عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، صدر كتاب «ما لا يستغني عنه المريد» للباحث أشرف الجمّال الذي يتناول موضوعاً مثيراً للاهتمام والجدل من زاوية موضوعية تبدو أقرب إلى التأمل الهادئ الرصين، بعيداً عن المبالغات أو الأقاويل المرسلة التي لا يقوم عليها دليل.
ويشير المؤلف إلى أن التصوف طريقة روحية في القصد إلى معرفة الله والسير إليه والقيام بحقوق العبودية تجاه الخالق، كما أنه مدرسة سلوكية تربوية وليس فرقة كلامية أو فقهية أو مذهبية. والأصل أن المتصوفة هم عباد الله المنقطعون إليه سبحانه، العاكفون على عبادته، والمعرضون عن زخارف الدنيا وأعراضها الزائلة والزاهدون، بينما يقبل عليه أهل الحس من شهوات النفس وهواها، والمنفردون عن الخلق بالخلوة والعزلة للتعبد والذكر والفكر.
ولا يُقصد بالخلوة والعزلة البعد عن الناس أو اعتزالهم، أو ترك مهام العمل وعمارة الأرض، وإنما اعتزال مرادات النفس وشهواتها واجتناب ما حرم الله ورسوله، فالمتصوفة بين الناس بأجسامهم وفي معية الله بأحوالهم وسلوكهم.
ويؤكد المؤلف أن التصوف علم وتجربة وذوق، هو علم من حيث أصوله واصطلاحه ومناهج بحثه، كما أنه خبرة روحية تكتسب بالرياضة والمجاهدة وصحبة الشيوخ والتلقي عن العارفين، ولكن هذا العلم وحده لا ينهض بتجربة الصوفي ويرتقي به معارج المقامات ما لم يصحبه ذوق ويؤازره كشف.
ويتوقف طويلاً عند ثنائية «الشيخ والمريد» في عالم التصوف، مشيراً إلى أن من درس التصوف، وإن علا قدر علمه لا ترتقي روحه، إلا بعد أن يتلقى العلم عن شيخه المربي أو يكون بصحبة ولي صالح، ولهذا اشترط الصوفية وجود الشيخ المربي لأنه بمثابة الدليل والمرشد في الطريق الروحاني، وهو أيضاً محل مراجعة المريد، بحيث لا يكون الأخير مرجعية نفسه، فلا علم يكون صاحبه هو مرجعه، لأن ذلك يجعل المريد القاصد محل إظهار التلبيس والتلوين ومداخلات النفس والهوى والشيطان لذلك قالوا: «من لا شيخ له فالشيطان شيخه».
ويرد المؤلف على تساؤل شهير هو «ما الحاجة إلى الشيخ في عالم التصوف، ولماذا لا يكتفي المريد بنفسه؟»، موضحاً أن من ارتضى أن يكون هو نفسه معياراً في العلم ومرجعاً في المعرفة أمام نفسه، بلا توقيف أو مراجعة من طرف آخر، وقع في أخطاء الفهم وسقط في محاذير المعرفة بسبب خبرته الذاتية المحدودة وقيود فهمه، على نحو لا يأمن معه الزلل أو الخطأ.
ويورد المؤلف شذرات من أقول مشاهير المتصوفة عن شخصية المريد ومنهم إبراهيم الدسوقي الذي يقول: «المريد هو ولد القلب وولد القلب خير من ولد الصلب، فالأول يرث الباطن من السر والثاني يرث الظاهر من الميراث». وقال الإمام أبو حامد الغزالي: «الدخول مع الصوفية فرض عين، إذ لا يخلو أحد من عيب أو مرض إلا الأنبياء عليهم السلام»، كما قال أيضاً: «مما يجب في حق سالك طريق الحق أن يكون له مرشد ومربٍ ليدله على الطريق ويرفع عنه الأخلاق المذمومة ويضع مكانها الأخلاق المحمودة».
ومعنى التربية أن يكون المربي أو الشيخ كالزارع الذي يرعى الزرع، فكلما رأى حجراً أو نباتاً مضراً بالزرع قلعه وطرحه خارجاً، كما أن عليه أن يسقي الزرع مراراً إلى أن ينمو ويتربى ليكون أحسن من غيره.
