (روسكوسموس) في بيان، إنها تخطط لبناء ‍محطة طاقة على القمر بحلول عام 2036، ووقعت عقداً مع شركة «لافوتشكين أسوسييشن» الفضائية للقيام بذلك.

مركبة فضائية تدور حول كوكب القمر (إكس)

وقالت «روسكوسموس» إن الغرض من المحطة ​هو تزويد برنامج روسيا القمري بالطاقة، بما في ذلك المركبات الجوالة والمرصد والبنية التحتية لمحطة الأبحاث القمرية الدولية الروسية - الصينية المشتركة.

وأضافت: «يعدّ المشروع خطوة مهمة نحو إنشاء محطة علمية دائمة على القمر والانتقال من بعثات فردية إلى برنامج طويل الأمد لاستكشاف القمر».

ولم تذكر «روسكوسموس» صراحة أن المحطة ستكون نووية، إلا أنها أشارت إلى أن من بين المشاركين شركة «روس آتوم» النووية الحكومية ومعهد كورتشاتوف، ‌وهو أكبر معهد للبحوث النووية في روسيا.


ألعاب الأطفال المدعومة بالذكاء الاصطناعي... تخرج عن السيطرة

ألعاب الأطفال المدعومة بالذكاء الاصطناعي... تخرج عن السيطرة
TT

ألعاب الأطفال المدعومة بالذكاء الاصطناعي... تخرج عن السيطرة

ألعاب الأطفال المدعومة بالذكاء الاصطناعي... تخرج عن السيطرة

إذا كنت تفكر في شراء دمية دب ناطقة لطفلك، فمن المرجح أنك تتخيلها تهمس بنصائح جيدة، وتعلمه أمور الحياة. ربما لا تتخيل هذه الدمية اللطيفة وهي تمارس أدواراً جنسية، أو تُقدم نصائح للأطفال الصغار حول كيفية إشعال أعواد الثقاب.

لكن هذا ما وجدته مجموعة أبحاث المصلحة العامة (PIRG)، وهي منظمة معنية بحماية المستهلك، في اختبار أجرته أخيراً على ألعاب جديدة لموسم الأعياد.

انفلات الدب «كوما»

وجدت المجموعة أن دمية الدب «كوما» Kumma من شركة «FoloToy، التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتستخدم نموذج «جي بي تي-40» GPT-40 من شركة «أوبن إيه آي» لتشغيل عملية نطقها، كانت على «استعداد تام للخروج عن الموضوع» أثناء حديثها مع الأطفال.

وجدت «PIRG» أن دمية الدب «كوما» من «فولوتوي» FoloToy، والتي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وتستخدم نموذج GPT-40 من OpenAI لتشغيل نطقها وحديثها، كانت على استعداد تام للخروج عن الموضوع أثناء حديثها مع الأطفال.

محادثات صوتية

يُعدّ استخدام وضع الصوت في نماذج الذكاء الاصطناعي لألعاب الأطفال أمراً منطقياً: فهذه التقنية مصممة خصيصاً للألعاب السحرية التي يعشقها الأطفال. ولذا تتكاثر الدمى الواقعية التي تُصدر أصواتاً مثل التجشؤ، والكائنات الرقمية الشبيهة بـ«تاماغوتشي» (اللعبة الشبيهة بالساعة-البيضة) التي يرغب الأطفال في محاولة الحفاظ عليها.

وتكمن المشكلة في أنه على عكس الأجيال السابقة من الألعاب، يمكن للأجهزة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أن تتجاوز الاستجابات المبرمجة، والمُدققة بعناية، والمناسبة للأطفال، إلى خلق استجابات غير مطلوبة، وغير ملائمة.

مشكلة سلامة الأطفال

تُسلط مشكلة «كوما» الضوء على مشكلة رئيسة في الألعاب التي تعمل بالذكاء الاصطناعي: فهي غالباً ما تعتمد على نماذج ذكاء اصطناعي تابعة لجهات خارجية لا تملك السيطرة عليها، والتي يُمكن اختراقها حتماً، سواء عن طريق الخطأ، أو عمداً، ما يُسبب مشكلات تتعلق بسلامة الأطفال.

وتقول كريستين ريفا، المتخصصة في قانون المستهلك بجامعة ريدينغ في إنجلترا: «هناك غموض كبير حول نماذج الذكاء الاصطناعي المستخدمة في الألعاب، وكيفية تدريبها، وما هي الضمانات التي قد تحتويها لتجنب تعرض الأطفال لمحتوى غير مناسب لأعمارهم».

«ابتعدوا عن ألعاب الذكاء الاصطناعي»

لهذا السبب، أصدرت منظمة «فيربلاي» Fairplay المعنية بحقوق الطفل تحذيراً للآباء قبل موسم الأعياد، تنصحهم فيه بالابتعاد عن ألعاب الذكاء الاصطناعي، حفاظاً على سلامة أطفالهم. وتقول راشيل فرانز، مديرة برنامج «ازدهار الأطفال الصغار خارج الإنترنت» التابع لمنظمة «فيربلاي»: «هناك نقص في الأبحاث التي تدعم فوائد ألعاب الذكاء الاصطناعي، ونقص في الأبحاث التي تُظهر آثارها على الأطفال على المدى الطويل».

إيقاف بيع دمية «كوما»

وبينما أوقفت شركة «فولوتوي» بيع دمية «كوما»، وسحبت «أوبن إيه آي» إمكانية وصول «فولوتوي» إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، فإن هذه مجرد شركة واحدة من بين العديد من شركات تصنيع ألعاب الذكاء الاصطناعي. فمن يتحمل المسؤولية في حال حدوث خطأ ما؟

وتقول ريفا إن هناك غموضاً في هذا الشأن أيضاً. وتضيف: «قد تتعلق مسائل المسؤولية بالبيانات، وطريقة جمعها، أو حفظها. وقد تتعلق بالمسؤولية عن دفع لعبة الذكاء الاصطناعي الطفل لإيذاء نفسه، أو الآخرين، أو تسجيل البيانات المصرفية لأحد الوالدين».

مخاطر انعدام الإشراف القانوني

وتخشى فرانز من أن المخاطر -كما هو الحال مع شركات التكنولوجيا الكبرى التي تتسابق دائماً للتفوق على بعضها البعض- تكون أكبر بكثير عندما يتعلق الأمر بمنتجات الأطفال التي تصنعها شركات الألعاب. وتقول: «من الواضح تماماً أن هذه الألعاب تُطرح في الأسواق دون أبحاث، أو ضوابط تنظيمية».

وترى ريفا أن شركات الذكاء الاصطناعي التي تُزوّد ​​الألعاب بالنماذج التي تُساعدها على «التحدث»، وشركات الألعاب التي تُسوّقها، وتبيعها للأطفال، ستكون مسؤولة قانونياً في القضايا القانونية.

وتضيف: «بما أن خصائص الذكاء الاصطناعي مُدمجة في المنتج، فمن المرجح جداً أن تقع المسؤولية على عاتق مُصنّع اللعبة»، مشيرةً إلى أنه من المُحتمل وجود بنود قانونية في العقود التي تُبرمها شركات الذكاء الاصطناعي تحميها من أي ضرر، أو مخالفة. وتتابع: «هذا يعني أن مُصنّعي الألعاب، الذين قد لا يملكون في الواقع سوى سيطرة ضئيلة على نماذج التعلم الآلي المُستخدمة في ألعابهم، سيتحملون مخاطر المسؤولية القانونية».

مقاطعة شراء ألعاب الأطفال

لكن ريفا تُشير أيضاً إلى أنه بينما تقع المخاطر القانونية على عاتق شركات الألعاب، فإن المخاطر الفعلية «تعتمد كلياً على طريقة عمل نموذج التعلم الآلي»، ما يُوحي بأن شركات الذكاء الاصطناعي تتحمل أيضاً بعض المسؤولية. ولعل هذا ما دفع «أوبن إيه آي» إلى تأجيل تطوير ألعاب الذكاء الاصطناعي مع «Mattel» هذا الأسبوع.

وتقترح ريفا اقتراحاً بسيطاً: «إحدى الخطوات التي يمكننا اتخاذها كمجتمع، بصفة أننا مسؤولون عن رعاية الأطفال، هي مقاطعة شراء هذه الألعاب التي تعمل بالذكاء الاصطناعي».

* مجلة «فاست كومباني» خدمات «تريبيون ميديا»