حين يقرأ الذكاء الكمي خطوط اليد… من ألواح الطين إلى تشخيص ألزهايمر

يلتقط الأنماط العصبية الدقيقة التي لا يمكن لعين الإنسان إدراكها

حين يقرأ الذكاء الكمي خطوط اليد… من ألواح الطين إلى تشخيص ألزهايمر
TT

حين يقرأ الذكاء الكمي خطوط اليد… من ألواح الطين إلى تشخيص ألزهايمر

حين يقرأ الذكاء الكمي خطوط اليد… من ألواح الطين إلى تشخيص ألزهايمر

منذ آلاف السنين، حين خطّت حضارة وادي الرافدين -السومريون أول من ابتكروا الكتابة على ألواح الطين والحجر- لم يكن القلم مجرد وسيلة للتدوين، بل نافذة تكشف عن فكر الإنسان، وروحه. كانت العلامات المسمارية آنذاك ثورةً غيرت مسار الحضارة، لأنها لم تحفظ الكلمات فحسب، بل سجّلت نبض العقل الجمعي للبشرية.

واليوم، وبعد أن ظنّ الناس أن الكتابة اليدوية تلاشت أمام لوحات المفاتيح والشاشات، تعود لتكشف سرّاً جديداً: الخط اليدوي ليس مجرد أثرٍ على ورق، بل خريطة عصبية يمكن للذكاء الاصطناعي الكمي أن يقرأها ليستبق مرض ألزهايمر قبل أن يطرق أبواب الذاكرة.

الخطوط التي تبوح بما لا يُقال

منذ زمن بعيد، لاحظ الأطباء أن القلم لا يكذب، إذ إن كل اضطراب في الدماغ يترك أثراً خفياً على الورق: رعشة بالكاد تُرى، تباطؤ في حركة الحروف لا يلحظه القارئ العادي، أو انقطاع غير مبرَّر في منتصف السطر. وهذه العلامات الدقيقة قد تبدو عابرة، لكنها في الحقيقة إشارات استغاثة يرسلها العقل قبل أن ينطفئ. والمفارقة أن هذه الإشارات قد تخفى حتى على عين الطبيب الأكثر خبرة، لأنها دقيقة لدرجة أنها تذوب وسط السطور.

التقاط الأنماط العصبية الدقيقة

وهنا يتدخل الذكاء الاصطناعي الكمي ليقلب المعادلة. فعلى عكس الكمبيوتر الكلاسيكي الذي يعالج الأمور بمنطق متتابع، خطوة بعد أخرى، فإن الخوارزميات الكمية -بفضل خاصيتي التراكب (Superposition) والتشابك (Entanglement)- تستطيع استكشاف آلاف المسارات في اللحظة نفسها، كما لو كانت تمتلك عدسات مجهرية متعددة تقرأ ما وراء الكلمات. وهذه القدرة تمنحها ميزة فريدة: التقاط الأنماط العصبية الدقيقة التي لا يمكن لعين الإنسان أو حتى الخوارزميات التقليدية أن تدركها.

بمعنى آخر، ما يعجز البشر عن ملاحظته في ارتعاشة بسيطة لحرف، أو في تباطؤ غير محسوب لخط اليد، تستطيع الحوسبة الكمية أن تحوّله إلى خريطة واضحة تكشف عن بداية انزلاق نحو ألزهايمر... قبل سنوات من التشخيص الإكلينيكي. وكأن القلم نفسه تحوّل إلى جهاز تشخيص مبكر، لا يُسجّل الكلمات فقط، بل يبوح بأسرار الدماغ في صمته، ويصبح الخط اليدوي أشبه ببصمة الروح، ومرآة الذاكرة.

من مشروع «داروين» إلى موجة أبحاث جديدة

حين ظهر مشروع داروين (DARWIN) لأول مرة، لم يكن مجرد تجربة عابرة. الفريق البحثي جمع آلاف العينات من خط اليد: بعضها لأشخاص أصحاء، وأخرى لأشخاص في المراحل الأولى من ألزهايمر، حيث تبدأ الذاكرة في التآكل بصمت. بعد ذلك، تمت مقارنة خوارزميات الذكاء الاصطناعي الكلاسيكية مع نظيراتها الكمية. وكانت النتيجة واضحة مثل ضوء الشمس: النماذج الكمية تفوقت، بل التقطت إشارات دقيقة لم تستطع النماذج التقليدية اكتشافها إلا في مراحل متأخرة من المرض.

هذا النجاح لم يبقَ حبيس مشروع واحد، بل فتح الباب أمام موجة جديدة من الأبحاث حول العالم:

* إيطاليا (2024): فريق بقيادة الباحث جياكومو كابييّلو Giacomo Cappiello أعاد تحليل بيانات داروين (DARWIN) مستخدماً الذكاء الكمي، وأثبت أن حساسيته للكشف المبكر أعلى من أي نموذج تقليدي معروف حتى الآن.

* الولايات المتحدة (2025): مجموعة بحثية استعانت بتقنية التعلم بالنقل الكمي (Quantum Transfer Learning) على صور دماغية من قاعدة بيانات OASIS-2، والمفاجأة أن النماذج الهجينة (التي تجمع بين الكم والكلاسيكي) لم تكن أدق فقط، بل أثبتت قدرتها على التكيف حتى في بيئات مليئة بالضوضاء، والبيانات غير المثالية.

* كوريا الجنوبية (2024): دراسة رائدة استخدمت صور الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI، وربطتها بشبكات عصبية هجينة كمّية-كلاسيكية. النتيجة لم تقتصر على الكشف عن المرض، بل امتدت لتحديد المناطق الدماغية الأكثر عرضة للتأثر المبكر.

* أوروبا (2025): ورقة حديثة قدّمت نموذجاً مبتكراً باسم Hybrid Transformer، دمج بين صور الخط اليدوي وإشاراته الديناميكية (مثل السرعة والضغط)، وحقق دقة تجاوزت 91 في المائة، ما اعتُبر قفزة نوعية في المجال.

هكذا، تحوّل داروين (DARWIN) من شرارة أولى إلى تيار عالمي، يضع الذكاء الكمي في قلب سباق اكتشاف ألزهايمر المبكر. وكأن الكتابة التي وُلدت في ألواح وادي الرافدين تعود اليوم لتكتب فصلاً جديداً، ليس في تاريخ الحضارة هذه المرة، بل في معركة الإنسان مع النسيان.

الأمل والتحدي

بين الحلم والواقع فجوة لا يمكن إنكارها، فأجهزة الحوسبة الكمية لا تزال في طورها التجريبي؛ تحتاج إلى تبريد شديد يصل إلى ما يقارب الصفر المطلق، وظروف تقنية معقدة لا تتوافر إلا في مختبرات متقدمة تكلّف ملايين الدولارات. لهذا تبقى معظم الإنجازات حتى الآن حبيسة الأوراق العلمية، ومراكز الأبحاث، وبعيدة عن عيادات الأطباء، وغرف التشخيص اليومية.

ومع ذلك، فإن الأمل لا يزال كبيراً. فمرض ألزهايمر يشبه سباقاً مع الزمن؛ كل يوم يربحه المريض في المراحل الأولى قد يتحول إلى شهور أو حتى سنوات إضافية من حياة أكثر كرامة وجودة. وهنا يظهر جوهر الرهان: أن تنتقل هذه الخوارزميات من شاشات المختبر إلى أيدي الأطباء، ومن المعادلات المعقدة إلى أدوات عملية تسهّل التشخيص المبكر.

إن التحدي الحقيقي ليس في إثبات قدرة الكمّ على قراءة الخطوط، بل في تحويل هذا الإنجاز العلمي إلى واقع ملموس يطرق أبواب المستشفيات. عندها فقط يصبح الذكاء الكمي أكثر من تجربة علمية، بل فرصة إنسانية لإنقاذ الذاكرة قبل أن تُمحى...

حين يصل الصدى إلى العالم العربي

في مجتمعاتنا العربية، حيث يتزايد متوسط العمر، وتكبر أعداد كبار السن عاماً بعد عام، سيغدو ألزهايمر تحدياً صحياً واقتصادياً لا مفر منه. الأرقام تشير إلى أن نسب الخرف في العالم العربي تتضاعف مع التغير الديموغرافي، ما يفرض عبئاً متزايداً على العائلات، والأنظمة الصحية.

تخيّل لو أصبح اختبار بسيط للخط اليدوي جزءاً من الفحوص الروتينية في مراكز الرعاية الأولية: يكتب المريض جملة قصيرة، أو يرسم شكلاً بسيطاً، فتتولى الخوارزميات الكمية قراءة هذه الخطوط، وكشف ما لا تراه العين، لتمنح الطبيب نافذة للتدخل المبكر قبل أن يستفحل المرض.

وهنا يبرز البُعد الاستراتيجي. فالمملكة العربية السعودية كانت أول دولة في المنطقة تدخل عالم الحوسبة الكمية، وتستثمر في الحصول على تقنية الكمبيوتر الكمي. هذه الخطوة لا تعني مجرد سبق تقني، بل فرصة تاريخية لتوظيف هذه القوة الحسابية الهائلة في أبحاث طبية متقدمة، وعلى رأسها التشخيص المبكر لألزهايمر. وإذا ما تم دمج هذه الابتكارات في مراكز الأبحاث والمستشفيات السعودية، فقد تتحول المملكة إلى مركز إقليمي رائد في مواجهة المرض، وإلى نموذج يحتذى في العالم العربي.

ولعل الأفق الأوسع يتجلى في مشروعات كبرى مثل نيوم، وذا لاين، حيث يُرسم مستقبل المدن الذكية، والطب المبتكر. هناك، يمكن للكمبيوترات الكمية أن تصبح جزءاً من منظومة صحية رقمية متكاملة، تدمج بين الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والطب الوقائي. عندها لن يكون التشخيص المبكر حلماً بعيداً، بل سيصبح واقعاً يومياً ينسجم مع رؤية السعودية 2030 التي لا تكتفي باستيراد المستقبل، بل تصنعه من قلب المنطقة.

الكتابة-النَّفَس الثاني للروح

مشروع داروين (DARWIN) وما تلاه من أبحاث يذكّرنا بأن القلم لا يكتب فقط، بل يشخّص. كل خطّ نرسمه على الورق قد يكون خريطة عصبية تبوح بما يخفيه الدماغ، وكأن الكتابة عادت إلى جوهرها الأول، حين كانت حروفاً محفورة على الحجر والطين، شاهدة على ميلاد الحضارة.

ولعلّ الفلاسفة والشعراء لم يبالغوا حين شبّهوا الكتابة بأنها «النَّفَس الثاني للروح»؛ فهي أثر يبقى بعد أن يزول صاحبه. وكما قال شكسبير: «ما يُكتب يبقى، وما يُحفر في الكلمة لا يزول».

إنها بداية فصل جديد، حيث تتحول الكتابة من أثرٍ على الطين والحجر إلى أداة طبية تنقذ الذاكرة من التلاشي، ويغدو الذكاء الكمي شاهداً جديداً على أن الإنسان، منذ فجر الحضارة وحتى عصر الخوارزميات، لم يتوقف عن البحث عن وسيلة ليحفظ ذاكرته من الغياب.


مقالات ذات صلة

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

تكنولوجيا نصف الموظفين في السعودية فقط تلقّوا تدريباً سيبرانياً ما يخلق فجوة خطرة في الوعي الأمني داخل المؤسسات (غيتي)

دراسة: نصف الموظفين في السعودية تلقّوا تدريباً سيبرانياً

ذكرت دراسة «كاسبرسكي» أن نصف موظفي السعودية تلقوا تدريباً سيبرانياً ما يجعل الأخطاء البشرية مدخلاً رئيسياً للهجمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي» (أ.ب)

تقرير: مؤسس «أوبن إيه آي» يتطلع إلى تأسيس شركة صواريخ لمنافسة ماسك في الفضاء

كشف تقرير جديدة عن أن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة «أوبن إيه آي»، يتطلع إلى بناء أو تمويل أو شراء شركة صواريخ لمنافسة الملياردير إيلون ماسك في سباق الفضاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد شعار شركة «إس كيه هاينكس» ولوحة أم للكمبيوتر تظهر في هذا الرسم التوضيحي (رويترز)

رئيس «إس كيه» الكورية: صناعة الذكاء الاصطناعي ليست في فقاعة

قال رئيس مجموعة «إس كيه» الكورية الجنوبية، المالكة لشركة «إس كيه هاينكس» الرائدة في تصنيع رقائق الذاكرة، إن أسهم الذكاء الاصطناعي قد تتعرض لضغوط.

«الشرق الأوسط» (سيول)
تكنولوجيا شكل تسارع التحول الرقمي واتساع تأثير الذكاء الاصطناعي ملامح المشهد العربي في عام 2025 (شاترستوك)

بين «غوغل» و«يوتيوب»... كيف بدا المشهد الرقمي العربي في 2025؟

شهد عام 2025 تحوّلًا رقميًا واسعًا في العالم العربي، مع هيمنة الذكاء الاصطناعي على بحث غوغل وصعود صنّاع المحتوى على يوتيوب، وتقدّم السعودية في الخدمات الرقمية.

نسيم رمضان (لندن)
الاقتصاد هاتف ذكي وشاشة كمبيوتر يعرضان شعارَي «واتساب» والشركة الأم «ميتا» في غرب فرنسا (أ.ف.ب)

تحقيق أوروبي في قيود «ميتا» على منافسي الذكاء الاصطناعي عبر «واتساب»

خضعَت شركة «ميتا بلاتفورمز» لتحقيق جديد من جانب الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتكار، على خلفية خطتها لإطلاق ميزات ذكاء اصطناعي داخل تطبيق «واتساب».

«الشرق الأوسط» (بروكسل)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.