العلماء يتعلمون إعادة صياغة شفرة الحياة

الهندسة الوراثية تتيح توظيفها لتطوير أدوية علاجية

لقطة لامتدادات الحمض النووي للبكتريا الاشريكية القولونية تحت المجهر
لقطة لامتدادات الحمض النووي للبكتريا الاشريكية القولونية تحت المجهر
TT

العلماء يتعلمون إعادة صياغة شفرة الحياة

لقطة لامتدادات الحمض النووي للبكتريا الاشريكية القولونية تحت المجهر
لقطة لامتدادات الحمض النووي للبكتريا الاشريكية القولونية تحت المجهر

في صميم كل أشكال الحياة توجد شفرةٌ. وتستخدم خلايانا هذه الشفرة لتحويل المعلومات الموجودة في الحمض النووي إلى بروتينات. وكذلك تفعل أشجار القيقب، وأسماك قرش المطرقة، فطر الشيتاكي. وباستثناء بعض الاختلافات الطفيفة، فإن الشفرة الوراثية عالمية.

كما أنها متكررة. إذ يمكن للحمض النووي أن يُشفّر نفس مكونات البروتينات بأكثر من طريقة. ولطالما ناقش الباحثون الغرض من هذا التكرار - أو ما إذا كان مجرد صدفة تاريخية.

وحدات بنوية جزيئية لشفرة الحياة

بفضل التقدم في الهندسة الوراثية، صار بإمكانهم الآن تجاوز مجرد الجدل. على مدار العقد الماضي، صنع العلماء ميكروبات ذات شفرات أصغر تفتقر إلى بعض هذا التكرار. وتصف دراسة جديدة - نُشرت حديثا في مجلة «ساينس» - ميكروباً يحتوي على أكثر الشفرات الوراثية سلاسةً حتى الآن.

ومن اللافت للنظر أن البكتيريا المعدلة وراثياً يمكنها العمل بشفرة مختصرة، ما يوضح أن الشفرة الوراثية الكاملة ليست ضرورية للحياة.

يقول الدكتور ويسلي روبرتسون، عالم الأحياء الاصطناعية في مختبر البيولوجيا الجزيئية التابع لمجلس البحوث الطبية في كمبردج، إنجلترا، وأحد مؤلفي الدراسة الجديدة: «الحياة لا تزال قيد العمل».

يتكون الحمض النووي لدينا من أربع وحدات بنيوية جزيئية مختلفة، تسمى القواعد: الأدينين، والثايمين، والغوانين، والسيتوزين. والسلسلة المتكونة من مئات أو آلاف هذه القواعد - المعروفة باختصار باسم A، وT، وG، وC - تشكل جيناً. وتُترجم خلايانا تسلسل القواعد في الجينات لإنتاج البروتينات.

ولإتمام عملية الترجمة، تقرأ خلايانا القواعد ثلاثاً في كل مرة، في وحدات تسمى «الكودونات». يتطابق كل «كودون» (codon) مع واحد من 20 حمضاً أمينياً مختلفاً متوفراً في الخلية. وهذه الأحماض الأمينية هي التي تربطها الخلية معاً لتكوين البروتينات.

من السمات الرئيسية للشفرة الوراثية إمكانية ترميز أكثر من كودون واحد لنفس الحمض الأميني. على سبيل المثال، تؤدي القواعد الثلاثية «TCT» إلى الحمض الأميني «سيرين». ولكن هناك خمسة كودونات أخرى تفعل الشيء نفسه، وهي: «TCC» و«TCA» و«TCG» و«AGT» و«AGC». وإجمالاً، هناك 61 كودوناً مختلفاً تنتج 20 حمضاً أمينياً. وهناك ثلاثة كودونات أخرى تخبر خلايانا عندما تصل إلى نهاية الجين. وبإجمالي 64 كودوناً، فإن الشفرة الوراثية زائدة عن الحاجة بصورة كبيرة.

شفرة متضخمة تحيّر العلماء

لقد حيّر العلماء الشفرة المتضخمة للحياة منذ أن ظهرت إلى النور في ستينات القرن الماضي. مع استثناءات قليلة، تعتمد كل الأنواع على الأرض على الكودونات الـ64 نفسها. ونظراً لأن الشفرة عالمية، فقد تكهن العلماء بوجود أمر أساسي في سر هذ العدد الكبير من الطرق لبناء البروتين.

وقبل نحو عقد من الزمان، بدأ العلماء في اختبار هذه الفكرة من خلال بناء شفرات وراثية جديدة مضغوطة. وسمحت لهم التطورات في مجال تخليق الحمض النووي ببناء جينومات من الصفر، والقضاء على بعض الكودونات الزائدة عن الحاجة للوقوف على ما إذا كانت الخلايا يمكنها البقاء على قيد الحياة بشفرة أصغر.

يقول الدكتور أكوس نيرجيس، عالم الأحياء الاصطناعية في كلية الطب بجامعة هارفارد، الذي يعمل على تقليص حجم الشفرة الوراثية: «يمكنك البدء في استكشاف ما يمكن أن تتحمله الحياة. يمكننا أخيراً اختبار هذه الشفرات الوراثية البديلة».

يعمل روبرتسون وزملاؤه في مجلس البحوث الطبية على تحقيق الهدف نفسه. يُجري كلا الفريقين تجارب على البكتيريا الإشريكية القولونية، وهي نوع من البكتيريا التي تعيش في أمعاء الإنسان، وقد خضعت لدراسات مكثفة لأكثر من قرن. وقد اختاروا الكودونات الزائدة للتخلص منها، على أمل ألا تضر بالميكروب في هذه العملية. على سبيل المثال، شرع روبرتسون وزملاؤه في تقليل الكودونات الستة للسيرين إلى اثنين فقط.

تتطلب هذه الخطط قدراً هائلاً من الهندسة. إذ يبلغ طول جينوم البكتيريا الإشريكية القولونية نحو 4 ملايين قاعدة، ويظهر كل نوع من الكودونات في آلاف الأماكن المختلفة على طوله. ولإجراء هذا العدد الكبير من التغييرات، يتعين على الباحثين بناء جينومات كاملة من الصفر.

إنجازات ناجحة

كشف فريق مجلس البحوث الطبية عن أول إنجاز ناجح له في عام 2019: نسخة من البكتيريا الإشريكية القولونية تحتوي على 61 كودوناً فقط، وأطلقوا عليها اسم «سين 61 - Syn61». وقد شجعتهم قدرتها على البقاء على قيد الحياة من دون ثلاثة كودونات على تقليص شفرتها الوراثية بصورة أكبر.

وقال الدكتور روبرتسون: «كنا متحمسين لمعرفة إلى أي مدى يمكننا تبسيط الشفرة الوراثية».

ثم شرع هو وزملاؤه في إنشاء «Syn 57»، وهي نسخة من البكتيريا الإشريكية القولونية تحتوي على 57 كودوناً فقط. ودخلوا في سباق مع الدكتور نيرجيس وزملائه في جامعة هارفارد، الذين كانوا يحاولون بالفعل بلوغ الهدف نفسه.

بالنسبة إلى «Syn 61»، عدّل الباحثون أكثر من 18 ألف كودون في جينوم البكتيريا الإشريكية القولونية. ولكي يتمكنوا من إنشاء «Syn 57»، كان عليهم تغيير أكثر من 100 ألف كودون. اختبروا هذه التغييرات عن طريق صنع أجزاء صغيرة من ال‍حمض النووي ومراقبة مدى قدرة الميكروبات على قراءتها.

ولم تسبب بعض التغييرات أي مشاكل، لكن تغييرات أخرى سببت ضرراً مدمراً. على سبيل المثال، تمتلك البكتيريا جينات معينة تتداخل، وقد يؤدي تغيير الكودون في أحدها إلى تحطيم تسلسل الآخر عن طريق الخطأ.

وبلمحة خاطفة، اكتشف الباحثون كيفية إصلاح الحمض النووي المُعدّل. وأخيراً، أعلن الباحثون أنهم نجحوا في ذلك، حيث أنشأوا «Syn 57».

يقول الدكتور يوناتان شيملا، عالم الأحياء الاصطناعية في «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا»، الذي لم يُشارك في الدراسة: «إنه لأمر مذهل أن يتمكنوا من تحقيق هذا الهدف. إنها رحلة تتطلب جهداً تقنياً كبيراً».

لا شك أن «Syn 57» لا يزال على قيد الحياة، لكن بالكاد. عادة ما تستغرق البكتيريا الإشريكية القولونية ساعة واحدة لمضاعفة أعدادها؛ في حين يحتاج «Syn 57» إلى أربع ساعات كاملة. وقال الدكتور شيملا: «إنه ضعيف للغاية».

يباشر الدكتور روبرتسون وزملاؤه الآن العمل على تحسين «Syn 57» لمعرفة ما إذا كان بوسعهم الإسراع من نموه. وإذا نجحوا في ذلك، فربما يتمكن علماء آخرون من هندسته للقيام بأعمال مفيدة لا تستطيع الميكروبات العادية القيام بها.

شفرات مبرمجة لصنع الأدوية

جنباً إلى جنب مع الأحماض الأمينية العشرين التي تستخدمها خلايانا لإنتاج البروتينات، يمكن للكيميائيين خلق مئات الأحماض الأمينية الأخرى. قد يكون من الممكن إعادة برمجة «Syn 57»، بحيث تُشفّر الكودونات السبعة المفقودة أحماضاً أمينية غير طبيعية، ما من شأنه أن يُمكّن البكتيريا من صنع أنواع جديدة من الأدوية أو غير ذلك من الجزيئات المفيدة.

قد يساعد «Syn 57» العلماء أيضاً على معالجة المخاطر المحتملة التي قد تنشأ في حالة إطلاق الميكروبات المُعدّلة في البيئة. وقد حقق علماء الأحياء المجهرية منذ فترة طويلة في كيفية تناول الميكروبات للبلاستيك أو اكتشاف الملوثات في الأرض.

كما تسمح كائنات حية مثل «Syn 57» للعلماء بحل لغز الشفرة الوراثية. ففي عام 1968، رسم الدكتور فرانسيس كريك، عالم الأحياء الحائز على جائزة نوبل، فرضيتين متعارضتين لتفسير سبب كونها زائدة عن الحاجة وعالمية في آن واحد.

كان أحد الاحتمالات المطروحة أن الشفرة الوراثية التي تتألف من 64 كودوناً تحظى ببعض المزايا الخفية على أي ترتيب آخر. وعندما تطورت على الأرض في بداياتها المبكرة، فضّلها الانتقاء الطبيعي حتى تفوقت على جميع الترتيبات الأخرى.

لكن الدكتور كريك كان يميل إلى تفسير ثانٍ: الشفرة الوراثية كانت نتيجة للصدفة إلى حد كبير. وقد تكهن بأن الطفرات تسببت في تشفير بعض الكودونات لأحماض أمينية معينة. ومع توسع أشكال الحياة المبكرة في الشفرة الوراثية، فإنها كانت قادرة على بناء بروتينات أكثر تعقيداً. غير أن التطور ربط الكودونات بالأحماض الأمينية بصفة عشوائية.

بمجرد أن تصبح البروتينات كبيرة ومعقدة، لا يمكن للشفرة الوراثية أن تتطور أكثر من ذلك؛ وأي طفرة قد تتغير سوف تنتج الكثير من البروتينات المعيبة. وقد وصف الدكتور كريك هذا السيناريو بأنه «حادث مُجمّد».

وقال الدكتور روبرتسون إن قدرة «Syn 57» على البقاء على قيد الحياة من دون سبعة كودونات قادته إلى تفضيل نظرية كريك عن الحوادث المجمدة.

• خدمة «نيويورك تايمز».


مقالات ذات صلة

صحتك سكري الحمل يمكن أن يؤدي إلى نمو مفرط للطفل... لذا أهمية المتابعة المستمرة له لوقاية الأطفال من تداعيات مستقبلية (بيكسباي)

دراسة: المتابعة المستمرة لسكري الحمل يمكنها وقاية الأطفال من تداعيات مستقبلية

أظهرت بيانات من تجربة جديدة أنه يمكن للنساء اللاتي يصبن بالسكري المرتبط بالحمل أن يقللن من احتمالات إنجاب مولود جديد بوزن أعلى من المتوسط عند الولادة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك تأخذ النساء في أول فحص منزلي للكشف عن فيروس الورم الحليمي البشري «إتش بي في» مسحة مهبلية لتتجنب بذلك الفحص التقليدي باستخدام منظار المهبل في العيادة وترسلها لإجراء الفحص (بيكسباي)

فحص منزلي جديد للكشف عن سرطان عنق الرحم لتجنب الفحوص المزعجة في عيادات الأطباء

بات بإمكان النساء المعرضات لخطر متوسط ​​للإصابة بسرطان عنق الرحم، تجنب الفحوص المزعجة في عيادات الأطباء، وإجراء فحص منزلي آمن للكشف عن الفيروس المسبب للمرض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك بفضل مضادات الأكسدة القوية التي يحتوي عليها، خاصة الأنثوسيانين والفلافونويد، قد يُساعد الكركديه على تقليل الالتهاب وحماية خلايا البروستاتا من التلف (بيكسباي)

اكتشف فوائد الكركديه وتأثيره على صحة البروستاتا

تعود قيمة الكركديه الغذائية إلى احتوائه على فيتامين «سي» ومعادن مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم، إضافة إلى مركبات مضادة للأكسدة تعزز فائدته الصحية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي... هل يصبح الطبيب المفضل لدى المرضى الأميركيين؟

الذكاء الاصطناعي... هل يصبح الطبيب المفضل لدى المرضى الأميركيين؟

أصيبت مولي كير، وهي فتاة نيويوركية تبلغ من العمر 26 عاماً وتقيم في لندن بالانزعاج، هذا الصيف عندما أظهرت فحوصات دمها وجود اختلالات هرمونية، كما كتبت ماغي أستور…

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟
TT

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

هل يمكن لنظم الذكاء الاصطناعي التكيف مع ثقافات متعددة؟

في سباق محتدم لنشر نماذج اللغات الكبيرة والذكاء الاصطناعي التوليدي في الأسواق العالمية، تفترض العديد من الشركات أن «النموذج الإنجليزي ← المترجم» كافٍ لذلك.

اللغة- ثقافة وأعراف

ولكن إذا كنتَ مسؤولاً تنفيذياً أميركياً تستعد للتوسع في آسيا أو أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا، فقد يكون هذا الافتراض أكبر نقطة ضعف لديك. ففي تلك المناطق، ليست اللغة مجرد تفصيل في التغليف: إنها الثقافة والأعراف والقيم ومنطق العمل، كلها مُدمجة في شيء واحد.

وإذا لم يُبدّل نظام الذكاء الاصطناعي الخاص بك تسلسل رموزه الكمبيوترية فلن يكون أداؤه ضعيفاً فحسب؛ بل قد يُسيء التفسير أو يُسيء المواءمة مع الوضع الجديد أو يُسيء خدمة سوقك الجديدة.

الفجوة بين التعدد اللغوي والثقافي في برامج الدردشة الذكية

لا تزال معظم النماذج الرئيسية مُدربة بشكل أساسي على مجموعات النصوص باللغة الإنجليزية، وهذا يُسبب عيباً مزدوجاً عند نشرها بلغات أخرى. وعلى سبيل المثال، وجدت دراسة أن اللغات غير الإنجليزية والمعقدة لغويا غالباً ما تتطلب رموزاً أكثر (وبالتالي تكلفةً وحساباً) لكل وحدة نصية بمقدار 3-5 أضعاف مقارنةً باللغة الإنجليزية.

ووجدت ورقة بحثية أخرى أن نحو 1.5 مليار شخص يتحدثون لغات منخفضة الموارد يواجهون تكلفة أعلى وأداءً أسوأ عند استخدام نماذج اللغة الإنجليزية السائدة.

والنتيجة: قد يتعثر نموذج يعمل جيداً للمستخدمين الأميركيين، عند عمله في الهند أو الخليج العربي أو جنوب شرق آسيا، ليس لأن مشكلة العمل أصعب، ولكن لأن النظام يفتقر إلى البنية التحتية الثقافية واللغوية اللازمة للتعامل معها.

«ميسترال سابا» نظام الذكاء الاصطناعي الفرنسي مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا

مثال «ميسترال سابا» الإقليمي جدير بالذكر

لنأخذ نموذج «ميسترال سابا» (Mistral Saba)، الذي أطلقته شركة ميسترال للذكاء الاصطناعي الفرنسية كنموذج مصمم خصيصاً للغات العربية وجنوب آسيا (التاميلية والمالايالامية... إلخ). تشيد «ميسترال» بأن «(سابا) يوفر استجابات أكثر دقة وملاءمة من النماذج التي يبلغ حجمها 5 أضعاف» عند استخدامه في تلك المناطق. لكن أداءه أيضاً أقل من المتوقع في معايير اللغة الإنجليزية.

وهذه هي النقطة المهمة: السياق أهم من الحجم. قد يكون النموذج أصغر حجماً ولكنه أذكى بكثير بالنسبة لمكانه.

بالنسبة لشركة أميركية تدخل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أو سوق جنوب آسيا، هذا يعني أن استراتيجيتك «العالمية» للذكاء الاصطناعي ليست عالمية ما لم تحترم اللغات والمصطلحات واللوائح والسياق المحلي.

تكاليف الرموز والتحيز اللغوي

من منظور الأعمال، تُعدّ التفاصيل التقنية للترميز أمراً بالغ الأهمية. تشير مقالة حديثة إلى أن تكاليف الاستدلال في اللغة الصينية قد تكون ضعف تكلفة اللغة الإنجليزية، بينما بالنسبة للغات مثل الشان أو البورمية، يمكن أن يصل تضخم عدد الرموز إلى 15 ضعفاً.

هذا يعني أنه إذا استخدم نموذجك ترميزاً قائماً على اللغة الإنجليزية ونشرتَه في أسواق غير إنجليزية، فإن تكلفة الاستخدام سترتفع بشكل كبير، أو تنخفض الجودة بسبب تقليل الرموز. ولأن مجموعة التدريب الخاصة بك كانت تركز بشكل كبير على اللغة الإنجليزية، فقد يفتقر «نموذجك الأساسي» إلى العمق الدلالي في لغات أخرى.

أضف إلى هذا المزيج اختلافات الثقافة والمعايير: النبرة، والمراجع، وممارسات العمل، والافتراضات الثقافية، وما إلى ذلك، وستصل إلى مجموعة تنافسية مختلفة تماماً: ليس «هل كنا دقيقين» بل «هل كنا ملائمين».

التوسع في الخارج

لماذا يهم هذا الأمر المديرين التنفيذيين الذين يتوسعون في الخارج؟

إذا كنت تقود شركة أميركية أو توسّع نطاق شركة ناشئة في الأسواق الدولية، فإليك ثلاثة آثار:

-اختيار النموذج ليس حلاً واحداً يناسب الجميع: قد تحتاج إلى نموذج إقليمي أو طبقة ضبط دقيقة متخصصة، وليس فقط أكبر نموذج إنجليزي يمكنك ترخيصه.

-يختلف هيكل التكلفة باختلاف اللغة والمنطقة: فتضخم الرموز وعدم كفاءة الترميز يعنيان أن تكلفة الوحدة في الأسواق غير الإنجليزية ستكون أعلى على الأرجح، ما لم تخطط لذلك.

-مخاطر العلامة التجارية وتجربة المستخدم ثقافية: فبرنامج الدردشة الآلي الذي يسيء فهم السياق المحلي الأساسي (مثل التقويم الديني، والمصطلحات المحلية، والمعايير التنظيمية) سيُضعف الثقة بشكل أسرع من الاستجابة البطيئة.

بناء استراتيجية ذكاء اصطناعي متعددة اللغات واعية ثقافياً

للمديرين التنفيذيين الجاهزين للبيع والخدمة والعمل في الأسواق العالمية، إليكم خطوات عملية:

• حدّد اللغات والأسواق كميزات من الدرجة الأولى. قبل اختيار نموذجك الأكبر، اذكر أسواقك ولغاتك ومعاييرك المحلية وأولويات عملك. إذا كانت اللغات العربية أو الهندية أو الملايوية أو التايلاندية مهمة، فلا تتعامل معها كـ«ترجمات» بل كحالات استخدام من الدرجة الأولى.

• فكّر في النماذج الإقليمية أو النشر المشترك. قد يتعامل نموذج مثل «Mistral Saba» مع المحتوى العربي بتكلفة أقل ودقة أكبر وبأسلوب أصلي أكثر من نموذج إنجليزي عام مُعدّل بدقة.

• خطط لتضخم تكلفة الرموز. استخدم أدوات مقارنة الأسعار. قد تبلغ تكلفة النموذج في الولايات المتحدة «س» دولاراً أميركياً لكل مليون رمز، ولكن إذا كان النشر تركياً أو تايلاندياً، فقد تكون التكلفة الفعلية ضعف ذلك أو أكثر.

• لا تحسّن اللغة فقط، بل الثقافة ومنطق العمل أيضاً. لا ينبغي أن تقتصر مجموعات البيانات المحلية على اللغة فحسب، بل ينبغي أن تشمل السياق الإقليمي: اللوائح، وعادات الأعمال، والمصطلحات الاصطلاحية، وأطر المخاطر.

صمم بهدف التبديل والتقييم النشطين. لا تفترض أن نموذجك العالمي سيعمل محلياً. انشر اختبارات تجريبية، وقيّم النموذج بناءً على معايير محلية، واختبر قبول المستخدمين، وأدرج الحوكمة المحلية في عملية الطرح.

المنظور الأخلاقي والاستراتيجية الأوسع

عندما تُفضّل نماذج الذكاء الاصطناعي المعايير الإنجليزية والناطقة بالإنجليزية، فإننا نُخاطر بتعزيز الهيمنة الثقافية.

كمسؤولين تنفيذيين، من المغري التفكير «سنترجم لاحقاً». لكن الترجمة وحدها لا تُعالج تضخم القيمة الرمزية، وعدم التوافق الدلالي، وعدم الأهمية الثقافية. يكمن التحدي الحقيقي في جعل الذكاء الاصطناعي مُتجذراً محلياً وقابلاً للتوسع عالمياً.

إذا كنت تُراهن على الذكاء الاصطناعي التوليدي لدعم توسعك في أسواق جديدة، فلا تُعامل اللغة كحاشية هامشية. فاللغة بنية تحتية، والطلاقة الثقافية ميزة تنافسية. أما التكاليف الرمزية وتفاوتات الأداء فليست تقنية فحسب، بل إنها استراتيجية.

في عالم الذكاء الاصطناعي، كانت اللغة الإنجليزية هي الطريق الأقل مقاومة. ولكن ما هي حدود نموك التالية؟ قد يتطلب الأمر لغةً وثقافةً وهياكل تكلفة تُمثل عوامل تمييز أكثر منها عقبات.

اختر نموذجك ولغاتك واستراتيجية طرحك، لا بناءً على عدد المعاملات، بل على مدى فهمه لسوقك. إن لم تفعل، فلن تتخلف في الأداء فحسب، بل ستتخلف أيضاً في المصداقية والأهمية.

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».


الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
TT

الذكاء الاصطناعي... نجم المؤتمر السنوي لطب الأسنان في نيويورك

آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي
آلاف المشاركين وشركات تعرض أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي

في مدينةٍ لا تهدأ، وتحديداً في مركز «جاڤِتس» على ضفاف نهر هدسون، اختتمت أمس أعمال اجتماعات نيويورك السنوية لطبّ الأسنان، التي استمرت 5 أيام، أحد أكبر التجمعات العالمية للمهنة، بمشاركة نحو 50 ألف طبيب وخبير من أكثر من 150 دولة.

لم يكن الحدث مجرد مؤتمر، بل منصّة حيّة لمستقبل طبّ الأسنان؛ فبين أروقته تتقدّم التكنولوجيا بخطى ثابتة: من الروبوتات الجراحية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على قراءة الأشعة في ثوانٍ، وصولاً إلى تجارب التجديد الحيوي التي قد تغيّر شكل العلاج خلال سنوات قليلة.

الذكاء الاصطناعي نجم المؤتمر بلا منافس

كان الذكاء الاصطناعي العنوان الأبرز لهذا العام، إذ جاء المؤتمر في لحظةٍ تتسارع فيها التحوّلات العلمية بسرعة تفوق قدرة المناهج التقليدية على مواكبتها. وقد برزت تقنيات محورية: أنظمة تحليل الأشعة الفورية، والمساعد السريري الذكي، والتخطيط الرقمي للابتسامة. وعلى امتداد القاعات، كان واضحاً أن هذه التقنيات لم تعد تجارب مختبرية، بل هي حلول جاهزة تغيّر طريقة ممارسة المهنة أمام أعيننا.

الروبوتات تدخل غرفة العمليات

شكّلت الجراحة الروبوتية محوراً لافتاً هذا العام، بعد أن عرضت شركات متخصصة أنظمة دقيقة تعتمد على بيانات الأشعة ثلاثية الأبعاد وتتكيف لحظياً مع حاجة الإجراء. وقد أظهرت العروض قدرة هذه الروبوتات على تنفيذ خطوات معقدة بثباتٍ يفوق اليد البشرية، مع تقليل هامش الخطأ ورفع مستوى الأمان الجراحي.

التجديد الحيوي... من الخيال إلى التجربة

عرضت جامعات نيويورك وكورنيل أبحاثاً حول بروتينات مثل «BMP-2»، وهو بروتين ينشّط نمو العظم، و«FGF-2» عامل يساعد الخلايا على الانقسام والتئام الأنسجة خصوصاً الألياف، إلى جانب تقنيات الخلايا الجذعية لإحياء الهياكل الدقيقة للسن.

في حديث مباشر مع «الشرق الأوسط»

وأثناء جولة «الشرق الأوسط» في معرض اجتماع نيويورك لطبّ الأسنان، التقت الدكتورة لورنا فلامر–كالديرا، الرئيس المنتخب لاجتماع نيويورك الكبرى لطب الأسنان، التي أكدت أنّ طبّ الأسنان يشهد «أكبر تحوّل منذ ثلاثة عقود»، مشيرة إلى أنّ المملكة العربية السعودية أصبحت جزءاً فاعلاً في هذا التحوّل العالمي.

وأضافت الدكتورة لورنا، خلال حديثها مع الصحيفة في أروقة المؤتمر، أنّ اجتماع نيويورك «يتطلّع إلى بناء شراكات متقدمة مع جهات في السعودية، أسوة بالتعاون القائم مع الإمارات ومؤسسة (إندكس) وجهات دولية أخرى»، موضحة أنّ هناك «فرصاً واسعة للتعاون البحثي والتعليمي في مجالات الزراعة الرقمية والذكاء الاصطناعي والعلاجات المتقدمة»، وأن هذا التوجّه ينسجم بطبيعة الحال مع طموحات «رؤية السعودية 2030».

العرب في قلب الحدث

شارك وفود من السعودية والإمارات وقطر والكويت والبحرين ومصر والعراق في جلسات متقدمة حول الذكاء الاصطناعي والزراعة الرقمية، وكان حضور الوفود لافتاً في النقاشات العلمية، ما عكس الدور المتنامي للمنطقة في تشكيل مستقبل طبّ الأسنان عالمياً.

نيويورك... حيث يبدأ الغد

منذ بدايات اجتماع نيويورك قبل أكثر من قرن، بقيت المدينة مرآةً لتحوّلات المهنة ومختبراً مفتوحاً للمستقبل. وعلى امتداد 5 أيام من الجلسات والمحاضرات والورش العلمية، رسّخ اجتماع نيويورك السنوي مكانته كأكبر تجمع عالمي لطبّ الأسنان، وكمنصّة تُختبر فيها التقنيات التي ستعيد رسم ملامح المهنة في السنوات المقبلة. كما يقول ويليام جيمس، مؤسس الفلسفة البراغماتية الأميركية، إنّ أميركا ليست مكاناً، بل تجربة في صناعة المستقبل... وفي نيويورك تحديداً، يبدو مستقبل طبّ الأسنان قد بدأ بالفعل.


دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
TT

دراسة لـ«ناسا» تظهر التأثير السلبي للأقمار الاصطناعية على عمل التلسكوبات الفضائية

تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)
تلسكوب «هابل» الفضائي (أرشيفية - رويترز)

أدت الزيادة الكبيرة في أعداد الأقمار الاصطناعية المتمركزة في مدار منخفض حول الأرض إلى تطورات في مجال الاتصالات، منها توفير خدمات النطاق العريض في المناطق الريفية والنائية في أنحاء العالم.

لكنها تسببت أيضا في زيادة حادة في التلوث الضوئي في الفضاء، ما يشكل تهديدا لعمل المراصد الفلكية المدارية. وتشير دراسة جديدة أجرتها إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) وتركز على أربعة تلسكوبات فضائية، منها تلسكوبان يعملان حاليا وآخران يجري العمل عليهما، إلى أن نسبة كبيرة من الصور التي سيجري التقاطها بواسطة هذه المراصد على مدى العقد المقبل قد تتأثر بالضوء المنبعث أو المنعكس من الأقمار الاصطناعية التي تشترك معها في المدار المنخفض.

وخلص الباحثون إلى أن نحو 40 بالمئة من الصور التي يلتقطها تلسكوب «هابل» الفضائي ونحو 96 بالمئة من تلك التي يلتقطها مرصد «سفير إكس»، يمكن أن تتأثر بضوء الأقمار الاصطناعية. وقال الباحثون إن «هابل» سيكون أقل تأثرا بسبب مجال رؤيته الضيق.

والتلسكوبات المدارية عنصر أساسي في استكشاف الفضاء، نظرا لما تمتلكه من قدرة على رصد نطاق أوسع من الطيف الكهرومغناطيسي مقارنة بالتلسكوبات الأرضية، كما أن غياب التداخل مع العوامل الجوية يمكنها من التقاط صور أكثر وضوحا للكون، مما يتيح التصوير المباشر للمجرات البعيدة أو الكواكب خارج نظامنا الشمسي.

وقال أليخاندرو بورلاف، وهو عالم فلك من مركز أميس للأبحاث التابع لوكالة ناسا في كاليفورنيا وقائد الدراسة التي نشرت في مجلة نيتشر «في حين أن معظم تلوث الضوء حتى الآن صادر من المدن والمركبات، فإن زيادة مجموعات الأقمار الاصطناعية للاتصالات بدأ يؤثر بوتيرة أسرع على المراصد الفلكية في جميع أنحاء العالم».

وأضاف «في الوقت الذي ترصد فيه التلسكوبات الكون في مسعى لاستكشاف المجرات والكواكب والكويكبات البعيدة، تعترض الأقمار الاصطناعية في كثير من الأحيان مجال الرؤية أمام عدساتها، تاركة آثارا ضوئية ساطعة تمحو الإشارة الخافتة التي نستقبلها من الكون. كانت هذه مشكلة شائعة في التلسكوبات الأرضية. ولكن، كان يعتقد، قبل الآن، أن التلسكوبات الفضائية، الأكثر كلفة والمتمركزة في مواقع مراقبة مميزة في الفضاء، خالية تقريبا من التلوث الضوئي الناتج عن أنشطة الإنسان».

وفي 2019، كان هناك نحو ألفي قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض. ويبلغ العدد الآن نحو 15 ألف قمر. وقال بورلاف إن المقترحات المقدمة من قطاع الفضاء تتوقع تمركز نحو 650 ألف قمر اصطناعي في مدار أرضي منخفض خلال العقد المقبل.