احتدام المعارك بين الجيش السوداني و«الدعم السريع» في كردفان

«القوة المشتركة» تتحدث عن اختراق كبير في محور «أم صميمة»

دمار لحق بـ«مستشفى الفاشر» إثر معارك سابقة (من صفحة حاكم إقليم دارفور على «فيسبوك»)
دمار لحق بـ«مستشفى الفاشر» إثر معارك سابقة (من صفحة حاكم إقليم دارفور على «فيسبوك»)
TT

احتدام المعارك بين الجيش السوداني و«الدعم السريع» في كردفان

دمار لحق بـ«مستشفى الفاشر» إثر معارك سابقة (من صفحة حاكم إقليم دارفور على «فيسبوك»)
دمار لحق بـ«مستشفى الفاشر» إثر معارك سابقة (من صفحة حاكم إقليم دارفور على «فيسبوك»)

تجددت اشتباكات عنيفة، يوم الجمعة، بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في جبهات عدة بولاية شمال كردفان، بعد أن شهدت الأيام الماضية انخفاضاً في وتيرة المواجهات. وفي حين تقول «القوة المشتركة»، التي تقاتل في صفوف الجيش، إنها أحرزت تقدماً كبيراً في منطقة أم صميمة، تنفي «قوات الدعم السريع» تلك المزاعم.

وفاجأ الجيش والقوات المساندة له، في وقت باكر من صباح الجمعة، «قوات الدعم السريع» بهجوم واسع على منطقتي العيارة وأم صميمة، غرب مدينة الأُبيّض، أكبر مدن إقليم كردفان، وتمكن خلاله من إحراز بعض التقدم في تلك المحاور لأول مرة منذ أسابيع.

وتُعد بلدة أم صميمة أحد أبرز أهداف الجيش في هذا القطاع من جبهة كردفان، وبوابة للتوغل لاستعادة مدينة الخوي.

وقالت القوة المشتركة المتحالفة مع الجيش، في بيان على صفحتها الرسمية على «فيسبوك»، «إن العمليات العسكرية الجارية في محور كردفان تسير وفقاً للخطط الموضوعة، وإن الميدان يشهد تنفيذاً دقيقاً لما تم التحضير له بعزيمة وإصرار».

وتعتمد المعارك التي تدور حالياً بين الجانبين في أكثر من جبهة بالإقليم على عمليات الكر والفر.

وتخضع الخوي، كبرى بلدات غرب كردفان، منذ أشهر لسيطرة «قوات الدعم السريع»، في حين يخوض الجيش معارك عنيفة لاستعادتها وفتح الطريق نحو شمال إقليم دارفور، بهدف فك الحصار عن مدينة الفاشر.

وبينما تركز قوات الجيش على استعادة المناطق التي خسرتها في شمال كردفان، تحاول «قوات الدعم السريع» فتح جبهة مدينة الأُبيّض، وهو ما يجبر الجيش على التراجع وتحريك قواته لحماية المدينة من السقوط.

ولم يعلن الجيش رسمياً توغل قواته التي تحظى بدعم كبير من تحالف الفصائل المسلحة الدارفورية، في منطقة أم صميمة.

صورة جوية تُظهر تصاعد الدخان من مخيم زمزم قرب مدينة الفاشر بدارفور أبريل الماضي (أ.ف.ب)

وعلى صعيد تلك التطورات الميدانية، قال حاكم إقليم دارفور، رئيس «حركة جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي: «إن الجيش والقوات المساندة له سطروا ملحمة جديدة في محور كردفان». وأضاف في تدوينة على «فيسبوك»: «إن السودان بشعبه وجيشه ومقاومته قادر على دحر الميليشيات ومرتزقتها واستعادة سيادته وعزته».

كما نشرت منصات إعلامية تابعة للقوة المشتركة مقاطع فيديو، قالت إنها لقواتها أثناء التقدم في منطقة أم صميمة.

وتظهر التسجيلات المصورة عربات قتالية وأسلحة تابعة لــ«قوات الدعم السريع» تم الاستيلاء عليها عقب المواجهات التي جرت هناك.

وبعد أشهر من التراجع على جبهة كردفان، وخسارة مناطق شاسعة، أطلق الجيش عمليات عسكرية واسعة النطاق، وتمكن من استرداد مدينة بارا في شمال الولاية من قبضة «قوات الدعم السريع» التي سيطرت عليها أكثر من عامين، في أكبر تقدم يحرزه الجيش بالإقليم الواقع في وسط غربي البلاد، منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023.

وبحسب القوة المشتركة، فإن قواتها حققت تقدماً ملحوظاً في عمق محاور المواجهات الدائرة حالياً في عدة مواقع من كردفان، بهدف تشتيت مواقع العدو وإلحاق أكبر قدر من الخسائر ونقل الحرب إلى دارفور.

وفي الفاشر، أعلنت «الفرقة السادسة مشاة» التابعة للجيش أن قواتها وفصائل متحالفة معها صدّت هجوماً شنّته «قوات الدعم السريع» على المدينة عبر محورين، مستخدمة قوات المشاة والمركبات القتالية.

وأضافت، في بيان على موقع «فيسبوك»، أن «قواتنا ردّت بعنف، وتكبّدت القوات المهاجمة خسائر فادحة في الأرواح والعتاد العسكري، وتدمير عدد من مركباتهم القتالية». وأشارت الفرقة إلى أن «قوات الدعم السريع» اعترضت عشرات من الأسر النازحة من الفاشر في طريقها إلى إحدى البلدات الآمنة في شمال الولاية.

ومنذ أيام، تواصل «قوات الدعم السريع» تقدمها في عدة محاور بالمدينة، وتتحدث عن سيطرتها على عدة مواقع عسكرية مهمة بالقرب من مقر الفرقة.

وتكثّف «قوات الدعم السريع» هجماتها بالمسيّرات والقصف المدفعي لاختراق الدفاعات حول المدينة، في الوقت نفسه تحرك قوات كبيرة على الأرض بهدف إسقاط القاعدة العسكرية الرئيسية الواقعة في وسط المدينة.

ومع استمرار القصف المدفعي والقتال العنيف في أطراف ووسط الفاشر، تتواصل موجات نزوح المواطنين إلى مناطق في منطقة «طويلة» شمال الولاية، في حين تقول «الدعم السريع» إنها توفر ممرات آمنة للفارين، وإعانتهم بالمواد الغذائية.


مقالات ذات صلة

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

تتقدم «قوات الدعم السريع» حثيثاً باتجاه بلدة «الطينة»، عند الحدود التشادية - السودانية، بعد أن أعلنت إكمال سيطرتها على بلدة «كرنوي»، صباح الخميس.

أحمد يونس (كمبالا)
أوروبا  وزيرة التنمية الألمانية ريم العبدلي رادوفان تتحدث في البرلمان الألماني (د.ب.أ) play-circle

ألمانيا تصف حرب السودان بـ«أسوأ أزمة إنسانية في العالم»

دعت وزيرة التنمية الألمانية ريم العبدلي رادوفان إلى تكثيف الجهود الدولية لإنهاء الصراع في السودان، واصفة إياه بأنه «أسوأ أزمة إنسانية في العالم».

«الشرق الأوسط» (برلين)
الرياضة صورة من حفل افتتاح كأس الأمم الأفريقية بالمغرب 21 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

سجلت المنتخبات العربية حضوراً لافتاً في المباريات الافتتاحية مؤكدة أنها تدخل المنافسة برؤية واضحة وثقة فنية تعكس تطور كرة القدم العربية على الساحة القارية.

كوثر وكيل (الرباط)
شمال افريقيا لاجئون سودانيون من دارفور يجلسون على الأرض أثناء عاصفة رملية في مخيم طولوم على مشارف بلدة إيريبا شرق تشاد - ٣٠ نوفمبر (رويترز)

«قوات الدعم السريع» تعلن سيطرتها على مناطق قرب الحدود التشادية

أعلنت «قوات الدعم السريع» الأربعاء إكمال سيطرتها على مناطق على الحدود مع تشاد في ولاية شمال دارفور.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا نهر النيل عند قناطر إسنا جنوب مصر (الشرق الأوسط)

«سد النهضة»: مصر تجدد رفضها التفريط في «أي قطرة» من مياه النيل

جددت مصر رفضها «التفريط في (أي قطرة) من مياه نهر النيل». وأكدت أنها «لن تتهاون في صون حقوقها المائية».

وليد عبد الرحمن (القاهرة )

مصر تُعوّل على تغليظ عقوبات «المخالفات المرورية» للحد من حوادث السيارات

الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)
الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)
TT

مصر تُعوّل على تغليظ عقوبات «المخالفات المرورية» للحد من حوادث السيارات

الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)
الحكومة المصرية تقر تعديلات على «قانون المرور» لتغليظ العقوبات على المخالفين (وزارة النقل المصرية)

تسعى مصر إلى الحد من حوادث السيارات عبر زيادة الغرامات وتغليظ العقوبات على المخالفات المرورية، وذلك من خلال تعديلات على بعض مواد «قانون المرور» أقرتها الحكومة تمهيداً لإحالتها إلى مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان).

ووافق مجلس الوزراء المصري، الأربعاء، على تعديلات لبعض أحكام «قانون المرور»، مؤكداً أنها تهدف «إلى تعزيز إجراءات الردع العام، والحد من حوادث الطرق والمواصلات العامة بوجه عام»، وذلك وفق بيان حكومي استعرض تفاصيل المواد التي جرى اقتراح تعديلها.

وبلغ عدد وفيات حوادث الطرق في مصر 5260 حالة خلال العام الماضي، مقابل 5861 حالة في عام 2023، مسجلاً انخفاضاً بنسبة 10.3 في المائة. في حين ارتفع عدد المصابين إلى نحو 76362 مصاباً، مقارنة بـ71016 مصاباً خلال العام الذي سبقه، بنسبة زيادة بلغت 7.5 في المائة، وذلك وفق إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادرة في مايو (أيار) الماضي.

ومن بين أبرز التعديلات التي أقرتها الحكومة تشديد العقوبات الخاصة بتسيير المركبات دون ترخيص أو بعد انتهاء الترخيص؛ حيث نصّت «على الضبط الإداري للمركبة، واستحقاق الضريبة السنوية كاملة عن فترة المخالفة، إلى جانب ضريبة إضافية تعادل ثلث الضريبة الأصلية، وذلك بحد أقصى 5 سنوات».

كما تم رفع قيمة الغرامات المفروضة على مخالفة مسارات السير، أو تجاوز السرعات المقررة، لتتراوح بين 2000 و10 آلاف جنيه (الدولار يساوي 47.5 جنيه في البنوك).

تطوير شبكة الطرق ليس كافياً للحد من حوادث السيارات في مصر (وزارة النقل المصرية)

ووصفت عضو لجنة «النقل والمواصلات» بمجلس النواب فريدة الشوباشي «التعديلات المقترحة بالإيجابية، في ظل الحاجة لترسيخ ثقافة الانضباط المروري التي تسمح بالحد من الحوادث».

وأضافت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الغرامات المالية الضئيلة في بعض المخالفات المرورية شجّعت كثيرين على التمادي في المخالفات، لافتة إلى أن بعض المخالفات التي يجري تحصيلها عن الحمولات الزائدة لسيارات النقل الثقيل، على سبيل المثال، أقل بكثير من الأضرار التي تسببها على الطرق، بالإضافة إلى خطورة الأمر من ناحية السلامة.

وشملت التعديلات التي أقرتها الحكومة «تغليظ العقوبات المتعلقة بتلويث الطرق أو قيادة مركبات تصدر أصواتاً مزعجة أو أدخنة كثيفة أو تحمل حمولات غير مؤمنة، لتبدأ العقوبة بغرامة مالية، وتتضاعف في حال تكرار المخالفة، مع سحب رخصة القيادة لمدة عام عند تكرارها للمرة الثالثة خلال المدد المحددة قانوناً».

كما نصت مواد أخرى على «الحبس أو الغرامة، أو الجمع بينهما، في حالات محددة مثل القيادة دون الحصول على رخصة تسيير أو رخصة قيادة، أو التلاعب باللوحات المعدنية، أو تعمد تعطيل حركة المرور، أو الاعتداء على أحد أفراد المرور أثناء تأدية عمله، مع مضاعفة العقوبة في حال تكرار المخالفة»، وفق بيان صادر عن مجلس الوزراء المصري الأربعاء.

وأكد مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع الشرطة المتخصصة، مدحت قريطم، لـ«الشرق الأوسط»، أن التعديلات جاءت استجابة لدراسات أجرتها وزارة الداخلية خلال الفترة الماضية، مشيراً إلى أنها ستُسهم حتماً، عند بدء تطبيقها، في الحد من الحوادث، لكنها لن تكون كافية ما لم تُستكمل بمنظومة متابعة شاملة لكل الجوانب المرتبطة بالمركبات، بما في ذلك رخص القيادة، ومدد عمل السيارات على الطرق، والفحص الدوري للتأكد من صلاحيتها للسير.

وتوقع قريطم أن يُجري البرلمان، خلال مناقشة القانون، تعديلات إضافية، في إطار التوجه نحو تغليظ العقوبات، عادّاً أن هذه التعديلات تُمثل «حلاً مؤقتاً» إلى حين إقرار قانون المرور الجديد، الذي جرى إعداده بالفعل، إلا أن إصداره تأخر لأسباب تتعلق بالبنية التكنولوجية الواجب توافرها التي شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات القليلة الماضية.

ونفّذت مصر خلال العقد الماضي «المشروع القومي للطرق» لتحسين جودتها، إلى جانب تدشين طرق جديدة. ووفق بيان سابق لوزارة النقل، فإن المشروع أدّى إلى وجود مصر في المركز الـ18 عالمياً العام الماضي بمؤشر جودة الطرق الصادر عن «المنتدى الاقتصادي العالمي»، بعدما كانت تحتل المركز الـ118 عام 2015.


تركيا تعِد ليبيا بتقرير كامل حول لغز سقوط «طائرة الحداد»

المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
TT

تركيا تعِد ليبيا بتقرير كامل حول لغز سقوط «طائرة الحداد»

المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)
المنفي مستقبلاً سفير تركيا لدى ليبيا غوفين بيجيتش والوفد المرافق له الخميس (المجلس الرئاسي الليبي)

نقلت السلطات التركية إلى سلطات غرب ليبيا، الخميس، تأكيدها أنها ستقدم «تقريراً كاملاً» حول لغز الطائرة المنكوبة التي كانت تقلّ رئيس الأركان العامة الفريق أول محمد الحداد، ورئيس أركان القوات البرية الفريق ركن الفيتوري غريبيل، وثلاثة من مرافقيهم، والتي سقطت بعد إقلاعها بقليل من تركيا، وتناثر حطامها في الأنحاء.

واستقبل محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، في مكتبه بالعاصمة طرابلس، الخميس، السفير التركي لدى ليبيا، غوفين بيجيتش، ووفداً مرافقاً له؛ وذلك لتقديم تعازي القيادة التركية إلى المنفي والشعب الليبي في الحادث الأليم الذي أودى بالفريق أول محمد الحداد ومرافقيهم.

ونقل مكتب المنفي أن السفير التركي أعرب عن «بالغ الأسى والتأثر لهذا الحدث المؤلم»، مؤكداً «مواصلة السلطات التركية التحقيقات في ملف الحادث، وتقديم تقرير كامل حولها بعد اكتمال التحقيقات الجارية».

الوفد التركي خلال زيارته للمنفي (المجلس الرئاسي الليبي)

وقال مصدر مقرب من المجلس الرئاسي لـ«الشرق الأوسط» إن جهات التحقيق الليبية والتركية تعمل معاً لكشف ملابسات سقوط الطائرة، وما يكتنف ذلك من غموض، لكنه أشار إلى أن «تأخر صدور نتائج عينات الحمض النووي ومطابقتها مع ذوي الضحايا تسبب في تأجيل تأبين الضحايا، الذي كان مقرراً ظهر الخميس في أنقرة»، لافتاً إلى أن أسرة الحداد غادرت تركيا، بعد انتهاء إجراءات عينات الحمض النووي، وهو ما أكدته وسائل إعلام محلية.

وأسفر الحادث أيضاً عن وفاة مدير جهاز التصنيع العسكري، العميد محمود القطيوي، إضافة إلى مستشار رئيس الأركان محمد العصاوي، والمصور بمكتب إعلام رئيس الأركان العامة محمد عمر أحمد محجوب.

وانضم وفد ليبي، الخميس، إلى جهات التحقيق العاملة في تركيا لفك لغز سقوط الطائرة، وقالت حكومة «الوحدة» إن وزير المواصلات دفع بوفد للمشاركة ومتابعة مستجدات التحقيق في الحادثة، وجمع البيانات والمعلومات الدقيقة، المتعلقة بخلفيات وملابسات الحادث. ونص القرار على أن يقدم الوفد تقريراً مفصلاً عن نتائج المهمة «بشكل عاجل فور العودة من انتهاء المهمة».

وقالت وزارة الداخلية بحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة إن اللجنة الليبية المشكّلة، والتي وصلت تركيا بعد الحادث بساعات، تباشر مهامها في التحقيق بالتعاون الكامل مع السلطات المختصة في جمهورية تركيا، وتبادل جميع المعلومات ذات الصلة بالحادث، مشيرة إلى أن فريق اللجنة يواصل العمل على استكمال الإجراءات اللازمة لنقل جثامين الشهداء إلى أرض الوطن، واتخاذ التدابير الفنية لأخذ عينات الحمض النووي (DNA) من الجثامين، ومقارنتها بعينات ذوي الشهداء وفق المعايير المعتمدة. ولفتت إلى أن مهام اللجنة تشمل كذلك مواصلة أعمال البحث والتحري عن حطام الطائرة، وذلك في إطار استكمال مجريات التحقيق والكشف عن ملابسات الحادث.

بدوره، قدم مجلس النواب التعزية في وفاة الحداد والفيتوري غريبيل ومرافقيهما، الذين توفوا في حادثة تحطم الطائرة.


سقوط طائرة الحداد يعمّق «نظرية المؤامرة» في الشارع الليبي

مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
TT

سقوط طائرة الحداد يعمّق «نظرية المؤامرة» في الشارع الليبي

مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)
مصرع الفريق محمد الحداد أثار الكثير من التساؤلات داخل الشارع الليبي (أ.ف.ب)

بينما تُسابق جهات التحقيق الزمن في تركيا لفك لغز الحادث، الذي أدى لسقوط الطائرة، التي كانت تقل الفريق محمد الحداد، رئيس أركان قوات غرب ليبيا ومرافقيه خلال رحلة العودة من أنقرة إلى طرابلس؛ أحيا هذا الحادث هاجس ونظريات «المؤامرة» في بلد يخنقه التشظي، وضاعف التساؤلات الحارقة التي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً.

فتح الجراح القديمة

نكأ الحادث - الذي ترك آثاره على جُلّ الليبيين - جراحاً ظن البعض أنها قد اندملت، تتعلق بعمليات «الاغتيالات الغامضة» التي تشهدها ليبيا منذ الانفلات الأمني، الذي واكب إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011. وذهب البعض إلى ربط بعضها برفض «وجود قوات أجنبية في ليبيا».

أجزاء من حطام الطائرة المنكوبة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ومع توجه البعض لطرح سيناريوهات مُتخيّلة لإسقاط الطائرة، عبّر محمد عمر بعيو، رئيس المؤسسة الليبية للإعلام التابعة للحكومة المكلفة من مجلس النواب، عن «فزعه» من المسارعة إلى تحليل الحادث الأليم أخذاً بنظرية المؤامرة، وقال إن هذا التسرّع «لا تفسير له؛ حيث ذهب البعض - ومنهم غير ليبيين - إلى عدّ الحادث جريمة اغتيال مدبرة، في ظل توزيع اتهام بإسقاط الطائرة وفق نظرية (فتش عن المستفيد) بين أطراف دولية ومحلية عديدة».

ودعا بعيو إلى «انتظار نتائج التحقيقات الرسمية في الحادث، وما ستعلنه تركيا رسمياً، وتفريغ محتويات (الصندوق الأسود لتظهر الحقيقة التي لن يكون في مقدور أحد إخفاؤها أو التهرب منها».

ولكثرة ما شهدته ليبيا من فواجع، بدا للبعض أن ليبيا بيئة بات يغيب عنها اليقين، وتتحكم فيها «الصفقات السرية»، إذ يتحول أي حدث ضخم إلى «مؤامرة مدبرة»، تفرضها أطراف خارجية أو خصوم في الداخل، ما يجعل الحقيقة الفنية أو الواقعية آخر ما يلتفت إليه الجمهور.

أحد أعضاء الفريق الليبي المكلف بالمساعدة في التحقيق (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

ويتداول ليبيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لـ«الرتب العسكرية» للفريقين الحداد، والفيتوري غريبيل رئيس أركان القوات البرية، التي عثرت عليها جهات التحقيق في موقع سقوط طائرة «داسو فالكون 50» الخاصة، بعد انطلاقها من أنقرة إلى طرابلس، ما أسفر عن مقتل الحداد، وغريبيل، وثلاثة آخرين.

«أرض الغموض»

لم تتمكن جهات التحقيق في ليبيا من فك الغموض، أو التوصّل إلى الحقيقة بشأن جرائم قتل واغتيالات عديدة ارتكبت خلال الـ14 عاماً الماضية في عموم البلاد، الأمر الذي دفع أكرم النجار، رئيس تحرير منصة «علاش» الليبية، إلى وصف بلده بأنه «أرض الغموض».

وقال النجار في تصريح صحافي: «هناك العديد من القصص التي طواها الكتمان والنسيان لأناس قضوا لأنهم كانوا ليبيين أكثر من اللازم؛ بعدما آمنوا بأن هناك أملاً لهذه الأرض وشعبها أن يعيشا حرين مستقلين».

ويرى النجار أن «ما كان يمكن إخفاؤه سابقاً لم يعد ممكناً اليوم في ظل انفتاح العالم؛ وقد تكون أشلاء الفريق الحداد ورفاقه بداية للكشف الذي يحتاج إليه هذا الشعب ليرى حجم مأساته، لعلّه يستيقظ من سباته، ويفهم أنه يفقد كل شيء ببطء وهدوء».

أجزاء من حطام الطائرة المنكوبة التي كانت تقل الحداد ورفاقه (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

وكلّف صلاح النمروش، رئيس أركان قوات غرب ليبيا، الفريق محمد موسى، آمر المنطقة العسكرية الوسطى، رئيساً لأركان القوات البرية خلفاً للراحل غريبيل. وكان محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، قد كلف النمروش برئاسة الأركان مؤقتاً خلفاً للحداد.

وقال عبد الحكيم معتوق، الكاتب الصحافي الليبي: «لا أومن بنظرية المؤامرة»، لكنه تساءل في المقابل: «كيف لقيادة عسكرية أن تُحرق في سماء دول أجنبية؟ وما علاقة الحادث باغتيال رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية في هجوم على ناقلة النفط قبالة السواحل الليبية؟»، مشيراً في هذا السياق إلى قرار البرلمان التركي تمديد وجود القوات التركية في قاعدة الوطية الجوية، وبقاء «المرتزقة» في قاعدة سيدي بلال البحرية. كما لفت إلى أن الحادث وقع في وقت «لاح فيه قبس للخروج من نفق مظلم بتفعيل المؤسسة العسكرية، من خلال المضي في تشكيل حكومة واحدة تشرف على الاستفتاء على الدستور، وإقامة انتخابات برلمانية ورئاسية».

ويعتقد المعتوق أن حادث الطائرة المنكوبة «هو آخر نداء لليبيين يقول لهم إنكم تجاوزتم مرحلة الخطر، وإذا لم تنهضوا وتتكاتفوا وتلملموا جراحكم، وتنسوا أطماعكم وأحقادكم وتصفية حساباتكم، فسوف يكون حتماً المسمار الأخير في نعش الأمة الليبية».

فرق البحث عن حطام الطائرة المنكوبة (وزارة الداخلية بغرب ليبيا)

من جهته، تحدث عيسى عبد القيوم، الكاتب الصحافي الليبي، عن اغتيال اللواء عبد الفتاح يونس، رئيس أركان الجيش الليبي السابق، الذي رفض تدخل «الناتو» في ليبيا عام 2011، وقال متسائلاً: «هل يحق لنا وضع فرضية أن مقتل الفريق محمد الحداد ورفاقه جاء أيضاً ضمن سياق رفضه الصريح لوجود الأجنبي؛ أو أنه القضاء والقدر؟».